بينما كان عدد من الرجال يُدخلون عددا من الصناديق إلى مركز طبي جديد لعلاج مصابي الانتفاضة السورية، توقف جرّاح اسمه عدنان فجأة عن الحديث حول أسباب عودته من أوروبا لمساعدة الثوار ضد نظام الرئيس بشار الأسد. وحين عاد إلى الكلام كان صوته متقطعاً، ثم أخذ يبكي عندما أتى على ذكر حمزة الخطيب، الصبي البالغ 13 عاماً من العمر، الذي قيل إن موالين للأسد عذبوه حتى الموت في نيسان (أبريل) الماضي. وتساءل عدنان: ""ماذا كنت سأفعل لو كان ابني"". عاد هذا الجراح من فرنسا وبحوزته 60 كيلو جراما من الإمدادات الطبية الثمينة، من بينها معدات للتعامل مع كسور العظام. وقال: ""الميليشيات تقتل الناس في المستشفيات، إنه أمر يتعذر الدفاع عنه"".
والحزن الذي يعتمل في نفس عدنان، المحسوس بقوة حتى في جنوب تركيا الآمن، يُظهر مدى قرب الأطباء المناهضين للنظام في سورية من الجانب العاطفي لثورة أصبح فيها إنقاذ حياة الناس عملا سياسياً خطيراً.
قالت ماري - بيير أليه، رئيسة منظمة أطباء بلا حدود في فرنسا، إن مناقشات فريقها مع أطباء ومرضى من سورية تفيد بأن النظام الحاكم يرى في الرعاية الطبية ""أداة ً للقمع"".
وأضافت: ""توصلنا بالفعل إلى استنتاج مفاده أن هناك نهجاً منظماً لاستخدام المستشفيات مكانا يمكنك البحث فيه عن الخصوم"". وتابعت: ""وفي الوقت نفسه، الأطباء أنفسهم موضع شك، لأنهم يعتنون بمثل هذه الأنواع من المرضى"".
وتوصل الأطباء المعارضون للأسد في سورية إلى وسائل لمساعدة آلاف الجرحى خلال ثورة يقدر عدد من ماتوا فيها بأكثر من 7500 شخص.
ويعمل عدنان في مركز إمدادات طبية في طابق تحت الأرض من مبنى في أحد شوارع ريحانلي التركية غير البعيدة عن حدود سورية الشمالية. والمركز جديد للغاية، إذ ما زال نجار يأخذ المقاسات لتركيب الرفوف فيه.
وكان الدكتور منذر يازجي، طبيب الأمراض الباطنية في تكساس، يراقب أكوام من المستلزمات التي وصلت إلى المكان، من بينها أكياس لسحب البول، ومعدات لتجبير الكسور، وجهازان لتعقيم الأدوات الجراحية.
ووصف كيف يمكن للأدوية والمعدات أن تصل إلى المستشفيات الميدانية على طول الطريق إلى حمص، حيث يعتقد أن قصفاً على مدى شهر من جانب القوات الحكومية أدى إلى قتل مئات الناس، وأضعاف ذلك من المصابين.
وقال اليازجي إن العملية جرى تمويلها من جانب أطباء سوريين في الولاياتالمتحدة وأوروبا وأماكن أخرى، من خلال فعاليات لجمع المال وهبات من الرواتب الشخصية زادت على 1.5 مليار دولار منذ كانون الثاني (يناير). لكن العملية ما زالت تواجه مشاكل ضخمة من حيث العجوزات ومضايقات النظام. وأوضح اليازجي أن 20 من الأطباء الذين كان يعمل معهم اختفوا في الشهر الماضي ولا معلومات بشأنهم.
وواجه الأطباء متاعب من جانب الدول في أمكنة أخرى خلال الربيع العربي. ففي ليبيا ألقى نظام معمر القذافي القبض على أطباء خلال الحرب الأهلية التي أدت إلى سقوطه في العام الماضي، بينما عانى الأطباء متاعب كبيرة في بلدان أخرى لأنهم عالجوا المحتجين.
ولأن الأسد طبيب مختص في العيون شكل ذلك مادة لسخرية لاذعة من تصرفاته. وانطلاقاً من كونه طبيب، يفترض أن يتقيد أخلاقياً بقسم أبو قراط الذي يشير في صيغة حديثة مشهورة منه إلى ""التزامات خاصة تجاه (...) جميع بني البشر، سليمو العقل والبدن منهم ومن هم غير ذلك"".
وبالنسبة إلى الأطباء الذين يمزجون التزامهم بمهنتهم مع تحرك معادل للتخلص من الأسد، تصرفات النظام جعلت ما يقومون به أمراً مثيرا للإحباط. وكما لاحظ الدكتور يازجي ""من الأمور الجيدة إنقاذ حياة إنسان في أي مكان - ما عدا سورية"".