"في ظل احتدام الصراع تحاول معظم الخطابات أن تستخدم ضد بعضها البعض أشد أسلحة "الاستبعاد" و"الإقصاء" ويسعى كل خطاب لأن يتحول إلى سلطة. وكلما أقترب الخطاب من سدة السلطة السياسية ازدادت شهية القمع والتدمير عند ممثليه, رغم الفارق بين خطاب يمارس سلطة مستمدة من مصدر خارجي , وأخر يستمدها من آليات الإقناع والحفز المعرفي"(نصر حامد أبو زيد الخطاب والتأويل). الصراع المعرفي صراع خطابات على سلطة المجال العام , صراع يهدف إلى سيادة خطاب وسيطرته على العقول, بيد أن هناك فارق بين خطابين خطاب يستمد قوته من قدرته على السيطرة والسيادة لأنه يتمتع بقدراته بفعل تفشي الجهل وانتشار الأمية وإعادة إنتاجها وتعميمها, لا بل هذا الخطاب يقوم بدور في تعميمها وتغدو الجهلولوجيا تؤدي دور الوظيفة والوسيلة, أي تغدو بالنسبة له هدفاً ووسيلة سيادة. وخطاب أخر يستمد قوته من قدرته على الإقناع ولا يمكن أن يحقق هدفه إلاّ في مجتمع معرفي , ولذا فإنه يسعى إلى تحقيق هدفه عبر اختراق مجتمع الجهل وفي مجابهة مع قوى تتعمد هدم قوى المجتمع العقلية وبقاء أفراده مشلولين عقلياً.
الصراع في طبيعته صراعاً على السلطة المعرفية بين قوتين, قوة تنتسب إلى الماضي وأخرى قابضة على المستقبل, ومنطق التاريخ يقف في صف المستقبل, لأن سيرورة الحياة تتجه صعوداً من الماضي إلى المستقبل.ولا يمكن أن يحسم هذا الصراع لصالح المستقبل سوى الجامعة, والجامعة بوصفها مفاعل تخصيب وإنتاج العقول تستلزم بالضرورة أن تكون آهل لتحقيق هذه المهمة, ولا يمكن أن تحققها إلاّ بواسطة عقول عينها على المستقبل وليست مسكونة بالماضي وتعيش عند مضارب القبيلة وفي تخوم الماضي السحيق, وتكون الكارثة تسونامي مدمر عندما يتسنم قيادة العمل الجامعي من هم دون المستوى المطلوب أو موميات متعفنة لا تمتلك في رصيدها أي إنجاز علمي يشفع لها ويُشرف الجامعة وتعيش الماضي وتجتره اجتراراً ولا تستطيع العيش والاستمرار من دونه.
وكما هو معروف فإن الجامعات تتنافس على أن تكتسب شهرتها من شهرة أساتذتها ناهيك عن التعاقد مع أبلغ وأرفع العقول كي يتسنموا قيادتها, وعندما حصل الفيلسوف الهندي أمارتيا صن(1933- ؟) على جائزة نوبل للاقتصاد عام 1999م تسابقت عدد من الجامعات المرموقة منها هارفارد واكسفورد وكامبردج للتعاقد معه؛ كي يكون رئيساً لإحداها, وظفرت به جامعة أكسفورد البريطانية العريقة ورأسها لمدة ثمان سنوات من العام 2000 حتى 2008م, وكل الجامعات المحترمة تتسابق على الأساتذة ذوي الانجازات العظيمة وتولي جل إهتمامها على مضمار المنافسة بين اساتذتها كي يحققوا الانجازات العلمية, ولا يتم تولي المناصب فيها من رئاسة القسم حتى رئاسة الجامعة إلاّ بناءاً على معيار الكفاءة الاكاديمية والبحثية.
وستظل جامعاتنا الوطنية مسكونة بالفشل طالما ظلت عقلية إدارتها مضاوية وتجتر الماضي وتعيش بين جنباته. ولا نستطيع أن ننتصر على الماضي إلاّ من خلال جامعات عنوانها وهدفها الرئيسي الذهاب إلى المستقبل . استاذ فلسفة العلوم ومناهج البحث المساعد قسم الفلسفة كلية الآداب جامعة عدن