طالبات هندسة بجامعة صنعاء يبتكرن آلة انتاج مذهلة ..(صورة)    الخارجية الأمريكية: قواتنا ستواصل عملياتها في اليمن حتى يتوقفوا عن مهاجمة السفن    بين البصر والبصيرة… مأساة وطن..!!    التكتل الوطني: القصف الإسرائيلي على اليمن انتهاك للسيادة والحوثي شريك في الخراب    الجيش الباكستاني يعلن تعرض البلاد لهجوم هندي بعدة صواريخ ويتعهد بالرد    أكثر من 80 شهيداً وجريحاً جراء العدوان على صنعاء وعمران والحديدة    الرئيس المشاط: هذا ما ابلغنا به الامريكي؟ ما سيحدث ب «زيارة ترامب»!    بامحيمود: نؤيد المطالب المشروعة لأبناء حضرموت ونرفض أي مشاريع خارجة عن الثوابت    اليمنية تعلق رحلاتها من وإلى مطار صنعاء والمئات يعلقون في الاردن    الخارجية الإيرانية تدين الهجوم الصهيوني على مطار صنعاء    محمد عبدالسلام يكشف حقيقة الاتفاق مع أمريكا    صنعاء .. وزارة الصحة تصدر احصائية أولية بضحايا الغارات على ثلاث محافظات    تواصل فعاليات أسبوع المرور العربي في المحافظات المحررة لليوم الثالث    التحالف والشرعية يتحملون مسئولية تدمير طائرات اليمنية    الكهرباء أول اختبار لرئيس الوزراء الجديد وصيف عدن يصب الزيت على النار    سحب سوداء تغطي سماء صنعاء وغارات تستهدف محطات الكهرباء    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 52,615 شهيدا و 118,752 مصابا    البدر: استضافة الكويت لاجتماعات اللجان الخليجية وعمومية الآسيوي حدث رياضي مميز    المجلس الانتقالي وتكرار الفرص الضائعة    الوزير الزعوري: الحرب تسببت في انهيار العملة وتدهور الخدمات.. والحل يبدأ بفك الارتباط الاقتصادي بين صنعاء وعدن    النفط يرتفع أكثر من 1 بالمائة رغم المخاوف بشأن فائض المعروض    رئيس مؤسسة الإسمنت يتفقد جرحى جريمة استهداف مصنع باجل بالحديدة    إنتر ميلان يحشد جماهيره ونجومه السابقين بمواجهة برشلونة    سلسلة غارات على صنعاء وعمران    اسعار المشتقات النفطية في اليمن الثلاثاء – 06 مايو/آيار 2025    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الثلاثاء 6 مايو/آيار2025    حكومة مودرن    ريال مدريد يقدم عرضا رمزيا لضم نجم ليفربول    أكاديميي جامعات جنوب يطالبون التحالف بالضغط لصرف رواتبهم وتحسين معيشتهم    تحديد موعد نهاية مدرب الريال    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    ودافة يا بن بريك    انقطاع الكهرباء يتسبب بوفاة زوجين في عدن    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    برشلونة يواجه إنتر وسان جيرمان مع أرسنال والهدف نهائي أبطال أوروبا    قرار رقم 1 للعولقي بإيقاف فروع مصلحة الأراضي (وثيقة)    برعاية من الشيخ راجح باكريت .. مهرجان حات السنوي للمحالبة ينطلق في نسخته السادسة    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    الثقافة توقع اتفاقية تنفيذ مشروع ترميم مباني أثرية ومعالم تاريخية بصنعاء    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    الخليفي والمنتصر يباركان للفريق الكروي الأول تحقيق كأس 4 مايو    وزارة الشباب والرياضة تكرم موظفي الديوان العام ومكتب عدن بمناسبة عيد العمال    مليون لكل لاعب.. مكافأة "خيالية" للأهلي السعودي بعد الفوز بأبطال آسيا    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    قدسية نصوص الشريعة    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    أول النصر صرخة    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    المصلحة الحقيقية    مرض الفشل الكلوي (3)    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التأسلم والدولة المدنية!
نشر في عدن الغد يوم 23 - 10 - 2013

أعترف أن تجربة ماليزيا علي وجه الخصوص دفعتني إلي معاودة النظر فيما استقر عليه تفكيري عن أحادية نموذج الدولة المدنية الذي قبلناه من الدول العريقة في الديمقراطية.

ولكن الممارسات السياسية من القوي السياسية التي ترفع راية الإسلام شعارا, خصوصا بعد التجربة الكارثية للإخوان المسلمين, جعلتني أعاود النظر, متشككا في قدرتها علي بناء دولة مدنية حديثة, أو حتي الإسهام الإيجابي فيها, ما ظلت علي ما هي عليه من تديين كل شيء, واستخدام الدين قناعا لمصالحها. وحتي لو افترضنا سلامة نوايا هذا الفصيل المتأسلم سياسيا أو ذاك, فإن النوايا وحدها لا تصنع واقعا أو مستقبلا واعدا. والدليل علي ذلك ماثل في مسألة قدرة فصائل التأسلم السياسي علي تقبل أصول الدولة المدنية الحديثة. وهي أصول خمسة, أولها: دستور ذو مرجعية بشرية. وثانيها: الفصل الحاسم بين السلطات الثلاث. وثالثها: الديمقراطية التي تعني حق الاختلاف والتعددية الحزبية. ورابعها: المواطنة وعدم التمييز بين المواطنين. وخامسها: العدالة الاجتماعية.

ولنتأمل ما فعلت جماعة الإخوان المسلمين في العام الذي قضته في حكم مصر. أولا: لم تتخل عن مبدأ سيد قطب الخاص بالحاكمية لله. وهو مبدأ يعني أن النخبة الأقرب إلي الله, هي جماعة الإخوان المسلمين التي ينطوي اسمها نفسه علي التمييز الذي يعلي ضمنيا من شأنها بالقياس إلي غيرها من المسلمين, وذلك من وجهة نظر قادة الجماعة الذين يرون أنفسهم الفرقة الناجية, بينما تضع المغاير لها والمختلف معها في دائرة الفرق الضالة. ومن هنا كانت تسميتهم الإخوان المسلمين: إعلانا عن النفي الضمني لصفة الإسلام عن غيرهم.

وما يترتب علي ذلك- أولا- من صياغة دستور يرد الحاكمية لله اسما, ويقصرها علي الجماعة فعلا. وسلاح ذلك هو التأويل. ويلزم عن ذلك- ثانيا- عدم الفصل بين السلطات وهيمنة النخبة الحاكمة علي غيرها. وقد ظهر ذلك واضحا في تدخل جماعة الإخوان في عمل السلطة القضائية, وتوجيه السلطة التشريعية للعمل لصالح الجماعة. وكان الأمر ظاهرا في سياسة الإقصاء التي مارستها الجماعة علي غيرها من الفصائل السياسية والفكرية, والانتقال من صيغة المشاركة إلي صيغة المغالبة التي أدت بالجماعة إلي إثارة سخط كل القوي الوطنية, بما فيها الحلفاء الأقرب إلي المبادئ التأسيسية, مثل حزب النور.

ومع فشل الجماعة في الوفاء بالوعود التي قطعتها علي نفسها, سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا, تزايد سخط الجماهير المحبطة, وعلي رأسها الذين أعطوا أصواتهم للرئيس الذي يمثل الجماعة, فتكاثرت أعداد المظاهرات الغاضبة, في موازاة تصاعد عداء الجماعة وقمعها للإعلام والقضاء والمعارضة; فجاء سقوط حكم الإخوان نهاية حتمية, استعادة للفصل الحاسم بين السلطات, ودفاعا عن الديمقراطية التي نسيتها الجماعة بمجرد احتكار السلطة والاستئثار بكل أدوات الدولة. وهو الأمر الذي جعل من دولة الإخوان ذات العمر القصير دولة تسلطية بامتياز. ولنتذكر أن الدولة التسلطية في علم الاجتماع السياسي هي الدولة التي تستأثر فيها مجموعة دون غيرها بالثروة والسلطة في المجتمع, غير معتدة بغيرها في ظل سعيها إلي دوام احتكار السلطة والثروة.

وقد صاحب ذلك كله القضاء علي الأصل الرابع الذي أراه أهم أصول الدولة المدنية الحديثة. أعني مبدأ المواطنة الذي ضرب به الحكم الإخواني عرض الحائط, نتيجة استبدال حلم الخلافة بحلم الوطن المستقل. وكان من نتيجة ذلك التمييز بين المواطنين علي أساس من الدين والمذهب, فتم اضطهاد الأقباط وحرق كنائسهم من ناحية, والتمييز القمعي ضد الشيعة من المسلمين, وممارسة العنف الذي أدي إلي القتل الوحشي لبعض الأسر الشيعية من ناحية أخري. ولولا التقية التي لجأ إليها باقي الشيعة للاقوا المصير البشع نفسه. وكان هذا التمييز يسري ضد المسلمين الذين لا ينتسبون إلي جماعة الإخوان المسلمين, والذين كان عليهم أن يأتوا في الدرجة الدنيا.

وتبع ذلك إيثار ذوي القربي من الجماعة علي ذوي الخبرة والكفاءة من أبناء الوطن الذي لم يعد معترفا به أصلا, وكان ذلك تأكيدا لمسيرة الأخونة والسيطرة علي مفاصل الدولة وتغيير هويتها. وكانت النتيجة الاستهانة بالتراب الوطني والتفريط فيه, فأرض الوطن كالوطن لا معني لأيهما دون الآخر ما ظل الرابط هو الدين والمذهب الذي يجاوز الأوطان التي هي إلي زوال, ومن ثم تكفير من قال:

وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي ولم يكن من الغريب- والأمر كذلك- أن يقترف الرئيس المخلوع محمد مرسي جريمة التفريط في التراب الوطني, ويعلن استعداده للتخلي عن حلايب وشلاتين لإخوة العقيدة في السودان, أو عن أجزاء من سيناء لأشقاء المذهب في حماس, فما قيمة هذه القطعة أو تلك من الأرض, في بلدان سوف تكون كلها ضمن الخلافة القادمة مع أستاذية العالم. وبالطبع لم يهتم أحد من جماعة الإخوان بحرمة تراب أرض مصر المحروسة, فقد سبق أن قال المرشد السابق طظ في مصر.

ويبقي- أخيرا- العدل الاجتماعي الذي ازداد غيابا; فالمشروع الاقتصادي للإخوان مشروع ينتسب إلي الرأسمالية المتوحشة في استغلال الفقراء, ولذلك كانت جماعة الإخوان تتكرم بالبر والإحسان, وكل ما يدخل في باب رشاوي الفقراء وليس منحهم حقوقهم العادلة. ولذلك تكاثرت مليارات الشاطر وحسن مالك اللذين ورثا مكان أحمد عز وحسين سالم, وهما مجرد أمثلة, فكان من الطبيعي أن يزداد الفقير فقرا خلال عام, ويتزايد جشع التجار, وتتكاثر تجارة السوق السوداء في كل شيء. أما المحسوبية الإخوانية فقد استبدلت الذي هو أدني بالذي هو خير علي كل مستوي. فكانت النهاية التي صنعوها هم لأنفسهم, ولم يصنعها لهم غيرهم.

وأعتقد أن جماعة الإخوان مثال علي غيرها من جماعات التأسلم السياسي, أو الأحزاب التي تنبني علي أساس ديني, وأولها حزب النور الذي لا يزال قادته يرفضون تحية العلم المصري, أو الوقوف احتراما للسلام الوطني, ويمارسون التمييز سرا وجهرا ضد غيرهم الذي يرونه أدني منهم مقاما ومنزلة, ويقدمون وحدة العقيدة علي الوطنية, فلا معني للشعور الوطني عندهم, ولا حتي للمواطنة التي يستبدل بها التمييز ضد الأغيار المختلفين حتي بين أبناء الوطن الواحد والدين, ويرون الدساتير الوضعية بدعة ضلالة قرينة الكفر, وما أسرع ما تتدافع علي ألسنتهم وأقلامهم مفردات التكفير!. والسؤال الحاسم والأخير: هل يمكن أن يبني أمثال حزب النور والجماعة دولة مدنية حديثة؟, أو علي الأقل هل يمكن أن يسهموا في بنائها؟ أعتقد أن الإجابة الممكنة إلي اليوم هي النفي. لكن من يدري ماذا يمكن أن يحدث في المستقبل؟!

علم هذا عند الله الذي لم يفرض علي خلقه مذهبا بعينه في الحكم, بل ترك لهم حرية اختيار نظام الحكم الذي يحقق لهم السعادة في الدنيا, والفوز في الآخرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.