كم تردد عبر وسائل الإعلام بمختلف ألوانها عن إيجابية تلك المبادرة الخليجية والمؤيدة فيما بعد برعاية دولية بوصفها جاءت منقذةً لأطراف متصارعة في صنعاء، ومجنبةً السلطة والشعب معاً من اقتتال واقع يكاد أن يتحول إلى حرب أهلية طاحنة لا يسلم منها أحداً. مبادرة تم التوقيع عليها بعد مماطلة من تلك الأطراف المتصارعة على المصالح الفردية، مثَّل المؤتمر المشرِّع الأول لبنودها، وجاء المشترك متقولاً إنها بعد ضغوط عليه صادق عليها. وبعد خروج المخلوع صالح بإيحاء سعودي تم تقسيم السلطة لتكون رئاسة الحكومة من نصيب المشترك (باسندوة الأحمر) واختيار هادي رئيسا توافقيا مؤيدا دولياً؛ بهدف خدمة أطراف المبادرة لا لأطراف الصراع المفتعلة في خلافها؛ بهدف تقسيم المصالح وعدم السماح لطرف منهما من الانفراد بها. من هنا انشرع التساؤل ، كيف خدمت المبادرة الخليجية جمهورية هادي وحكومة باسندوة من جهة، وأطراف الصراع من جهة أخرى؟ وكيف تحولت القضية الجنوبية المعنى بها مؤخرا في تلك المبادرة في حين كانت غير حاضرة في سجلاتها – إلى ثعبان بيد الطرف الإقليمي والدولي تهدد بها أطراف الصراع من جهة وجمهورية هادي وحكومة باسندوة من جهة أخرى؟. ففي التساؤل الأول: في الحقيقة انكشفت النوايا مبكرا من قبل الأطراف الراعية لتلك المبادرة سواء أكان على الصعيد الإقليمي أم على الصعيد الدولي – قبل تنفيذ بنود تلك المبادرة ولا الوفاء بتعهدات المانحين التي ألتزمت بها أطراف المبادرة بدعمها تحت حجة فشل حكومة الوفاق على الرغم من أنهم هم الذين شرَّعوها ونفخوا روح الخلاف في جسدها. فعلى الصعيد الإقليمي ظهرت لعبة المغازلة مبكرا على سطح رئاسة هادي بشأن التوقيع على الحدود وتوثيقها في الأممالمتحدة من قبل السعودية ، فحين واجه هادي الأمر وبأسلوب مرن (لا يحق لي التوقيع وأنا رئيس انتقالي) شرعت يهودة آل سعود من مغازلة المخلوع صالح عبر وسيط إماراتي(دولة الأمارات) تمثلت في زيارته الأخيرة إلى السعودية بهدف إثارة حفيظة هادي وإضعاف حكمه؛ بهدف إدخاله في فخ التوقيع هذا من جهة، ومن جهة أخرى لاحت مغازلة أخرى للإصلاح تمثلت في ( قبيلة الأحمر) وتياري الإخوان والسنة في الدخول مع الحوثيين في صراعات إعلامية جعلت من وزنية قبيلة الأحمر وتياري الإخوان والسنة في وشيجة حميمة مع السعودية من أجعل إضعاف قوة هادي وجمهوريته في الحكم وتنفير الحوثيين من دخول الحوار. وهذا الأمر هو ما شجع من وتيرة الخلاف بين الرئيس هادي وحكومة باسندوة تحت تأثير اللون الأحمري. وفي المقابل هادي بوصفه رئيسا حين أحس بتلك التحالفات راهن على التأييد الدولي وأصقل الدور الإقليمي من خلال وتر الاستثمار فأيد الفرنسيون في البقاء في التنقيب النفطي ومنح البريطانيون فرصة في حضرموت وشبوة مع مغازلة للروس في التنقيب في المحافظات الجنوبية وانشاء مفاعل صناعية على شريط البحر الأحمر. مع كل هذ بقي الأمريكيون وهم (الجوكر في لعبة البطة ) حيث أوحى لهم في التنقيب في حقلي الجوف ومأرب بوصفهما أكبر حقلين نفطين حسب المؤشرات الأخيرة ولتكون اللكمة القاضية للسعودية مقابل ما حاولت من مغازلات في إضعاف جمهوريته وإصرارها من عدم تمديد حكمه. أما التساؤل الثاني: فهو كيف تحولت القضية الجنوبية إلى وتر تعزف به أطراف المبادرة على الصعيدين الإقليمي والدولي أيضا؟. فعلى الصعيد الإقليمي حاولت السعودية في مغازلة الإصلاح بمختلف أطيافه الدينية في التحرش بالحوثيين مقابل وأد المشروع الانفصالي والدعم لهم في الوصول إلى الحكم في ظل يمن موحد يحافظ على السلفية ومحاربة التشيع. في حين قامت قطر في مغازلة اللواء محسن (رئيس درع الجزيرة) ليقوم بدور عمل توازن سياسيا بين الشيعة والسنة في اليمن مقابل دعم مادي سخي غير منقوص ووعود من قبل قطر في الوقوف معه في الحفاظ على الوحدة وتدمير أي تبني لفكرة التشطير في المحافل الدولية. في حين يراهن هادي ومن معه من الجنوبيين الذين دخلوا مؤتمر الحوار أو يساندون أفكاره في حل القضية مع الاعتماد على التأييد الدولي في طرح فكرة الفيدرالية مقابل إتاحة الفرصة لهم في الاستثمار والتنقيب مما يجعل الميل إلى الجنوب من قبل الغرب أمر مفروضا دوليا على الأطراف في الشمال والجنوب ووأد أي مشروع انفصال.