span style=\"font-size: medium;\"تتداول قصة مثيرة بين المثقفين السعوديين مفادها أن قاضياً سعودياً في المدينةالمنورة وقع على صكوك بيع مزورة لأرض لا يملكها البائع . وعندما كشفت الجهات المعنية بعد التأكد من المالك الحقيقي ، بأن القاضي كان على علم بتزوير عقد البيع وأنه تلقى رشوة لذلك ، وجد القاضي أن الجريمة ثابتة ، فأعترف بالرشوة ، ولكنه قال أنه لا ذنب له في ما حدث لأنه مسلوب الإرادة .. وسأله المحققون كيف ؟ فقال أن جنّي يسيطر عليه ويتحكم في سلوكه ، وهذا الجني هو الذي تقاضى المبلغ وصرفه بينما ظل هو مكبلاً لا حول له ولا قوة ! .. استعان المحققون بأحد الشيوخ المختصين بأمور الجن فانتدبوا له شخصاً مناسباً لهذه المهمة ، فقام بدوره بإجراء اتصالاته مع عالم الجن ، فتوصل إلى النتيجة التي تفيد أن القاضي واقع تحت سيطرت أحد الجن فعلاً وأنه غير مسئول عن أفعاله .. وكانت تلك الشهادة كفيلة بإيقاف البحث في القضية . ومن نافلة القول ، يمكننا التذكير في ما يخص الجنوب ، أن مشاكل السحر والمس والشعوذة كانت قد اختفت بشكل شبه نهائي من الجنوب في ظل النظام الوطني بعد نيل الاستقلال من الاستعمار والجن معاً ، فقد قامت حكومة الثورة بعد الاستقلال مباشرة بحملة قاسية على رموز السحر والشعوذة وألقت كتبهم في المزبلة ، وقامت بحملة توعية شاملة من خلال فتح المدارس وصفوف محو الأمية التي وصلت إلى أبعد القرى في جميع أنحاء الجمهورية ، فتفرغ الكل إلى القضايا الوطنية التي كان في مقدمتها بناء الإنسان باعتباره أساس التنمية ، والسعي نحو تطوير البلد وإيجاد أسس للعدالة الاجتماعية ، بالإضافة إلى نشر الثقافة الوطنية العصرية . وبذلك لم يعد للجن أي وجود في الجنوب مع كل ذلك التزاحم ، ولا وجود لمرضى يعانون من سحر أو مس أوعين أو غيره من الآفات الاجتماعية التي عادت بقوة إلى الجنوب مع الوحدة اليمنية ، وخاصة بعد الحرب على الدولة الجنوبية . لكن ، بعد مرور سنوات من إعلان الوحدة التي تبعها الاحتلال ، وجد شعب الجنوب نفسه يرجع إلى الخلف غارقاً في فيضان ثقافة التخلف القادمة من وراء تلك الحدود .. لقد جاء الجن إذاً إلى الجنوب ليوجدون الفتن في المجتمع . فتجد هنا من يبحث عن ثأر قديم ، وهناك من يشك بنفسه أو أهله أو مجتمعه بإيحاء من ساحر لئيم.. وهنا طاقات رجال تُهدر ، وهناك شباب تاهوا عن مستقبلهم .. يستغرب المرء عن حال أهل الجنوب عند التأمل في ما كانوا عليه وما صاروا فيه ، وعن سر تدفق جماعات وعائلات إلى أبواب مراكز شيوخ العلاج بالقرآن الكريم . إن ما يهمنا في أمر الجن والسحرة والشياطين هو الصراع القديم الجديد . فالجن هم الجن ، لكن المجتمع هو مجتمعنا والوطن وطنا، لن نقبل أن يعبث به العابثون أكانوا جناً ظاهرين أو مخفيين .. علينا أن نلاحق الجن وأفعالهم في حلهم وترحالهم ، لا أن نتركهم يلاحقونا ، وعن قضايانا الكبرى يصرفونا ، وعن تجمعنا يشتتونا ، وعن أهدافنا يلهونا .. فإذا استطعنا أن نعرف لماذا هم في أرضنا يتكاثرون ، وما الذي منها يريدون ، وعلى ماذا يقتاتون ، وبأي طريقة في عقول ناسنا يدخلون ، فبالمعرفة والحق نكشفهم ، ومن أملاكنا وثرواتنا نحرمهم ، وعن ناسنا نبعدهم . وإذا عرفنا عن أشكال مكائدهم ، فلن نتساءل بعد عن أسباب تناقضنا ، أو عما كان من أخطاءات ماضينا . ألم يكن غريباً ما حصل في أزمة يناير 86 ، دون وجه للخصومة بين الطرفين ، التي كان ضحاياها (رحمهم الله ) هم من تبقى من أفضل القادة من الجانبين ؟! .. لقد صرح الجنرال علي محسن الأحمر بأن الرئيس هو من أشعل النار بين الإخوة المتخاصمين .. وحتى لو لم يصرح بذلك ، فقد كنا أيضا عارفين بأن الشياطين كانوا بينهم موجودين ، وإن لم نكن – أبدا -ً نحن الجماهير مع الجن مختلطين ... لكن سؤالنا لا يزال : لماذا السكوت عن كل ما جرى بالتحليل والاعتذار للشعب الجنوبي من قبل أي من أولئك الباقين ؟ أليس هذا مساً شيطانياً مسيطراً عليهم طول تلك السنين ؟! . ألا يبدو تأثير الجن والسحر والشياطين واضحاً على بعض الإخوة الجنوبيين ، أفراداً أو جماعة ، وإلا ، لماذا معظم الذين ذهبوا إلى صنعاء صاروا مقيدين ، بل تحولوا من قادة (اشتراكيين) إلى قادة (مؤتمريين أو إصلاحيين) ؟ ... وإلى أي حد كان قد تأثر الزعيم البيض بالشياطين ؟ .. ماذا دهاه في الفترة من 30 نوفمبر 1989 إلى 22مايو 1990 ؟ .. ولأن الكل كان يعرف أن السيد البيض لم تُسلب قط منه إرادته ؟.. فليس غريباً أن يعترف بغلطته عندما وجد نفسه في يوما ما بصنعاء مغدوراً به ، تاركاً خلفه الشعب الجنوبي ومكاسب ثورته .. ويبقى السؤال المهم إلى حين : أين البيض من توحيد القيادة الفاعلة في الميادين لوضع حد لتدخل أولئك الشياطين ، ونهاية لمعاناة الشعب الجنوبي من شرور السحرة المجرمين ؟ .. بل أين الخطط الثورة لرحيل الاحتلال ؟ وأين المشروع السياسي للاستقلال ؟ .. أين الجهود الدبلوماسية لتعريف العالم بالقضية ؟ .. أين التواصل مع الشعب ؟ .. وأين تعبئة وحشد الزعيم للجماهير الوفيّة ؟! .. ويسألونك عن السيد حيدر العطاس وصحبه ، لما لدوافع الشياطين من دلالة .. هل وصل طائر "الهدهد" إليه – من عكس اتجاهه المعلوم - بالرسالة ؟! .. فقل ربما أن الجن قد دخلوا فيه من جديد ، ليجد نفسه في القاهرة يقول ما لا يريد .. وقد يكون مسلوب الإرادة ، لو ثبت عليه أنه هو من أشار للجن إلى أولئك من أصحاب ( الريادة! ) الذين أيضاً وجدوا أنفسهم معه في مؤتمر بالقاهرة يقررون مصير شعب الجنوب لكن بلا سيادة .. استبدلوا الثورة الجنوبية بمشروع فيدرالية ، ونصّبوا أنفسهم لها قيادة ! ... فهذا هو كل ما تبقى لهم من إرادة ! .. لا حول ولا قوة إلا بالله !.