تعتصر قلوبنا الحسرة حين نطالع التاريخ ونقرأ عن حدائق بابل المعلقة وعن سد مأرب وعن نبي الله سليمان والهدهد وعن تلك العصور الغابرة وما آلت إليه الازمان من تبدل الاحوال وتحول تلك الممالك الى حكومات واهنة، وجيوش نائمة ورؤساء وامراء دب في اوصالهم الاعياء، وليس لهم هم سوى السياحة والترحال على اليخوت في البحار، وفي الطائرات فوق سفوح الجبال، وللشعب المسكين رب يحميه. فذلك هو اليمن الذي بلغ مبلغا عظيما في القوة والجمال، فكانت مملكة سبأ تشهد من القوة ما يجعل الممالك الاخرى تخشاها، وتحسب لها الف حساب، حتى ان الوزراء قالوا وقت ان جاءهم كتاب نبي الله سليمان «نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد»، في اشارة منهم الى اللجوء للحرب والقوة مع سليمان. لكن الملكة بلقيس الجميلة صاحبة العلم والحكمة والبصيرة.. ارتأت رأيا مخالفا لرأيهم، فهي تعلم بخبرتها وتجاربها في الحياة ان «الملوك اذا دخلوا قرية افسدوها وجعلوا اعزة اهلها اذلة وكذلك يفعلون». وبصرت بما لم يبصروا ورأت ان ترسل الى سليمان بهدية مع علية قومها وعقلائهم، عله يلين أو يغير رأيه، منتظرة بما يرجع المرسلون. لكن سليمان - عليه السلام - رد عليهم برد قوي، منكرا صنيعهم ومتوعدا اياهم بالوعيد الشديد قائلا: «أتمدونني بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم، بل أنتم بهديتكم تفرحون». مشت بلقيس على الصرح الممرد من قوارير والذي كان ممتدا على عرشها، الا انها حسبته لجة فكشفت عن ساقيها وكانت مخطئة في ذلك، عندها عرفت أنها وقومها كانوا ظالمين لأنفسهم بعبادتهم لغير الله تعالى، واسلمت مع سليمان لله رب العالمين. ذلك هو اليمن الذي تغنى بجماله الشعراء، وخشي من بطشه الملوك والامراء، فما باله اليوم يأن، وغير قادر على ترويض قلة من المتشردين، فقد فشل اليمن فشلا ذريعا على الصعيدين الداخلي والخارجي.. وجارنا العراق الذي تشرذم الى فرق واحزاب واصابه الضعف والوهن، فبات كالرجل المريض الذي لا يقوى على الحراك، فحسافة عليك يا عراق.. فاذا كان وضع الاثنين هكذا مزريا، فلمَ لا نضم الاثنين معا الى خليجنا العربي ونوصل انهار الرافدين الى حدائق عدن الجرداء كي تعود غنّاء ويتغنى بها ثانية الشعراء؟!