ساقتني قدماي يوم الثلاثاء الماضي إلى مبنى فرع الهجرة والجوازات في العاصمة عدن لإجراء بعض المعاملات ، وقد هالني ومنذ دلفت قدماي بوابة المبنى ذلك الكمّ الهائل من المواطنين الذين يتزاحمون في ساحة وأروقة المبنى لإنجاز معاملاتهم من استخراج جوازات السفر أو تجديدها وغيرها من المعاملات المتعلقة بفرع الهجرة . شاهدت مواطنين من مختلف الفئات ذكوراً وإناثاً شباباً وشيوخاً وأطفالاً يحملون ملفاتهم ويتنقلون من مكتب لآخر وسط ذلك الزحام الشديد الذي لن يتخيله أحد ! ، عندها تساءلت في قرارة نفسي : كيف لأولئك الموظفين الذين بالكاد يستطيعون رفع رؤوسهم وهم محاصرون بداخل تلك المكاتب بتلك الجموع الغفيرة من المواطنين أن يؤدوا عملهم ويتمكنوا من إنجاز كل تلك المعاملات على أكمل وجه ؟! .
من وسط الزحام .. في باحة مبنى الهجرة والجوازات - وتحديداً في الدور السفلي - ومن بين ذلك الزحام ، شاهدت رجلا قصير القامة نحيل الجسد يعمل بهِمّة عالية دون ملل أو كلل ، استغربت من نشاط ذلك الرجل الذي يعمل وحوله العشرات من المواطنين وبجانبه طوابير من النساء ، سألت زميلي الإعلامي "فضل العبدلي" الذي رافقني في الزيارة عن هذا الرجل ، فقال لي :" إنه العقيد / عبدالسلام المفلحي مدير إدارة هوية السفر" .. ألقينا عليه التحية وعرفناه بهويتنا ، فرحّب بنا أجمل ترحيب ، وبسبب انشغاله لم نتمكن من الحديث معه ولكنه أبلغ أفراد الحراسة بتسهيل مهمتنا والسماح لنا بمشاهدة العمل في كل الأقسام ونقل صورة حقيقية عما شاهدناه ..
أصل الحكاية وسر النجاح .. في مبنى الهجرة والجوازات الكل يعمل ، حتى مدير الفرع العقيد/ محمد عباد البطاني وجدناه حين صعدنا إلى الدور الثاني في أحد المكاتب يقوم بالإشراف على عمل الموظفين رغم أن مكتبه يوجد في الدور الثالث ، ولن أخفيك سراً عزيزي القارئ بأنني قد ذُهِلت حين شاهدته يقوم بمراجعة بعض المعاملات بنفسه ويحث الموظفين على التدقيق في المعاملات وعدم تأخير معاملات المواطنين ومعاملتهم بأخلاق حسنة ، رأيت ذلك النموذج من المدير الناجح في عمله في هذا المرفق وعرفت حينها السبب في أن جميع الموظفين بفرع الهجرة والجوازات يعملون بصمت وبدون كلل أو ملل لأن خلفهم قيادة ناجحة وحريصة على أداء عملها على أكمل وجه ، تقوم بالإشراف الفعلي على عمل كل المكاتب ولم تحصر نفسها بالجلوس على كرسي المكتب المخصص بالإدارة كما يفعل البعض وللأسف الشديد . حين شاهدنا العقيد "البطاني" وحوله العشرات من المواطنين ممن قدموا لإنجاز معاملاتهم وهو منهمك بالرد على هذا والتوقيع لذاك ويقدم النصح والإرشاد للبعض ، شعرنا بالحرج من أن نضع على طاولته بعض الأسئلة والاستفسارات للرد عليها أمام ذلك الضغط الذي عليه في العمل ، واكتفينا بتحيته وإبداء ارتياحنا بما شاهدناه من عمل داخل مبنى الهجرة والجوازات ، حيث أبدى سروره وارتياحه لانطباعنا وقدم لنا اعتذاره الشديد بعدم تمكنه من الجلوس معنا نظراً لتلك الزحمة في العمل غير أنه رحب بنا بالمجيء في أي وقت آخر للاستفسار عن أي موضوع ، وقال : " بإمكانكم نقل صورة عما شاهدتموه بدون أي مجاملة ليعرف الجميع كيف تعمل إدارة الهجرة والجوازات بعدن والظروف التي تحيط بهم " .