كثيرة هي الأفلام الامريكية التي تناولت موضوع العبودية، ولكن هذا الفيلم المرشح لتسعة تماثيل أوسكار يشكل حالة خاصة، لأنه يروي قصة استثنائية تدور أحداثها في المرحلة التي كان فيها الشمال الامريكي قد بدأ تقبل السكان من سود البشرة كمواطنين أحرار، فيما كان الجنوب لا يزال يتعامل مع العبودية كحالة اجتماعية مقدسة لا يجوز المساس بها، وينظر فيها للعبيد على أنهم ‘ممتلكات'، في هذه الأجواء اختار ستيف ماكوين صاحب أفلام Shame وHunger، أن يصنع فيلمه، عن قصة حقيقية، بطلها رجل أسود حر، يختطف ليصبح عبداً، بكل ما في هذه المفارقة من عمق، وبكل ما تنطوي عليه من تبيان لحقيقة كم في الإنسان حقاً، من نوازع وحشية، يخفيها في كثير من الأحيان، تحت ستار الحضارة والأعراف الاجتماعية المدنية. الفيلم تناول من خلال قصة ‘سولومان نورثوب' الذي صار العبد ‘بلات'، معاناة العبيد في الجنوب الامريكي في تلك الفترة بتعمق، ولم يكن السيناريو الخطي (باستثناء مشهد واحد في البداية) والذي كتبه ‘جون ريدلي' عن كتاب سولومون نورثوب نفسه وبنفس الاسم، سوى سرد لحكاية هذا الرجل مع العبودية التي وجده نفسه أسيرها، وعانى خلالها، جاء النص محكماً ومتماسكاً، ولكن ما يعيبه برأيي كان أحادية الشخصيات المكتوبة، ففيه عودة غير حميدة لثنائية ‘الخيّر/الشرير'، التي تستطيع تصنيف شخصيات الفيلم تبعاً لها بكل سهولة، وهو برأيي تراجع على صعيد الكتابة التي بدأت تأخذ مؤخراً شكلاً أكثر عمقاً فيما يتعلق برمادية الشخصيات وحقيقتها الإنسانية التي تحمل في كل حالاتها النقيضين.
إخراجياً، أفلح ستيف ماكوين في معالجة هذا الفيلم، ساعده في ذلك خياراته مع مدير التصوير ‘شون بوبيت' شريكه في كل أفلامه السابقة، فالأفق المغلق الذي رافق أحداث الفيلم حتى في اللقطات الواسعة، كان خياراً موفقاً للغاية في ‘حشر' عين المتلقي، ونقل الإحساس بالتعطش لأفق أوسع الذي تعاني منه الشخصية الرئيسية، كذلك كانت إدارة ماكوين لممثليه، كما هو معتاد منه، موفقة للغاية، فأكسبت ممثله الرئيسي ‘شويتيل إيجيوفور' وممثليه المساعدين ‘مايكل فاسبندر' و'لوبيتا نيونجو' ترشيحات لجوائز أوسكار.
باستفاضة أكثر جاء الأداء التمثيلي من أقوى عناصر الفيلم، فقدم ‘شويتيل إيجيوفور' أداء يمكن وصفه بالرائع، نافسه ‘مايكل فاسبندر' بأداء لا يقل إبداعاً وذكرني بقامات سينمائية كبيرة في عالم التمثيل، بالعموم كان الأداء التمثيلي بالمجمل ممتازاً، الأمر الذي يحسب للمخرج.
مونتاج الفيلم كذلك جاء من أميز ما فيه، تنقل غاية في السلاسة، وإحساس عميق بوحدة الشخصية الرئيسية ومعاناتها دون تطويل ممل، وبإيقاع هادىء ومتزن، فيما نقلنا تصميم الإنتاج والملابس إلى حقبة أحداث الفيلم كعادة السينما الامريكية المميزة جداً في هذا الجانب، فاستحق كليهما ترشيحات الأكاديمية.
اثنا عشر عاماً كعبد، فيلم جيد جداً، ولكنه برأيي ليس فيلماً عظيماً، هو أحد تلك الأفلام القوية، التي تنسى بمرور الزمن، ولكنه فيلم يحكي عن قيمة بشرية هامة، هي كيفية قياسنا للأمور في ظاهرها، في يوم كان ‘سولومان نورثوب' الأسود نفسه، سيداً محترماً في مكان ما، وفي اليوم التالي، وبسبب لون بشرته، وبمجرد نقله إلى مكان آخر يسود فيه عرف مختلف، صار عبارة عن ‘ملكية' لشخص آخر، يمارس من خلالها نزعاته في التسلط والاستعلاء، ويخدم فيها متطلبات بشر آخرين بلا مقابل، لمجرد أنهم يملكون لون بشرة مختلفا يظنونه مميزاً أو مختاراً، نزعة إنسانية حقيقية وموجودة في كل مكان، رغم عدم اعتراف الكثيرين بها، إلا حين تتاح لهم فرصة ممارستها، أو يستفزون بما يكفي للتعبير عنها.