مما لا شك فيه حرب 1994م على جنوباليمن وفرض الاحتلال، كان ولايزال يمثل بداية النهاية لنظام أثبت فشله من سابق العصور إلى اليوم. بل أن المتمعن في هذه الحرب ووقت تنفيذها يدرك ذلك المستوى العالي من الثقافة والرقي التي تمتع ويتمتع به أبناء الجنوب الذين عمدوا الوحدة مع الإخوة الأشقاء في الشمال بالحب والإخلاص والوفاء... فما كادت بضع سنين تمضي حتى تباينت الثقافات واختلفت الآراء والمعاملات ، مع من توهموا أنهم دولة، او شبه دولة في شمال اليمن. ليترجموا لنا حق الترجمات أن فكرهم ونهجهم بعيد كل البعد عن معنى الدولة والحضارة والثقافة. هذا بعد ان قرر الجنوبيون قيادة وشعباً فك الارتباط ، واستعادة دولة اليمن الديمقراطية الشعبية آخذين التجربة الديمقراطية لاستقلال سوريا عن جمهورية مصر العربية. هنا للأسف الشديد، تدخل ذلك الفكر الجاهلي المتخلف الذي تحدثنا عنه آنفاً. فيكشر عن انيابه الحقيقة، ويبدل ابتساماته المزيفة فارضاً علينا حرب بربرية مستعبداً بذلك حرية الإنسان، وكرامة الأرض. بل ومتجاهلاً لقرارات الجامعة العربية، ومجلس الأمن، والمجتمع الدولي بوقف الحرب ضد الجنوب.. . من هنا، لم يجد المحتل إلا ان يكمل اللعبة فأصدر فتواه التكفيرية لسفك أبناء الجنوب ممن يطالب بفك الارتباط، ليستخلص للعالم ذلك المصطلح الذي أصبح "ذكر مقدّس" إلى اليوم في الشمال وهو(تعميد الوحدة بالدماء). نعم هي دمائنا التي كرمتها تربة أرضنا، لتخرج لنا رائحة الأرواح الطيبة التي نستمد منها نضالنا السلمي إلى الأبد. وها هي السنين والعقود تمضي، ليترجم المحتل ونظامه الفاسد الفاشل في شمال اليمن، ذلك الفشل والزيف الذي نحاه، وفرضه علينا سواء جميعا. ومع استمرار نجاح ثورتنا السلمية المتمثلة بمطلب سيادة دولة الجنوب. تظهر ثورة الشارع في شمال اليمن، بزحفها المتواضع لتصنع نصف ثورة، أو نصف تغيير (نصف حل، أن صح التعبير). وهذا في الحقيقة امر لا يروغ لاحد. ولعل الكثير لا يختلف معي في ما لو ان الإخوة في الشمال صعدوا ثورتهم وصنعوها حق الصناعة لتغيير شامل كامل... ولكن كما يقول المثل: تأتي الرياح بما لا تشتهيه السفن. وأي رياح انها رياح الشمال السعودية، وسماسرتها المستاجرين باليمن الذين تاجروا بالثورة وتاجروا باليمن مرّة اخرى بأبخس الأثمان.
حديثي دائماً وابداً مع أبناء الجنوب الذين برهنوا للعالم في اكثر من اسطورة ان ثقافتنا لا ولن تتغير، وان ثورتنا ثورة دولة، ثورة سيادة، ثورة هوية تاريخ ووطن. لا ولن نرضى بدون ذلك، مهما بلغت التضحيات في سبيل العدالة الإلهية التي ارتضاها الله لعباده. ومن هنا نؤمن أن ما حدث ويحدث لنا على أرض دولة الجنوب ليس بالأمر السهل و الهين. هي سنوات طويلة، وتجارب مريرة، من الاستعباد، والتمييز والعنصرية والإقصاء لحرية النفس وكرامة الأرض. وبهذا، نتمنى من الإخوة الجنوبيين قيادة وشعباً، في الداخل والخارج إلى لملمة ومعالجة ما تبقى من جراح الجسد. فالجسد لا يمكن أن يقوم ويتعافى إذا بقي عضوا من اعضائه ينزف ويتألم. انه جسد كل جنوبي.
هي ثورة دولة. فمالنا نرى الكثير يبني هذه الدولة على التراب... استعجال المخرجات ليس في صالحنا. أتفقنا لا نرضى إلا بحلول كاملة في تقرير المصير. من هنا، وجب علينا التثبت والتأكد من التخطيط والدراسة لكل خطوة نخطوها. لا نكتفي بالحجب والتنديد، والأناشيد والاغاني الثورية التقليدية. أنظروا ما يفعل وينتجه حزب الإصلاح سواءً على ارض الجنوب أو في الشمال من قوة تخطيط وإنتاج البرامج التلفزيونية والإذاعية حتى على مستوى الاطفال. نعم! لانهم يدركون حقيقة فاتتهم من زمان، وهي دور النشء والجيل الصاعد في صناعة التغيير..
اتمنى قراءة مقالي السابق (ستنتصر المدرسة الجنوبية). لابد ان يتنوع إنتاج البرامج الجنوبية، خاصة تلك التي يؤديها الاطفال من برامج غنائية بحب الارض والوطن، وطن دولتنا المنهوب والمحتل. أين دور قناة عدن لايف من كل هذا؟! هي طبخة على الجنوبيين أن يحسنوا إعدادها بنفس طويل جداً. لا توجد امامنا للأسف خيارات كثيرة على أرض الجنوب، غير الاستمرار في السلمية وتنوعها كما اشرنا وبكافة الطرق المختلفة، فالنصر آت آت ما دمنا متحدين، ومتفقين على هدف ومصير واحد نبنيه بحسن التأسيس والتعليم.
في الأخير، لا أخفي استغرابي من قيادات ومفكرين جنوبيين آمنوا بالقضية الجنوبية وبسيادة الدولة ، ومن ثم نجدهم لم يدركوا ماهية القضية بدأتها ونشأتها فيوصفونا ببوابة الربيع العربي او كما يسمونه اليوم. بل على العكس من ذلك تماماً قضيتنا الجنوبية ليست قضية تمثلها ثورة شارع او تغيير نظام فحسب. بل انها قضية سيادة واستقلال دولة، وإن كان بد من التشبيه فهي شبيهة بقضية فلسطين العروبة، وغيرها من القضايا الدولية التي تستوجب تدخل أقليمي ودولي.