يشبه صوت تحليق الطائرات المكثف، الذي سمعناه قبل اليومين المنصرمين في سماء الحبيبة عدن، صوت تحليق طائرة صالح والحوثيين في بداية شن الحرب على الجنوب والهجوم على المعاشيق بها، في الأمس خروج اضطراري واليوم عودة. عاد الرئيس هادي أخيراً إلى عدن في لعبة أشبه ما تكون بلعبة الملك الشطرنجي، خطوة قد تقدم وخطوة تؤخر وبينهما قد تكون الوفاة. مؤكد أن هذه العودة من ستحدد مستقبل الملك في رقعة الشطرنج السياسي، وموقعه الإعرابي في تركيبة جملة جديدة، وعلينا أن نفهم أن هادي لن يأتي ليحكم على أرضية ثابتة، كل المعطيات السابقة واللاحقة، تقول أنه في بداية الأمر على الرجل أن يحدد الرقعة (الأرضية) التي نزل فيها، وأدوات القوة العاملة في هذه الأرض، وأن يستشرف المشكلات قبل أن تقع ولا يسمح لها بالوقوع أصلاً، أو يسمح لإشكالات بالحدوث، أو التعامل معها من كل أتباعه ممن يحسبون عليه بطبيعة لا مسؤولة، لأن أي شيء من هذا القبيل في هذا الوقت القصير جداً أمام هادي، معناه توفير منزلِّقات ملائمة لبداية نهاية هادي نهائياً، ولنعي جيداً أن شياطين صالح والحوثي ستغيّض له كل شيطان مارد، فقط عندما تأتي الإشارة ببدء التحرك، مثلما حدث عند انطفاءات الكهرباء أثناء زيارات هادي في المرة السابقة وأشياء أخرى.. وعلى نحو ضخم سيتم التحرك، إن لم يتنبه هادي وفريقه لذلك..! وتبرز ملامح ( خفية ظاهرة )، لحرب باردة خطرة على كينونة الرجل، وستظهر على السطح في الأيام القادمة، وأرض الملعب الرسمي لها ستكون عدن إن لم ننتبه لذلك. قروح مزمنة بين الملك والوزير وحسبما ما وصلنا من مصادر مؤكدة وموثوقة بأن بؤر الخلاف بين الرئيس هادي ونائبه لا تزال على أشدها، وهناك دلائل كثيرة على ذلك، منها تصريحات بحاح بعدم العودة إلى عدن، بل عودته إما إلى تعز، إذا تم تحريرها طبعاً، أو إلى مأرب التي تخضع أجزاء كبيرة منها لسيطرة قوات الشرعية، وذلك لممارس مهامه من إحدى هذه المناطق، وإذا ما أردنا أن نستوضح وجه الخلاف بشكل أكثر وضوحاً، فلننظر إلى إلقاء بحاح تصريحات إعلامية ببطلان كل الترقيات التي قام بها وزير الخارجية "رياض ياسين"، ووصفها بأنها أتت في سياقات غير قانونية، وبعدها يأتي ياسين لافتتاح وزارة الخارجية ويدشن العمل الرسمي من العاصمة عدن، وهذا يُحسب له ويقوي أوتاده على أرض يحاول هادي أن يجعل منها ملعباً له؛ لكنها لا يمكن أن تكون كذلك لأسباب كثيرة، منها هذا الخلاف، ومنها أيضاً معاملات هادي وأتباعه بنظرتهم الضيقة جداً، مع من يجب عليه كسبهم " أي الحراك الجنوبي ومقاومته، لأن معنى ألا يتم كسبهم واحتواؤهم بأي طريقة ترضيهم، معناه جعلهم أداة مضادة لعمله، وسوف يتم الزج بالمقاومة - اضطرارياً - لأن تصبح عائقاً ضد هادي، كاستجابة فطرية لرد فعل لن يخدم أحد ، لا هادي ولا عائلته، ولا المقاومة الجنوبية ، ومعاشيق أنموذجاً ومدخلاً لمخرجات قد تكون مشابهة..!. تحت الرماد جمر أحمر ويجب أن نقرأ جيداً حديث صالح في آخر مقابلة له مع الميادين، وهو يلمح باحترام إلى الحراك الجنوبي ومقاومته، ليس حباً طبعاً، وبنفس السياق قال جملة لا أوضح منها، "أنا مقاتل سياسي" بعد إن انحنى للعاصفة المدمرة، أي أنه ليس أمامه من سبيل إلا القتال بشكل غير مباشر، وذلك باستخدام أي أداة ممكنة او تناقض، وإيقاد جمر تحت الرماد، سيتم نفخه بمنفاخ الإعلام والإشاعات، وهذه حرب ناجعة، وإثبات نظريته للحراك بحق هادي، "بأنه لا يمكن أن يستفيد من شيء كما لم يستفد عندما كان نائباً له منذ فترة طويلة"، وإذا ما حصلت صراعات فهذا يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك على عنجهية هادي ومقربيه وتسريعهم في نهاية عمره الافتراضي، مع حليف مؤكد لهم وأحد أهم الدعائم والركائز والرافعة التي سيقف عليها، وسينتهي في نهاية المطاف بهم - إن لم يدركوا ذلك - إلى نهاية حتمية تختصر المراحل.. صالح وهادي وتعز في تحدي العودة وسمعنا جميعاً تهديد صالح بأنه سيحاكم هادي اليوم أو غداً، وبأنه لن يسمح له بالعودة إلى قصر عدن ولا تعز ولا حتى قريته الوضيع، حسب قوله، وتأتي عودة هادي الثانية ومحافظة تعز تشهد حراكاً تحررياً بمساندة المقاومة الجنوبية، وقوات التحالف العربي. ويقود مثقفون ونافذون ورجال أعمال شماليون حرباً طاحنة، لكنها غير مرئية للكثير من الناس، من يدركها قلة قليلة من الناس، وهذه الحرب تحمل اسم تحويل العاصمة من عدن إلى محافظة أخرى، وتأتي عودة الرئيس هادي متزامنة مع تحرير مدينة تعز، التي لدى هادي استعداد أن يجعلها العاصمة إذا ما استمر الضغط عليه. يذهب المقاتلون الجنوبيون لتحرير تعز وهذا هدف إنساني لا غبار عليه؛ ولكن هنالك احتمال كبير بأن تعز في حسبة احتمالية تستشرف المستقبل القريب، وهي أن تعز قد تصبح العاصمة بدلاً عن عدن، وفي ذلك تنفيذ لرغبة كثير من النافذين الشماليين، وحينها قد يندم الكثيرون من أبناء الجنوب على تحريرها، إذا ما قُرِّر تحويلها لأن تصبح العاصمة، نزولاً عند رغبة المحبين، وطبعاً لن يستفيد أبناء تعز كثيراً من هذا التحول إن حدث فعلاً ، إنما هي استفادات تريدها الحِيتان الكبيرة .. وفي كل الأحوال، فتعز ستلعب دوراً مهماً في المراحل القادمة، وقد تصبح محور الارتكاز في دائرة الصراع السلطوي والنفوذي القادم، وفي كل الحالات أيضاً لن يكون حاضر تعز كماضيها أبداً، ليس هذا مجرد تخمين، بل هو نتيجة استشراف ورؤية عبر المدخلات والمعطيات السابقة، وتم إسقاطها على ذلك النحو، والخليج بعد معرفته بأهمية المخزون البشري لن يفرط بتعز مهما كلف الثمن ، ولن يدعها تعتنق المنهج الذي تعدّه خطراً كبيراً عليها..! * نقلا عن (صحيفة الامناء)