رئيس مؤسسة الإسمنت يتفقد جرحى جريمة استهداف مصنع باجل بالحديدة    المؤتمر الشعبي وحلفاؤه يدينون العدوان الصهيوني الأمريكي ويؤكدون حق اليمن في الرد    إسرائيل تقصف مصنع أسمنت عمران وكهرباء حزيز    توسّع في تعليق الرحلات الجوية إلى مدينة "يافا" بعد قصف مطار "بن غوريون"    إنتر ميلان يحشد جماهيره ونجومه السابقين بمواجهة برشلونة    الذهب والنفط يرتفعان مدفوعين بالمخاوف التجارية واقتناص الفرص    سلسلة غارات على صنعاء وعمران    إسرائيل تشن غارات على مطار صنعاء وتعلن "تعطيله بالكامل"    حصيلة الغارات الامريكية على اليمن خلال الساعات الماضية    العليمي يشيد بجهود واشنطن في حظر الأسلحة الإيرانية ويتطلع الى مضاعفة الدعم الاقتصادي    قاذفتان استراتيجيتان أمريكيتان B-52H تتجهان إلى المحيط الهندي    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الثلاثاء 6 مايو/آيار2025    اسعار المشتقات النفطية في اليمن الثلاثاء – 06 مايو/آيار 2025    توقعات باستمرار الهطول المطري على اغلب المحافظات وتحذيرات من البرد والرياح الهابطة والصواعق    تسجيل اربع هزات ارضية خلال يومين من خليج عدن    حكومة مودرن    بعد 8 أشهر ستدخل المحطة الشمسية الإماراتية الخدمة    ريال مدريد يقدم عرضا رمزيا لضم نجم ليفربول    معالجات الخلل!!    أكاديميي جامعات جنوب يطالبون التحالف بالضغط لصرف رواتبهم وتحسين معيشتهم    أكسيوس: ترامب غير مهتم بغزة خلال زيارته الخليجية    تحديد موعد نهاية مدرب الريال    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    تغيير رئيس الحكومة دون تغيير الوزراء: هل هو حل أم استمرارية للفشل؟    ودافة يا بن بريك    انقطاع الكهرباء يتسبب بوفاة زوجين في عدن    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    برشلونة يواجه إنتر وسان جيرمان مع أرسنال والهدف نهائي أبطال أوروبا    قرار رقم 1 للعولقي بإيقاف فروع مصلحة الأراضي (وثيقة)    بعد فشل إطلاقه.. صاروخ حوثي يسقط بالقرب من مناطق سكنية في إب    "مسام" ينتزع أكثر من 1800 لغم حوثي خلال أسبوع    شركة النفط توضح حول تفعيل خطة الطوارئ وطريقة توزيع البنزين    برعاية من الشيخ راجح باكريت .. مهرجان حات السنوي للمحالبة ينطلق في نسخته السادسة    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    الثقافة توقع اتفاقية تنفيذ مشروع ترميم مباني أثرية ومعالم تاريخية بصنعاء    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    الخليفي والمنتصر يباركان للفريق الكروي الأول تحقيق كأس 4 مايو    وزارة الشباب والرياضة تكرم موظفي الديوان العام ومكتب عدن بمناسبة عيد العمال    أرواحهم في رقبة رشاد العليمي.. وفاة رجل وزوجته في سيارتهما اختناقا هربا من الحر    مليون لكل لاعب.. مكافأة "خيالية" للأهلي السعودي بعد الفوز بأبطال آسيا    بيع شهادات في جامعة عدن: الفاسد يُكافأ بمنصب رفيع (وثيقة)    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    قدسية نصوص الشريعة    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    الاجتماع ال 19 للجمعية العامة يستعرض انجازات العام 2024م ومسيرة العطاء والتطور النوعي للشركة: «يمن موبايل» تحافظ على مركزها المالي وتوزع أعلى الارباح على المساهمين بنسبة 40 بالمائة    أول النصر صرخة    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    المصلحة الحقيقية    مرض الفشل الكلوي (3)    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    ريال مدريد يحقق فوزًا ثمينًا على سيلتا فيغو    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجنوب والجنوبيين بين مطرقة (المنطق) وسندان (العاطفة)
نشر في عدن الغد يوم 25 - 10 - 2013


كتب/ السلطان فضل محمد بن عيدروس العفيفي

في ظل التجاذب او إن شئتم ” المناتعة “ الحاصلة والازدحام الشديد الذي شهدناه للمشاركة في صنع القرار الجنوبي ، فإنني قد رأيت ان الابتعاد قليلا والا كتفاء بطرح الرأي ، وتقديم النقد والنصح ، سيكون اسلم للتخفيف من زحمة التباينات والمتطلعين ولو تمثل ذلك حتى ولو بشخص واحد , مع العلم ان العمل السياسي هو رأي وممارسه ، فاقتصرت عملي على الرأي على الاقل في الوقت الحاضر .

وافتتح تحليلي ورؤيتي لمجريات الامور التي نعايشها بالقول ؛ انه متى اصبح الكُتّاب والمثقفين والسياسيين يعيشون حالة الانفصام السياسي ويطرحون رؤاهم دون خوف من ردة فعل الشارع المشحون ويُصبح رأيهم امام الاعلام او الجمهور هو نفسه الذي يطرحونه في اللقاءات والجلسات المحدودة ، ودون خوف على شعبيه مأموله او شعبيه ربما ستُفقد , ودون خوف من تحريض او تخوين ممن يتوسمون في انفسهم مقامات الوصاية او ممن تركب رؤوسهم مقولة ” انا الجنوب والجنوب انا “ فسنتنفس الصعداء ونقول ان الامور تمشي في الاتجاه الصحيح . ليلامس هؤلاء الكتاب والمثقفون جوانب ” التابو “ المحرمة والمحظورة بسوط الارهاب الامني والفكري والقيد الثقافي ، والذي يجب ان يتحرر الجميع من رهاب الخوض فيها ، وعليهم ان يحطموا الحواجز والجدران التي يرهبون ما خلفها ، فالإنسان يخاف من المجهول ويأمن بتدبر المعلوم .
إن السياسة لا تعني القدرة على الصراع والاحتراب والمناكفات السياسية ، ولا تعني الفلسفة والقدرة على التفنيد , ولا ممارسة السياسة من اجل السياسة , ولكن تعني القدره والنجاح في ايجاد اسس التعايش ، والقدرة والنجاح على خلق اسباب النمو والتطور المعياري للامه من خلال السلام والاستقرار والعدل ، والحكمة في ادارة المجتمعات نحو الافضل ، والعمل السياسي بقدر ما هو تحقيق لطموحات افراد ومكونات سياسيه في الحكم ، الا ان السياسيين المحنكين لا ينسون ان إسعاد الامه وتحقيق الامن والعدل ، وبالتالي الاستقرار والتطور والتنمية هي وسيلتهم للوصول ووسيلتهم للبقاء طويلا في السلطة وان السياسيين بشكل عام لهم هدفين ، هدف اصغر وهدف اكبر ، الهدف الاصغر هو الوصول الى السلطة وممارسة الحكم ، والهدف الاكبر وهو إسعاد الامه بانتهاج الحكم الرشيد .
في معظم بلدان العالم الثالث , طغى الهدف الاصغر على الهدف الاكبر فضلت تلك البلدان تعاني الشقاء والتخلف والظلم وعدم الاستقرار لان بوصلة قاداتها معطله ، وبلدنا لا يمثل استثناء .

دعونا نتطرق الى موضوع الاخذ بمقولة ” التحرير والاستقلال “ والتي اخذ بها البعض بمجمل معناها دون الولوج الى تفاصيلها وما تحتمله من المآخذ والتفنيد ، وفي نظري فإن تبنيها من قبل بعض القيادات ومحاولة فرضها كهدف وشعار في إطار المحصّنات بالحصانة التي لا يجوز نقاشها باعتبارها من الثوابت و ”التابو “ ، كل ذلك هو شحن في الاتجاه الخاطئ للمواطن البسيط ، وهو فشل جديد ونظرة قصيرة لبعض قيادات الاشتراكي التي تقود بعض مكونات الحراك ، وسطحيه تمثل ضحالة فكر القيادات التي تدعو لتبني مثل هذه المقولة او التوجه ، وهو ايضا تكريس للثقافة الصفراء المنتهية صلاحيتها .
لننظر الى الموضوع من مختلف جوانبه ؛
اذا كانت هذه القيادات تعتقد فعلا ان هذا الشعار يمثل التوصيف الصحيح للألية والطرح الذي ستُعالج به القضية الجنوبية ، وهو المخرج الوحيد ، فهذا امر ومدخل لن يفهمه ولن يقتنع به المجتمع الدولي ، وسيؤدي حتما الى تقييم متدني لمستوى الفهم والقدرات المنطقية والسياسية لمن ينطقون بمثل هذا القول في اللقاءات والاجتماعات والاعلام , وصداه وقبوله لدى نسبه ليست قليله من المجتمع الجنوبي لم يكن الا بفعل الشحن المتكرر والثقافة المتدنية والتعليم البسيط والأمية المنتشرة ، او بفعل الحماس والاندفاع وبفعل الحسابات العاطفية نحو القضية الجنوبية بدرجه اولى تماما كما كان عليه الشحن والاندفاع نحو تحقيق الوحدة قبل عام 1990 ، اما سياسيو المجتمع الدولي فلن تقنعهم العمليات التسطيحية لطرح المواضيع والحيثيات ، وانا دائما اُكرر بان القراءة الصحيحة للحيثيات والجذور تؤدي الى معالجات صحيحه او مقاربه ، تماما مثل التشخيص الصحيح للمرض يؤدي الى استخدام العلاج الصحيح ، والتشخيص الخطأ يقود الى استخدام العلاج الخطأ . فالتوصيف الخطأ وتخطي بعض المحطات سيصبح أشبه بمؤشر بوصله معطله ومتجه نحو الوجهة الخطأ واتباع هذه البوصلة حتما سيترتب عليه السير على الطريق الخطأ .
والقضية الجنوبية كغيرها من القضايا السياسيه المعاصرة في الشرق الاوسط تتطلب ادوات غير ادوات فترة الستينات والسبعينات وسياسة غير سياسة توازنات القطبين حينها ، وثقافه ومفاهيم، وتوجهات غير ما عهدناه حينها ، وبذلك اقول ان الادوات التي يجب تبنيها ، ويجب العمل والاقتدار على امتلاكها او كسبها تتركز في امور منها :
- امتلاك بعض وسائل الاعلام مع اداء مهني مواكب بدلا من السلاح ومتطلباته ، وكلنا يعلم كم كان اثر الاعلام كبيرا فيما سُمي بثورة الربيع العربي ، واضافه الى امتلاك الاعلام الخاص فلابد من استمالة الاعلام الدولي والذي يسيطر عليه المجتمع الدولي بقيادة امريكا سوى اردنا ام ابينا، وهذين امرين يشكلان النوع الحديث والمتمدن من اشكال النضال للنجاح والظفر بهما باعتبارهما من ادوات واسلحة العصر الذي نعيشه لتحقيق الامال والمطالب الشعبيه .
- ايضا كلنا يعلم الاثر التدميري والعبثي حيث استخدم السلاح في هذه الثورات ، لذلك فالعمل السياسي السلمي على مستوى النشاطات الجماهيرية المطالبة بحل للقضية الجنوبية هو الأداة الثانية والمثالية لتحقيق مطالب هذه القضية - ونعني العمل السياسي السلمي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ، لان غير ذلك لا يعد من ادوات هذا العصر ، وحتما سيؤسس لسياسة الاستقواء بالسلاح والوصاية والالقاء وسيجذر لثقافة القوه والصراع الدموي من اجل السلطة ، وايضا ربما يواجه بالممانعة والعراقيل او حتى التدخل بالقوة من المجتمع الدولي والأمثلة حاضره امامنا وعديده ، ويجب ان تكون من ضمن اهداف القيادة اختزال المعاناة والتي وقعت على شعبنا بسبب السياسات المراهقة السابقة ، وذلك بالوصول الى مطالبه لحل القضية الجنوبية بما يرضي غالبية المجتمع في الجنوب والسير من اجل ذلك عبر ايسر الطرق واقلها كلفه ، والمصلحة الحقيقية هي وبالمقارنة التي تكون فيها نسبة الربح اكثر بكثير من نسبة الخسارة .

- على المستوى الخارجي من المهم إقناع المجتمع الدولي بعدالة القضية الجنوبية على قاعده واحده من مستوى الفهم ومن المنطق الموازي ، وليس على قاعدة هذا هو منطقنا ومن لا يعجبه فليشرب من ماء البحر ، على ان تكون هناك قيادات مقتدرة على تحقيق هذا الامر او لديها الاستشارات المقتدرة ، فبعض القيادات الراهنة لا تملك الا ان تخاطب العاطفة والاندفاع والحماس ، او بالأصح تُرضي ما في نفسها وبمستوى حساباتها اكثر مما تخاطب العقل والمنطق عند الاخر المؤثر وينطبق على مثل هؤلاء القول " صاحب المصلحة اعمى لا يرى الا مصلحته " ، ويجب ان تُطرح الاهداف والحلول بناء على مستوى التفكير والحسابات المنطقية ، وتأثير مثل هذا النوع من الخطاب والطرح العاطفي انه لا يتجاوز المحلية كثيرا , ولا يتجاوز الا بعض الحاضر ، فكلما مر الزمن تكشفت بواطن ضعف مثل هذا الطرح ، بالإضافة الى كونه يمثل قراءه خاطئة تُعبئ وتُشحن بها الجماهير في الاتجاه المظلل ، والذي يدفع ثمنه في النهاية هو المجتمع والقضية ، وبمثل هذا الفهم والتوجه سنظل منغلقين على انفسنا متأثرين ومنتشين بصدى اصواتنا وبما نردده اكثر من تأثيرنا على غيرنا الذين لا يجب التقاضي او التقليل من اهمية تأثيرهم على القضية الجنوبية سلبا او ايجابا .
امتلاك المنطق والعقلية السياسية المقتدرة للتعامل مع الموضوع ومع المتغيرات والمعطيات والادوات المتاحة ، والتخاطب مع المجتمع الدولي بلغة يستطيع ان يتقبلها ، مع فهم ودراية ان للمجتمع الدولي مصالحه التي يقيس عليها القبول او الرفض ، وان لا تتوجس القيادة من الدخول في مربعات الاتفاق والاختلاف و تقبل ما تراه مقبولا وترفض ما هو غير ذلك . يكفينا ضحالة فكر اختفت خلف دولة من دول الاسوار الحديديه في وقت من الاوقات لا يمكن ان يتكرر .

إنه وعندما يردد احدنا مقولة التحرير والاستقلال , لابد ان نتسأل ويتسأل الواعون كيف اتى الاستعمار والذي نرغب في ان نتحرر منه . . . ومتى ؟
للبعض ردودهم المقتنعين بها لأنها ترضي عواطفهم وترضي ما تريده نفوسهم او انها على مقاس مداركهم بغض النظر عن المنطق فيها من عدمه ، والبعض الاخر يردد نفس الكلام وهو ما سمي بالسقف الاعلى تكتيكا مع الجماهير او تكتيكا مع المجتمع الدولي والدولة المركزية في صنعاء .
نحن في قضيه خلافيه ، فيها طرف اخر ، وفيها وسطاء او راعين . فهل نقول اننا مقتنعون بمنطقنا الذي بنيناه على قراءتنا القاصرة والعاطفية وليس المجردة للأحداث , وبنية من يكيف الامور لتخدم مصالحه وتغطي عيوبه ، وبنية تجاوز نقاط ومحطات ضعفه دون وضعها في الاعتبار ضمن المعطيات للحصول على القراءة الصحيحة ووضع المعادلة الصحيحة ايضا ، ثم نُتبع ذلك كله بدفن رؤوسنا في الرمال دون اعتبار لجانب حسابات المنطق والحجه والاقناع للأطراف الاخرى ودون اعتبار لقدرة الاخر على اكتشاف عيوب الطرح الضعيف وتفنيد مفرداته , وفي بعض الاحيان قد تضيع قوة الحق بضياع قدرة المتصدي على التعبير عنه بالشكل الصحيح .
الا تعد الوحدة في عام 1990 م كاملة الاركان القانونية والعرفية وموقعه من الطرفين , وبذلك اصبح البلدين بلدا واحدا , وقياسا على هذه النتيجة التي تم جرنا اليها ، فان اي جزء يحاول الخروج على الدولة في أي بلد كان من بلدان العالم ، يعد خروجا على الدولة وتمرد ، وستقاومه تلك الدولة بالقوة وتمنع انقطاع ذلك الجزء منها , ومثل هذا حدث في امريكا نفسها عندما حاولت إحدى عشر ولاية جنوبيه ان تنفصل ولازال بعض ابناء الولايات الجنوبية الأمريكية يُحيون تلك الذكرى الى الان , وحدث في بريطانيا عندما حاولت ايرلندا الشمالية الانفصال ، ولا نتوقع مثلا من هذين البلدين وغيرهما تأييد مالم تقبل به على نفسها وبسهوله إلا تحت ضغط قوة الحجه والطرح المنطقي .
( الا يقال ان دخول الحمام ليس مثل الخروج منه ) , ولو كانت القيادات التي ادخلت الجنوب في الوحدة تملك الكياسة والحكمة والحسابات المنطقيه وسيطرة العقل على العاطفة اذا لما ادخلت شعب الجنوب حينها في هذه الوحدة من اصله ، او لأدخلته هذه الوحدة ولكن بشكل ومضمون اخر ، وهي الان تحاول اخراجه منها بنفس الجهل الذي ادخلته فيها ، وبما انها ارتكبت تلك الغلطه الكبيره مع سبق الاصرار والترصد بالشحن من اجلها لأكثر من عشرين عاما فإنني استغرب ممن يعتقد ان نفس المستوى الفكري ونفس الاشخاص الذين يحملونه هم الذين سيقودون الجنوب الى حل اسموه التحرير والاستقلال ، واستهلوا طريق الحل بكتابة العنوان الخطأ .
واستطرادا على نفس السياق الاعرج الذي ينادي بالتحرير والاستقلال لأننا محتلون ، دعونا نتسأل . . . الم يشارك في حرب 1994 م جنوبيين مع الطرف الاخر وهم جزء من كثير ممن تم إقصائهم ضمن سلسلة من الإقصاءات ومن المواقف والقرارات السياسيه الخاطئة التي جعلت الجنوب تحت وصاية جناح من مكون سياسي اوحد , وهي خطأ ضمن تسلسل متصل من الاخطاء . واستمرارا بالسرد على نفس السياق . . . . اذا فالذين شاركوا من الجنوبيين مع الطرف الاخر في حرب 94 يجب ان يصنفوا على انهم عملاء لانهم حاربوا مع المحتل وساعدوه على استعمار بلدهم او تكريس الاستعمار على اهلهم ، ونكرر هنا ما سبق ان قلناه في كتابات اخرى بان حرب 94 لم تكن في الحقيقة الا نتيجة لخطأ ارتكب في عا 1990 سبقه الاعداد له منذ ما قبل 1967 م ، والادعاء بان المشكله الجنوبيه بداء ت بحرب 94 هو نوع من المغالطات الديماغوجية ومحاوله للتهرب وطمس حقائق القضية وتاريخها الممتد جذوره الى ما قبل الاستقلال .
ونستطرد ايضا . . . باننا لا نستطيع وضمن القراءة المنطقية والمجردة للحيثيات والجذور ان نتجاهل في ظل تطبيق معيار واحد لقياس الصح والخطأ إلا ان نقول ان من اوقع وسهل تسليم قياد الجنوب وادخاله تحت قبضة من تم تعريفه الان على انه محتل ، بانه يُعد مشاركا فيما اوقع الجنوب فيه ، إما جاهلا او بعلم ، فإن كان بعلم ، فالأجدر تقديمه الى المحاكمة بتهمة الخيانة العظمى ، وإن كان جاهلا ، فلا يجب اتباعه باتجاه حل القضية الجنوبية ، لأنه سيقود بجهله الجنوب نحو مطب اخر ، وايضا باعتباره جزء من المشكلة منذ اسس لها من اعوام ما قبل الاستقلال عن بريطانيا ووصايته على شعب الجنوب ، فلا استطيع ان اتصور بانه سيكون جزء من حلها .

وإذا اخذنا الامور بثقافة ومفاهيم العقود الراهنه التي نعيشها في تكوين وسياسات الأنظمة ، والتي تنادي بالتعددية والديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الانسان ، وهي موضة هذا الزمان في السياسة إن صح لنا التعبير ، بغض النظر عن مثاليتها من عدمه ، الا انها تشابه جريان نهر في اتجاه واحد ، والاحمق من يسبح عكس هذا التيار الذي سينهكه او سيغرقه ، وقد مررنا بمثل هذه التيارات التي تأتي بعد كل عدد من العقود ، والحصيف من يجاري ولا ينجرف . قياسا على هذه المفاهيم الحديثة ، فان لكل جنوبي الحق في وطنه وله الحق ان يبدي رايه وفي اي اتجاه كان ذلك الرأي ، ولكن الجميع في النهاية ملزمون بالخضوع لرأي الأغلبية بحسب المفاهيم الديموقراطية ، والنظام الديمقراطي والتعددية السياسيه والاحتكام الى الصندوق الذي تم ابتكاره وتطوير مفاهيمه في دول ما تُسمى بالدول الديموقراطية لينهي بذلك الصراعات العنيفة والدموية والطموحات للوصول الى السلطة التي كانت عبر استخدام السلاح والاقتتال ، توجها نحو الصراع و الاقتتال ” المخملي “ إن جاز لنا التعبير ، واصبح النظام الحديث مبنيا على اسس ومفاهيم التعددية السياسية والديمقراطية وحق كل انسان في وطنه والمشاركة مع بقية المواطنين في رسم الخطوط العريضة لهذا الوطن . من هذا المنطلق فانه يُعد من ضيق الافق عدم تصور اطراف جنوبيه اخرى لها رايها في موضوع القضية الجنوبيه وكيفية حلها ضمن الكل والتعدد الجنوبي ، وهذا مِفصل مهم جدا لحل القضية الجنوبية وسيترتب عليه شكل المستقبل والقضية والتي اعتبرها قضيه مركبه من جزأين ؛ الجزء الاول وهو التفكير بكيفية الحل للوحدة التي تمت ولم تحقق الميزات التي كانت مرجوه منها مع الدولة المركزية في صنعاء ، والجزء الثاني وهو مهم جدا ايضا وهو حل الخلافات الجنوبية الجنوبية حتى لا تقع الجنوب بمثل ما وقعت فيه ليبيا وبلدان اخرى ، هم توحدوا للمرحلة الاولى في العمل وتقاطعت مصلحتهم جميعا في أن يتخلصوا من القذافي . . . ثم اتجهوا بعد ذلك ضد بعضهم البعض لانهم اندفعوا عاطفيا نحو التخلص من القذافي ولم يُعيروا بالا لما سياتي لاحقا . لذلك نقول لمن يدعون الى التحرير والاستقلال بان هذا رأي واحد من ضمن العديد من الرؤى ولكن وجب ان لا يجزم احدا بان جميع ابناء الجنوب مع منطوق هذا الشعار ، لان هذا معناه الوصاية والتفرد والاتجاه نحو ” النكد“ الذي نخشاه لكثرت ما تردد علينا ، ومن لا يضع في حسبانه مختلف القوى الجنوبية على الساحة السياسية ؛ أمثال ، الرئيس عبدربه منصور هادي ومن هم معه وفي صفه والثقل الذي يمثله وامتلاك العديد من أدوات القوه في يده ، وهو جنوبي ، اقول بان من يضع معادله سياسيه للجنوب دون اعتبار لمكانة عبدربه منصور على ارض الواقع فهو - سوى اكان شخص قيادي او مكون سياسي - يخوض في المجهول ، ويخوض في العاطفة وهوى النفس ، ويخوض في نعيم قصر النظر وقلة المدارك القيادية ، ومعادلته السياسية غير متوازنة ولن يكون لها حل منطقي . كذلك من لا يضع اعتبارا لما تسمى بالمجموعة الصامتة من الشعب فحسابته تعد ناقصه ، ومن لا يضع اعتبارا لجماعات اهل السنه والجماعة والسلفيين ، وبعض الجماعات الدينية الاخرى ، ومن لا يضع حسابات للمكونات السياسية الجنوبيه الاخرى من الحراك ومن اعضاء المؤتمر الشعبي العام والاصلاح والناصري وغيره ، و من لا يضع اعتبارا للسياسيين الذين لهم ورؤى قد تكون مختلفة بعض الشيء لكيفية الحل والاليات ، من لا يضع الاعتبارات لكل ما ذكرنا فانه سيدخل الجنوب في دوامه جديده إذا ساعده الشعب على المضي في طريقه .
وتواصلا مع نفس السياق اعلاه . . . . فإنه واثناء الاحتلال البريطاني لم نسمع او نعلم بان رئيس الوزراء البريطاني او وزير الدفاع او الخارجية ....او . . . او . . . الخ . . في بريطانيا كان من عدن او من المحميات ، وايضا اثناء الاحتلال السوفيتي لم نسمع او نعرف بان رئيس مجلس السوفيت الاعلى او الامين العام للحزب الشيوعي السوفيتي او قائد القوات البريه . . . . او . . . او. . . الخ . . كان من جمهورية اليمن الديمقراطيه الشعبيه . . . لم نسمع او نقرأ في تاريخ المحتلين بانهم أوكلوا مهام رئيسيه في دولتهم لشخصيات من الدول التي استعمروها، وبغض النظر عن القضية النسبية من ان الجنوبيين المتولين لمناصب في دولة الوحدة يتحملون مسئوليه دون صلاحيه وهذه امور تعود لتفسيرات اخرى اخطئ في قراءتها المخطئون غالبا ، وان كل ما أوردناه بالسياقات السابقة وبقياس المنطق للمجتمع الدولي يدل على ان دعوى الاحتلال والتحرر منه دعوى غير مفهومه وغير مقبولة ، فلماذا يضع مثل هؤلاء القادة العقبات امام القضية الجنوبيه ويطالبون الشعب بان يتجاوزها مع احتمال التجاوز بطرق اقل صعوبة ، واعظم الانتصارات والمنجزات ما تحقق باقل كلفه على الطرفين ، وبدلا من مقولة التحرير والاستقلال فانه بالإمكان القول بان الشمال تعامل مع الجنوب بطرق واساليب ترقى الى ممارسات المستعمر ، وحتما سيتقبلها المجتمع الدولي وهي مقوله تشرح نفسها ويندرج تحتها ما تم فعلا من الممارسات المقيتة والتي تبرر للجنوبيين حقهم في إعادة النظر في موضوع الوحدة واستفتائهم حول المخارج المطروحة .
انني استغرب من جرأت ونوايا من يتهرب من موضوع طرح القضية الجنوبية للاستفتاء الشعبي للجنوبيين ، وفي بعض الاحيان يكون التهرب تحت ذرائع ومبررات واهيه ، وافهم خلفيات ومقاصد ذلك التهرب . لقد سبق للسلطان محمد بن عيدروس العفيفي واخرون قبل الاستقلال ان طرحوا موضوع التعددية السياسية والمجلس الدستوري والاستفتاء حول نوعية نظام الحكم والدستور والوحدة مع الشمال على اعتبار ان لا احد مخول بان يقطع في الامور المصيريه الكبرى باسم الجنوب الا الشعب نفسه، وايضا اعتقد السلطان محمد ان في ذلك المخرج من كثرت الخلافات السياسيه التي كانت حينها بين الجنوبيين ، وخشيته من التوجه القوي الذي كان يلمسه نحو فرض الوصاية من بعض المكونات السياسيه الجنوبيه التي امتلكت السلاح والدعم الاعلامي ، واقترح ايضا ان يتم ذلك تحت رعاية لجنة تصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة حينها ، ولكن رفض التقدميون كل ذلك واعتبروا السلطان محمد رجعي وعميل وعدو للوحدة . الا تعتقدون معي ان ذلك الرجعي قد سبق زمانه بأكثر من نصف قرن ، ولكن العاطفة والهوى والاستحقاقات النضالية المأمولة حينها حكمت وتحكمت مع من ارتفعت اصواتهم في ذلك الزمان ايضا .

إن استخدام السلاح والاستحقاق النضالي وصراع الارادات وما يترتب عليهن من وصاية واقصاء هن ثلاث من مورثات ” النكد “ للشعب الجنوبي ويجب التفاهم والتوافق وقتل الانا باستبدالهن بالعمل السياسي السلمي وتغليب الإرادة الكلية للشعب على الارادات الجزئية للمكونات السياسية والاقتناع بالتعددية والديمقراطية والإدارة للكفاءات وبالمفاضلة .
لذلك فان الدخول الى الحديث عن الإرادة الكلية لشعب الجنوب هو المنطق والحل والأداة الشاملة لحل معظم مشاكل الجنوب المتراكمة والمتواترة ، وهو الحل للخروج من عنق الزجاجه التي حُشرت فيها القضية الجنوبية والجنوب بشكل عام ، وهي بداية الطريق للتأسيس للتعددية السياسية والديمقراطية اتجاها نحو الآمال بالأمن والاستقرار والعدالة ، وهو المنطق الذي تضعف معه كل الحجج من جميع الاطراف سوى كانت مع او ضد ، وهو السبيل للخروج الامن للجنوب والجنوبيين نحو المستقبل ، وفي الاخير هو الحل للاحتقان الحاصل بين بعض الاطراف الجنوبيه والذين يتمسك كل طرف منهم بكلمته وشعاره وذلك بان تتنازل تلك الاطراف عن مواقفها الجبريه عبر وضع جميع الدعاوى للمفاضلة الشعبية الكلية ، وعبر المطالبه بحق الجنوبيين في تقرير مصيرهم القادم بعد ان فشلت الوحدة في ان تحقق ما كان مرجوا منها واصبحت جثمان لا حياة فيه . . . . وحدة جغرافيا فقط وبدون الانسان .

إن طرح تصور يلبي حق المجتمع الجنوبي في تقرير ما يطمح اليه عبر التصويت عن كيفية موقفه من شكل ووضع الجنوب المستقبلي المبني على رغبته في إعادة النظر في موضوع الوحدة ومن خلال التصويت على مختلف الرؤى المطروحة على الساحة السياسية , ليحدد الشعب مصيره المتنازع عليه بينه وبين الدوله المركزية في صنعاء ، وكذلك لفظ الاشتباك بين العديد من المكونات السياسية الجنوبية ، ونرى ان مثل هذا التصور يتمتع بالمميزات الآتية :
• انه عودة حقيقيه للشعب الذي اُدعي باسمه كثيرا , وحل للقضية الجنوبية المزمنة والمتمثلة بالوصاية عليه والتقول باسمه منذ ما قبل الاستقلال .
• انه يفض الاشتباك حول تباين الرؤى بين مختلف المكونات السياسيه الجنوبيه .
• انه يحقق أي من الاطروحات المختلفة على اساس فرض ارادة الأغلبية الشعبية في ذلك ، وليس على اساس فرض ارادة حزب او مكون سياسي او فرض من الدوله المركزيه في صنعاء .
• يصعب على أي طرف رفض هذا المبدأ ظاهرا .
• يؤسس لثقافه ديمقراطية والاحتكام للصندوق عند التباينات السياسيه .
• يقطع الطريق على من يفكر بالوصول الى السلطة عبر التسلح والصراع والقاء الاخربالقوه تحت مبرر الادعاء بصحة الرؤية وامتلاك الشعبية .
• يجعل الاحزاب والتيارات والشخصيات السياسيه توجه جهودها السياسيه نحو خدمة المجتمع للكسب الشعبي للحسم عبر اصوات الامه ، بدلا من توجهها نحو كسب القوه بقصد الحسم مع الاخر عبر السلاح ، او اللجوء للتنازلات طمعا في الاستئثار من دون الاطراف الاخرى ، كما حدث مع استقلال عام 1967 .
• تكسر حلقة التطلعات المبنية على اساس الاستحقاق مقابل العمل النضالي , بترسيخ الممارسات الديمقراطية , والمعيار الحقيقي في الاستحقاق , وهو الكفاءة والمهنية والنزاهة , واعتبار العمل النضالي واجب على كل مواطن تجاه وطنه ومجتمعه لأمنه فيه ، ويجب ان يُنزه من كل شكل من اشكال ” الفيد “ المرفوضة .
• يقطع الطريق على من يتصيد الفضل والمنه , حيث سيكون الفضل للشعب ولا يستطيع أي طرف سياسي ان يزايد او يطالب باستحقاقات خارج اطار الاسس والقوانين المتعارف عليها .

ولتحقيق قتل الانا التي يتكلم عنها الجميع وكأنها متجسده في الغير والمتحدث عنها نظيف وبريء منها ، تحتاج لامتحان صعب لتجاوزها ولرسم صوره افضل للطريق المؤدية نحو المستقبل ، فأننا نضع هنا بعض النقاط التي سبق لنا عرضها على بعض الشخصيات والمكونات السياسيه قبل خمسة عشر شهرا بقصد التوافق والتوقيع عليها باعتبارها في نظرنا الطريق والوسيلة نحو الحل الامثل والآمن للقضية الجنوبية ، ويجب ان يكون الشعب الجنوبي شاهد ومشرف عليها ، باعتبار انه وحتى الان لا يوجد من هو مخول عبر الاليات المتعارف عليها للحديث عن الشعب الجنوبي .
لقد باتت مهمة إعادة ترتيب البيت السياسي الجنوبي على أسس توافقيه وعقلانيه , وعلى مبادئ عامة وقواسم مشتركة , مهمة ملحة ولو بحدودها الدنيا من التوافق , لتشكيل مصفوفه متحدة تُأمن السير نحو الهدف الذي ترتضيه الأغلبية الشعبية وبالقليل من الخلافات بين المكونات والشخصيات السياسية ، والا فإن اي حل سيخرج به مؤتمر الحوار او مجموعة الستة عشر سيكون المتاح والمفروض .

إن جوهر الازمه بين مختلف المكونات والرموز السياسيه الجنوبيه في نظرنا ونظر العديد غيرنا تكمن في نقطتين اساسيتين ؛
الاولى : وهي ازمة الثقة المترتبة عن تراكمات الماضي .
والثانية : وهي الذاتية والتي تحرص على كيفية تمكين الذات على حساب القضية العامة ، وفي سبيل ذلك تسعى الذات نحو استبعاد البعض من الكل الجنوبي ووضع المصوغات والمبررات ، وبذلك سيدخل الجنوب نفس مربع الخطأ الاول من جديد . ويتحتم التعامل مع هذه النقطه بشكل يجعل من الصعوبة بمكان البحث عن الكينونة خلالها الا من خلال اُسس ومعايير تُطبق على الجميع ، مع الترسيخ لحرية الرأي المفرد في إطار كينونة الكل المجتمِع .
ولكي يحدث تقارب وتوافق بين معظم الاطراف المتناثرة والمتنافرة ، فأننا نعتقد بانه لابد من وضع صيغه سياسيه توافقيه تتعامل مع مضمون القضية ككل ومع النقطتين المذكورتين اعلاه ، وتحتفظ بمسافه واحده من جميع الرؤى باستبعاد موضوع فرض الارادات الجزئية للمكونات السياسية وذلك بجعلها لصالح الإرادة الكلية للمجتمع ، وتتجنب مثل هذه الصيغه التوافقيه قدر الامكان استخدام الصيغ والمفردات الخاصة باي طرف او التي تُقصي اي طرف ، وتأخذ بكل الاعتبارات المؤثره سلبا والمحاذير المنظورة ، واخراج الامور بالحلول التوافقيه .
يجب ان تضع القيادات السياسيه في الاعتبار ان الاختلاف الى حد الاحتقان يتعدى المصلحه العامة الى ضدها ، وأن الاخذ بمبدئ تأجيل الخوض في الامور الخلافية ، واللجوء الى الشعب للاستفتاء عليها متى كان الامر متاحا هو صمام امان للمستقبل ، وأن البعد عن ثقافة العنف والوصاية والفرض والكراهية ، وتعميق ثقافة الحجه وثقافة القبول بالآخر - والذي بدونه لا نشكل الكل الجنوبي - هما مدخل لثقافه جديده تفصلنا عن الثقافة المشوهة والمأزومة.

وبناءً على كل ما ذكر سابقا فإنني قد سبق لي ان وضعت أمام بعض النشطاء والقيادات السياسية الجنوبية مشروع مبادرة ، وكان طموحي في ان تكون بمثابة ميثاق شرف يقبل به معظم الطيف السياسي الجنوبي ان لم يكن اجمعه ، وقد راعت نقاط هذه المبادرة الإشكال الحاصل بين مختلف المكونات السياسيه بغرض توحيد مسار الهدف التفاوضي على القضية الجنوبية ، وكذلك يعد مشروع المبادرة نوع من الضمانات التي تبدد مخاوف مختلف الاطراف حول المستقبل اذا ما اعتبرت نقاط هذه المبادرة كوثيقة شرف يلتقي حولها معظم الاطراف .
مشروع المبادرة رُسم على محورين رئيسيين ؛ الاول ؛ ويتعامل مع قضية حل الاختلاف او التعدد في مخارج حل القضية الجنوبية .
والمحور الاخر ؛ وتعاملت عدد من نقاطه مع ايجاد الضمانات لما بعد حل القضية الجنوبية وهي بشكل او باخر تضع اسس عمليه للدعوات في موضوع التصالح والتسامح والتي لا يمكن الركون على الترديد العاطفي لهذا الشعار إن لم توجد معايير ملزمه للجميع ومحرجه لمن يتجاوزها .
كما دعيت في تلك الورقه , مختلف القوى والشخصيات السياسية الجنوبية الى تبني فكرة الامتثال لإرادة الشعب مهما كانت نتيجة هذا الامتثال ، باعتبار الشعب فوق المكونات والأحزاب السياسيه , ومصدر الشرعية وهدف العمل السياسي والتنموي ، وباعتبار هذا الامتثال يمثل الاتجاه نحو الية عادله للجميع ومخرج مشرف لكل الفرقاء السياسيين فيما هم فيه مختلفين . وباعتبار هذا الامتثال بداية الطريق الصحيح نحو المستقبل الذي ينشده الجنوب والجنوبيين ، وكانت نقاط المبادرة كالتالي :

1- ارجاع موضوع تقرير الخيار برمته الى الشعب الجنوبي ليقول كلمته في ما يختار من مختلف الرؤى المطروحة , وان لا تفرض أي من الاحزاب والتيارات السياسية ولا الدولة اليمنية وصايتها ورؤيتها بعيدا عن الحقيقة التي ستجسدها غالبية الإرادة الشعبية , وان ليس لأي ان يدعي ان غالبية الشعب في الجنوب يؤيد ما يدعيه هو قبل ان يُحقق ذلك عبر صناديق الاقتراع او الاستفتاء . 2 - ان يتوافق الجميع على عدم مصادرة حق الاخرين في رؤيتهم وقناعاتهم , والنسبة الشعبية التي يمثلونها , ولا يجوز تجيير اصوات المواطنين دون استفتاء , ودون اعتبار للكتلة اللامنتمية سياسيا او الصامتة في المعادلة الشعبية والسياسية , والتي غالبا تقيس الامور وتطرح قناعاتها بصوت منخفض , وبمقياس الصح والخطأ بمنظورها أيا كان مصدره لا بمقياس الأيديولوجية والانتماء السياسي .
3 - العمل على حل القضية الجنوبية في إطار من الحوار والتفاوض والعمل السياسي السلمي , على ان يتم ذلك تحت إشراف اقليمي و دولي , سعيا نحو تحقيق الهدف الذي يرتضيه غالبية ابناء الجنوب .
4 - تأصيل فكرة ومضمون وممارسة العمل السياسي السلمي من اجل الحصول على حق المواطنين الجنوبيين في تقرير مصيرهم بأنفسهم , لان العمل المغاير سيؤصل لثقافة العنف والاستقواء والاستحواذ والفرض لاحقا , وقد اثبت العمل السلمي فاعليته كاداه حضاريه فاعله وآمنه , واقل كلفة على الاستقرار والثقافة والتطور والبنيه المجتمعية والاقتصادية .
5 - التوافق على عدم شرعية التنافس على السلطة في الجنوب القادم بمفهوم الاستحقاق النضالي ، واستخدام اساليب القوه والعنف ، والثقافة غير المتمدنة التي تؤدي الى عدم الاستقرار وبالتالي الى عدم تطور المجتمع ونمائه ، وان انتهاج الاسلوب والمعايير الديموقراطية هي الخيار الحضاري والآمن الذي يحفظ للجميع حقوقهم ويرسخ السلام والامن والاستقرار ويوقف إرث الصراعات المتسلسل الذي عهدناه .
6 - التوافق على ان أي نظام سياسي بثقافه ديموقراطية حقيقيه , منضبطة ومتدرجه سيتسع لجميع تشكيلة الطيف السياسي والاجتماعي وان الصندوق عندما يحين دوره , سيُفرز حجم كل حزب او تيار ونسبة تمثيله او شعبيته وان هذه النسبة متغيرة ولا يستطيع احد تطويعها بأدوات الدوله الشموليه بعد الان . وان أي قضايا خلافيه مستقبلا , إما ان يؤجل نقاشها الى ان تحين الظروف المواتيه للتوافق عليها , وإما أن تُطرح للاستفتاء الشعبي متى ما كان ذلك متاحا .
7 - التوافق على ما أثبتته الاحداث والمعطيات في مدى الحقب الماضيه من ان أي نظام في الجزيرة العربية , يجب ان يكون نظاما سياسيا منسجما مع واقعنا الاسلامي والعربي والتاريخي , ومع ما حوله من الأنظمة حتى تتكامل المصالح بدلا من تعارضها وحتى يحصل الاندماج في التكتل الاقليمي لدول هذه المنطقه , لما لذلك من اهمية ومردود على امن واستقرار المنطقه بشكل عام .
8 - التوافق على ان يكون اي نظام سياسي قادم بتكوينه اجتماعيه وسياسيه مشابه لما هو حاصل في بعض البلدان الإسلامية والعربية المستقرة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا لا تقصي القديم وتتقبل الواقع الجديد ويتم الاستفتاء على صيغة نظام الحكم ومسمى الدوله ثم إعداد الدستور القادم والاستفتاء عليه في حينها .
9 - التوافق على قيام نظام فيدرالي جنوبي , او نظام محلي واسع الصلاحية مبني على اسس اجتماعيه واقتصاديه وجغرافية يتوافق عليها ابنا الجنوب بما يحقق توسيع دائرة المشاركة في السلطة ولامركزية نظام الحكم
10 - التوافق على ضرورة الرعاية الإقليمية والدولية المصاحبة واللاحقة لحل القضية الجنوبية حتى يتم ضمان تثبيت خيار غالبية الشعب الجنوبي وتطبيق اي ميثاق شرف متفق عليه بين مختلف المكونات والرموز السياسيه الجنوبيه .


إن إبطاء او تعطيل دوران عجلة الحياه والانفلات الامني موضوعان مهمان مترافقان مع القضية الجنوبية ، والنضال من اجل تحقيق استقرارهما وتحسين مستواهما هو النضال الاصعب والنضال العصري والمتمدن، والنضال الذي يُثبت الاحساس بالمسؤولية والسمو بالتطلعات والاهداف والآمال ، والخوف على المجتمع من موبقات الانفلات والتقهقر الى الخلف والتي نشاهدها حيه في عدد من بلدان العالم العربي ، ومن لا يتعظ فلا يُرجى منه خير ولأ حكمة ولا بصيرة .
إن على الجنوبيين ان يحملوا شعار ومفهوم انهم قد اعادوا النظر في موضوع الوحدة واصبحوا الان يقيمونها سلبا بنفس النسبة العالية التي قيموها فيها ايجابا قبل حدوثها , وان من الاسباب العديدة لذلك هو عدم وجود دولة مؤسسات , وعدم العمل بالقانون , والمفاهيم المتخلفة , والمظالم والفساد واستقواء مافيات الفساد ومراكز القوى لتعطيل العدل والقانون والنظام وتسخير الدولة لخدمة مصالحها على حساب مصالح الشعب والكثير من المساوئ التي يعرفها الجميع تقريبا ، وبشكل مختصر يمكن القول بان الوحدة اُفرغت من مضامينها الإيجابية التي كانت مأموله منها ، فاذا كانت هذه شكوانا فيجب ان نثبت من جانبنا اننا على العكس من ذلك ، وان الامر ليس حجه ودعوى سياسيه فقط وان هذا هو واقعنا ومفهومنا .
إن المساوئ التي رأيناها واشتكينا منها في الوحدة يجب ان نمارس عكسها في جميع مناطقنا كجنوبيين ، وفي جميع المرافق والادارات ، فيجب ان نرفض كل انواع الفيد والاستقواء والبسط والفساد والتسيب الاداري وتعطيل المشاريع تحت مبررات داله على ضيق افق من يوجه ومن ينفذ ، ويجب ان نرفض الفوضى والتخريب والخروج على النظام ، ونساعد على تثبيت الامن والاستقرار واستمرار دوران عجلة العمل والخدمات والعدل وجميعها رسائل محتظره باننا مختلفون وهذا هو برهاننا ، بالإضافة الى انه يكفينا تعطيل لعجلة الحياه والتقدم لما يقارب نصف قرن تخلفنا بسببه عن الاخرين بما يعادل تلك الفترة ، نحن بهذه الطريقه نستطيع ان نمارس السياسة ونضع مطالبنا ولا نعطل دوران عجلة الحياة والتنمية في مجتمعنا مهما كان حجم هذه التنمية ضئيل فعلينا ان نرعاه وننميه لا ان نُقطع ما تبقى فيه من شرايين للحياة ، فتضائل التنمية كان سببه عدم وجود الامن والاستقرار والقانون ، وتلك الامور وردت علينا لأننا سلكنا الدروب الخطأ ، إن ما ذكرت من اعمال مثاليه ومرغوبه وهي تناقض ما كرهناه في الوحدة ستكون نوع من انواع النضال المتحضر الذي يجب ان ترافقه صور واشكال اخرى من النضال لها تأثير ومفعول كبيرلي القضية الجنوبية ، ورسائل ايجابيه الى العالم دون ان تؤثر سلبا على امن وسير وتطور وثقافة المجتمع الجنوبي ، وهي اعمال نضاليه واعيه تبني وتُعلي ولذلك فهي اصعب واسمى من أعمال الهدم والفوضى والتي يعتقد البعض انها تعني النضال إلا بالمفهوم الرجعي القديم .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.