بلقيس بنت الهدهاد بن شرحبيل. سياسية , ملكة من (يعفر بن سكسك)، من (حِمْيَر). عاشت في مدينة مأرب. ملكة (سبأ)؛ تولت الحكم بعد وفاة والدها، الذي أوصى قبل موته باستخلافها في الحكم، بقوله: “إني رأيت الرجال، وعرفت أهل الفضل وسبرتهم، وشهدت من أدركت من ملوكهم، فلا والذي أحلف به، ما رأيت مثل بلقيس رأيًا، وعلمًا، وحلمًا”. وقد طمع بها (عمرو بن أبرهة ذو الأذعار) أمير قصر (غمدان)، في بداية حكمها، وزحف عليها وهزمها، فرحلت مستخفية في زي أعرابي إلى بلدة (الأحقاف)، من بلاد حضرموت، فأدركها رجاله، فاستسلمت له، ثم أصابت منه غرة من سكرٍ فقتلته. وتولت أمر اليمن كله، وانقادت لها ملوك (حمير)، وزحفت بالجيوش إلى بابل، وفارس بالعراق، وأخضعتها، وعادت إلى اليمن، فاتخدت مدينة (سبأ)- مأرب حاليًا- عاصمة لمملكتها، وأدارت شئون دولتها بشجاعة، وحكمة، وتدبير، فرممت (سد مأرب) الشهير، الذي يجمع مياه السيول المنحدرة من مشارق صنعاء، وذمار، وبلاد (خولان)، فكان كالبحر، كما بنت قصر (بلقيس)، الذي لا تزال آثاره حتى اليوم. واستقرت في عهدها أحوال الناس، وازدهرت الزراعة والتجارة، وازدادت ثروات البلاد، على أن أشهر حادثة مرت بها، وغيرت مجرى حياتها، وحياة شعبها باتجاه التوحيد لله، ودين الإسلام، الذي جاء به أنبياء الله، هي قصتها مع النبي (سليمان بن داود)، عليهما السلام، المذكورة في (القرآن الكريم) سورة النمل، حيث كانت وقومها يعبدون الشمس، ووصلت أخبارها إلى النبي (سليمان)، الذي سُخر له الجن والطير والرياح، وأُعطي علم منطق الطير، عن طريق (الهدهد)، فلما أرسل إليها كتابًا، يدعوها فيه وقومها إلى الإسلام، عرضت الأمر على قومها في اجتماع عاجل، طالبة الرأي والمشورة. وأرسلت إليه كتابًا تقول فيه: “إني قادمة إليك بملوك قومي، حتى أنظر ما أمرك، وما تدعوني إليه”. ولتختبر نبوته وحكمته، حملت معها هدايا كثيرة، وأرسلت قبلها بهدايا، ودخلت بيت المقدس بجِمال، تحمل اللبان، والطيوب، والذهب، والأحجار الكريمة، في الوقت الذي سبقها فيه عرشها، بأمر من (سليمان) لمن عنده علم من الكتاب- وأعتقد أنه علم استخدام قوة نور الروح التي هي من أمر الله- فنقله من قصرها إلى قصر (سليمان) قبل أن يرتد إليه طرفه، كما ذكر ذلك القرآن الكريم. فلما وصلت، استقبلها (سليمان)، وأحسن وفادتها، وأظهر عليها عرشها، وقال لها: [ أهكذا عرشك؟ قالت كأنه هو]، وأدخلها إلى الصحن الممرد بالقوارير، تجري المياه من تحتها، فلما دخلت؛ حسبته نهرًا أو بحرًا، وكشفت عن ساقيها، وأدركت أنها تقف أمام نبي مؤيد من الله بكل الخوارق والمعجزات، فآمنت بالله، وأسلمت ومعها قومها لله رب العالمين. والأساطير تحكي: أن (سليمان)، عليه السلام، ركب الريح، وقصد مدينة (سبأ)، فاستقبلته (بلقيس) استقبالاً، يليق بالملوك، وأنه تزوج بها، فأنجبت له ولدًا اسمه (رحبعم)، وأقامت معه سبع سنوات وأشهرًا ثم ماتت، فدفنها في (تدمر)، وفي رواية أخرى أنها تزوجت ب(بَرْي إل بن موهب). وقد انكشف تابوتها في عهد الخليفة (الوليد بن عبدالملك)، وعليه كتابة تدل على أنها ماتت لإحدى وعشرين سنة خلت من ملك (سليمان) عليه السلام، ورفع غطاء التابوت؛ فإذا هي غضة، لم يتغير جسمها، فرُفع ذلك إلى (الوليد)، فأمر بترك التابوت في مكانه، وأن يبنى عليه بالصخر. ولا تزال الكثير من الآثار التي تدل على عظمة وحكمة الملكة (بلقيس)، موجودة حتى اليوم، في بلاد (مأرب)، ك(سد مأرب)، و(معبدالشمس)، وآثار (العرش)، و(مسجد النبي سليمان)، مما يؤكد أن (مأرب) هي مدينة (سبأ) عاصمة مملكتها. ويذكر أنه كان لها قصر عظيم، به ثلثمائة وستون نافذة، بني بشكل هندسي فني؛ بحيث يدخل ضوء الشمس كل يوم من نافذة على مدار السنة. كانت تقيم حكمها على أساس الشورى والفتوى من عقلاء الملأ، بالدليل القطعي في القرآن الكريم*:قال الله تعالى: [ قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري، ما كنت قاطعة أمرًا حتى تشهدون]. في عصر كان فيه الملوك أربابًا، لا راد لأقوالهم، ولم يرد ذكر اسمها (بلقيس) مكتوبًا في الكتب السماوية، أو في النقوش الحميرية السبئية المكتشفة حتى اليوم، غير أن الأخبار والأساطير المتداولة منذ القدم، أثبتت لها هذا الاسم الشهير.