من سمات المعمار اليافعي الفريد, الذي لا مثيل له, ارتفاعه الشاهق وتعدد طوابقه, التي تصل إلى خمسة وستة طوابق حجرية وربما أكثر, ويُر اعى عند التشييد السماكة التي تتناسب مع هذا الارتفاع. ومن نافل القول أن تفرُّد يافع بالعمارة الحجرية الشاهقة يرجع في الأساس إلى تموضع القرى على الجبال والآكام القادرة على تحمل ثقل البناء المرتفع, على عكس الأماكن السهلية أو ذات التربة. وما يزيد هذا المعمار مهابة وشموخا أنه ينتصب غالباً فوق الآكام وقمم الجبال وفي الأماكن التي لا تصلح للزراعة, واتجهوا للبناء الرأسي لتقليص المساحة التي تحتلها البيوت وبجانبهم جمعوا التربة الصالحة للزراعة في مدرجات جبلية أحاطوها بجدران واقية من انجراف التربة, إضافة إلى طبيعة الحياة الاجتماعية والارتباطات الأسرية التي كانت تقوم على تجمع افراد الأسرة البوية الكبيرة في بيت واحد وتجمع في بعض الأحيان عدة أجيال: الجد والأب والأحفاد وأحفاد الأب..الخ. وربما سكن الدار الواحدة عشرات الناس.
وحتى بعد أن تنفصل الأسرة الأبوية إلى أسر فرعية فإنها تظل في نفس المسكن الكبير وتتعايش مع بعضها, ويطلق عليها في هذه الحالة (حُلل) أي يحلون في منزل واحد بكاملهم, بعد أن تقاسموا غرفه المختلفة, ومثل ذلك كثير في بقية المناطق والقرى.بل وكانت البيوت القديمة مسكناً يضم البشر والحيوانات, فالطابق الأسفل كان يخصص اصطبلاً للماشية ومستودعات للأعلاف.
ولا غرابة أن أطلق الباحثون العرب على هذه القصور المنيفة أوصافاً تليق بسموها وشموخها وقوتها وفرادتها, حيث وصفها الشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف ب"قصور حِمْيَر المترفعة", أما المهندسة المتخصصة بالعمارة الاسلامية سلمى سمر الدملوجي فقد وصفتها ب "ناطحات السحاب الحجرية", ففي رسالة وجهتها إلى معلمي البناء من (آل بن صلاح) تحذر فيها من الأخطار المحدقة التي تهدد هذا الفن, قالت مخاطبة إياهم:"أما زال جبل (ثمر) شامخاً؟ وأما زلتم حاملين سر هندسة عماراتكم بنفس الروح التي واصلت حضاراتكم المدنية المميزة؟ أتدرون أنكم أصحاب ناطحات السحاب الحجرية الوحيدة في عالمنا هذا المتفشي بأشكال الإسمنت العقيمة وسمسرة البناء المرتدية اسم الحداثة عبثاً؟!".
أما اليافعيون فيطلقون على قراهم وبيوتهم الشاهقة "الشوامخ" أو "المصانع" أو "الحصون". وفي الفصيح فأن "مصانع" تعني المباني من القصور والحصون والقرى والآبار وغيرها من الأمكنة العظيمة, وجاء في التنزيل العزيز {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ}. ويتباهى اليافعون بمصانعهم وحصونهم الشامخة , كما في الزامل التالي:
سلام ما لَمْلَمْ ومَا يرخِىْ وِلَمّ مَتْشَرَّعْ الجاهم وله بَرَّاق لاح تسليم يتقسم وللزائر قَسَم وزن المصانع ذي على شُمّخ صحاح ويقول زامل آخر: يا ناشر الليله برأي المعتلي وبرأي ذي يكتُب شَقِي والاَّ سعيد وبرأيكم يَهْل الحصون النائفه وأهل المصانع ذي بَنَوْهَا من جديد ويقول زامل ثالث: حيَّا بكم يا ذي ولبتوا عندنا يملا المصانع ذي على الحيد الذليق رَحَّب بك القاهر وشُمَّخ قاهره ذي يقهرين النار ذي تعلق عَليق ومن زوامل الشاعر الكبير المرحوم شائف الخالدي: منِّي سلام ألفين كلاً يسمعه يدهم على اسوار المصانع والرِّيُوش بعدي بني مالك حُماة الطارفه ذي للبلأ يتسابقوا مثل الطِّهُوش والقاصدي لا حن والْجَبْ راعده سَقَّوا بسَيْلَهْ ساحل أبين والفِيُوش
بقلم : علي صالح الخلاقي ((مقتبس عن كتاب له يتحدث عن العمارة اليافعية سيصدر قريبا ))