دربحة وفواز إلى النهائي الكبير بعد منافسات حماسية في كأس دوري الملوك – الشرق الأوسط    إيفانكا ترامب في أحضان الجولاني    الإخوان والقاعدة يهاجمان الإمارات لأنها تمثل نموذج الدولة الحديثة والعقلانية    جنود في أبين يقطعون الطريق الدولي احتجاجًا على انقطاع المرتبات"    عالميا..ارتفاع أسعار الذهب مدعوما بتراجع الدولار    حضرموت.. تُسرق في وضح النهار باسم "اليمن"!    خبير في الطقس: برد شتاء هذا العام لن يكون كله صقيع.. وأمطار متوقعة على نطاق محدود من البلاد    القائم بأعمال رئيس هيئة مكافحة الفساد يكرم والد الشهيد ذي يزن يحيى علي الراعي    عين الوطن الساهرة (2)..الوعي.. الشريك الصامت في خندق الأمن    زيارة ومناورة ومبادرة مؤامرات سعودية جديدة على اليمن    احتجاج على تهميش الثقافة: كيف تُقوِّض "أيديولوجيا النجاة العاجلة" بناء المجتمعات المرنة في الوطن العربي    بيان تحذيري من الداخلية    إيران تفكك شبكة تجسس مرتبطة بالولايات المتحدة وإسرائيل    اليوم انطلاق بطولة الشركات تحت شعار "شهداء على طريق القدس"    وزير الإعلام الإرياني متهم بتهريب مخطوطات عبرية نادرة    أبين.. الأمن يتهاوى بين فوهات البنادق وصراع الجبايات وصمت السلطات    عسل شبوة يغزو معارض الصين التجارية في شنغهاي    تمرد إخواني في مأرب يضع مجلس القيادة أمام امتحان مصيري    30 نوفمبر...ثمن لا ينتهي!    حلّ القضية الجنوبية يسهل حلّ المشكلة اليمنية يا عرب    الواقع الثقافي اليمني في ظل حالة "اللاسلم واللاحرب"    كلمة الحق هي المغامرة الأكثر خطورة    تغاريد حرة .. انكشاف يكبر واحتقان يتوسع قبل ان يتحول إلى غضب    "فيديو" جسم مجهول قبالة سواحل اليمن يتحدى صاروخ أمريكي ويحدث صدمة في الكونغرس    قاضٍ يوجه رسالة مفتوحة للحوثي مطالباً بالإفراج عن المخفيين قسرياً في صنعاء    قرار جديد في تعز لضبط رسوم المدارس الأهلية وإعفاء أبناء الشهداء والجرحى من الدفع    مشاريع نوعية تنهض بشبكة الطرق في أمانة العاصمة    ارشادات صحية حول اسباب جلطات الشتاء؟    انتقالي الطلح يقدم كمية من الكتب المدرسية لإدارة مكتب التربية والتعليم بالمديرية    قراءة تحليلية لنص "خطوبة وخيبة" ل"أحمد سيف حاشد"    النفط يتجاوز 65 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ 3 نوفمبر    مواطنون يعثرون على جثة مواطن قتيلا في إب بظروف غامضة    اليونيسيف: إسرائيل تمنع وصول اللقاحات وحليب الأطفال الى غزة    لملس يبحث مع وفد حكومي هولندي سبل تطوير مؤسسة مياه عدن    الحديدة أولا    الحرارة المحسوسة تلامس الصفر المئوي والأرصاد يحذر من برودة شديدة على المرتفعات ويتوقع أمطاراً على أجزاء من 5 محافظات    الاتصالات تنفي شائعات مصادرة أرصدة المشتركين    رئيس بوروندي يستقبل قادة الرياضة الأفريقية    جولف السعودية تفتح آفاقاً جديدة لتمكين المرأة في الرياضة والإعلام ببطولة أرامكو – شينزن    حكاية وادي زبيد (2): الأربعين المَطّارة ونظام "المِدَد" الأعرق    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    ريال مدريد يقرر بيع فينيسيوس جونيور    نائب وزير الشباب والرياضة يطلع على الترتيبات النهائية لانطلاق بطولة 30 نوفمبر للاتحاد العام لالتقاط الاوتاد على كأس الشهيد الغماري    عدن في قلب وذكريات الملكة إليزابيث الثانية: زيارة خلدتها الذاكرة البريطانية والعربية    البروفيسور الترب يحضر مناقشة رسالة الماجستير للدارس مصطفى محمود    5 عناصر تعزّز المناعة في الشتاء!    قراءة تحليلية لنص "خصي العقول" ل"أحمد سيف حاشد"    عالم أزهري يحذر: الطلاق ب"الفرانكو" غير معترف به شرعا    الدوري الاسباني: برشلونة يعود من ملعب سلتا فيغو بانتصار كبير ويقلص الفارق مع ريال مدريد    الدوري الايطالي: الانتر يضرب لاتسيو في ميلانو ويتصدر الترتيب برفقة روما    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    ثقافة الاستعلاء .. مهوى السقوط..!!    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما بعد الانفصال .. نظرة عن قرب (2)

ثلاثة إشكالات رئيسة في طريق إطلاق مفاوضات الشمال والجنوب خارج اليمن
- الصراع بين (الزمرة) و(الطغمة) أخذ صوراً وأشكالاً متعددة خلال السنوات الماضية.. لكن السبب والمنطلق كان واحداً
لاتزال غالبية قيادات الحراك على موقفها الرافض لمؤتمر الحوار الوطني ومخرجاته المتوقعة لحل القضية الجنوبية، والتمسُّك عوضاً عن ذلك بمطلب إجراء مفاوضات نديَّة بين الشمال والجنوب خارج اليمن، هذا الإصرار يوحي بمراهنة غالبية قوى الحراك على فشل مخرجات المؤتمر في إنهاء الأزمة في الجنوب، والاقتناع أن صنعاء لن يكون أمامها في نهاية المطاف من خيار سوى الذهاب لمفاوضات ثنائية خارج اليمن، والتي ستكون بوابة العبور الآمن لانفصال الجنوب عن الشمال، حسب ما يعتقده الحراك.

رغم الآمال العريضة لغالبية اليمنيين بنجاح مؤتمر الحوار، إلاّ أن احتمال فشله يظل قائماً ولايمكن تجاهله، وفي هذه الحالة سيكون النظام أمام خيارين رئيسين للتعامل مع الوضع في الجنوب، هما:

الأول: اللجوء إلى القوة واستخدام القبضة الحديدية في وجه القوى المتشددة في الحراك وكل الجماعات الساعية لنشر الفوضى وإقلاق السكينة العامة في الجنوب وبما يمكّنه من إحكام سيطرته الأمنية على الوضع، ويساعده في الوقت ذاته على مواصلة الإجراءات والمعالجات التي بدأها النظام لاستعادة الجنوب وضعه الطبيعي كشريك حقيقي في وحدة 22مايو.
الثاني: الذهاب مستقبلاً إلى مفاوضات نديَّة خارج اليمن، فالنظام في صنعاء سيجد نفسه مضطراً لبحث هذا الخيار وقبوله في حال مارست قوى إقليمية ودولية ضغوطاً عليه تحت وقع التصعيد الميداني المتوقع للحراك في الجنوب، ونظراً لتمترس غالبية قيادات الحراك وراء هذا الموقف، ربما يكون من المفيد التعاطي بمرونة مع ذلك الموقف والبحث في مدى صوابية رؤية الحراك للمفاوضات الثنائية وفرص نجاحها ومدى قدرتها في إخراج اليمن من أزماته المختلفة وضمان استقرار الشمال والجنوب حتى إن كان ذلك على حساب وحدته الغالية.

صورة تقريبية للمفاوضات الثنائية خارج اليمن:

- نظراً لعدم طرح الحراك تصوراً واضحاً للمفاوضات النديّة التي يلح في المطالبة بها، مكتفياً بالقول إنها مفاوضات ندية هدفها فك الارتباط عن الشمال، ومرجعيتها قرارا مجلس الأمن الدولي رقم (924و931) ويتجنب الخوض في التفاصيل الأخرى، لذا سأحاول وضع صورة تقريبية لتلك المفاوضات وعناوينها الرئيسة المتوقعة خاصة ما يتعلق بوفدي الشمال والجنوب والإطار العام أو مرجعية المفاوضات والقضايا التي سيتم التفاوض عليها ومدتها وأبرز القضايا الخلافية المتوقعة وفرص نجاح المفاوضات من عدمه، وغيرها من النقاط التي سنستعرضها بالشكل التالي:

إشكاليات: في طريق الذهاب إلى المفاوضات الثنائية، من المتوقع أن يواجه الوسطاء الإقليميون والدوليون ثلاث إشكاليات رئيسة قبل النجاح في إطلاق المفاوضات، وهى:

1- إشكالية مكان عقد المفاوضات:

أسباب عدة تجعل من السعودية أو الإمارات بدرجة تالية المكان المتوقع لاستضافة المفاوضات الثنائية بين الشمال والجنوب، إلا أن ذلك قد يعيقه رفض كل من التيار الموالي لإيران في الحراك بزعامة البيض وجماعة الحوثي حضور المفاوضات في السعودية أو الإمارات؛ لعلاقة الدولتين المتوترة مع إيران، وبصورة مقاربة قد يرفض حزب الإصلاح، أيضاً، الذهاب إلى السعودية أو الإمارات جراء توتر علاقته مع الدولتين في الفترة الأخيرة بسبب أحداث مصر وموقف البلدين المناهض لجماعة الإخوان المسلمين عموماً، وفي المقابل ستحول الرياض وأبوظبي دون استضافة قطر للمفاوضات؛ لأن ذلك سيمكِّن الدوحة من تعزيز نفوذها وتدخُّلها في اليمن وقد يحوِّلها إلى اللاعب الخليجي والعربي الأول في اليمن بشماله وجنوبه، وهو أمر لايمكن قبول الدولتين به.

- في هذه الحالة سيكون مقر الجامعة العربية في القاهر هو البديل المرجّح لاستضافة المفاوضات الثنائية، لكن توتر علاقة الإخوان مع النظام المصري الحالي، إضافة إلى تراجع القاهرة عن سياسة الانفتاح وتحسين العلاقات مع طهران بعد عزل الرئيس مرسي، يرجح رفض الإصلاح وبدرجة أقل تيار البيض والحوثيين استضافة القاهرة للمفاوضات الثنائية.

- في هذه الحالة قد تكون لندن المكان البديل والمناسب لعقد المفاوضات الثنائية، كونها الدولة الغربية المسئولة عن ملف اليمن، ولأن المرجح عدم تحمُّس السعودية لعقد مفاوضات مصيرية كهذه خارج أراضيها لما تمثله اليمن من أهمية خاصة لها بسبب ارتباطها الوثيق بأمنها القومي ومصالحها الإستراتيجية، ولأنها تدرك أن انعقاد المفاوضات خارج أراضيها يحد كثيراً من قدرتها في التحكُّم بمسار ونتائج المفاوضات، لذا فإن الرياض قد تعمل على إعاقة إجرائها من الأساس أو على الأقل استخدام نفوذها وعملائها داخل وفدي الشمال والجنوب لإجهاض المفاوضات وهى في مراحلها الأولى.

2- إشكالية هدف ومرجعية المفاوضات:

ثاني الإشكاليات المتوقَّع أن يواجهها الوسطاء الإقليميون والدوليون في جهودهم لإطلاق المفاوضات الثنائية تتمثل في صعوبة الاتفاق على الأسس القانونية والمرجعية العامة للمفاوضات، فلاشك أن الشمال سيرفض الذهاب إلى مفاوضات خارج اليمن هدفها الانفصال أو القبول بمطالب الحراك بأن يكون قرارا مجلس الأمن الدولي (924و931) المرجعية القانونية لها، فمهما كانت الضغوط الخارجية على الشمال لن تجد فيه من يقبل الذهاب إلى مفاوضات هدفها الرئيس إقرار الانفصال وإضفاء الشرعية عليه، وسيجد الوسطاء الإقليميون والدوليون صعوبة بالغة في إقناع قواه الرئيسة القبول بذلك، ولن يذهب الشمال إلى المفاوضات إلاّ إذا كانت بلا شروط مسبقة أو سقف محدّد، وتكون مرجعيتها المعاهدات الدولية والوثائق التاريخية وجميع القرارات الدولية ذات الصلة بالشأن اليمني.

- موقف قانوني ضعيف ومبررات غير مقنعة:

- في هذه الحالة، أعتقد أن الحراك سيتردد كثيراً قبل قبوله المشاركة في المفاوضات الثنائية بالمرجعية التي يطالب بها الشمال، خشية من أن تؤدي في الأخير إلى نتائج لاتلبي الحد الأدنى من مطالبه، وذلك لإدراكه ضعف موقفه القانوني في مواجهة دعاة الوحدة اليمنية والمتمسكين بها، فالحراك يستند في مطالبه بالانفصال إلى القرارين الدوليين (924و931) اللذين صدرا خلال حرب صيف 94م (التي تعامل معها المجتمع الدولي، حينها، على أنها حرب أهلية وليست حرباً بين دولتين)، والسبب في استناد الحراك إلى القرارين راجع إلى دعوتهما للحوار مع العلم أن القرارين لاينصان صراحة بأن تكون المفاوضات ندية بين شمال وجنوب وإنما يدعوان جميع الأطراف إلى الجلوس على طاولة الحوار.

- وفي المقابل سيستند الشمال في موقفه الرافض للانفصال إلى اتفاقية الوحدة وإلى قراري مجلس الأمن رقم (2014و2051)، إضافة إلى عدد من البيانات الصادرة عن مجلس الأمن ذات الصلة، وكذا إلى المبادرة الخليجية وجميع الوثائق التي تؤكد على الوحدة اليمنية ودعم المجتمع الدولي لها.

- هناك الكثير من المبررات التي يقدمها الحراك في خطابه للمطالبة بالانفصال ونجدها في تصريحات قياداته العديدة لوسائل الإعلام وفي البيانات الصادرة عنه، ومن المرجَّح أن يلجأ إلى ترديدها خلال المفاوضات الثنائية وكأنها أدلة ومسوغات قانونية، إلا أنه لايمكن اعتمادها كأدلة ووثائق قانونية في المفاوضات. ومن تلك المبررات التالي:

1- القول أن الشعب في الجنوب لم يؤخذ رأيه ويستفتَ على الوحدة، وكان قراراً انفرادياً اتخذه البيض عند توقيعه على اتفاقية الوحدة، وهذا أمر مردود عليه؛ لأن الجميع يدرك أن ذلك كان تحصيل حاصل في ذلك الوقت على الأقل، كون الشعب، وبالذات في الجنوب، كان متحمساً ومتلهفاً للوحدة وهذا باعتراف قيادات الحراك نفسها كما جاء مثلاً في حوار لعلي ناصر محمد العام الماضي مع صحيفة "26سبتمبر"، عندما ذكر أن 95% من أبناء الجنوب كانوا يؤيدون الوحدة، إضافة إلى أن الاستفتاء على الدستور والانتخابات التي جرت في البلاد بعد ذلك عبّرت بوضوح عن المزاج الشعبي المؤيد للوحدة.

- تحت المبرر السابق ينطلق قادة الحراك في مطالبهم الحالية بالعودة إلى أبناء الجنوب لمعرفة ما يريدونه عبر منحهم حق تقرير المصير، لكن في الواقع يعتبر هذا المطلب غير قانوني؛ لأن القانون الدولي لايقر منح حق تقرير المصير إلاّ في حالات محددة وواضحة (نشوب نزاع على خلفية تباين عرقي أو اثني أو لغوي)، وجميع هذه الحالات غير موجودة في بلادنا.

2- المبرر الثاني يأتي على لسان البيض وتياره بتأكيدهم المتواصل أن ما يطالبون به ليس انفصالاً وإنما فك ارتباط عن الشمال، لكن الحقيقة تقول إن البيض أصلاً وقَّع على وحدة اندماجية وليس اتحادية، ومن ثم لايمكن أن نطلق على ما يطالب به فك ارتباط وإنما انفصال، هذا من ناحية.. ومن ناحية أخرى ليس هناك في دستور الوحدة المستفتى عليه ما يمنحه الحق في المطالبة بذلك.

3- القول أن الجنوب كان دولة عضو في الأمم المتحدة، ومعترفاً بها من قِبل معظم دول العالم، وهذا أمر صحيح ولا يمكن إنكاره، لكنه عديم الجدوى، ولن يكون ذا تأثير يُذكر خلال المفاوضات الثنائية، لأن دولة الوحدة عضو في الأمم المتحدة ومعترف بها من جميع دول العالم باستثناء الكيان الصهيوني، وإذا كان الجنوب عضواً سابقاً في الأمم المتحدة، فإن الجمهورية اليمنية عضو حالي في المنظمة الدولية، وشتان بين الوضعين، كما أن عمر دولة الوحدة يساوي عمر دولة الجنوب تقريباً، وسيتفوق عليها عمَّا قريب.

4- يتمثل رابع مبررات الحراك في وصفه حرب صيف 94م بأنها حرب الشمال عندما غزا الجنوب، وهذا أمر فيه العديد من المغالطات، فحرب 94م لم تكن بين شمال وجنوب وإنما كانت بين نظام اصطف خلفه غالبية اليمنيين من أبناء الشمال والجنوب وبين مجموعة انفصالية من قيادات الحزب الاشتراكي وبضعة آلاف من أنصارهم، وهذا أمر معروف للجميع حتى مع محاولات الحراك تسليط الضوء على جزء من الصورة وتجاهل بقية الأجزاء رغم أهميتها، فالقيادات الرئيسة في تلك الحرب كانت من أبناء الجنوب كالرئيس هادي، وأحمد الحسني، والشهيد سالم قطن، وعليوة... وغيرهم كثيرون. وكان إلى جانبهم الآلاف من أبناء الجنوب ممن قاتل في صف الوحدة، إضافة إلى أنه في الجانب الآخر رفضت كثير من الألوية العسكرية في الجنوب المشاركة في الحرب، في تأييد ضمني للوحدة.

- رغم محاولات الكثيرين في الحراك القفز فوق تلك الحقائق المتعلقة بحرب 94م، إلا أن أكثر النقاط إنكاراً من قِبَلهم تتمثل في أن حرب 94م كانت في أحد أبعادها امتداداً غير مباشر لأحداث 86م وجولة من جولات الصراع بين ما عُرف بتياري الطغمة والزُّمرة. وأعتقد، جازماً، أن إنكار ذلك غير مجدٍ؛ لأن الاعتراف بهذه الحقيقة هو السبيل الوحيد لإنهاء الصراع المستمر بين الطرفين، وتفادي وقوع جولات جديدة من الصراع بينهما.

- فالصراع بين الزمرة والطغمة أخذ صوراً وأشكالاً متعددة خلال السنوات الماضية، لكن السبب والمنطلق كان واحداً. طبعاً سيكون هناك إنكار شديد لهذا الطرح من قِبل الكثيرين، لكن من يستطيع تفسير سبب الاتهام الشائع والمتكرر في لحج والضالع وحضرموت للرئيس هادي بالانحياز لأبناء أبين وشبوة وتعيينهم في المناصب الحيوية خاصة في الجيش والأمن إذا لم يكن امتداداً لذلك الصراع، كما أنها السبب الحقيقي الكامن وراء اعتراض الحزب الاشتراكي في بيان صادر عنه في أبريل الماضي على قرارات الرئيس هادي.

- لمن ينكر هذه الحقيقة عليهم أن يفسروا، أيضاً، السبب وراء كون الضالع أقل محافظات الجمهورية، ومحافظات الجنوب على وجه الدقة، تصويتاً للرئيس هادي عند انتخابه في فبراير 2012م، وهل يستطيع أحد أن يفسِّر سبب تراجع أحمد الحسني المفاجئ عن مواصلة المهمّة التي كلّفه بها البيض لمواجهة تحرُّكات محمد علي أحمد؟ والغموض المحيط بقرار مغادرته اليمن مرة أخرى بعد الضجيج الذي أحدثته عودته إلى البلاد وتحرُّكاته الميدانية.

- أنا هنا لا أسعى لإثارة الفتنة ونبش الماضي؛ لأن استمرار الصراع بين الطرفين لاتنحصر تداعياته السلبية على أبين وشبوة ولحج والضالع، وإنما يُلقي بظلاله على اليمن بأكمله. طبعاً هناك أزمات أخرى مشابهة يتم إنكارها كالصراع الصامت بين صنعاء وتعز على القيادة، وحلم الأئمة في استعادة الحكم، ومساعي الإخوان في السيطرة، وحلم الحضارمة في كيان مستقل بهم و... وأجزم أن اليمن لن تتعافى من أزماتها المُعقَّدة ويتمكن اليمنيون من مغادرة واقعهم البائس، إلاّ إذا كانت هناك وقفة جادة لمواجهة تلك الحقائق والتعامل معها بشفافية عند طرحها، والبحث في مسبباتها وجذورها وكيفية معالجتها، والأكيد أن معالجة واستيعاب إفرازات وتداعيات تلك الأزمات لن يكون إلاّ في إطار دولة يمنية مدنية حديثة يتساوى فيها جميع مواطنيها أمام القانون، ويتمتعون بكافة الحقوق والحريات.

5- خامس مبرِّرات الحراك يتمثل في القول إن حرب 94م أنهت وحدة 22مايو، كمبرّر يقدِّمه الحراك بهدف إقناع المجتمع الدولي بالانفصال. أعتقد أن فرص النجاح في ذلك ضئيلة جداً خاصة مع استحالة إقناع الأمريكيين بهذا الطرح على اعتبار أن وحدة الولايات المتحدة لم تثبت دعائمها إلاّ بحرب استمرت خمس سنوات قادها الرئيس "ابرهام لنكولن" ضد الولايات الجنوبية المطالبة بالانفصال، ولهذا السبب يعتبر "لنكولن" من أهم الزعماء في تاريخ أمريكا ويحظى بمكانة خاصة لدى غالبية الأمريكيين.

6- مبرر آخر يسوقه الحراك للمطالبة بالانفصال وذلك بنفيه يمنية أبناء الجنوب، واعتبارهم "جنوب عربي". وهذه، في اعتقادي، من أكثر المبررات غباءً لتبرير الانفصال، ولا أعرف كيف دار بخَلَد هؤلاء الاعتقاد بقدرتهم على إقناع المواطنين في الجنوب بأنهم ليسوا يمنيين، وأن التاريخ والجغرافيا وعلاقات القُربى والنسب والعادات والتقاليد المشتركة كلها مجرد أكاذيب ووهم ليس أكثر، مع العلم أن هذا المُبرِّر لم يقنع غالبية أنصار الحراك المنقسمين بين مؤيد للجنوب العربي ورافض له ويطالب بالعودة إلى الدولة الشطرية.

- وهنا يتجاهل الحراكيون حقيقة أن العوامل المشتركة ومستوى التقارب والاندماج بين المواطنين في محافظات شمالية مع إخوانهم في محافظات جنوبية يفوق بمراحل ما هو موجود بين محافظات شمالية شمالية أو جنوبية جنوبية. بمعنى أن العوامل المشتركة ومستوى التقارب والاندماج بين المواطنين في عدن وتعز مثلاً يفوق، بمراحل، المستوى الموجود بين المواطنين في عدن وشبوة، وبالمثل نجد ذلك، أيضاً، بين المواطنين في أبين والبيضاء، وبين إب والضالع، ومارب وشبوة... وهكذا.

- كما أن الجميع يدرك أن الاستعمار هدف من تسمية الجنوب العربي تحقيق الاستقرار في مستعمرة عدن وإيقاف النزعات الاستقلالية لدى بعض السلطنات والمشيخات وضمان السيطرة على الوضع فيها، إضافة إلى محاولة إيجاد هوية بديلة للهوية اليمنية في المناطق الجنوبية، والحيلولة دون توحُّد اليمن عند رحيل المستعمر عن الجنوب، ومقاومة المد القومي في ذلك الوقت خاصة مع انضمام الشمال إلى الجمهورية العربية المتحدة.

- في تصريحات ومواقف سابقة لقيادات في الحراك يؤكدون من خلالها، دون قصد زيف، المبررات التي يقدمونها للمطالبة بالانفصال، كما نجده، مثلاً، في حديث البيض لقناة "سكاي نيوز عربية" في ال20 من أكتوبر المنصرم عن إمكانية التوحد مع صنعاء في الأجيال القادمة وليس في الوقت الراهن، وهذا الطرح ليس بجديد وسبق طرحه من قِبَل البيض في أوقات سابقة لعل أقدمها كان في بيان إعلان الانفصال في 21/5/1994م.

- بهذا الطرح يؤكد البيض على يمنية أبناء الجنوب ويدحض هوية الجنوب العربي دون أن يدرك ذلك، وإلاّ ما الدَّاعي لحديثه عن إمكانية توحد اليمن مستقبلاً، كما أن هذا الطرح يؤكد، أيضاً، على حقيقة أن المشكلة ليست في الوحدة بحد ذاتها وإنما في القائمين عليها، وأن التخلُّص من الواقع المزري الذي نعيشه اليوم لايكون باستهداف الوحدة والرجوع عنها، وإنما بالتخلص من مكامن الخلل الحقيقية، لأن المعالجة الخاطئة قد تؤدي إلى نتائج كارثية ووضع أكثر مأساوية من وضعنا الحالي.

7- زعم قيادات الحراك ضمن محاولتهم التأثير على الموقف الإقليمي والدولي الداعم للوحدة أن قيام الدولة الشطرية في الجنوب، يضمن أمن واستقرار المنطقة وسلامة الملاحة الدولية، وهذا أمر مردود عليه، وسنتناوله بالتفصيل في حلقة أخرى، كما سأترك الحديث عن الإشكالية الثالثة المتعلقة بتشكيل وفدي الشمال والجنوب في المفاوضات ومعايير الاختيار ونسب تمثيل القوى والمكونات المختلفة في الوفدين وأبرز القضايا الخلافية إلى الحلقة الثالثة ......... يتبع
[email protected]

* عبدالعزيز ظافر معياد, كاتب وباحث سياسي يمني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.