الحديث عن الوحدة وما أدراك ما الوحدة , بات جزءاً من الماضي الأليم , بعد ان قضت نحبها وصارت في حكم المؤكَّد رميم وفي الواقع والنفوس جرحاً وألماً وفتنه وجحيم , ومصدر خطر حقيقي يهدِّد السلم الاجتماعي في كلا الوطنين الجارين , وأمن وسلامة دول الجوار والأمن والسلم العالميين , ولم يبق سوى نقلها من سجل الأحياء إلى سجل الأموات ليس إلا . . وتلك حقيقة ثابتة يعرفها ويقر بها القاصي قبل الداني والصديق قبل العدو , وبات أيضاً من المستحيل إنكارها أو دحضها . إن الإفراط في الحديث عنها وتكراره بكل تأكيد لا يشفي عليل او غليل ولا يلحم جرحاً غائر وعميق ولايعيد حقاً أستهلك أو أقتصد ولا يعيد كرامه أهدرت ولا نفس قضت ظلماً وعدواناً ولا يسد فاقة مزمنة ومتعمدة ولا يحفظ حياة مهدده بالخطر وبمستقبل أشبه ما يكون بجهنم , وإنما هو تعبير عن حاله ورغبه – لمجرد البكاء على الأطلال ولفت الانتباه والزهو العبثي وتفريغ شحنه نفسيه وأما تعبير مخادع لغرض في نفس يعقوب بات مكشوفاً ومفضوحاً ويزيد النفس مرارة وظنون ... فحذاري أيها الملاء فتحت اللسان سمٍ زعاف ولهيب أشد فتكاً من سابقه . لقد درجت وامتهنت صنعاء حياكة الحيلة ونسج الأساطير وتفننت ببذر الفتنه وتغذيتها وإشعالها وإلصاق التهم وتوزيعها جزافاً واشتهرت بالهدم والخراب والدمار وبسفك الدماء وإزهاق الأرواح البريئة , هكذا يقول تاريخها وهكذا أيضاً تحدثك الأيام من واقع الممارسة والسلوك والحياة المعاصرة , بل وتجيد بإحكام خلط الأوراق والوقيعة – بحسب تعبير اللواء علي محسن الأحمر وقبلاً البردوني وعبدالله حسين الأحمر وغيرهم الكثير فهم شهود عيان ومن أهلها وأعمدتها بعد ان شعروا بمرارة عذاب الضمير وراءوا بأم أعينهم عاقبة انقلاب السحر على الساحر ووطأة السحر وآثاره على الشعوب والأجيال وتأكد لهم ثبات قول النبي الأعظم (الساكت عن الحق شيطانٌ أخرس) . إن ما يجري ويعتمل ويحدث منذ قرابة 10 أشهر وحتى الساعة في إطار الجمهورية العربية اليمنية يكشف في جلاء حجم وعمر الأزمة بكل أبعادها وخلفياتها وغياب اليقين , ولا يمكن له بأي حال من الأحوال حجب جذوره وعلاقته بقضية الوطن الجنوبي الموضوعية كما يحاول البعض تصويره وإخراجه وعرضه , بل ويحرك الذاكرة على استذكار أحداث 26 سبتمبر 1962 وحصار صنعاء والتسوية بين الملكيين والجمهوريين , لا بل واستحضرني وصف أمين الريحاني في كتابه (ملوك العرب) للإمام يحي حميد الدين ورعيته بقوله : (وإمامهم الأكبر في سلوكه الديني وأحكامه المذهبية ليذكرني بذلك القسيس المحترم الذي يحمل الإنجيل في جيبه والعالم على منكبيه , والغم المخيم فوق حاجبيه , في نشر كلامه الرب في الناس . إلا إن الإمام يختلف عنه في إنه شرقي عربي يحسن الضيافة والمؤانسة ولا يحزن عليك إذا ظنك في ضلاله , ولا يقف مبشراً بين يديك . وأما رعيته فتطيعه دون حب ودون خوف ) / كان هذا عام 1922 .. / ولا تعليق . إن الحقيقة الثابتة والساطعة اليوم ومنذ 7 يوليو 2007 من جهة , ومن جهة أخرى منذ 3 فبراير 2011 التي لا يمكن أن تتجاهلها أو تدحضها صنعاء القديمة والحديثة , وصنعاء الشمالية والجنوبية اليوم إن كلا الشعبين الشقيقين والجارين وكلا البلدين قاطبة قد أظهروا أصالة معدنهم وحقيقة طبيعتهم الإنسانية والأخلاقية والحضارية بما لا يدع مجال للشك وأثبتوا جدارتهم واقتدارهم وأكدوا رغبتهم وحاجتهم الأكيدة للجنوح إلى السلم الاستقرار والازدهار وعزمهم وإصرارهم على تحقيقه واستهدافهم لدفع ثمن فاتورته مهما كانت غالية وباهظة في سبيل الحرية والكرامة والخلاص والاستقلال وفي سبيل الإنعتاق من الاستبداد والاستعمار في آن واحد , وعلى حواضر العالم أجمع ان لا تغيب هذه الحقيقة بسبب مراوغة وتضليل وتهديد نظام صنعاء الذي أستغلهم أيما استغلال وربط ورهن مصالحهم وعلاقاتهم في مصيره ووجوده وأوهمهم إن من بعده القيامة في صنعاء والطوفان في عدن بينما هو ضرب من الهوس والخرف معاً ومحض خيال وافتراء لا تلتفت إليه أبله قبل أن يصدقه ذي لب . إن الشعور بالخلاص من عذاب الضمير أمر مرغوب به ومؤشر على الصحوة والخوف من الله وليس من خلقة غير أن الإحساس وحدة لا يكفي بكل تأكيد ولا يفي بالغرض إذا لم يظهر بجلاء في الأفعال والممارسة والسلوك ، وبشفافية أكثر فإن صنعاء بحاجة ماسه إلى براءة ذمة شاملة وواضحة وصادقه ولكي تتخلص من نجاسة الاستبداد أولا ً ومن السل والجرب الملازم لها من ذو أكثر من ثلاثة قرون ومن ثم إلى الطهارة وتليهما عملية تصالح وتسامح كبرى إذا ما أردتم أن تروا صنعاء مدينة آمنة وفاتنة بحق ومحصنة من الأدران والخبائث كآفة. وبالمثل تحتاج عدن إلى تلك البراءة لكي تتخلص من دنس الاستعمار ثم الطهارة من الفساد وإلى استكمال عملية التصالح والتسامح ، ولكي أيضاً يعادلها اعتبارها الأدبي والأخلاقي والإنساني وحقها الطبيعي والشرعي والقانوني كاملاً وغير منقوص وغيره .
وأخيراً فإن كلا الحاضرتين بحاجة ماسة إلى التشافي التام من كل الآثار النفسية الموغلة والموجعة ومن الأضرار المادية الجسيمة للغاية المترتبة على الاستبداد والاستعمار والفساد وغيره ، وبحاجة ماسة أيضاً إلى زمن كاف بالضرورة لدرئها وإلى علاقة صادقة وحميمة ومستقيمة قادرة على تأسيس علاقات إنسانية وأخلاقيه ومصالح ومنافع متبادلة ومشروعة وجوره واحترام ، وكليها أيضاً بأمس الحاجة إلى العفة والحكمة والشجاعة والعدالة لتحصين الأجيال الناشئة وتأمين حياة حرة وكريمه لهم ومستقبل مستقر وآمن ويعيد لهم أصالتهم المشوهة ودورهم المغيب .... فهل يا ترى تتحقق تلك الطموحات والأماني ونرى صنعاء جديدة بروح ونفس جديد ؟