لم أصب بالإحباط يوما قط مثلما أشعر به حاليا ، فكل شي من قبل كان يؤنسني ويفرحني أصبح الآن لا يعجبني بحق ،وكل ما كان يلهيني أصبح الآن مصدر إزعاجي ، أقلب بين ثنايا الصحف عناوين مكرره "قتل اغتيل أنفجر" أحاول أن أصطنع لنفسي بأنها أخبار لا تمت لها من الصحة بشي أذهب لتلفاز أقلب بين ثنايا القنوات الإخبارية نفس العناوين ربما أدهى وأمر أتجاهل الأمر مرة أخرى أختلق شيئا أخر يبرر لي عدم صحتها أذهب إلى الرفاق هناك في المقهى أو في دكه الشارع أحاول أن تكون هناك أحاديث تختلف تماما عما هو مصدر إزعاجي ولكن للأسف ربما لا مفر فهنا تكون تلك العناوين خبرا وتفصيلا ولربما تحليلا أيضا ففي كل مكان أصبحت أذا نفس العناوين ، عناوين تؤرق ذهني لم أستطع النوم أحيانا لدرجة أنني أتساءل مالجديد غير تلك العناوين المفجعة..! . ولكن لعمري أني وصلت إلى قناعا تامة أنها الحقيقة المرة التي لا يمكن أن تتغير في ظل وضعا مأساوي يعيشه جنوبنا المحتل ، فتلك العناوين جاهد الاحتلال نفسه كثيرا حتى جعلها تتصدر المشهد الجنوبي المحزن والمثقل بالفواجع المخيفة بين قتل واغتيال وانفجار حتى أصبح المواطن الجنوبي يخشى أن يتصدر أسمه بين أحدى تلك العناوين المرعبة في يوما ما الأمر الذي يطرح سؤلا معقدا الى متى ستسمر تلك العناوين تتصدر المشهد الجنوبي لاسيما مع كثرة وتيرتها في الفترة الأخيرة ؟؟ أم أن الأمر سيكون معتادا على ذلك . شعورا محزن ذلك الذي أشعر به حين نسمع عن قتلا هنا ومجزرة هناك ثم تخاطب من هو بجوارك بذلك الخبر بكل هدوءا وبرودة دم يرد عليك قائلا :"طيب شي جديد ثاني" أفهل أصبح أمر القتل هينآ لهذه الدرجة ..؟ أم أن الدم الجنوبي أصبح إزهاقه كزهق الماء أثناء الوضوء ، وهل أصبح تبرير قتل المواطن الجنوبي أمرا بسيط جدا كتلك الأضحوكة المبكية التي تبرر مقتل 20 مواطن جنوبي أو أكثر وجرح العشرات بأنه خطاء وقع فيه أحدى الجنود !..فهل هذا مبرر كافي ومقنع بأن نجعل من عشرين أمراه وأكثر أرمله نتيجة خطاء وقع فيه جندي بالخطاء ؟؟وهل نجعل من عشرات الأطفال يتامى؟؟ في لحظه خطاء فادح وقع به أحدى جنود الاحتلال هل أصبحت لدينا قناعة تامة بمثل هكذا مبررات تؤكد مالا يدع مجالا للشك خاصة الدم الجنوبي وإزهاقه . أذكر في ذات يوما نزلت في ساعة متأخرة من الليل ونزلت حينها سيرا على الأقدام أتأمل بزوغ فجر يوما جديد يتوجسني فيه هاجس مخيف ما الذي يحمله لنا هذا اليوم بين أكنافه وسارت بي قدامي وأنا أتأمل وأسئلة تعصف بذهني تحتاج إلى من يستذلني بجواب يقنعني حتى بركت على أحدى المقاهي احتسيت الشاي وبضعه حبات من الخمير وبجانبي رجلا بدأت على ملامحه الكهولة ويبد ولي عليه الحزن لعلعه الفضول الذي جعلني أتساءل مع بك يا حاج خليها على ربك ؟؟! ، نظر إلى مع ابتسامه الأمل من اليأس المطلق ثم قال لي بحزنا تسمع كلاماته قبل أن ينطقها "يأبني في كل يوم صباح يتوجسني خوف شديد من هذا اليوم في أن مر بسلام أحمد الله كثيرا وأن حدث شيء يزيد خوفي أكثر فأكثر" هنا دخلني فضولا أكبر من ذي قبل أريد أن أعرف ما الخوف الذي يتوجس هذا الكاهل الذي يبدو أنه بلغ من العمر عتبا قلت له: وما الخوف الذي يتوجسك ياحاج..؟ رد قائلا : سنسمع اليوم بمقتل من..؟ أو اغتيل من ...؟أو انفجار أين..؟ حينها لم أستطع أن أمتلك لهذا الرد جوابا رغم أنني حاولت أن أجمع كل قواي ليكون لدي رد شافي وكافي لمقولة ذلك الحاج ولكنني لم أجد البتة لأنه ذلك الهاجس المخيف الذي يورقني أجبرت حينها أن أطئط راسي ويؤرقني ذلك الهاجس الذي أخاف ذلك الرجل الذي يبلغ عتيآ من العمر بعد فترة ليست ببعيده قتل ذلك الحاج في ظرفا غامض لم أتمكن من معرفة أسمه ولكن من خلال تلك الصورة المحزنة التي ترسخت بذهني لذلك الحاج استطعت أن أتعرف عليه من خلالها قتل !! وقتل معه ذلك الهاجس المخيف الذي كان يحمله في صباح كل يوم ... وهنا طفلا جنوببيآ يحذوه الأمل في تحرير وطنه المسلوب متوشحآ لابسه بعلم دولته ورغم ذلك يكتنفه هاجس مخيف من الغد يخشى أن لا يكون حاضرا ذلك اليوم لأنه يذهب إلى الساحة مؤمنا يقينا بأن رصاصة وآلة القتل الجنونية للمحتل لا تفرق بين صغيرا ولا كبير ذهب وعزائي فيه أنه لم يعد غير شهيدا مكفنا بذلك العلم الذي يتوشحه حين نزوله للساحة قتل ذلك الطفل وقتلت معه تلك الأحلام الكبيرة التي تحذوه في العيش بوطن يشعر بطفولته فيه كما يشعر بها أطفال المتنعمون في بلدانهم .. كل تلك الأمور ليست من نسيج خيالي وإنما هذا هو المشهد اليومي المعتاد في وطني الجنوبي المحتل الذي دائما ما يشعرني بأنه ما الجدوى من حياتنا مالم نشعر بحريه وأمن وأمان في وطننا ونحن في وطأة احتلال وما الجدوى منها حين نرى ذلك الطفل يتصدر الشهادة وطموحة أكبر من ذلك الطموح المخجل الذي نحمله بمقابل طموح ذلك الشبل الذي خلف درسا لمعنى التضحية وهو في مرحله نخجل من أنفسنا حين نذكر شبابنا بالطفولة ويكتنفنا الخوف من مصيرنا القادم المسبق المعرفة أما أحرار فوق أرضنا أو شهدائنا نذود على أرضنا وعرضنا ليحيا غيرنا بعزة وكرامة وحرية ......