ها هو المخلوع يعيد السيرة الأولى لخطابات التهديد التي إلفها لثلث قرن, ولكن هذه المرة بمسوح الوعظ المبطنة بشيطنة الجنوبيين دون سواهم, أكانوا في الحراك أو في مؤتمر الحوار الوطني, أو في الشتات, وصب جام غضبه على الاشتراكي وتحديداً أمينه العام الذي وصفه بالمتضرر, صاحب الثقافة الانفصالية منذ إن رأس مجلس النواب. معتبراً نضالات الجنوبيين فاقدة المنطق وإنها مجرد (حشوش) . الجديد في العك الذي تعمده (الزعيم) في تلفزيون الزعامة, بصوت إذاعي من حقبة انتفاضات فلاحي الجنوب الجديد اعترافه بفشل الوحدة, بعد 23 عام, وتجسد بإدعاء: تسليم دولة الشمال, بسكانها وجبالها وأراضيها ومكاتبها ونفطها. ومن حيث لا يحتسب(الزعيم) أقر بأن ما هو قائم ليس وحدة وإنما نتاج لعملية إدماج لما أسماه(الملف الجنوبي) في إطار منظومة الحكم للجمهورية العربية اليمنية, وإن الجنوب لم يكن قط جانب أصيل في مكوني الوحدة, وإنما عبارة عن ملف أوكل لكلٍ من نائب الرئيس هادي, ووزير الدفاع عبد الله علي عليوة ومعهما ناصر منصور هادي عن الجنوب, واللواء علي محسن عن الشمال وذلك تقديراً لجهود أجترحوها خلال تلك الحرب التي وضعت حداً لندية الوحدة.
أي أن الجنوب بما يمثله من دولة ملأ سمعها الأصقاع وأرض حبلى بالخيرات, وشعب ضارب في جذور التاريخ والجغرافيا, ليس سوى بضعة أوراق تم تجميعها كيفما أتُفق خلال حرب الاحتلال صيف 94م. وبهذا الاعتراف غير المسبوق أراد (الزعيم) التنصل من مسئولية ما أُرتكب بحق الجنوب أرضاً وإنساناً بخلعها على ظهور الجنوبيين بصيغة (الزمرة نهبت الطغمة والطغمة نهبت الزمرة) تلك الصيغة المذمومة جنوبياً, ولكن مصلحة (الزعيم) اقتضت إحيائها.
الملف في عُرف الإدارة هو: مضبطة توثيق وحفظ المعلومات عن وحدة فرعية أو عن قضية خارجة عن التداول اليومي يتم العودة إليه عند الضرورة. على هذه القاعدة يمكن القول أن الجنوب ملف لدى مجلس التعاون أو لدى الجامعة العربية أو مجلس الأمن الدولي أو حتى لدى المملكة السعودية, كونه ليس عضواً في الثلاثة الأولى ولا جزءاً من الرابعة أما القول بأن بلد كان كامل السيادة عُرف ب(جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) ليس سوى ملف بيد نائب منزوع الدسم ووزير لم يتجاوزال(مُشّْقُر) في الوزارة ومدير أمن عآنه الله وحافظ على أمنه الشخصي, ففي القول اعتراف صريح بأن الجنوب ملحق بالعربة اليمنية وإن الثلاثة لم يكونوا سوى عملاء والرابع همزة الوصل معهم. مع إن المرء يربو بالثلاثة لكن (الزعيم) خَرَّج المخبأ في مقابلة أقل ما توصف بأنها عبارة عن (ديالوج) أجراه صالح مع صالح في قناة صالح (أزال) في 18 الجاري, بعد كمون أقترب من عامين, كمون لم تكن تنقصهُ الأذية وقلة الخير.
الرجل بحرصه على أسباق أسمه بكنية (الزعيم) يبدو ثملآ بنشوة الخنوع والطاعة التي عَهِدْها عند الجميع منذ ما بعد حرب الاحتلال صيف 94م وهذا ما يمكن استنتاجه من القول: أنتم من مخلفاتنا, إذا كنتم مش مربأين كويس فالحُجة علينا(الشماليين) لأننا ما عرفنا نربيكم,. بطلوا الحزبية والتعددية السياسية وإذا مش قادرين قولوا, وأنا موجود ومستعد.. منطق نرجسي فج لا يعترف بوجود ولا بحقوق الآخرين.
الوجود هنا ليس من أجل الإسهام في الحل وإنما للاستفراد بحقوق الحل بالطريقة إياها التي بدأت غدراً بالحمدي على سفرة عزومة غداء وآخرها وليس أخيرها سفرة قتل دسمة في (العُرضي) في 5ديسمبر, سُفرة خانها تقدير وجود هادي أما الاستعداد فيأتي على قاعدة (ما لها إلا علي) وهي مقولة أشاعها مدير الأمن الوطني, المقدم محمد خميس في الوسط القبلي الشمالي, خلال حربهما على المناطق الوسطى, في ثمانينات القرن الماضي, كما وتأتي من أجل طبخ وهندسة فكرة التوريث بطريقة أقل غباء من تلك التي كان قد دشنها سلطان البركاني العام 2006.
كما وأن هرطقات الزعامة هذه تأتي لأسباب لوجستية فرضتها مؤشرات مخرجات الحوار المتعلقة بالحصانة وشكل الدولة وما يتداول من حلول للقضية الجنوبية, إلى جانب ما فرضته تداعيات (غزوة العُرَضي) من احتمال فتح ملفات أمنية مسكوت عنها منذ قيام الوحدة وهذا ما يفهم من نفي الرجل, دون مناسبة, نفيه لأي مسئولية عن قتل المئات من قيادات وكوادر جنوبية سلموا أرواحهم وبلادهم بحسن نية ل(فَحَّام) لم يقدر قيمة الجوهرة التي وقعت من السماء بين يديه وعلى نحو لم يك يتوقعه ولو في الحلم.
وما يمكن استنتاجه من تلك الهرطقات إن الكلمات لم تعد بتلك الثقة التي كان تدوي في المهرجانات الجماهيرية التي كان يحشدها على نحو أسبوعي. وإن كانت الرسالة: لا آمن إلا ب علي, ولا اقتصاد إلا ب علي, ففيها الدعوة للجميع للتوقف عن حوارالموفمبيك (طلعنا إلى موفمبيك.. نزلنا من موفمبيك.. خرجنا من موفمبيك.. عنجي لكم من هنا .. عتجوا لنا من هنا.. أنا مش موظف عند بن عمر) ومع ذلك يبقى السئوال ماذا تخبئ جعبة الرجل, التي حوة كل عفن خلال المراحل السابقة. فمن الواضح أن صاحب السيرة المترعة بالدماء والدموع لم يتطهر من نجاساته. لكن أياً كان ما يقوله فالأحداث قد تجاوزته ولا عودة للوراء.. وأما الجنوب الذي يراه ملف فهو: قضية شعب لن تحلها إرادة العودة إلى السلطة ولا إرادة بنعمر وإنما إرادة الشعب الجنوبي دوناً عن غيره.