مأرب.. رئيس مجلس القيادة يرأس اجتماعاً لقادة الجيش ويشيد بالجاهزية القتالية العالية    السامعي: مجلس النواب خاطب رئيس المجلس السياسي الاعلى بشأن ايقاف وزير الصناعة    شاهد ما الذي خرج من عمق الأرض في الحرم المدني عقب هطول الأمطار الغزيرة (فيديو)    إعلان حوثي بشأن تفويج الحجاج عبر مطار صنعاء    بينها الكريمي.. بنوك رئيسية ترفض نقل مقراتها من صنعاء إلى عدن وتوجه ردًا حاسمًا للبنك المركزي (الأسماء)    استشهاد وإصابة أكثر من 100 فلسطيني بمجازر جديدة للاحتلال وسط غزة    قيادي حوثي يذبح زوجته بعد رفضها السماح لأطفاله بالذهاب للمراكز الصيفية في الجوف    انهيار كارثي للريال اليمني.. والعملات الأجنبية تكسر كل الحواجز وتصل إلى مستوى قياسي    ماذا يجري في الجامعات الأمريكية؟    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    تعليق على مقال زميلي "سعيد القروة" عن أحلاف قبائل شبوة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    البخيتي يتبرّع بعشرة ألف دولار لسداد أموال المساهمين في شركة الزناني (توثيق)    لماذا نقرأ سورة الإخلاص والكافرون في الفجر؟.. أسرار عظيمة يغفل عنها كثيرون    فشل العليمي في الجنوب يجعل ذهابه إلى مأرب الأنسب لتواجده    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    مدرب بايرن ميونيخ: جاهزون لبيلينغهام ليلة الثلاثاء    لأول مرة.. مصر تتخذ قرارا غير مسبوق اقتصاديا    رسالة سعودية قوية للحوثيين ومليشيات إيران في المنطقة    ليفاندوفسكي يقود برشلونة للفوز برباعية امام فالنسيا    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    طفلة تزهق روحها بوحشية الحوثي: الموت على بوابة النجاة!    الكشف عن الفئة الأكثر سخطًا وغضبًا وشوقًا للخروج على جماعة الحوثي    ثلاثة صواريخ هاجمتها.. الكشف عن تفاصيل هجوم حوثي على سفينة كانت في طريقها إلى السعودية    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    رئيس مجلس القيادة: مأرب صمام أمان الجمهورية وبوابة النصر    حاصل على شريعة وقانون .. شاهد .. لحظة ضبط شاب متلبسا أثناء قيامه بهذا الأمر الصادم    رئيس كاك بنك يشارك في اجتماعات الحكومة والبنك المركزي والبنوك اليمنية بصندوق النقد والبنك الدوليين    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    فيتنام تدخل قائمة اكبر ثلاثة مصدرين للبن في العالم    عاجل محامون القاضية سوسن الحوثي اشجع قاضي    ليفربول يوقع عقود مدربه الجديد    رباعي بايرن ميونخ جاهز لمواجهة ريال مدريد    قائمة برشلونة لمواجهة فالنسيا    المواصفات والمقاييس ترفض مستلزمات ووسائل تعليمية مخصصة للاطفال تروج للمثلية ومنتجات والعاب آخرى    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    وفاة امرأة وإنقاذ أخرى بعد أن جرفتهن سيول الأمطار في إب    اليمن تحقق لقب بطل العرب وتحصد 11 جائزة في البطولة العربية 15 للروبوت في الأردن    استهداف سفينة حاويات في البحر الأحمر ترفع علم مالطا بثلاث صواريخ    ''خيوط'' قصة النجاح المغدورة    رغم القمع والاعتقالات.. تواصل الاحتجاجات الطلابية المناصرة لفلسطين في الولايات المتحدة    افتتاح قاعة الشيخ محمد بن زايد.. الامارات تطور قطاع التعليم الأكاديمي بحضرموت    الذهب يستقر مع تضاؤل توقعات خفض الفائدة الأميركية    كانوا في طريقهم إلى عدن.. وفاة وإصابة ثلاثة مواطنين إثر انقلاب ''باص'' من منحدر بمحافظة لحج (الأسماء والصور)    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    ريمة سَّكاب اليمن !    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حين اقترف الجنوبيون السياسة
نشر في حياة عدن يوم 08 - 09 - 2011

أثار انسحاب 25 شخصية جنوبية من المجلس الوطني جدلاً صاخباً، وعاصفة هوجاء من الانتقادات، كما أماط اللثام عن بعض الخفايا المستقرة في الوعي المستتر للعقل السياسي الشمالي والمتعلقة بتصوراته للقضية الجنوبية ولكيفية حلها والذي آثر هذا العقل في وقتِ سابقٍ أن يخبئها لساعة الجد. ومن المفيد جداً هنا، أن هذه التصورات أتت من أطرافٍ كان يعدّها بعضٌ من الجنوبيين بالصديقة.
إن المطالبة بالتمثيل المتساوي و"المناصفة" في عدد الممثلين هي أشياء أقل من عادلة بالنسبة لواقع كالواقع اليمني حكمت طرفيه الشمالي والجنوبي علاقة "منتصر" و "مهزوم" لفترة طويلة، وترتب عليها الكثير من التداعيات. لكننا نتساءل بدهشة هنا عن الغرض من وراء افتعال مثل هذه الزوبعة!.. فهل آن الأوان،وفي وقتٍ مبكرٍ جداً، البحث عن مبررات تُعلّق عليها إخفاقات الثورة اليمنية، وبالتالي فالمبررات ستوفر مهرباً جيداً مطلوباً في الوقت الحالي؛ بدلاً عن مواجهة الأسباب الحقيقية التي أعاقت الثورة، ومنعتها من التقدم حتى اكتمال نجاحها؟!.
لقد تقاطر علينا أخوتنا الشماليون من كلِ حدبٍ وصوبٍ ليرسموا لنا طريق الخلاص، ويحددوا لنا الطريقة التي يجب أن نفكر بها،والطريقة التي يجب أن نحلم بها حتى ننال بركة ثورتهم التي ما زالت تمشي عرجاء، وكأن الله اصطفاهم حراساً أمناء على تاريخنا!.. بل ومحذرينا من المصير المشئوم الذي ينتظرنا في حال خالفنا هذا الطريق.. لم يفطن هؤلاء بعد، أن هذا الأسلوب "الدوغمائي" هو أهم خاصية للأنظمة الديكتاتورية الكهنوتية، والسبب الرئيسي لتفجر ثورات الشعوب. فكيف لامرئ تتلبسه روحٌ ثوريةٌ حقيقيةٌ، وينادي بضرورة الانعتاق من الاستلاب والتبعية، ويسعى إلى تغيير وتحرير الذات والواقع بشكل جذري أن يسقط في مستنقع هذا الأسلوب؟!.
أحدهم يعيش في واشنطن، وآخرٌ في القاهرة، وثالثٌ في مكان آخر، خرجوا فجأة ليضجوا مسامعنا بالحديث عن القيم المدنية الحديثة "المواطنة المتساوية"، "الديمقراطية"، "المجتمع المدني"، ويعنفوا أنانيتنا وأفكارنا التي تأمرنا بالسوء، وفوق هذا، تمادوا عن عمدٍ في ليّ عنق الحقائق والاصطياد في أحداث تاريخية عكرة من النوع الذي تستفز لها قلوب بعضٍ من القيادات الجنوبية،وكله بدعوى الخوف على مستقبلنا ومصلحتنا، وكأنهم أدرى بهما منّا!.. فالقادة الجنوبيون العاطفيون حسب ما يعتقده نظرائهم في الشمال الذين لم يُعرف عنهم أن تمالكوا أنفسهم أمام سحر المصطلحات الرنانة ("الاشتراكية" و "الوحدة" في الماضي، ولِما لا؛ المواطنة المتساوية والديمقراطية والمجتمع المدني اليوم)، والذين لم يسبق لهم أي هؤلاء القادة أن تعاطوا قط بلغة السياسة الحقيقة، أي لغة مصالح من يمثلونهم. فربما قليلاً من الوخز على مكان وجعهم، وقليلاً من "الطبطبة" والوعود الرومانسية الوهمية، قد تلين جانبهم وتعيدهم إلى رشدهم (المقرر لهم مسبقاً)، ثم الاتفاق معهم على مبادئ وقيم طوباوية سوف لن يسمح لها بالتأكيد الواقع في الشمال بالتحقق فيما بعد؛ ولو تطلب الأمر، سوف يتم الالتفاف عليها كما حدث مع اتفاقيات الوحدة منذ اليوم الأول لقيامها!.
لم يدرك أخوتنا الشماليون بعد أن الناس لم تعد بهذه السذاجة، فالمعاناة تولد الإبداع، كما أنهم باتوا يفكرون بواقعية أكبر،ولم تعد الخيالات الوردية تغريهم في شيء. فالشئون الإنسانية،ومنها السياسية والاجتماعية، قد أصبحت علوماً قائمة بذاتها، وأصبح لها نظرياتها وقوانينها التي تفسر كيفية حركتها بناء على تفاعلاتها الداخلية، وقد باتت قوانين هذه العلوم خصوصاً فيّما يتعلق بالعلوم الأنثربولوجية قريبة جداً من أن تحقق المعادلة الرياضية الحاسمة (1+1=2).
إن المواطنة المتساوية، والديمقراطية، والمجتمع المدني كلها منتجات غربية، وقد نشأت وتطورت في كنف الواقع الغربي وحركته التاريخية، وقد حدد لها هذا الواقع الشروط والمعايير والضوابط التي ينبغي توافرها حتى تولد بشكلها الحقيقي وليس بالشكل الديكوري الذي اعتدنا عليه.
فالدولة المؤسساتية الحديثة،دولة القانون، هي البيئة الوحيدة التي تتيح لهذه القيم الإمكانية في التحقق. وفي ظل واقع كالواقع اليمني، لا يمكن الحديث عن تحقق مثل هذه البيئة ولو بعد خمسين عاماً. فلا ينبغي كما يقول عالم الأنثروبولوجيا الشهير "بول دريش" في بحثٍ له بعنوان "الأئمة والقبائل: كتابة وتمثيل التاريخ في اليمن الأعلى أن تكون القبائل أبسط من الدولة فقط، بل يفترض غالباً أن تأتي في مرحلة سابقة، وأن تكون أقل أهمية منها، أي أن القبيلة يجب أن تكون حلقة أدنى في سلم التطور. وإذا كانت القبائل كما يقول "دريش" أيضاً تنتهي في واقع كاليمن بطريقة ما إلى دول، فإن الدولة غالباً ما تتحول إلى قبائل، وقد تتعايشان معاً على مدى مراحل طويلة. وهو ما نراه واقعاً حياً اليوم، فكل المؤسسات،وعلى رأسها مؤسسة الجيش؛ التي يُفترض أن تكون وطنية والحارس الأخير لكيان الدولة تتفتت عائليا وقبلياً ومناطقياً بصورة مفزعة.. كما أنه لم يحدث أن انتصرت القبيلة على الدولة في التاريخ كما تنتصر اليوم، فيخرج علينا مثلاً شيخٌ قبلي ليست له أي صفة قانونية "ليحرّم" ويطلّق" بأنه سيطرد مواطناً آخر من بلده بقدمين حافيتين (مهما كانت جناية هذا المواطن، طالما كنّا نحتكم في تصوراتنا إلى منطق ينشد المُضي قدماً نحو إقامة دولة مدنية). هذه العائلة التي يتفاخر مستشارها السياسي، وأحد منظري الثورة اليوم، بأنها من "تصنع" الرؤساء!!.
ولو افترضنا جدلاً، أمكانية قيام أي شكل للدولة في ظل واقعٍ كهذا، فإن دولة القبائل كما يقول المفكر الكبير محمد أركون لا يمكن أن تصنع "وطناً". إذ أن القبيلة كما يقول دريش في بحثه آنف الذكر كمشروع فردي كانت وما زالت متوقعة، وذلك بناء على قابليتها المطلقة للانقسام،كما أن الأفراد الذين يتكون منهم الشعب يشكلون بطريقة ما جمهوراً لم يكن،ولن يكون، بمقدور القبائل تشكيله. أما الأمير الذي يستهدف إلغاء القبائل كليا، لمصلحة الهوية البسيطة، بين الدولة والشعب، فإنه سيواجه مشاكل من النوع الذي لا يقدم ميكافيللي ولا ابن خلدون إرشادات كافية حولها (بهذه الفقرة الحاسمة ينهي "دريش بحثه).
لهذا كله، سيكون حديث البعض عن المواطنة المتساوية في ظل واقع كهذا لهو حديث عبثي. فالرق، والمراكز والألقاب المتوارثة، والنظام الإقطاعي، ونظام انغلاق الفئات الاجتماعية جميعها تحوّل عدم المساواة إلى مؤسسة بأشكال مختلفة كما يقول ريتشارد ولكنسون في كتابه الهام "المجتمعات غير الصحية: علل عدم المساواة".
وبوجهٍ عام، لا يمكن للمواطنة أن تتحقق في ظل مجتمع غير متكافئ. فالجنوب تم تدميره بالكامل عن طريق خطط ممنهجة شارك بصنعها الجميع ، وهو اليوم ليس لديه أي مؤسسات حديثة وفاعلة أو مراكز قوى تقليدية في ظل واقع يقوم على التوازنات بين مراكز القوى، بينما تمتلك بعض من مراكز القوى الشمالية من الإمكانيات المادية والمعنوية ما لن تمتلكه الدولة القادمة في اليمن. (لاحظوا أن لواء من الحرس الجمهوري بكامل عدته وعتاده لم يستطع أن يُخضع منطقة صغيرة كأرحب، بينما بضع مئات من المسلحين اسقطوا في لمح البصر محافظة جنوبية بكاملها، وشردوا عشرات آلاف من أهاليها!).
وإجمالاً، لا يمكن أن تتحقق المواطنة المتساوية بين منتصر ومهزوم، سارق ومسروق، طرف يمتلك كل شيء، وطرف لا يمتلك شيء.
لقد أنفقت ألمانيا الغربية عندما أرادت أن تستعيد وحدتها، وتبني وطناً حقيقياً للجميع عشرات المليارات من الدولارات لبناء وتأهيل الفرد في ألمانيا الشرقية،وصنعت له مؤسساته الخاصة التي تحتضنه وتحميه عند الاندماج مع مجتمع يفوقه بكثير في الإمكانيات والقدرات، وقد لن يتيح له مجالاً للمنافسة، قبل أن تتم الوحدة، وذلك حتى لا يشعر هذا الفرد بالغربة في وطنه الجديد نتيجة عدم تكافؤ الفرص لضعفٍ في إمكانياته ومهاراته، فيجنح إلى نبذ هذا الوطن. ومع ذلك، ومع كل التقدم والتنمية اللذان حققتهما الدولة الاتحادية بشكلٍ عام، وبعد مُضي عشرين عاماً على الوحدة، خرجت المستشارة "ميركل" في ذكرى إعادة التوحيد لتحدثنا بكل بساطة وشفافية ووعي حقيقي لعواقب الأمور بأن الوحدة لم تكتمل بعد بحجة أنه ما زال هناك حوالي 20% من سكان ألمانيا الشرقية يرفضون مشروع الوحدة حتى اللحظة (وإنني أشدّد هنا، على أنه لا مجال للمقارنة بالمطلق بين الحالة الألمانية والحالة اليمنية بتجلياتهما المختلفة، ولكنني أحببت أن أشير إلى الكيفية والوعي الحقيقي الذين تُصنع بهما الأوطان. تصوروا أن إحدى العائلات الكبيرة التي تدّعي بأنها "أبو" و "أم" الثورة الحالية ما زالت تحتل بيت الرئيس علي سالم البيض في عدن إلى هذه اللحظة، الرئيس الذي وقّع الوحدة!!!!).
إن للجنوبيين اليوم كامل الحق في أن تكون لهم مصالحهم الخاصة بالطريقة التي يرونها هم مناسبة، وحساباتهم المبنية على الواقع الموضوعي، بنفس المصالح والحسابات التي يتعاطى بها الأخوة في الشمال (وإلا لِما كل هذا التمترس من قبل القوى الشمالية في هذه اللحظة إذا كان الأمر لخاطر عيون أحلام وردية!). فالسياسية ليست هي "جبر الخواطر"، وتبادل النوايا الحسنة، بل هي صراع قوى في الدرجة الأولى، وفن لإدارة المصالح. وقد آن الأوان لكل الجنوبيين أن يطرحوا السؤال الأهم بالنسبة لمستقبلهم: "ما المصلحة المصلحة بشكلٍ عام التي سيجنيها الجنوبيون من الاستمرار في الوحدة؟". ولو طرح الأخوة من دعاة "المناصفة" هذا السؤال على أنفسهم بشفافية، وانتصاراً لمصالح من يزعمون تمثيلهم، لاكتشفوا أن لا مصلحة للجنوبيين في الاستمرار في هذه الوحدة بأي شكلٍ كانت، بل وفوق ذلك، لو قدّر لهم الاستمرار في الوحدة، فستكون عليهم كارثة أخرى حتى لو مُنِحوا 100% من نسبة التمثيل!.
والموضوع هنا لا يعود إلى أنانية الجنوبيين، وسعيهم الحثيث لاحتكار ثرواتهم الطبيعية لأنفسهم، فقد ذهبوا إلى الوحدة برغبتهم واختيارهم مع وجود هذه الثروات، ولكن الموضوع يعود إلى الوعي بالذات، والسعي نحو تأسيس الذات بشكل مستقل، لا فيه تبعية ولا استلاب. وهو طرحٌ منطقي في ظل واقع تسوده ثقافة بطريركية مغلقة، تلغي الآخر المختلف تماماً، ولا تدع أي مساحة للوطن كي ينبت وينمو عليها.
إن الذين يفرطون في الحديث عن انفصال إقليم حضرموت في حال استقل الجنوب بدولة مستقلة، وهو حديث يبتغي التهديد والتخويف (لاحظوا كي يرى أصحابنا الوحدة، فلم يخل مقال من مقالاتهم المنتقدة إلا وعزف ما شاء له على وتر حضرموت (الثروة الطبيعية) )، ويصورون الحضارم وكأنهم أكثر أهل الأرض "انفصالية"، هؤلاء لا يخيفوننا بأحاديثهم، بقدر ما يثيرون في أنفسنا السخرية والازدراء. فالحضرمي الذي لم تتسع له الأرض يوماً، والذي لم يبخل قط عن بذل جل عطاءه في البلدان التي احتضنته كمواطن حقيقي في مشارق الأرض ومغاربها، هذا الحضرمي يصوّر اليوم على أنه مستقر الانفصال، بينما قبيلة ك"حاشد" لا تسمح حتى لطير أن يبني عشاً له في "خمِر" هي "الوحدوية" الأصيلة، والمدافعة عن قيم الوحدة والاتحاد!!.
هذه الغوغائية لن تنطلي على أحد، وطريقة الخضوع غير المشروط التي يسعى أخوتنا الشماليون إقناعنا بها وربما فرضها علينا مهما كانت العلل والمساوئ طالما أٌدّعي تمثيل قيم فوقية (وهمية)، قد ولى زمانها. وأقولها، وبكل صراحة، للحضارم كامل الحق في البحث عن وطنٍ بديل إذا لم تحقق لهم الدولة المنشودة في الجنوب مصالحهم وتطلعاتهم، وإذا لم يجدوا فيها أنفسهم بالطريقة التي ترضيهم. وهذا الشرط أساسي، ويجب على كل نظام حكم أن يواجهه بحده الأقصى حتى يضطر إلى كسب ود الشعب أولاً وقبل كل شيء (وليس حط عينه على الثروة فقط، وتهميش الشعب كما هي الطريقة المعتادة)، ليكون هذا النظام بذلك لهم جميعاً، وينبع دوماً من أوساطهم، ويكون الوطن ملكاً للجميع.
ومن هذا المنطق، يمضي الجنوبيون في سبيل نضالهم، فمشروع الوحدة انتهى بقيام حرب 94م، والواقع القائم منذ تلك الحرب هو واقعٌ احتلالي. وإذا كانت الغاية من قيام الثورة هي منح الناس حريتهم والحق في امتلاك قرارهم وتقرير مصيرهم، فمن باب أولى، أن تعطي الثورة هذا الحق للجنوبيين، وأن تمنحهم الحق الكامل في تقرير مصيرهم وتحديد مستقبلهم بالطريقة التي يرونها مناسبة، وهو أقل حق يمكن أن يناله الجنوبيون ليشعرهم بوجودهم، ويعيد لهم كرامتهم وإنسانيتهم بعد سنوات من الإقصاء والتهميش والهدر. وهو بمثابة حياة أو موت بالنسبة لهم، وإلا تحولت الثورة إلى بلطجة أخرى على طريقة على عبدالله صالح! (وإذا أراد الأخوة في الشمال أن يدخلوا الوحدة من بابها الصحيح، فعليهم أن يخوضوا هذه المعركة لكسب ود الجنوبيين، وتقديم ثمن حقيقي من أجلها، وليس النظر إلى الوحدة على أنها يجب أن تظل بقرة حلوب!.. لكن هيهات لهم ذلك، فالصوت العالي دوماً يدل على ضعف الموقف!).
إن السعي إلى إعادة إنتاج الوضع القائم فيما يتعلق بموضوع الوحدة لن يفيد أحداً، ولا يحل مشكلة، شمالاً كان ذلك أم جنوباً، بل وسيؤدي إلى مشاكل لا حدود لها في الجانبيين بعد انحسار الدولة، وسندخل في أنفاق مظلمة لا نهاية لها.
ومن يحاول أن يبعث لنا بتهديدات مبطنة ( على طريقة ما قاله أحد الأكاديميين للأسف باستحالة المقايضة بين نجاح الثورة بضياع الوحدة). فأقول له، أولاً الثورة تنتج وتكرس قيماً لا غنى عنها لأي مجتمع أو فرد، وتفتح الطريق أمام تحقق الدولة الحديثة التي لن يعوض فقدانها أي مشروع آخر. أما الوحدة فهي قيمة زائدة، وأنا علي يقين، أنه حين تنضب الثروة في الجنوب غداً، سيخرج أخوتنا في الشمال بأنفسهم للمطالبة بفصل الجنوب،وكما كان موقفهم منذ البداية، أي عند رفضهم لمشروع الوحدة بين الشمال والجنوب.
وثانياً، إن التلميح لنا بأن الشمال يمتلك من القوة ما تجعله قادراً على فرض الوحدة ولو غصباً على أنف الجنوبيين لهو أمرٌ محزنٌ ومخجلٌ في آن. كما أن هذه اللغة لن تفيد في حل مشاكل اليمن أطلاقاً، وهي لغة صالح عينها التي فتتت وستفتت البلاد إرباً، وستفتح الطريق أمام المتطرفين (من كلا الجانبيين) ليندفعوا إلى صدارة المشهد، ويحرِفوا مجرى الأحداث عن مسارها السلمي.
فالجنوب منذ حرب 94م مفروضٌ عليه واقعاً أحتلالياً من الدرجة القصوى، وبموجب الشرائع والأعراف الدولية، فإن كل الخيارات متاحة له لإنهاء هذا الوضع، بل وهناك من يدعو إلى استخدام العنف. ولا أقول هذا الكلام مهدداً، بل محذراً، وأنا أعي تماماً ما الذي يعنيه "مكر التاريخ" حينما يجري في مسار بعيداً عمّن صنعوا أحداثه، واعتقدوا بأنه في استطاعتهم السيطرة على مجرياتها فيما بعد. وليس ذلك في الجنوب فحسب، بل وحتى في الشمال. ولا ننسى هنا، أنه لا مصلحة لقبائل كبيرة في الشمال من استمرار وتوسيع التحالف السلفي الحاشدي السعودي على حساب مصالحهم وامتيازاتهم،والذي كان قد بدأ بسحب البساط من تحت نفوذهم واستحقاقاتهم التاريخية في المرحلة السابقة، خصوصاً والتاريخ اليمني كما يقول دريش عادة ما شهد تحولات سريعة للغاية في خارطته السياسية لم تكن تنجم عن تكون الدول أو التطور الداخلي لأجهزتها، وإنما نتيجة لإعادة تحديد الولاءات. ويبدو أن الشرارة الأولى قد انطلقت من صعدة، وربما ستمتد لمناطق أخرى، وما يسهل الأمر كثيراً، وجود من لديه الاستعداد الكامل لتمويل أي خيار من الألف إلى الياء سواء كان ذلك في الشمال أم في الجنوب (أعني بذلك دولاً إقليمية).
المهم من ذلك كله، إننا كجنوبيين ندرك جيداً الفرق بين الحقيقة والزيف، الثورة بمفهومها كتغيير جذري وشامل للمجتمع وثقافته والحركة الاحتجاجية الواسعة والمقننة ونحن الذين استنشقنا الثورة لسنوات طويلة من رأسها حتى أخمص قدميها ( ياريت تذهب الأخت منى صفوان ذات البذخ الثوري المفرط لتقيم فعالياتها الثورية في ساحة التغيير بصنعاء وهي بنفس الهيئة (الجميلة) التي تظهر بها في القنوات التلفزيونية حتى ندرك فعلاً أن تغييراً حقيقياً قد حدث. وياريت كمان يقوم الأخ منير الماوري الذي ينادي بالمواطنة المتساوية، بالدعوة ليس إلى إزالة القبيلة باعتبارها مركز قوة يعيق تماماً إقامة الدولة المدنية الحديثة،وبالتالي المواطنة المتساوية، ولكن نأمل منه، وبدلاً عن هذه الاستحالة، أن يدعو مثلاً إلى انتخاب شيوخ القبائل؛ بما أن هذه القبائل تحشر أنفها في السياسية، وأن يتاح للجميع من أبناء القبيلة حتى البسطاء منهم الترشح، وربما الفوز بمنصب الشيخ!).
أما التنطع علينا بالشعارات الرومانسية، والمصطلحات الطوباوية، وتفسير الأمور بملعقة الشاي، والقول بوجود "مصلحة عليا" في مجالس لم يكن للجنوبيين يد فيها سوى أسماء وُضِعت لغرض الزينة، بينما تم تقديم من سرقوا ونهبوا الجنوب وعاثوا فيه الفساد حتى أصفر وجه السماء كأوصياء على هذه المجالس ، والفرسان الممتطين لجوادها، والمصيبة الكبرى، أنهم أنفسهم من سيناط بهم حل القضية الجنوبية كخصم وحكم (إلا إذا كانت تعتقد الأخت منى صفوان أن مجرد وجود أسمها في مجلس يمثل مصلحة ما عليا للجنوبيين!!!!!).. إن كل هذا التنطع من العبث الذي لا يُطاق!!!.
لقد أيّدنا الثورة كجنوبيين، وتفاعلنا معها، ومن منطلق إنساني عام، سنؤيد وندعم الثوار الحقيقيين على الدوام. لكن قضيتنا الجنوبية ستظل مرجعيتنا، وبوصلتنا، والباب الذي ندخل منه، والباب الذي نخرج منه. وشهداؤنا الذين بذلوا أنفسهم لأجلنا، وفي سبيل استعادة دولتهم، وبأضعاف مضاعفة، سنكون قد خناهم إذا لم نكمل الطريق التي خطوا مسارها بدمائهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.