أن الرجال بالعادة هم صانعي الأحداث الكبرى بكل ما تخلفه تلك الأحداث من ذهول وانبهار. وهم في الحقيقة رجال عاديون ولا تبدو على ملامحهم أشكالاً تميزهم عن بقية بني البشر. ولا يبدون غير عاديون إلا عندما يجترحون الأعمال الخارقة الغير عادية بطبيعتها. وإنه من الصعوبة بمكان أن تعطي مقياس للبشر لمجرد النظر إلى وجوههم أو تستطيع معرفة معادنهم إلا حينما تضعهم الأقدار في خضم الخطوب، وهي وحدها تفرز معادن الرجال، وفي الحادثات الكبار يولد الأبطال النوادر الذين يسطرون بدمائهم وأرواحهم صفحات الخلود المجيدة، ويصنعون من مخاضها العسير ملاحم مثيرة للاندهاش والإعجاب. إنهم يولدون مرة واحدة في التاريخ ولا يتكررون. هكذا هم يخلقهم الله بعناية لكي يضعوا محطات وقوف مهمة على سكة الأزمنة المتعاقبة ويجعلون للأمكنة التي يتواجدون فيها ملامح جديدة تعرف بها فيما بعد وإلى الأبد. فالأزمنة بمختلف تقلباتها، والأمكنة المتباينة تضاريسها لا تساوي شيئاً إذا لم يضع الأبطال فيها شيئاً يلفت إليها الانتباه. هكذا يأتون العظماء ثم يمضون ويتركون ورائهم آثاراً لا يمكن للزمن أن يمحيها لأنها تبقى معلماً سرمدياً وجزء من مكونات التاريخ بكل ما يمثله من عظمة. وأحسب أن يوم 11فبراير كان واحداً من محطات الوقوف المهمة كان يوماً أرادت له الأقدار أن يبقى عنواناً لامعاً يزين الوجه المشرق للتاريخ وأثراً بارزاً يجثي أمامه الزمن على ركبتيه بكل جلال كلما مر بهذه الذكرى التي يعطر أريجها الآفاق. كان من الممكن أن يغدو يوم 11 فبراير يوماً عادياً كبقية الأيام لكن شعبنا المكافح العنيد الحر الرافض لكل أشكال الاستعمار والاستبداد والقهر أبى إلا أن يجعل من ذلك اليوم مغايراً لسابقاته يوماً أنتزع فيه شعبنا من جبين الشمس حذوةً تلهب أوكار الغزاة. يوم تجلت فيه عظمة المجتمع المدني الأصيل حيث بدأت أحداثه الساخنة بإعلان الإضراب ثم قيام مسيرة كبرى في مدينة الشيخ عثمان الباسلة التي كانت إحدى منابر المجتمع المدني التي تتألف منها كعبة الأحرار وقبلة الثائرين (عدن) هذه المدرسة العظيمة التي تخرج منها أبرز الأحرار وألمع صناع تاريخنا المعاصر. وقد تصدت قوات الاستعمار البريطاني لهذه المسيرة وقمعتها بعنف واغتيل في نفس اليوم أثنين من العمال وقد كانت تلك الجريمة مؤلمة لدرجة يصعب احتمالها. وقد كان غير ممكناً في هذا اليوم أن يطوي أحداثه ويمضي وينام العالم بينما الوطن مكلوماً يتقلب على جراحاته الدامية. فقد انبرى من بين الجموع الغاضبة ذلك الثائر الشاب الأسمر الممتلئ حيوية ونشاط حسب ما وصفه لي أحد الأحرار الذين رافقوه وعرفوه عن قرب وأحد شهود عيان تلك الملحمة الرائعة الذي جعلت من ذلك اليوم يوماً غير عادياً على الإطلاق. ذلك الشاب الأسمر الذي تشرب روح التحرر من أم الأحرار عدن وارتدى حلل التواضع وجلال الهدوء من أخلاقيات الريف النبيلة ذلك الفتى الذي أتت به عناية السماء ليبلي بلاء حسن قبل أن تنام أعين الجبناء وهي تتلمض أشلاء الثائرين البواسل جاء ذلك البطل ليغير المعنى الذي عُرف به ذلك التاريخ من قبل ولكي يسجل ذلك الحدث النبيل ويحفر هذه اللحظات الخالدة في ذاكرة الزمن ويغادرنا إلى جنان الخلود كان ذلك هو (عبود). بهذا الاسم الحركي أدرج في سجلات الثورة وأضحى بعدها من الأبرار الذين تسنموا ذرى المجد وغدا في طليعة هامات تاريخنا الشامخ. لقد أقسم عبود أن يرد للشعب اعتباره وكانت هذه الملحمة تتويجاً لكل الملاحم التي صنعوها الأبطال خلال سنوات الكفاح المريرة وقد تجرع مرارتها المستعمر بقسوة. لقد وهب الشهيد عبود حياته ولم يبخل بها وهو يمور في ريعان الشباب، يا له من كرم ويا له من عطاءٍ سخي. ولقد كان استشهاد عبود فاجعة أليمة أصابت الوطن في نخاعه ولذلك ثار الشعب كالبركان الهادر وأعلن الإضراب العام على مدى أسبوعين كاملين. ولأول مرة في تاريخ الثورة تلتقي الجبهتان القومية والتحرير في عمل فدائي مشترك وكثفتا من عملياتهما ضد الاستعمار البريطاني في عدن. وعند تشييع جثمان عبود الطاهرة خرجت جنائز رمزية تمثل البطل عبود في مناطق مختلفة على طول وعرض الجنوب واعتبر عبود رمزاً لشهداء الثورة واعتبر ذلك اليوم 11 فبراير بيوم شهداء الثورة والوطن. كان هذا الحدث قد حفر بعمق في ذاكرة الأجيال وسيظل كذلك على الرغم من الطمس المتعمد لهويتنا والخربشة الوقحة على جدران التاريخ والتدمير القهري ليس لذاكرة الإنسان وحسب بل وكلما يمت للمثل الإنسانية بصله، وتكريس الهمجية بكل صورها الشاذة، وفرض الرذيلة كمبدأ عام ومقياس أخلاقي، واستحضار روح الجهل البليدة الموغلة في مجاهل التاريخ. ولكن حتى وسط هذا الحطام المروع تبقى الأحداث العظيمة عظيمة كما هي ولن ينال منها الأوغاد وسيظل 11 فبراير أيقونة رائعة وماثلة في جبين التاريخ ويوماً لن ننساه.
*كاتب وناشط في الحراك الجنوبي أن الرجال بالعادة هم صانعي الأحداث الكبرىبكل ما تخلفه تلكالأحداث من ذهول وانبهار.وهم في الحقيقة رجال عاديون ولا تبدو على ملامحهم أشكالاً تميزهمعن بقية بني البشر. ولا يبدون غير عاديون إلا عندما يجترحون الأعمالالخارقة الغير عادية بطبيعتها.وإنه من الصعوبة بمكان أن تعطي مقياس للبشر لمجرد النظر إلى وجوههم أو تستطيع معرفة معادنهم إلا حينما تضعهم الأقدار في خضم الخطوب، وهي وحدها تفرز معادن الرجال، وفي الحادثات الكبار يولد الأبطال النوادر الذين يسطرون بدمائهم وأرواحهم صفحات الخلود المجيدة، ويصنعون من مخاضها العسيرملاحم مثيرة للاندهاش والإعجاب.إنهم يولدون مرة واحدة في التاريخ ولا يتكررون. هكذا هم يخلقهم الله بعناية لكي يضعوا محطات وقوف مهمة على سكة الأزمنة المتعاقبة ويجعلون للأمكنة التي يتواجدون فيها ملامح جديدة تعرف بها فيما بعد وإلى الأبد.فالأزمنة بمختلف تقلباتها، والأمكنة المتباينة تضاريسها لا تساوي شيئاً إذا لم يضع الأبطال فيها شيئاً يلفت إليها الانتباه.هكذا يأتون العظماء ثم يمضون ويتركون ورائهم آثاراً لا يمكن للزمن أن يمحيها لأنها تبقى معلماً سرمدياً وجزء من مكونات التاريخ بكل ما يمثله من عظمة.وأحسب أن يوم 11فبراير كان واحداً من محطات الوقوف المهمة كان يوماً أرادت له الأقدار أن يبقى عنواناً لامعاً يزين الوجه المشرق للتاريخ وأثراً بارزاً يجثي أمامه الزمن على ركبتيه بكل جلال كلما مر بهذه الذكرىالتي يعطر أريجها الآفاق.كان من الممكن أن يغدو يوم 11 فبراير يوماً عادياً كبقية الأيام لكن شعبنا المكافح العنيد الحر الرافض لكل أشكال الاستعمار والاستبداد والقهر أبى إلا أن يجعل من ذلك اليوم مغايراً لسابقاته يوماً أنتزع فيه شعبنا منجبين الشمس حذوةً تلهب أوكار الغزاة. يوم تجلت فيه عظمة المجتمع المدني الأصيل حيث بدأت أحداثه الساخنة بإعلان الإضراب ثم قيام مسيرة كبرى في مدينة الشيخ عثمان الباسلة التي كانت إحدى منابر المجتمع المدني التيتتألف منها كعبة الأحرار وقبلة الثائرين (عدن)هذه المدرسة العظيمة التي تخرج منها أبرز الأحرار وألمع صناع تاريخنا المعاصر.وقد تصدت قوات الاستعمار البريطاني لهذه المسيرة وقمعتها بعنف واغتيل في نفس اليوم أثنين من العمال وقد كانت تلك الجريمة مؤلمة لدرجة يصعب احتمالها.وقد كان غير ممكناً في هذا اليوم أن يطوي أحداثه ويمضي وينام العالم بينما الوطن مكلوماً يتقلب على جراحاته الدامية.فقد انبرى من بين الجموع الغاضبة ذلك الثائر الشاب الأسمر الممتلئ حيوية ونشاط حسب ما وصفه لي أحد الأحرار الذين رافقوه وعرفوه عن قرب وأحد شهود عيان تلك الملحمة الرائعة الذي جعلت من ذلك اليوم يوماً غير عادياً على الإطلاق.ذلك الشاب الأسمر الذي تشرب روح التحرر من أم الأحرار عدن وارتدى حلل التواضع وجلال الهدوء من أخلاقيات الريف النبيلة ذلك الفتى الذي أتت به عناية السماء ليبلي بلاء حسن قبل أن تنام أعين الجبناء وهي تتلمض أشلاء الثائرين البواسل جاء ذلك البطل ليغير المعنى الذي عُرف به ذلك التاريخمن قبل ولكي يسجل ذلك الحدث النبيل ويحفر هذه اللحظات الخالدة في ذاكرة الزمن ويغادرنا إلى جنان الخلود كان ذلك هو (عبود).بهذا الاسم الحركي أدرج في سجلات الثورة وأضحى بعدها من الأبرار الذين تسنموا ذرى المجد وغدا في طليعة هامات تاريخنا الشامخ.لقد أقسم عبود أن يرد للشعب اعتباره وكانت هذه الملحمة تتويجاً لكل الملاحم التي صنعوها الأبطال خلال سنوات الكفاح المريرة وقد تجرع مرارتها المستعمر بقسوة.لقد وهب الشهيد عبود حياته ولم يبخل بها وهو يمور في ريعان الشباب، يا له من كرم ويا له من عطاءٍ سخي. ولقد كان استشهاد عبود فاجعة أليمة أصابت الوطن في نخاعه ولذلك ثار الشعب كالبركان الهادر وأعلن الإضراب العام على مدى أسبوعين كاملين.ولأول مرة في تاريخ الثورة تلتقي الجبهتان القومية والتحرير في عمل فدائي مشترك وكثفتا من عملياتهما ضد الاستعمار البريطاني في عدن.وعند تشييع جثمان عبود الطاهرة خرجت جنائز رمزية تمثل البطل عبود في مناطق مختلفة على طول وعرض الجنوب واعتبر عبود رمزاً لشهداء الثورة واعتبر ذلك اليوم 11 فبراير بيوم شهداء الثورة والوطن.كان هذا الحدث قد حفر بعمق في ذاكرة الأجيال وسيظل كذلك على الرغم من الطمس المتعمد لهويتنا والخربشة الوقحة على جدران التاريخ والتدمير القهري ليس لذاكرة الإنسان وحسب بل وكلما يمت للمثل الإنسانية بصله،وتكريس الهمجية بكل صورها الشاذة، وفرض الرذيلة كمبدأ عام ومقياس أخلاقي، واستحضار روح الجهل البليدة الموغلة في مجاهل التاريخ.ولكن حتى وسط هذا الحطام المروع تبقى الأحداث العظيمة عظيمة كما هي ولن ينال منها الأوغاد وسيظل 11 فبراير أيقونة رائعة وماثلة في جبين التاريخ ويوماً لن ننساه. *كاتب وناشط في الحراك الجنوبي