أحد عشر شهرا مرت ومحافظة عدن تعيش فراغا، بعد تقديم آخر محافظ لها استقالته في مارس العام الماضي، شهدت خلالها فراغا أمنيا وأحداث قتل وترويع ، وترديا في الخدمات ، وما تزال تحت قصف الشائعات المخيفة للفوضى والمسلحين وتنظيم القاعدة ، بل والاستقطاب الإقليمي والتوسع وشراء الولاءات لدول إقليمية كبرى ، لموقعها الإستراتيجي على خليج عدن ومضيق باب المندب أحد أهم سبعة مضايق عالمية. ورغم كل هذه الإستهدافات وطول الأشهر، وتحول سلطتها المحلية وأجهزتها الأمنية والقوات العسكرية المتمركزة فيها، إلى مصدر للخوف ، وأداة لتنفيذ مخططات تخدم المركز في حربه ضد الثورة التي اندلعت للمطالبة بإسقاطه، لكن عدن صمدت ، وهي اليوم تأمل أن تعي الحكومة الجديدة أن أمن عدن واستقرارها يعني أمن واستقرار الواجهة الجنوبية والمياه الإقليمية اليمنية. تقع على طاولة محافظ عدن الجديد أن يضع حدا للانفلات الأمني ، وفرض هيبة الدولة، والقضاء على ظاهرة حمل وانتشار السلاح وإطلاق الرصاص في شوارع وأحياء عدن ، كمهمة عاجلة غير قابلة للتأخير. ومتى ما وجدت لجنة أمنية حقيقية ومخلصة لعدن، ومسئولين على أجهزتها المضطلعة بهذه المهمة ، فإن عودة عدن إلى صورتها ومضمونها الأصيل ليس بالمستحيل, وأي توجه أمني حقيقي لفرض النظام والقانون سيكون كل أبناء عدن جنوده وأنصاره، كون السلام والهدوء والاستقرار ورفض الفوضى والعبث والعشوائية قيم متجذرة في وجدان أهل عدن الطيبين. على الرجل الأول في عدن أن يعقد الشراكة مع كل المكونات والمنظمات والهيئات العدنية، وليبدأ خطواته القوية في رد الاعتبار لمدن وشوارع وأحياء عدن ،وستكون ساحات الثورة وكل فئات الشعب العدني وسائل ضاغطة لتحقيق هذا التوجه، فليس هناك أهل محافظة يحبون محافظتهم ويرتبطون وجدانيا بها أكثر من حب أبناء عدن لمدينتهم وتغنيهم بها وحرصهم عليها. لا نريد كل هذه الأجهزة الأمنية والمنطقة العسكرية وترسانتها من الأسلحة وميزانيتها الضخمة، الرابضة بين السكان ، الكاتمة لأنفاس المدينة المسالمة، لكنها عاجزة في القبض على أي ممن فجر السيارات المفخخة وقتل واستهدف الجنود والقيادات والخبراء من الدول الشقيقة ونشر الخوف بين الأهالي كل هذه الشهور. لا نريد الحرس الجمهوري والأمن المركزي الذي يتوحش في قتل متظاهرين سلميين ، ويفتك بمهرجان نظم للتصالح والتسامح، بينما لم نره يخوض معركة واحدة في مطاردة اللصوص ومن يزرع المتفجرات والمسلحين الذين فتح المجال أمامهم بحرية في شوارع المدينة ومنافذها. عدن بحاجة لقيادة شجاعة تبدأ من جديد، خطوات مدروسة لمعالجة القضايا الخدمية والمرتبطة بحياة الناس: الأمن والكهرباء والنظافة ووقف السطو الذي لم يتوقف تجاه المتنفسات والمرافق الحكومية وآخرها مركز التحصين. عدن بحاجة لقيادة جامعة تصنع شراكة مع كل المجتمع العدني ، وتكون قريبة منه ، تطلعه على خططها المعدة ومشاريعها المخططة ، وتصارح هذا المجتمع بكل شفافية، المشاكل والمعوقات ، وأن تستمع لهموم الناس، وتتابع قضاياهم أولا بأول. هناك ملفات وتركة ثقيلة في عدن وقضايا الأراضي وفساد وتدمير عمره عشرين عاما، وهي ملفات لا مفر من فتحها والبت فيها، وعلى الناس أن يثقوا أن القانون والواقع الجديد لن يهيل التراب ويتجاوز مظالم وفساد السنين الماضية. لا قيمة للثورة ولا معنى لها إن لم نصل إلى العابثين ومن (حوشوا) على مئات الكيلومترات من أراضي الدولة وسطوا على ممتلكات الناس، والقائد العسكري الذي يبسط على مساحة تضاهي دولة خليجية في عدن ،في حين يحرم الآلاف من أبناء عدن قطعة أرض يبنوا عليها مستقبلهم ومسكن لعائلاتهم ويشعروا بخيرات مدينتهم ، هو منتهى العار والقبح الذي يجب على الدولة وقيادة عدن وأحزابها ومنظماتها أن تزيله إحقاقا للحق وإقامة للعدل والمواطنة المتساوية الكريمة والإحساس الحقيقي بالانتماء إلى أرض فيها مصلحة حقيقية لمن يعيش فيها، ومن خلال هذا نضمن مجتمعا مستقرا، ووطنا قابلا للحياة والائتلاف. وسائل إعلام(عدن) الرسمية ينبغي أن تعكس صورة عدن وأهلها ينبغي أن تكون وسائل الإعلام الرسمية في عدن وأهمها (قناة عدن- صحيفة 14 أكتوبر) عامل اتصال بين الجمهور العدني وقياداته في المحافظة، يجب أن تعود هذه الوسائل الإعلامية إلى المالك الحقيقي وهم أبناء عدن أولا، بعد أن جرى مصادرتها طويلا، فكانت الهوة سحيقة بين القيادة والناس. ما قيمة (قناة عدن) إن لم تكن نافذة متاحة لعرض مشاكل عدن أولا وهموم أبنائها وقضاياهم، لا معنى للحديث عن تاريخ وحضارة عدن وجمالها ومعالمها وفي الوقت ذاته نجد هذه القناة –مثلا- لاتجروء أن تنبس ببنت شفه على قضية نهب وبسط تطال متنفس بحري، أو مؤسسة ومرفق حكومي. ما قيمة صحيفة (14أكتوبر) إذا لم تحوي صفحاتها شكاوى وهموم أبناء المدينة التي تسكن معهم، لا فائدة من إفراد الصفحات فيها للحديث عما يجري في العالم وصورة فاتنة لامرأة في صفحتها الأخيرة، في حين أن مدينة عدن تساق عبر التجاهل والعبث نحو القبح وتشوه شوارعها ومتنفساتها وشواطئها الرائعة. القيادة التي تدير هاتين المؤسستين الإعلاميتين الرسميتين في عدن عليها أن تفتح الباب واسعا أمام طاقمها الصحفي والإعلامي ، كي يتحرك بلا خطوط وقيود ، إلا تجسيد ما يدور في المحافظة وما يهم أبنائها في الشاشة والصفحات. وعلى الصحفيين والإعلاميين ومعدي البرامج أن يتوغلوا كثيرا بين الناس، ويقوموا بدور الإعلام الحقيقي في التعبير عن المجتمع وقضاياه، وكشف كل ما يعبث بأمن المحافظة وأبنائها، ويصادر حقوقهم، ويكونوا صوتا جريئا يسمعه صانع القرار والمسئولين ، على اعتبار أن الصحافة صوت المجتمع وضميره الحي. وبهذا الدور نكون فعلا قد انتقلنا إلى الواقع الجديد الذي خلقته الثورة حيث الصوت النافذ للشعوب، مصدر السلطة الذي يحرص أي مسئول على رضاه وقبوله، وحينها سنحقق التنمية ونمنع الفساد ، ونعيش على مساحة من التفاهم والشفافية والوضوح والتعايش والمواطنة الكريمة، والمحافظ القعطبي خبير بحكم عمله سابقا في الإعلام. وقبل هذا وذاك أنت سيادة المحافظ ابن عدن، ولدت فيها وترعرعت، وتعي كل التفاصيل.. كل الإحتياجات والمتطلبات، والأعرف بما يجب عليك القيام به.. والسلام.