اعتقال صحفي في محافظة حضرموت    اعتقال صحفي في محافظة حضرموت    مواطنون يشكون منع النقاط الامنية ادخال الغاز إلى غرب محافظة الضالع    الفريق السامعي: ما يحدث ل"إيران" ليس النهاية ومن لم يستيقظ اليوم سيتفاجأ بالسقوط    إيران تعلن اطلاق موجة صواريخ جديدة وصحيفة امريكية تقول ان طهران ستقبل عرض ترامب    إغلاق مطار "بن غوريون" يدفع الصهاينة للمغادرة برا .. هربا من الموت!    كندة: «ابن النصابة» موجّه.. وعمرو أكبر الداعمين    فعالية ثقافية للهيئة النسائية في الأمانة بذكرى رحيل العالم الرباني بدر الدين الحوثي    حجة .. إتلاف مواد غذائية منتهية الصلاحية في مديرية المحابشة    لأول مرة في تاريخه.. الريال اليمني ينهار مجددًا ويكسر حاجز 700 أمام الريال السعودي    حدود قوة إسرائيل    مانشستر سيتي يفوز بثنائية على الوداد في كأس العالم للأندية    مجلس الوزراء يشدد على مواجهة تدهور العملة للتخفيف من معاناة المواطنين    عدن بين الذاكرة والنسيان.. نداء من قلب الموروث    الرئيس المشاط لأهالي غزة: "نصر من الله" سترونه قريبا    اجتماع بصنعاء يناقش جوانب التحضير والتهيئة الإعلامية لمؤتمر الرسول الأعظم    رئيس الوزراء يناقش نشاط وزارة الشئون الاجتماعية والوحدات التابعة لها    لملس يزور الفنان المسرحي "قاسم عمر" ويُوجه بتحمل تكاليف علاجه    روسيا تحذر أمريكا من مساعدة تل أبيب «عسكريا»    انتقالي شبوة يتقدم جموع المشيعين للشهيد الخليفي ويُحمّل مأرب مسؤولية الغدر ويتوعد القتلة    البيضاء : ضبط ستة متهمين بجريمة قتل شاب من إب    رسميا.. برشلونة يضم خوان جارسيا حتى 2031    الرهوي يناقش التحضيرات الجارية للمؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم    ترقية اليمن إلى عضوية كاملة في المنظمة الدولية للتقييس (ISO)    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الاربعاء 19 يونيو/حزيران 2025    مدارج الحب    طريق الحرابة المحمية    واتساب يقترب من إطلاق ميزة ثورية لمسح المستندات مباشرة بالكاميرا    أزمة خانقة بالغاز المنزلي في عدن    صراع سعودي اماراتي لتدمير الموانئ اليمنية    لاعبو الأهلي تعرضوا للضرب والشتم من قبل ميسي وزملائه    شرب الشاي بعد الطعام يهدد صحتك!    ألونسو: لاعبو الهلال أقوياء.. ومشاركة مبابي تتحدد صباحا    بن زكري يقترب من تدريب عُمان    عاشق الطرد والجزائيات يدير لقاء الأخضر وأمريكا    شرطة صنعاء تحيل 721 قضية للنيابة    موقع أمريكي: صواريخ اليمن استهدفت الدمام و أبوظبي وتل إبيب    بين صنعاء وعدن .. على طريق "بين الجبلين" والتفاؤل الذي اغتالته نقطة أمنية    شاهد الان / رد البخيتي على مذيع الجزيرة بشأن وضعه على قائمة الاغتيالات    الحديدة.. فعاليتان في المنيرة والزهرة بذكرى يوم الولاية    ترامب يؤكد ان مكان خامنئي معروف ويستبعد استهدافه وإسرائيل تحذّر من انه قد يواجه مصير صدام حسين    الإمارات توضح موقفها من الحرب بين إيران وإسرائيل وتحذر من خطوات "غير محسوبة العواقب"    الصحة العالمية: اليمن الثانية إقليميا والخامسة عالميا في الإصابة بالكوليرا    من يومياتي في أمريكا .. بوح..!    من يومياتي في أمريكا .. بوح..!    حوادث السير تحصد حياة 33 شخصاً خلال النصف الأول من يونيو الجاري    استعدادًا لكأس الخليج.. الإعلان عن القائمة الأولية لمعسكر منتخب الشباب تحت 20 عاما    على خلفية أزمة اختلاط المياه.. إقالة نائب مدير مؤسسة المياه والصرف الصحي بعدن    طبيب يفند خرافات شائعة عن ورم البروستاتا الحميد    بالأدلة التجريبية.. إثبات وجود ذكاء جماعي لدى النمل!    صنعاء .. التربية والتعليم تعمم على المدارس الاهلية بشأن الرسوم الدراسية وعقود المعلمين وقيمة الكتب    وجبات التحليل الفوري!!    القائم بأعمال رئيس المجلس الانتقالي يتفقد مستوى الانضباط الوظيفي في هيئات المجلس بعد إجازة عيد الأضحى    تعز.. مقتل وإصابة 15 شخصا بتفجير قنبلة يدوية في حفل زفاف    علماء عرب ومسلمين اخترعوا اختراعات مفيدة للبشرية    وزير الصحة يترأس اجتماعا موسعا ويقر حزمة إجراءات لاحتواء الوضع الوبائ    اغتيال الشخصية!    فشل المطاوعة في وزارة الأوقاف.. حجاج يتعهدون باللجوء للمحكمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مابعد الانفصال.. نظرة عن قرب(2)
نشر في نشوان نيوز يوم 12 - 11 - 2013


تمهيد:
هذه الحلقات هى مجرد محاولة استشرافية لمسار الأحداث المتوقع في بلادنا في المستقبل المنظور انطلاقا من مجموعة من المؤشرات والدلائل والشواهد التاريخية، ورغم تعدد الاحتمالات والفرضيات في هذا المسار، الا أنني تعمدت سلوك مسار الأحداث الذي يلبي رغبة قوى الحراك حتى أن كان فيه قفزاً على الواقع في أحيان كثيرة، وذلك لمحاولة معرفة الى أين سيصل بنا ذلك في نهاية المطاف هل الى الاستقرار أم الى الحرب الاهلية؟.
لا تزال غالبية قيادات الحراك على موقفها الرافض لمؤتمر الحوار الوطني ومخرجاته المتوقعة لحل القضية الجنوبية، والتمسك عوضاً عن ذلك بمطلب إجراء مفاوضات ندية بين الشمال والجنوب خارج اليمن، هذا الإصرار يوحي بمراهنة غالبية قوى الحراك على فشل مخرجات المؤتمر في إنهاء الأزمة في الجنوب، والاقتناع أن صنعاء لن يكون أمامها في نهاية المطاف من خيار سوى الذهاب لمفاوضات ثنائية خارج اليمن، والتي ستكون بوابة العبور الآمن لانفصال الجنوب عن الشمال حسب ما يعتقده الحراك .
- رغم الامآل العريضة لغالبية اليمنيين بنجاح مؤتمر الحوار، الا أن احتمال فشله يظل قائماً ولايمكن تجاهله، وفي هذه الحالة سيكون النظام أمام خيارين رئيسيين للتعامل مع الوضع في الجنوب هما :
الاول : اللجوء الى القوة واستخدام القبضة الحديدية في وجه القوى المتشددة في الحراك وكل الجماعات الساعية لنشر الفوضى وإقلاق السكينة العامة في الجنوب وبما يمكنه من إحكام سيطرته الأمنية على الوضع، ويساعده في الوقت ذاته على مواصلة الإجراءات والمعالجات التي بدأها النظام لاستعادة الجنوب وضعه الطبيعي كشريك حقيقي في وحدة 22مايو .
– الخيار الثاني: الذهاب مستقبلاً الى مفاوضات ندية خارج اليمن، فالنظام في صنعاء سيجد نفسه مضطرا لبحث هذا الخيار وقبوله في حال مارست قوى إقليمية ودولية ضغوطاً عليه تحت وقع التصعيد الميداني المتوقع للحراك في الجنوب، ونظراً لتمترس غالبية قيادات الحراك وراء هذا الموقف، ربما يكون من المفيد التعاطي بمرونة مع ذلك الموقف و البحث في مدى صوابية رؤية الحراك للمفاوضات الثنائية وفرص نجاحها ومدى قدرتها في إخراج اليمن من أزماته المختلفة وضمان استقرار الشمال والجنوب حتى أن كان ذلك على حساب وحدته الغالية .
صورة تقريبية للمفاوضات الثنائية خارج اليمن :
-نظرا لعدم طرح الحراك تصور واضح للمفاوضات الندية التي يلح في المطالبة بها، مكتفياً بالقول أنها مفاوضات ندية هدفها فك الارتباط عن الشمال ومرجعيتها قراري مجلس الامن الدولي رقمي (924و931)ويتجنب الخوض في التفاصيل الأخرى، لذا سأحاول وضع صورة تقريبية لتلك المفاوضات وعناوينها الرئيسية المتوقعة خاصة مايتعلق بوفدي الشمال والجنوب والإطار العام أو مرجعية المفاوضات و القضايا التي سيتم التفاوض عليها ومدتها وابرز القضايا الخلافية المتوقعة وفرص نجاح المفاوضات من عدمه وغيرها من النقاط التي سنستعرضها بالشكل التالي :
إشكاليات:في طريق الذهاب الى المفاوضات الثنائية من المتوقع أن يواجه الوسطاء الإقليميين والدوليين ثلاث إشكاليات رئيسية قبل النجاح في إطلاق المفاوضات وهى :
1-إشكالية مكان عقد المفاوضات :
أسباب عديدة تجعل من السعودية او الامارات بدرجة تالية المكان المتوقع لاستضافة المفاوضات الثنائية بين الشمال والجنوب، الا أن ذلك قد يعيقه رفض كل من التيار الموالي لايران في الحراك بزعامة البيض وجماعة الحوثي حضور المفاوضات في السعودية او الامارات لعلاقة الدولتين المتوترة مع ايران، وبصورة مقاربة قد يرفض حزب الاصلاح أيضا الذهاب الى السعودية او الامارات جراء توتر علاقته مع الدولتين في الفترة الاخيرة بسبب إحداث مصر وموقف البلدين المناهض لجماعة الاخوان المسلمين عموماً، وفي المقابل ستحول الرياض وابوظبي دون استضافة قطر للمفاوضات لان ذلك سيمكن الدوحة من تعزيز نفوذها وتدخلها في اليمن وقد يحولها الى اللاعب الخليجي والعربي الأول في اليمن بشماله وجنوبه وهو أمر لايمكن قبول الدولتين به .
-في هذه الحالة سيكون مقر الجامعة العربية في القاهر هو البديل المرجح لاستضافة المفاوضات الثنائية، لكن توتر علاقة الإخوان مع النظام المصري الحالي، إضافة الى تراجع القاهرة عن سياسة الانفتاح وتحسين العلاقات مع طهران بعد عزل الرئيس مرسي، يرجح رفض الاصلاح وبدرجة أقل تيار البيض والحوثيين استضافة القاهرة للمفاوضات الثنائية .
-في هذه الحالةا قد تكون لندن المكان البديل والمناسب لعقد المفاوضات الثنائية، كونها الدولة الغربية المسئولة عن ملف اليمن، ولان المرجح عدم تحمس السعودية لعقد مفاوضات مصيرية كهذه خارج أراضيها لما تمثله اليمن من أهمية خاصة لها بسبب ارتباطها الوثيق بأمنها القومي ومصالحها الإستراتيجية، ولانها تدرك أن انعقاد المفاوضات خارج أراضيها يحد كثيرا من قدرتها في التحكم في مسار ونتائج المفاوضات، لذا فان الرياض قد تعمل على إعاقة إجرائها من الاساس او على الاقل استخدام نفوذها وعملائها داخل وفدي الشمال والجنوب لإجهاض المفاوضات وهى في مراحلها الأولى .
2-إشكالية هدف ومرجعية المفاوضات :
ثاني الإشكاليات المتوقع أن يواجهها الوسطاء الإقليميين والدوليين في جهودهم لاطلاق المفاوضات الثنائية تتمثل في صعوبة الاتفاق على الأسس القانونية والمرجعية العامة للمفاوضات، فلاشك أن الشمال سيرفض الذهاب الى مفاوضات خارج اليمن هدفها الانفصال أوالقبول بمطالب الحراك بأن يكون قراري مجلس الامن الدولي (924و931)المرجعية القانونية لها، فمهما كانت الضغوط الخارجية على الشمال لن تجد فيه من يقبل الذهاب الى مفاوضات هدفها الرئيسي إقرار الانفصال وإضفاء الشرعية عليه، وسيجد الوسطاء الإقليميين والدوليين صعوبة بالغة في إقناع قواه الرئيسية القبول بذلك، ولن يذهب الشمال الى المفاوضات الا اذا كانت بلا شروط مسبقة او سقف محدد، وتكون مرجعيتها المعاهدات الدولية و والوثائق التاريخية وجميع القرارات الدولية ذات الصلة بالشأن اليمني .
-موقف قانوني ضعيف ومبررات غير مقنعة :
-في هذه الحالة أعتقد أن الحراك سيتردد كثيرا قبل قبوله المشاركة في المفاوضات الثنائية بالمرجعية التي يطالب بها الشمال، خشية من أن تؤدي في الأخير الى نتائج لا تلبي الحد الأدنى من مطالبه، وذلك لإدراكه ضعف موقفه القانوني في مواجهة دعاة الوحدة اليمنية والمتمسكين بها، فالحراك يستند في مطالبه بالانفصال الى القرارين الدوليين (924و931)الذان صدرا خلال حرب صيف 94م (التي تعامل معها المجتمع الدولي حينها على أنها حرب أهلية وليست حرب بين دولتين )والسبب في استناد الحراك الى القرارين راجع الى دعوتهما للحوار مع العلم أن القرارين لا ينصا صراحة بأن تكون المفاوضات ندية بين شمال وجنوب وانما يدعوان جميع الأطراف الى الجلوس على طاولة الحوار.
-وفي المقابل سيستند الشمال في موقفه الرافض للانفصال الى اتفاقية الوحدة والى قراري مجلس الامن رقمي (2014و2051)إضافة الى عدد من البيانات الصادرة عن مجلس الامن ذات الصلة، وكذا الى المبادرة الخليجية وجميع الوثائق التي تؤكد على الوحدة اليمنية ودعم المجتمع الدولي لها .
-هناك الكثير من المبررات التي يقدمها الحراك في خطابه للمطالبة بالانفصال ونجدها في تصريحات قياداته العديدة لوسائل الاعلام وفي البيانات الصادرة عنه ومن المرجح أن يلجأ الى ترديدها خلال المفاوضات الثنائية وكأنها أدلة ومصوغات قانونية، الا انه لايمكن اعتمادها كأدلة ووثائق قانونية في المفاوضات ومن تلك المبررات التالي :
1- القول أن الشعب في الجنوب لم يؤخذ رأيه ويستفتى على الوحدة، وكان قرار انفرادي اتخذه البيض عند توقيعه على اتفاقية الوحدة، وهذا أمر مردود عليه، لان الجميع يدرك أن ذلك كان تحصيل حاصل في ذلك الوقت على الاقل، لان الشعب وبالذات في الجنوب كان متحمساً ومتلهفا للوحدة وهذا باعتراف قيادات الحراك نفسها كما جاء مثلا في حوار لعلي ناصر محمد العام الماضي مع صحيفة 26سبتمبر، عندما ذكر أن 95%من أبناء الجنوب كانوا يؤيدون الوحدة، إضافة إلى أن الاستفتاء على الدستور والانتخابات التي جرت في البلاد بعد ذلك عبرت بوضوح عن المزاج الشعبي المؤيد للوحدة .
-تحت المبرر السابق ينطلق قادة الحراك في مطالبهم الحالية بالعودة الى أبناء الجنوب لمعرفة ما يريدونه عبر منحهم حق تقرير المصير، لكن في الواقع يعتبر هذا المطلب غير قانوني، لان القانون الدولي لايقر منح حق تقرير المصير الا في حالات محددة وواضحة (نشوب نزاع على خلفية تباين عرقي أو اثني أو لغوي) وجميع هذه الحالات غير موجودة في بلادنا.
2-المبرر الثاني يأتي على لسان البيض وتياره بتأكيدهم المتواصل ان مايطالبون به ليس انفصال وإنما فك ارتباط عن الشمال، لكن الحقيقة تقول ان البيض أصلا وقع على وحدة اندماجية وليس اتحادية، ومن ثم لايمكن أن نطلق على مايطالب به فك ارتباط وإنما انفصال هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ليس هناك في دستور الوحدة المستفتى عليه مايمنحه الحق في المطالبة بذلك .
3- القول أن الجنوب كان دولة عضو في الامم المتحدة، ومعترف بها من قبل معظم دول العالم، وهذا أمر صحيح ولا يمكن انكاره، لكنه عديم الجدوى، ولن يكون ذا تأثير يذكر خلال المفاوضات الثنائية، لان دولة الوحدة عضو في الامم المتحدة ومعترف بها من جميع دول العالم باستثناء الكيان الصهيوني، واذا كان الجنوب عضو سابق في الامم المتحدة فأن الجمهورية اليمنية عضو حالي في المنظمة الدولية وشتان بين الوضعين، كما أن عمر دولة الوحدة يساوي عمر دولة الجنوب تقريباً، وسيتفوق عليها عما قريب .
4-يتمثل رابع مبررات الحراك في وصفه حرب صيف 94م بأنها حرب الشمال عندما غزى الجنوب، وهذا أمر فيه العديد من المغالطات، فحرب 94م لم تكن بين شمال وجنوب وانما كانت بين نظام اصطف خلفه غالبية اليمنيين من أبناء الشمال والجنوب وبين مجموعة انفصالية من قيادات الحزب الاشتراكي وبضعة آلاف من أنصارهم، وهذا أمر معروف للجميع حتى مع محاولات الحراك تسليط الضوء على جزء من الصورة وتجاهل بقية الأجزاء رغم أهميتها، فالقيادات الرئيسية في تلك الحرب كانت من أبناء الجنوب كالرئيس هادي واحمد الحسني والشهيد سالم قطن وعليوة وغيرهم كثيرون، وكان الى جانبهم الآلاف من أبناء الجنوب ممن قاتل في صف الوحدة، إضافة الى أنه في الجانب الآخر رفضت كثير من الألوية العسكرية في الجنوب المشاركة في الحرب في تأييد ضمني للوحدة .
- رغم محاولات الكثيرين في الحراك القفز فوق تلك الحقائق المتعلقة بحرب 94م، الا أن أكثر النقاط إنكارا من قبلهم تتمثل في أن حرب 94م كانت في أحد أبعادها امتدادا غير مباشر لأحداث 86م وجولة من جولات الصراع بين ما عرف بتياري الطغمًة والزمرة، وأعتقد جازماً أن إنكار ذلك غير مجدٍ لان الاعتراف بهذه الحقيقة هو السبيل الوحيد لإنهاء الصراع المستمر بين الطرفين، وتفادي وقوع جولات جديدة من الصراع بينهما.
- فالصراع بين الزمرة والطغمة أخذ صور وإشكال متعددة خلال السنوات الماضية لكن السبب والمنطلق كان واحد، طبعاً سيكون هناك إنكار شديد لهذا الطرح من قبل الكثيرين، لكن من يستطيع تفسير سبب الاتهام الشائع والمتكرر في لحج والضالع وحضرموت للرئيس هادي بالانحياز لأبناء أبين وشبوة وتعيينهم في المناصب الحيوية خاصة في الجيش والأمن أذا لم يكن امتداد لذلك الصراع، كما أنها السبب الحقيقي الكامن وراء اعتراض الحزب الاشتراكي في بيان صادر عنه في ابريل الماضي على قرارات الرئيس هادي.
- لمن ينكر هذه الحقيقة عليهم أن يفسروا أيضا السبب وراء كون الضالع اقل محافظات الجمهورية ومحافظات الجنوب على وجه الدقة تصويتاً للرئيس هادي عند انتخابه في فبراير 2012م، و هل يستطيع أحد أن يفسر سبب تراجع احمد الحسني المفاجئ عن مواصلة المهمة التي كلفه بها البيض لمواجهة تحركات محمد علي احمد؟والغموض المحيط بقرار مغادرته اليمن مرة أخرى بعد الضجيج الذي أحدثته عودته الى البلاد وتحركاته الميدانية .
-أنا هنا لا أسعى لإثارة الفتنة ونبش الماضي لان استمرار الصراع بين الطرفين لاينحصر تداعياته السلبية على ابين وشبوة ولحج والضالع وانما يلقي بضلاله على اليمن بأكمله، طبعاًهناك أزمات أخرى مشابهة يتم إنكارها كالصراع الصامت بين صنعاء وتعز على القيادة، وحلم الائمة في استعادة الحكم ومساعي الاخوان في السيطرة وحلم الحضارمة في كيان مستقل بهم و..، وأجزم أن اليمن لن تتعافى من أزماتها المعقدة ويتمكن اليمنيون من مغادرة واقعهم البائس، الا أذا كانت هناك وقفة جادة لمواجهة تلك الحقائق والتعامل معها بشفافية عند طرحها، والبحث في مسبباتها وجذورها وكيفية معالجتها، والأكيد أن معالجة واستيعاب إفرازات وتداعيات تلك الأزمات لن يكون الا في إطار دولة يمنية مدنية حديثة يتساوى فيها جميع مواطنيها أمام القانون، ويتمتعون بكافة الحقوق والحريات .
5-خامس مبررات الحراك يتمثل في القول أن حرب 94م أنهت وحدة 22مايو، كمبرر يقدمه الحراك بهدف إقناع المجتمع الدولي بالانفصال، أعتقد أن فرص النجاح في ذلك ضئيلة جداً خاصة مع استحالة إقناع الأمريكيين بهذا الطرح على اعتبار أن وحدة الولايات المتحدة لم تثبت دعائمها الا بحرب استمرت خمس سنوات قادها الرئيس ابرهام لنكولن ضد الولايات الجنوبية المطالبة بالانفصال، ولهذا السبب يعتبر لنكولن من أهم الزعماء في تاريخ امريكا ويحظى بمكانة خاصة لدى غالبية الأمريكيين .
6-مبرر آخر يسوقه الحراك للمطالبة بالانفصال وذلك بنفيه يمنية أبناء الجنوب، واعتبارهم جنوب عربي، وهذه في اعتقادي من أكثر المبررات غباءً لتبرير الانفصال، ولا اعرف كيف دار بخلد هؤلاء الاعتقاد بقدرتهم على إقناع المواطنين في الجنوب بأنهم ليسو يمنيين، وان التاريخ والجغرافيا وعلاقات القربى والنسب والعادات والتقاليد المشتركة كلها مجرد أكاذيب ووهم ليس أكثر، مع العلم ان هذا المبرر لم يقنع غالبية أنصار الحراك المنقسمين بين مؤيد للجنوب العربي وبين رافض له ويطالب بالعودة الى الدولة الشطرية.
-وهنا يتجاهل الحراكيون حقيقة ان العوامل المشتركة ومستوى التقارب والاندماج بين المواطنيين في محافظات شمالية مع إخوانهم في محافظات جنوبية يفوق بمراحل ماهو موجود بين محافظات شمالية شمالية او جنوبية جنوبية، بمعنى ان العوامل المشتركة ومستوى التقارب والاندماج بين المواطنين في عدن وتعز مثلا يفوق بمراحل المستوى الموجود بين المواطنين في عدن وشبوة، وبالمثل نجد ذلك ايضا بين المواطنين في ابين والبيضاء، وبين اب والضالع، ومارب وشبوة وهكذا .
-كما أن الجميع يدرك أن الاستعمار هدف من تسمية الجنوب العربي تحقيق الاستقرار في مستعمرة عدن وإيقاف النزعات الاستقلالية لدى بعض السلطنات والمشيخات وضمان السيطرة على الوضع فيها، إضافة الى محاولة إيجاد هوية بديلة للهوية اليمنية في المناطق الجنوبية، والحيلولة دون توحد اليمن عند رحيل المستعمر عن الجنوب، ومقاومة المد القومي في ذلك الوقت خاصة مع انضمام الشمال الى الجمهورية العربية المتحدة .
-في تصريحات ومواقف سابقة لقيادات في الحراك يؤكدون من خلالها دون قصد زيف المبررات التي يقدمونها للمطالبة بالانفصال، كما نجده مثلاً في حديث البيض لقناة سكاي نيوز عربية في ال20 من اكتوبر المنصرم عن إمكانية التوحد مع صنعاء في الأجيال القادمة وليس في الوقت الراهن، وهذا الطرح ليس بجديد وسبق طرحه من قبل البيض في أوقات سابقة لعل أقدمها كان في بيان إعلان الانفصال في 21/5/1994م .
- بهذا الطرح يؤكد البيض على يمنية أبناء الجنوب ويدحض هوية الجنوب العربي دون أن يدرك ذلك، والا ما الداعي لحديثه عن إمكانية توحد اليمن مستقبلاً، كما أن هذا الطرح يؤكد أيضا على حقيقة أن المشكلة ليست في الوحدة بحد ذاتها وإنما في القائمين عليها، وأن التخلص من الواقع المزري الذي نعيشه اليوم لا يكون باستهداف الوحدة والرجوع عنها، وإنما بالتخلص من مكامن الخلل الحقيقية، لان المعالجة الخاطئة قد تؤدي الى نتائج كارثية ووضع أكثر مأساوية من وضعنا الحالي .
7-زعم قيادات الحراك ضمن محاولتهم التأثير على الموقف الإقليمي والدولي الداعم للوحدة ان قيام الدولة الشطرية في الجنوب، يضمن امن واستقرار المنطقة وسلامة الملاحة الدولية، وهذا أمر مردود عليه، وسنتناوله بالتفصيل في حلقة أخرى، كما سأترك الحديث عن الاشكالية الثالثة المتعلقة بتشكيل وفدي الشمال والجنوب في المفاوضات ومعايير الاختيار ونسب تمثيل القوى والمكونات المختلفة في الوفدين وابرز القضايا الخلافية إلى الحلقة الثالثة . يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.