‘انهيار' الدولة الجزائرية وبروز ‘العنف الاجتماعي والارهاب' نتيجتان حذر منهما احمد بن بيتور رئيس الحكومة الجزائرية الاسبق في تعليق منه على التعديلات التي يقوم بها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة والتي تمهّد لتمديد جديد لحكمه المستمر منذ اكثر من 14 سنة. شملت قرارات بوتفليقة تعديلات في الحكومة والجيش والأمن وقيادة جبهة التحرير الجزائرية كما تضمنت مسودة دستور جديد يسمح بتمديد سنوات الولاية الرئاسية. عودة الرئيس بوتفليقة (76 عاما) الذي أصيب بجلطة دماغية قبل خمسة أشهر ودخل فيما يشبه غيبوبة بهذه الطريقة القوّية فاجأت معارضي حكمه والآملين بتغيير سلميّ للنظام تخفّ فيه قبضة السلطات التنفيذية والأجهزة العسكرية والأمنية على البلاد. كان من المفترض ان تنتهي ولاية بوتفليقة الرئاسية الثالثة العام المقبل لكنه بهذه الاجراءات الجديدة سيضمن استمراره في الحكم حتى عام 2016، وهو أمر صار اعتيادياً في كل الأنظمة العربية المحصّنة ضد التغيير والتي تسير عكس اتجاه التاريخ والعصر، بمنعها تداول السلطة ومراكمتها احقاداً وتأسيسها لاستقطابات مفزعة تضع الشعوب والدول أمام هوّة مظلمة لا منجى منها. تعتبر الجزائر دولة غنيّة جداً بمواردها فلديها احتياطي نفطي يقدر ب3200 مليار متر مكعب، كما ان لديها طاقة غير مستثمرة بحجم 60 مليار متر مكعب من الغاز الصخري وهو احتياطي من أكبر الاحتياطيات في العالم ويعادل ما هو موجود في الولاياتالمتحدةالامريكية، لكن هذا الغنى الكبير في الثروات لم ينعكس تنمية وعدالة اجتماعية على الجزائريين، وزراعتها التي كانت تصدر القمح والشعير لأوروبا تراجعت، كما تراجعت سياحتها التي كانت الأكثر نشاطاً في افريقيا لمراتب متدنية لأسباب كثيرة بينها سوء الادارة والفساد. من المؤكد ان اجراءات التمديد للرئيس بوتفليقة لن تلقى معارضة داخل أروقة البرلمان الذي يسيطر عليه تحالف تقوده جبهة التحرير الجزائرية التي ثبتت تعديلات الرئيس الجزائري الاخيرة سطوته عليها. هذا الميل المستمر لتأبيد سلطة الرئيس والموالين له على الحكم، يواجه معارضة متزايدة، وقد كشفت ازاحة رئيس المخابرات الجزائرية السابق محمد مدين الضوء على معارضة جهاز الأمن لتكريس جهاز الرئاسة لهذا الاتجاه. من جهتهم، يتداول الجزائريون قصص فساد كبيرة ويحكون عن تحويل ثروات البلاد الى المصارف الخارجية ويعتبرون ما يجري في الغرف المغلقة صراعات بين حيتان المتنفّذين في البلاد أكثر مما هو صراعات سياسية ذات معنى، وهو أمر يعكس يأساً وإحباطاً من امكانيات التغيير بالطرق السياسية، فالأحزاب المعارضة، اسلامية كانت ام يسارية، لم تعد تقنع الناخبين الجزائريين، أما الأحزاب الموالية فلم تعد مهمتها غير البصم على قرارات الرئاسة. في عام 1988 حصل غليان في الشارع الجزائري قمعته الدولة بقوة وخلّف مئات القتلى وآلاف المفقودين قسراً وكان ذلك انعطافة شعبية أدت الى تغييرات سياسية وانتخابات فاز فيها التيار الاسلامي ثم دخلت الجزائر بعدها سنوات مظلمة من القتل والذبح وانتهاك الكرامات والحقوق وفي محنة أهلية طويلة لا تزال تعيش آثارها حتى اليوم. تعلّم الجزائريون دروساً كبيرة مما حصل من سنوات العنف الدامية لكن الأكيد أن النظام لم يتعلّم شيئاً.