قال نابليون ( حينما ينتهي قدري يمكن لنفحة ريح أو قشة أن تكسرني ) حكمة ، لكنَّ قول الله أحكم ( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ )التوبة 51 ، وعليه فمازال في العمر بقية لكتابة مقال . كنَّا قد افترضنا أنَّ التمزق الجنوبي ليست القيادات الفاشلة السبب فيه وحدها ، فالسبب يكمن في المجتمع ككل . وقدَّمنا في المقالات الثلاثة السابقة جزء من اثبات هذا الافتراض . وفي اتصال من الصديق الأستاذ أزال عمر الجاوي عبَّر عن اعجابه بالموضوع ، وقال : ما كتبته هو نفس المعنى ليوميات النقيب ، وأهداني نسخة منها .
وبعد قراءتي لها ؛ أيقنت أنَّ من لم يقرأها ولم يستوعبها لايمكن أن يقرأ ماكتبته في هذا الموضوع . ولذلك سأكتفي بما نشرته في توصيف المرحلة ، وأنصح الجميع بقراءتها وعددها (59 مقال) واتمنى على صحيفة عدن الغد إعادة نشرها ، ففيها الكفاية والسلاسة والمصداقية كون كاتبها حاضر على الأحداث ، ولأنَّها مُهِرت بيد ماهر لامثيل له اليوم . نسأل الله المغفرة والرحمة للمفكر الشيخ فضل النقيب .
وخلاصة ما كنت أريد قوله وقاله النقيب قبل عقدٍ ونيف (لقد تم تدمير البناء الاجتماعي للجنوب بين 1967-1994 ولن نستطيع العبور من مربع العجز إلى مربع القدرة إلَّا إذا ادركنا ماتعرَّضنا له من تدمير ، ثم بدأنا ببناء المجتمع من جديد حسب الأسس العقلية التي قامت عليها الأمم)
وفي إشارة من النقيب لخطة التدمير فقد ذكر أنَّ التخطيط تم قبل الاستقلال وهذا نص ماقاله { قبل استقلال عدن عام 1967 حين ذهب كل من علي سالم البيض وعبدالله الخامري إلى بكين سراً عن طريق تنزانيا وهناك قابلا (لين بياو) الذي نصحهما بتدمير كامل البنية والبناء اللذين سيخلفهما الإنجليز لأن في تلك البنية والبناء تكمن عوامل الردة و (بكتيريا) الثورة المضادة }
وحتى لايقول البعض أننا بالغنا في الطرح ، نضع السؤال التالي للجميع ، وعليهم البحث عن إجابته وهي كفيلة بإثبات صحة مانقوله ، مع الإشارة إلى أن النقيب أجاب على السؤال في يومياته بطريقة غير مباشرة .
والسؤال هو :- هل انتجت البيئة الجنوبية بعد 1967 شاعر أو أديب أو مفكر أو رجل دين أو فنان أو موسيقي أو صحفي أو سياسي ... الخ كالذين كانوا قبل 1967؟؟ مع التنبيه أن جرادة ودحان وعمر الجاوي والنقيب يرحمهم الله هم نتاج مرحلة ماقبل 1967 . والجواب في رأيي "لا" . وهذا عنوان الهدم وخلق مجتمع جديد بهوية جديدة الذي نعنيه .
فبرغم انتهاء سطوة النخبة التي أفسدت المجتمع الجنوبي في 1994 ، إلَّا أنَّ ما زرعته في عقول الشعب مازال هو القائد الموجه للجماهير .
فالتغذية العقلية التي زُرِعت خلال 27 سنة والتي تركزت على شيطنة بقية النخب ، واتهامها بالعمالة والبرجوازية والامبريالية والرجعية (العدو الوهمي) ، مازالت تؤثر على المجتمع حتى اليوم بطريقة مباشرة و غير مباشرة .
وهذا الوضع يعتبر وضع طبيعي ، حيث لايوجد ارتباط بين السيطرة على الأرض والسيطرة على العقول ، مثلاً خرج الاستعمار الفرنسي من دول المغرب العربي لكن استعماره الفكري مازال قائماً .
ويقول المفكر نابلفنتي (إذا زرعت شجرتي تفاح ، وخلال سنوات نموها سقيت الأولى بمياة عذبه وسقيت الثانية بمياه المجاري ، فالأولى ستنتج تفاح جيد والثانية تفاح سيء ، وحتى تتخلص الثانية من السوء تحتاج لسقيها بمياه عذبه لسنوات) وهذا مربط الفرس في الجنوب !! فسنوات من تغذية العقل الجمعي الجنوبي بأفكار وقيم هدَّامة ليس من السهل التخلص منها ، لكنَّه ليس مستحيل .
الخلاصة ؛ انتهت السلطة الديكتاتورية التي تسلطت على الدولة الجنوبية ودمَّرتها بين 1967-1994 ، وجاء بعدها مستعمر كرَّس كل السلبيات التي تخدم مصالحه ، وعمل على تنميتها ، وبقي الشعب الجنوبي أسيراً للهوية والثقافة التي زرعها فيه المتجنسون وأغبياء الجنوب .