كتب/ علي بكر يمثل الصعود السياسي الملحوظ للتيارات السلفية في المنطقة العربية، أحد أهم تداعيات ثورات الربيع العربي, إذ إن هذه التيارات كانت تحرم المشاركة السياسية، وخاصة تأسيس الأحزاب السياسية، أو الانتماء إليها, قبل اندلاع هذه الثورات، ولكن مع مرور الوقت بدأ العديد منها في الاتجاه نحو تأسيس أحزاب سياسية، وهو ما فرض خريطة سياسية جديدة في بعض الدول العربية، وساهم في تغيير أنماط تفاعلات هذه التيارات مع غيرها من القوي السياسية الأخري. فقد ظهرت في مصر العديد من الأحزاب السلفية, مثل "النور"، و"الأصالة"، و"الوطن"، و"البناء والتنمية", وغيرها, كما أعلنت بعض التكتلات السلفية في ليبيا أنها بصدد الإعلان عن حزب سياسي جديد, في حين منحت السلطات التونسية ترخيصًا قانونيًّا لتأسيس أول حزب سلفي في البلاد يحمل اسم "حزب جبهة الإصلاح"، بينما كشف العديد من قادة التيارات السلفية في المغرب عن انضمامهم إلى حزب "النهضة والفضيلة" ليأخذ الحزب طابعًا سلفيًا واضحًا, وأعلن القيادي السلفي المغربي محمد الفزاري عن تأسيس حزب سلفي جديد سيطلق عليه اسم "جبهة الإصلاح", وكذلك تم تأسيس حزب سلفي جديد في اليمن تحت اسم حزب "الرشاد اليمني".
أسباب عديدة:
أثار اتجاه بعض التيارات السلفية في المنطقة نحو المشاركة السياسية وتأسيس أحزاب سياسية، تساؤلات كثيرة حول أسباب هذا التحول, خاصة أنه حدث بشكل سريع، ودون تقديم أي أدلة شرعية تبيح ذلك, حيث قدمت هذه التيارات، في الماضي، بعض الأدلة التي تفيد بعدم مشروعية الأحزاب السياسية, وهو ما يمكن تفسيره في اعتبارات عديدة يمكن تناولها على النحو التالي:
1- الرغبة في تصدر المشهد السياسي في بعض دول المنطقة, خاصة في ظل أجواء الحرية التي أعقبت الثورات العربية، وعدم وجود أي قيود عليها من قبل الحكومات, وقد أدركت هذه التيارات أن أفضل الطرق لتحقيق ذلك هو تأسيس أحزاب سياسية تعمل من خلالها, بشكل أدى إلى انتشار الأحزاب السلفية في الفترة الأخيرة.
2- تحقيق الهدف الأسمى، في رؤية هذه التيارات، وهو تطبيق الشريعة الإسلامية، ثم إقامة الدولة الإسلامية الكبرى "الخلافة الإسلامية" بأقصر الطرق, لا سيما في ظل الصعوبات العديدة التي حالت دون تنفيذ ذلك من خلال العمل الدعوي التقليدي.
3- توجيه رسالة إلى الداخل والخارج, بأن هذه التيارات قادرة على المشاركة في العملية السياسية على عكس ما تروج له اتجاهات كثيرة من أنها لا تجيد العمل السياسي, إضافة إلى عدم ترك الساحة للقوى الإسلامية المنافسة مثل جماعة الإخوان المسلمين حتى لا تحصد كل المكاسب السياسية بمفردها, خصوصًا لإدراكها أن هذا الفصيل إذا تمكن من الحكم فسوف يقصي التيار السلفي عن الساحة السياسية والدعوية.
تداعيات مختلفة:
وقد فرض هذا التوجه الجديد الذي تبنته بعض التيارات السلفية تداعيات عديدة تتمثل في:
1- تكريس حالة من الانقسام داخل التيارات السلفية, حيث أدى تأسيس بعض الجماعات السلفية لأحزاب سياسية إلى نشوب خلافات حادة بين السلفيين، لا سيما في ظل وجود قطاع عريض من التيارات السلفية لم يكتف بتحريم ذلك, بل حذر التيارات الأخرى من الإقدام على هذه الخطوة, وهو ما أدى إلى اندلاع معارك فقهية وفكرية بين الطرفين, لا يبدو أنها ستنتهي في القريب.
2- فشل المواءمة بين الفكر السلفي وقواعد العملية السياسية, حيث لم تنجح الأحزاب السلفية في تحقيق أهدافها, نظرًا لعدم وجود مرونة فكرية وفقهية كافية للتعامل من المتغيرات السياسية, مما شكك كثيرًا في قدرة التيارات السلفية على تفعيل دورها السياسي.
3- تصعيد العداء مع التيارات الجهادية, التي كانت تعتبر العديد من التيارات السلفية سندًا وداعمًا لها في الأزمات, و"بوابة خلفية" لتوفير الموارد البشرية, حيث إن كثيرًا من السلفيين يتحولون إلى جهاديين, إلا أن مشاركة هذه التيارات في العملية السياسية من خلال تأسيس أحزاب سياسية سوف تؤدي إلى قطع العلاقة بين الطرفين، وتحولها من التعاون إلى العداء.
مستقبل غامض:
لكن الملفت في هذا السياق، هو أنه رغم انتشار ظاهرة الأحزاب السلفية عقب اندلاع ثورات الربيع العربي، إلا أنها لم تقم بأي دور مؤثر في الحياة السياسية داخل دولها -باستثناء حزب "النور" في مصر- حيث لم تحقق أي مكاسب سياسية تذكر, كما أن معظمها لم يتمكن من صدارة المشهد السياسي, وبالتالي لم تنجح في تحقيق أي من الأهداف التي تأسست من أجلها, مع أنها قد ضحت بالعمل الدعوي من أجل العمل الحزبي, ولا يبدو في الأفق أنها قادرة على تطبيق رؤاها في المستقبل, الأمر الذي يدل على فشل هذه التجربة حتى الآن, نظرًا لعدم إجادتها لقواعد العملية السياسية, وتقيد حركتها بثوابتها الفكرية التي تحتاج على الدوام إلى التجديد حتى تستطيع التعاطي مع المتغيرات والمستجدات السياسية، وهو ما لم تقم به هذه التيارات، فضلا عن فشلها في توسيع قاعدتها الشعبية، نتيجة الغموض الذي تتسم بها مواقفها وتفاعلاتها، إلي جانب تصاعد الدعوات في بعض الدول العربية لحل الأحزاب الدينية.
وقد أدى ذلك في مجمله إلى ظهور اتجاه داخل التيارات السلفية يدعو إلى عدم تأسيس أحزاب سلفية جديدة في المنطقة نتيجة عدم جدوى العمل الحزبي, في رؤيته، ما يزيد من احتمالات عودة هذه التيارات إلى العمل الدعوي من جديد، رغم أن ذلك لا يبدو أمرًا سهلا في الفترة الحالية. عن/المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجيه