تناولنا في المقال السابق لمحة عن آلية تفسير الدول القائدة للقرارات الدولية ؛ وأنَّها تفسرها حسب مصالحها.....؟ وهذه الخاصية تنسحب على القرار 2140 الخاص باليمن . وأشرنا -بدون شرح- إلى أطراف الصراع وأنَّهم يضعون تفسيرات للقرارات بما يناسبهم ؛ ولو عدنا إلى التاريخ سنجد كثير من القرارات تم التعامل معها بهذه الآلية . . . وفي بعض الأوقات يضع كل طرف تفسيرين للقرار ؛ تفسير الاستهلاك الداخلي "هنجمة" وتفسير التواطؤ الخارجي "إذعان" وإذا عُدنا إلى القرار 2140 وسألنا ؛ كيف تعامل أطراف الصراع اليمني -يمن مطلع- مع القرار....؟ سنجدهم جميعاً تعاملوا معه بطريقة التفسيرين ؛ تفسير "الهنجمة" ؛ وهذا لمسناه من خلال التسريبات والتصريحات الفردية الإعلامية ، وكان الرئيس صالح أولهم ؛ عندما ظهر في اليوم التالي لصدور القرار يعلن رفضه للقرار باعتباره وصاية دولية وانتهاك السيادة..! مع العلم أن طلب التدخل الدولي كان جزء من مخرجات الحوار اليمني الوطني..! وتفسير "الاذعان" ؛ وقد ظهر واضحاً عبر البيانات الرسمية للأحزاب السياسية -ومنها حزب الرئيس صالح- جميعها رحب وأثنى على القرار . . . واعتبروه إنجاز ثوري ووطني......! عجباً لهم ؛ انجاز ثوري تحت الفصل السابع الذي يصفه بعض الساسة بأحد فصول الوصاية الدولية.....؟ لماذا اعتبروه انجاز وطني.....؟ لأنَّه قال [ وإذ يعيد تأكيد التزامه الشديد بوحدة اليمن ...] .
وهذا الترحيب يعني عجزهم عن حماية الوحدة . . . ويعني كذلك أنَّهم لم يتغيروا ؛ فعقلية النهب والاستعباد والاستعمار مازالت هي المسيطرة عليهم . ولايمانعون في التنازل عن سيادة الدولة مقابل بقائهم في السلطة...! وهذا يذكرنا بعرض الأمير الحسن -مبعوث الإمام- في عام 1954 على الحكومة البريطانية [اعتراف بريطانيا بأن الجنوب العربي جزء من اليمن ، مقابل توقيع الإمام على وثيقة تعطي بريطانيا حق البقاء في عدن لمدة 40 سنة قابلة للتجديد]
وهنا نتوقف ؛ وقفة جنوبية لنقول : شكراً لكم ؛ فلم نكن نعرف حجم نجاح الحراك الجنوبي إلَّا عندما استنجدتم بالأمم المتحدة لتحمي لكم الوحدة . ولن تحميها ؛ لأنَّ مواثيقها وعهودها لاتتضمن حماية للصوص والمتسلطين والقتلة . . .
أمَّا يمن منزل -تعز وإب وتهامة- فقد رحبوا بالقرار ؛ ولوكان تحت الفصل الثاني عشر لكان ترحيبهم أعظم . فهم يرون أن الاستعمار الأجنبي أهون وأقل إذلالاً لهم من سلطة يمن مطلع ...؟ وقد حدث في ثلاثينات القرن الماضي تقديم أبناء تعز طلب للمندوب السامي البريطاني في عدن لوضع تعز تحت الرعاية واعتبارها من المستعمرات الغربية . ونفس الموقف صوره شاعر الجنوب علي حسين البجيري عندما قال : إن جات بريطانيا رحبنا بها ... وإن جا اليهودي مرحبا به مرتين ولا يلامون في ذلك . . . فاللوم الكامل يقع على سلطة صنعاء ؛ فسلطة القتل والنهب الاستعباد والاستعمار باسم الوحدة اليمنية أحياناً وباسم الدين أحياناً أخرى هي التي دفعتهم إلى ذلك . والأخوة في يمن منزل يعتقدون أن تنفيذ فدرالية الأقاليم هي الفرصة الأخيرة لهم لنيل الحرية والحياة الكريمة بعد استعباد دام أكثر من 80 عام ؛ ولن تتحقق إلَّا بتدخل دولي . . . وهم يدركون أن المتسلطين -يمن مطلع- مستعدون للتنازل عن الوحدة اليمنية مقابل عودة الشمال كما كان قبل 1990 دولة مركزية وسلطة متمركزة في أيديهم . وأنا أؤيدهم في هذه الرؤية .
ختاماً أقول : هكذا يفكر إخوتنا في اليمن -مطلع ومنزل- وهكذا يتعاملون مع القرار 2140 محارب عنهم بالوكالة . . . فكيف يفكر الجنوبيون -إذا كانوا يفكرون ...؟ وللحديث بقية ،،