صرخة في وجه الطغيان: "آل قطران" ليسوا أرقاماً في سرداب النسيان!    كتاب جديد لعلوان الجيلاني يوثق سيرة أحد أعلام التصوف في اليمن    أبو الغيط يجدد الموقف العربي الملتزم بوحدة اليمن ودعم الحكومة الشرعية    البنك المركزي بصنعاء يحذر من شركة وكيانات وهمية تمارس أنشطة احتيالية    الكويت تؤكد أهمية تضافر الجهود الإقليمية والدولية لحفظ وحدة وسيادة اليمن    صنعاء.. تشييع جثامين خمسة ضباط برتب عليا قضوا في عمليات «إسناد غزة»    صنعاء توجه بتخصيص باصات للنساء وسط انتقادات ورفض ناشطين    وطن الحزن.. حين يصير الألم هوية    فقيد الوطن و الساحة الفنية الدكتور علوي عبدالله طاهر    حريق يلتهم مستودع طاقة شمسية في المكلا    مصر: نتنياهو يعرقل المرحلة الثانية من اتفاق غزة    إصابة مواطنين ومهاجر إفريقي بقصف متجدد للعدو السعودي على صعدة    حضرموت تكسر ظهر اقتصاد الإعاشة: يصرخ لصوص الوحدة حين يقترب الجنوب من نفطه    تحليل في بيانات الحزب الاشتراكي اليمني في الرياض وعدن    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يزور عددا من المصانع العاملة والمتعثرة    البنك المركزي اليمني يحذّر من التعامل مع "كيو نت" والكيانات الوهمية الأخرى    توتر جديد بين مرتزقة العدوان: اشتباكات مستمرة في حضرموت    الرشيد تعز يعتلي صدارة المجموعة الرابعة بعد فوزه على السد مأرب في دوري الدرجة الثانية    صنعاء.. تشييع جثمان الشهيد يحيى صوفان في مديرية الطيال    لحج.. تخرج الدفعة الأولى من معلمي المعهد العالي للمعلمين بلبعوس.    هيئة التأمينات تعلن صرف نصف معاش للمتقاعدين المدنيين    مدرسة الإمام علي تحرز المركز الأول في مسابقة القرآن الكريم لطلاب الصف الأول الأساسي    صنعاء تحتفل بتوطين زراعة القوقعة لأول مرة في اليمن    المحرّمي يؤكد أهمية الشراكة مع القطاع الخاص لتعزيز الاقتصاد وضمان استقرار الأسواق    تعز أبية رغم الإرهاب    3923 خريجاً يؤدون امتحان مزاولة المهنة بصنعاء للعام 2025    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    بالفيديو .. وزارة الداخلية تعلن دعمها الكامل لتحركات المجلس الانتقالي وتطالب الرئيس الزبيدي بإعلان دولة الجنوب العربي    ميسي يتربّع على قمة رياضيي القرن ال21    استثمار سعودي - أوروبي لتطوير حلول طويلة الأمد لتخزين الطاقة    الأميّة المرورية.. خطر صامت يفتك بالطرق وأرواح الناس    باكستان تبرم صفقة أسلحة ب 4.6 مليار دولار مع قوات حفتر في ليبيا    أرسنال يهزم كريستال بالاس بعد 16 ركلة ترجيح ويتأهل إلى نصف نهائي كأس الرابطة    تركيا تدق ناقوس الخطر.. 15 مليون مدمن    ذا كريدل": اليمن ساحة "حرب باردة" بين الرياض وأبو ظبي    نيجيريا.. قتلى وجرحى بانفجار "عبوة ناسفة" استهدفت جامع    سلامة قلبك يا حاشد    المدير التنفيذي للجمعية اليمنية للإعلام الرياضي بشير سنان يكرم الزملاء المصوّرين الصحفيين الذين شاركوا في تغطية بطولات كبرى أُقيمت في دولة قطر عام 2025    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    الجزائر تفتتح مشوارها بأمم إفريقيا بفوز ساحق على السودان"    تعود لاكثر من 300 عام : اكتشاف قبور اثرية وتحديد هويتها في ذمار    ضبط محطات غير قانونية لتكرير المشتقات النفطية في الخشعة بحضرموت    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في مشروع سد حسان بمحافظة أبين    الحديدة تدشن فعاليات جمعة رجب بلقاء موسع يجمع العلماء والقيادات    هيئة الزكاة تدشن برامج صحية واجتماعية جديدة في صعدة    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    دور الهيئة النسائية في ترسيخ قيم "جمعة رجب" وحماية المجتمع من طمس الهوية    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    تضامن حضرموت يواجه مساء اليوم النهضة العماني في كأس الخليج للأندية    الفواكه المجففة تمنح الطاقة والدفء في الشتاء    تكريم الفائزات ببطولة الرماية المفتوحة في صنعاء    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    تحذيرات طبية من خطورة تجمعات مياه المجاري في عدد من الأحياء بمدينة إب    مرض الفشل الكلوي (33)    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدوائر الأربعة: كيف يمكن فهم مستقبل جماعة الإخوان في الإقليم؟
نشر في عدن الغد يوم 06 - 11 - 2013


كتب/ د. عزمي خليفة
تطرح التطورات التي تشهدها مصر منذ 30 يونيو 2013، تساؤلات عدة حول مستقبل جماعة الإخوان المسلمين، ليس فى مصر فقط، وإنما فى مجمل منطقة الشرق الأوسط، وكذلك حول مستقبل تيارات الإسلام السياسي في مصر والمنطقة العربية ككل.
موضوعات ذات صلة
وتجادل هذه الورقة، بأن وضع تصور مستقبلي للجماعة في المنطقة خلال المرحلة القادمة، يتطلب تحليل تفاعلات الجماعة في أربع دوائر متداخلة متحدة المركز،هي: علاقة الجماعة بقواعدها فى مصر، طبيعة علاقتها بالدولة المصرية، طبيعة علاقاتها بالمجتمع المصرى، وأخيرا طبيعة علاقتها بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين, وتحليل التفاعلات في هذه الدوائر الأربع، له تأثيره على تنظيمات الإخوان المسلمين في دولالاقليم،وعلى مستقبل لجماعة فى الاقليم ككل.

أولا:الجماعة وقواعدها التنظيمية فى مصر:

تواجه جماعة الإخوان المسلمين مشكلتين على جانب كبير من الأهمية فيما يتعلق بعلاقاتها بقواعدها التنظيمية، تتمثل المشكلة الأولى في أزمة "عدم رضا" قطاعات كبيرة من شباب الجماعة عن أسلوب إدارة قيادات الجماعة للازمة التي عصفت بحكم الإخوان بعد مرور عام واحد فقط على توليهم الحكم، وتنصرف المشكلة الثانية إلى الجمود الأيديولوجي للجماعة وانغلاق التنظيم باعتباره تنظيما يتصور أنه يحتكر الحقيقة، بسبب خلطه الدين بالسياسة، في وقت يتجه فيه العالم إلى التنظيمات المفتوحة فكريا، والتي تأخذ بعين الاعتبار أن الحقيقة لا يمكن الوصول إليها إلا عبر أسلوب تفاعلي بين وجهات نظر عديدة، كل منها يملك جزء من الحقيقة بما يتناسب مع عصر المعلومات الذي أسقط كافة الحواجز السياسية والاقتصادية، والاجتماعية والزمنية والجغرافية، والذي يتميز بالتغييرات السريعة والعميقة.

وبالتالي، فإن لعلاقة الجماعة بقواعدها داخل مصر بعدان، يتعلق الأول بالأزمة الجيلية، وما قد يترتب عليها من انشقاقات ستؤثر بشكل مباشر علي هيكل التنظيم، ويتمثل البعد الثاني في الأزمة التنظيمية بما تطرحه من تحديات لإعادة تشكيل الجماعة، بما يتسق وعصر مازالت الجماعة تفصلها عنه فجوة كبيرة تنظيميا وفكريا، خاصة وأن محاولات الجماعة لتطوير فقه الضرورة ثبت أنها لم تكن كافية لتحصين الجماعة ضد التحديات التي تواجهها, وهاتين الأزمتين تنعكسان بطبيعة الأحوال على وضع الجماعة فى مختلف دول الشرق الأوسط.

حيث تعد أزمة الجماعة فى مصر "منبه" يحتاج لاستجابة سريعة من تنظيمات الإخوان فى دول الاقليم، خاصة الأزمة الجيلية، إذ أن ثلثى عدد سكان الشرق الاوسط من الشباب ما دون 36 عام, اضافة الى ان هذا الشباب نتاج عصر المعلومات والتفاعلية الناتجة عنه، وليس نتاج ثقافة التلقين التى يؤمن بها الجيل القيادى، وهو ما سيزيد الازمة حدة فى مختلف دول الاقليم.

ثانيا:الجماعة والدولة:

من المؤكد أن سلوك الجماعة في إدارة أزمة عزل الرئيس السابق محمد مرسى فى مصر، سيلقى بظلاله السلبية على طبيعة علاقات الجماعة بالنظام الجديد، فبالإضافة إلى أن الجماعة اتخذت موقفا معاديا من جميع مؤسسات الدولة كالقضاء بكافة مستوياته والإعلام والشرطة، والجيش والجهاز التنفيذي بمجمله، بسبب اتهامها لهذه الأجهزة بأنها تعمل لصالح نظام مبارك، حاولت السيطرة عليها من خلال اتباع استراتيجية "الأخونة"، ومن ثم فقد جاء تصعيد الجماعة لأزمة العزل واستخدام السلاح واستخدام الجماعات الإرهابية المتحالفة معها في سيناء ضد القوات المسلحة ليجعل العلاقة في المستقبل تقوم على الشك وتعميق عدم الثقة، خاصة وان الجماعة اعتبرت عودة قطاع الأمن السياسي، الذي يتتبع التنظيمات الإسلامية المتطرفة،هدفه متابعة نشاط الجماعة مرة أخرى.

وقد ازداد عمق هذه الازمة، نتيجة ادراك الشعب المصري أن سلم أولويات الجماعة كان معكوسا، فبدلا من إعطاء المصالح المصرية الأولوية اهتمت الجماعة خلال العام الذي حكمت فيه مصر بإعطاء الأولوية لعلاقاتها بأفرع التنظيم التابعة لها مثل حماس في فلسطين، والنهضة في تونس، والعدالة والتنمية في تركيا، كما أبدت الجماعة تساهلا إزاء المطالب الاقليمية لبعض دول الجوار، مثل مطالب السودان فى حلايب وشلاتين, وفى التعامل مع الجماعات الارهابية مثل تلك التي أدت إلي اغتيال 17 ضابط وجندى من حرس الحدود فى رفح، ثم اختطاف بعض الجنود ورفض الرئيس مرسى متابعة الخاطفين لإلقاء القبض عليهم. ومجمل هذا السلوك للدولة المصرية تحت حكم مرسى جاء استنادا إلى إعطاء الجماعة أولوية مطلقة لمفهوم "الأمة الاسلامية" على حساب مفهوم "الدولة القومية"، إضافة إلى اختراق الأمن القومي على جميع المحاور، وليس في سيناء فقط، كما قد يبدو لأول وهلة, وهذا التعميق لأزمة عدم الثقة يتطلب فى المستقبل إجراءات مطولة لبناء الثقة بين الطرفين، بقدر ما يتطلب إثبات حسن النوايا من الطرفين تجاه الآخر، خاصة وان الجماعة ستكون في هذا الوضع في حالة استضعاف.

ومن المتوقع أن تنعكس هذه الأزمة سلبا على التنظيمات الإخوانية فى دول الشرق الأوسط، مما سيؤثر مباشرة على شكل الخريطة الإستراتيجية للشرق الأوسط، من خلال تغيير نمط انتشار القوة ونمط التحالفات بين دول الاقليم .ففى الوقت الراهن تواجه تنظيمات الاخوان المسلمين فى دول الاقليم أزمة عدم ثقة بدأت مع اكتشاف الخلية الإخوانية فى الإمارات وما أثير عن تمويل أخوان الكويت لها, وازدادت الأزمة عمقا بعد عزل مرسى، مما أدى الى تقارب خليجى -مصرى مقابل تدهور العلاقات المصرية والخليجية مع تركيا، والتى احتضنت على أراضيها اجتماعا للتنظيم الدولى لمواجهة أزمة الاخوان فى مصر, خاصة وان الهدف التركى المتمثل فى ان تكون تركيا حلقة وصل بين التنظيمات الإسلامية فى الشرق الاوسط من ناحية، والسياسة الامريكية من ناحية اخرى، قد انهار مما افقدها دورا متميزا كان ينتظرها حال تحقيق هذا الهدف.

ثالثا: الجماعة والمجتمع:
من الواضح أن المجتمع المصري قد حسم أمره بالوقوف ضد الإخوان، وهذا ما يؤكده الحشد الجماهيري غير المسبوق يوم 30 يونيو استجابة لدعوة حركة تمرد، ويوم 26 يوليو 2013 استجابة لدعوة الفريق أول عبد الفتاح السيسي لمنح القوات المسلحة تفويضا لمواجهة العنف والإرهاب. ويرجع وقوف المجتمع ضد الجماعة في هذه المرحلة لاعتبارات عديدة منها, وجود أزمات عديدة خلال فترة حكمها عانى منها المواطن, أحيانا في المواد البترولية وأحيانا أخرى في المواد التموينية و الكهرباء.

ولكن الأخطر والأهم أن الجماعة أسست فور توليها الحكم لنمط من الأصولية الدينية، ورسختها فى المجتمع حين تنكرت لكل الاتفاقات التي عقدتها مع التيارات المدنية قبل الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة المصرية في يونيو 2012، متهمة القوى الأخرى بالكفر ومعاداة المشروع الاسلامى ومكتفية بالتنسيق مع مختلف التيارات الدينية الأخرى، مثل التيار السلفي والسلفية الجهادية والجماعة الإسلامية, وذلك قبل انشقاق التيار السلفي ممثلا فى حزب النور عن هذا التحالف، ليتحول الى تحالف ثلاثي بين الجماعة والسلفيةالجهادية والجماعة الإسلامية.

ولم يقف الحال عند تكفير المخالفين لها فكريا، وإنما رفضت انتقاد الرئيس, ورفض سياسات الجماعة , وادعى قيادات الجماعة، أن الجماعة تولت الحكم لتقيم شرع الله, وترتب على ذلك، ان أصبح مجرد انتقاد سلوك وقرارات الجماعة او بعض أعضائها هو رفض وانتقاد للدين الحنيف والشريعة السمحاء, وشنت حملة منظمة للربط بين الكفر من ناحية، وفكرة الفصل بين الدين والسياسة التى تعد أساسيه حتى في الفكر الاسلامى.

فعند الرعيل الأول من المسلمين، كان لفظ الحكومة يشير الى إدارة العدالة، أى الى القضاء، بينما كان يطلق على السلطة السياسية التى تمارس السلطة التنفيذية لفظ "الأمر", وبناء على ذلك فان استخدام المسلمين المعاصرين لفظ الحكومة للاشارة الى السلطة التنفيذية فانهم يستعملونه بمعنى اصطلاحى اكتسبه اللفظ عبر تطور تاريخى، بدلا من المعنى الاصلى الوارد فى القران الكريم، والذى استخدمه بالفعل المسلمين الاوائل، ومن ثم فالايه القرآنية التى يستخدمها بعض التيارات الإسلامية المعاصرة للاشارة للحكم الاسلامى "ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون"، فانهم يقصدون ان من لم يحكم فى شئون الدولة والسياسة بما انزل الله فهو كافر ,فى حين أن الآية تقصد أن من لم يقض فى الخصومات (من اهل الكتاب)بغير ما انزل الله(فى التوراة)يعتبر منكرا لهذا الحكم. وهذا الاستخدام للآية الكريمة دون التمييز بين المعنى الأصلى والمعنى الاصطلاحي المكتسب وبكثير من المغالطة، أدى إلى تحول الدين من هدف ينبغي التمسك به إلى وسيله لتبرير الاستيلاء على السلطة.

كونت مجمل هذه المشكلات شعورا لدى المواطن المصري معارضا للجماعة بصفة خاصة، ومعارضا لتيارات الإسلام السياسي بصفة عامة، مما سيرتب عقبات تحول دون استمرار الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية ككل بصفة عامة، والجماعة بصفة خاصة، في المشهد السياسي بنفس أوضاعها السابقة فى مختلف دول الشرق الاوسط, خاصة وأن الاصولية الدينية التى أسست لها الجماعة خلال فترة حكمها، ترتب عليها كرد فعل عكسى أصولية مدنية، كان سلاحها التخوين والاتهامات بالعمالة، مما زاد الاستقطاب الداخلى فى دول الاقليم.


رابعا:الجماعة والتنظيم الدولي:

أما رابع هذه الدوائر فهي دائرة علاقة الجماعة بالتنظيم الدولي، حيث يؤثر التفاعل في هذه الدائرة مباشرة على علاقة الجماعة بأفرعها في مختلف الدول الإسلامية عامة والعربية خاصة، فنظرا لعدم أخذ الجماعة بتوجهات التنظيم الدولي لحل أزمة 30 يونيو، وسوء إدارتها للازمة بعد ذلك من خلال لجوئها للعنف وليس مجرد التظاهر السلمي، ومارابتط بذلك من اكتشاف 11 جثة تعرضت للتعذيب حتى الموت في رابعة العدوية ومنطقة الجامعة قبل فض الاعتصام ، واكتشاف العديد من الجثث بعد فض الاعتصامين واستمرار التظاهر بالقرب من المناطق العسكرية، وقطع الطرق واستخدام الأطفال والنساء كدروع بشرية، واستمرار الحض على الكراهية والتحريض على العنف واستخدام السلاح، فقد تعقدت علاقة الجماعة بالدولة والمجتمع في مصر، كما تأثرت سلبا بالتنظيم الدولي الذي وجد نفسه في موقع الدفاع، وفى موقف يزداد تباعدا مع هذا التنظيم بالرغم من حيوية دوره للجماعة فى الوقت الراهن.

وبالرغم من ذلك، فقد نشط التنظيم الدولى مرة أخرى لمساندة الجماعة من خلال بعض مؤسساته فى أوروبا وأمريكا, ففى أوروبا كان التدخل من خلال اتحاد المنظمات الاسلامية فى أوروبا الذى انشئ عام 1989 فى بريطانيا ,ومنتدى المنظمات الشبابية والطلابية الاوروبية المسلمة ومقره بروكسل، والذي أنشيء في 1996، وكل منهما على علاقة قوية بالاتحاد الاوروبى ومؤسساته، وهو ما يفسر بعض ابعاد الاهتمام الاوروبى بالازمة فى مصر.

وفى الولايات المتحدة كان التدخل من خلال شركات متخصصة فى العلاقات العامة وأكثر من منظمة واحدة مثل الجمعية الاسلامية الامريكية التى تكونت عام 1992، والمجلس الاسلامى الامريكى والجمعية الاسلامية لأمريكا الشمالية السابق تكوينهما عام 1981، والمعهد العالمى للفكر الاسلامى ورابطة الطلاب المسلمين فى امريكا الشمالية، وهى مؤسسات وان كانت قد نجحت فى ممارسة ضغوط على الادارة الامريكية، إلا أنها كشفت عن مخاطر مثل هذه التنظيمات، سواء من حيث قدرتها على تعبئة الموارد لجماعات الأخوان المسلمين فى مختلف دول الشرق الأوسط، أو محاولاتها حشد المجتمع الدولى ضد مصر.

خامسا:مستقبل الجماعة فى الشرق الاوسط:

إن هذه التفاعلات في الدوائر الأربع، تطرح عدة سيناريوهات أمام مستقبل الجماعة فى مختلف دول الشرق الاوسط، يتمثل السيناريو الأولفيأن تحافظ الجماعة على وجودها في المشهد السياسي المصري، ولكن بجيل جديد من القيادات الأصغر سنا - وهو ما تميل إليه النخبة السياسية الحاكمة وفقا لمؤشرات عديدة – وبعد مراجعة لمعتقدات الجماعة، وبخاصة فيما يتعلق بحل إشكالية الولاء المنقسم بين الأمة والدولة القومية، وبهذا يمكن أن تكون الجماعة مكونا من عملية مصالحة سياسية واسعة تحتاجها مصر بقدر ما تحتاجها الجماعة في هذه المرحلة من "الاستضعاف".

واحتمال تحقق هذا ضعيف،فاختفاء جيل القيادات القديم سيؤدى إلى تشرذم تنظيم الجماعة لنشهد تشكيل عدة جماعات تعمل تحت اسم الإخوان المسلمين، وهى ظاهرة عرفتها معظم التنظيمات التي سبق وعملت بالسياسة المصرية بدءا من أحزاب الأقلية مثل الأحزاب الشيوعية، وانتهاء بحزب الوفد، ومن المتوقع أن تفرز التفاعلات بين هذه الجماعات قيادة جديدة، تكون قادرة على التحرك في اتجاه بلورة نمط تنظيمي جديد، أكثر استجابة لتحديات العصر، يعمل على توحيد هذه التنظيمات مرة أخرى.

وايا ما كان الامر فمن المؤكد أن غلبة حالة "الاستضعاف" على الجماعة، ستنعكس سلبا على وضعية الجماعة فى معظم دول الاقليم، بل وعلى التنظيم الدولى للاخوان نفسه، ومن ثم تتغير طبيعة التحالفات التى تسيطر على كل من النظام الاقليمى الشرق اوسطى والنظام الاقليمى العربى بداخله، بحيث يسود التحالف المصرى الخليجى وبما ينعكس سلبا على العلاقات مع كل من إيران وتركيا.

ويتعلق السيناريو الثاني بألا تتمكن الجماعة من المحافظة على وجودها في المشهد السياسي المصري، كما حدث في أعقاب أزمتي 1954 و1965، ومن ثم تلجأ أعداد متزايدة منها للهجرة إلى الخارج مع المحافظة على الحد الأدنى للتواجد السياسي، وهو سيناريو يتسبب في إصابة الجماعة بقدر أكبر من الضعف، نظرا لتحسب الدول العربية وخاصة الخليجية لاحتمالات هذا السيناريو، وتحفزها لمواجهة هذه الهجرة نتيجة اقتناع هذه الدول أن الجماعة لا تستهدف سوى السلطة، وإقامة خلافة إسلامية فيها. وقد تؤثر هذه الاوضاع على تغيير اتجاه هجرة قيادات الجماعة الى اوروبا وأمريكا، بدلا من الهجرة لدول الشرق الاوسط فى محاولة لرأب صدع ما حدث مع هاتين القوتين.

وينصرف السيناريو الثالث،وهو أسوأ السيناريوهات على الإطلاق، إلى استمرار اعتماد الجماعة على التحالف مع الجماعات والتيارات الجهادية لإنهاك الجيش المصري، وتشويه صورته عبر شن حرب استنزاف ضده، سواء في سيناء أو من خلال القيام ببعض العمليات التخريبية في العاصمة وبعض المدن الرئيسية كالقاهرة والإسكندرية والمنصورة والإسماعيلية ومطروح والجيزة، وهو سيناريو لا يتوقع أن يستمر طويلا حال تنفيذه لأن من يواجه الإرهاب اليوم في مصر الدولة بكامل مؤسساتها، والمجتمع بكافة قطاعاته وتنظيماته المدنية التي تكتسب خبرات متزايدة يوما بعد آخر فى هذا المجال. ومن المتوقع في حال تحقق هذا السيناريو، ان تلجأ المؤسسات الأمنية في دول المنطقة لتوجيه ضربات حاسمة الى الجماعة وحظر تشكيلاتها تماما.

إن هذه السيناريوهات الثلاثة توضح أنه بعد هدوء "عاصفة" مواجهة الجماعة مع الدولة والمجتمع في مصر، لن يكون المشهد السياسي في مصر وفى الشرق الاوسط ككل على ما كان عليه قبل 25 يناير 2011، ولا قبل 30 يونيو 2013، بل سيكون مشهدا مؤسسا على مصالح مصرية - خليجية وخاليا من استئثار الجماعة بالسلطة بدرجة عالية من التأكيد، بل ومن الدور الطاغي لتيارات الإسلام السياسي فى مجملها، والتي ستتأثر سلبا بالأزمة، مما سيغير من خريطة القوى السياسية فى مصر والإقليم من ناحية، ويحافظ بدرجة أكبر على الطابع المدني للدولة المصرية, ومن المتوقع في إطار ذلك، أن الاحزاب السياسية ذات المرجعية الدينية سيختفى بعضها مكتفيا بالدور الدعوى, ويعاد صياغة الدور السياسي للبعض الآخر ليصبح اكثر مواءمة مع الواقع الجديد.
عن /المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجيه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.