مساء الإثنين الماضي كان واجما حزينا، حلت فاجعة الرحيل المفاجئ للأخ المناضل/ قاسم الذرحاني، سكرتير منظمة الاشتراكي بالضالع و عضو لجنته المركزية و الرئيس الدوري للقاء المشترك في محافظة الضالع، و كما تغادرنا الأحلام الجميلة سريعا غادرنا هذا الرجل المثقف و السياسي بدون كلمة وداع، و مثلما تداهمنا الكوابيس المرعبة جاءنا نبأ وفاة الذرحاني، و غيب الموت عنا واحدا من أبرز رجالات السياسة حتى وإن كان بعيدا عن الأضواء، ومن يعرفه يعرف شخصا زاهدا لا يكترث بكاميرا التصوير أو يسعى لمنصات الخطابة، لقد كان يدرك أن القيادة الحقيقية ليست في التسابق على الميكروفون أو التزاحم على الظهور أمام الكاميرات، عرفناه منذ سنوات في الضالع و هو محتفظ بمكانته بين الناس العاديين بينما أفكاره تتجاوز من يعدون أنفسهم زعماء، و حين كنا نحاول إقناعه بإجراء حوار صحفي كان يقنعنا مبتسما أن الوقت لم يحن، و يؤكد أنه لن يتردد في ذلك إذا ما وجد الوقت مناسبا، و كانت الفرص قليلة و نادرة جدا، فلقد كان يرى ما هو أهم من إجراء المقابلات الصحفية في ظروف معقدة و عصيبة كتلك التي عاشها هو و رفاق دربه في قيادة الاشتراكي خصوصا في محافظة الضالع، حيث كان في طريق الحزب الكثير و الكثير من العقبات و التحديات، و لقد أثبت الذرحاني و هو يقود سفينة حزبه لسنوات في خضم الأحداث المتلاحقة و المتداخلة أن القائد الحقيقي هو الذي يثبت أمام العواصف و ليس الذي يكون مع المنهزمين و الباحثين عن مخبأ بين الصخور، وكم كانت المرحلة – ولا زالت- عصيبة و في أشد الاحتياج لمناضلين على قدر من الوعي بتحديات المرحلة و على قدر من الإيمان بالقيم و المبادئ، و لقد كان الذرحاني واحدا من أولئك الرعيل من المناضلين القابضين على جمر المبادئ حين كان زعماء الصدفة المصنوعين على عجل يتساقطون الواحد تلو الآخر في أحضان الخصوم الذين قالوا إنهم كانوا يثورون عليهم، بينما القاسم الصلب الذرحاني يقف شامخا شموخ حزبه الذي آمن بمبادئه و خطه النضالي و مشروعه الوطني، لم ينبهر بالمشاريع الطارئة التي استهوت مرضى النفوس اللاهثين وراء مصالحهم يدورون معها حيث تدور، و حين قذفت الرياح بالبعض من أقصى اليسار إلى أطراف اليمين ظل قاسم الذرحاني مع القلة القليلة صامدا في وجه الأعاصير، من يعرف الذرحاني يدرك أي خسارة مني بها الحزب الإشتراكي و اللقاء المشترك برحيله، فلقد كان ربان السفينة الماهر لسنوات طويلة قضاها مناضلا في صفوف حزبه و في أوساط مجتمعه، رافضا كل ما أفرزته سلطة الفيد و الحرب المشئومة، و ظل موقفه واضحا و معلنا يعيه الخصوم قبل المناصرين، رحم الله الراحل العزيز قاسم الذرحاني، كم هو رحيله المبكر قاس و مؤلم، و كم هي الكلمات عاجزة عن وصف المصاب الجلل و الحادث المؤسف، كم هي لحظة ورود النبأ قاسية و صعبة و صادمة، اتصال من صديق يفيد أن الذرحاني افترق لخطوات عن رفاق رحلته بعد ما اعترض طريقهم سيل جارف، لكنه مات..، مات قاسم الذرحاني، قالها صديقي عبدالرقيب الهدياني و انقطع صوته، و كم تمنيت أن لا يكون الخبر صادقا، وددت لو قيل لي أن الشخص الذي غرق لم يكن قاسم الذرحاني، أو أنه هو و لكنه لم يمت، كم تمنيت.. لكنها كانت أماني، و بعدها اتصل بي الصديق العزيز أحمد حرمل و للحظة تمنيت أن يصحح الخبر و يقول إن قاسم لم يصب بأذى، لكن صوته الذي بدا متأثرا باكيا خذلني، و أودع في قلبي حسرة الألم ولوعة الفجيعة. مات قاسم الذرحاني، ليس خبرا عاجلا يسهل نشره إلا إذا كنت لم تتعرف بعد على هذا الذي غدا خبرا حزينا، إنه يعني أن شخصا عزيزا كان يعيش بيننا و فجأة مات، أجل مات.. آخر مرة اتصل بي كان يقول أرسلنا لكم بيان الحزب كي تقوموا بنشره، و في قاعة المجمع الحكومي بالضالع كان يلقي كلمة المشترك أمام مسئولي المؤتمر و قياداته مؤكدا استمرار الثورة حتى إسقاط النظام بكل رموزه، و حل القضية الجنوبية حلا عادلا يرضي أبناء الجنوب، و كانت تلك آخر مرة يقدر لي فيها رؤية الذرحاني، و كما ظل الذرحاني طوال سنوات نضاله منصرفا عن همومه الخاصة إلى الهم الوطني و قضايا الناس البسطاء، كان المشهد الأخير في حياته هو التجسيد الأمثل لكفاحه و تضحيته من أجل الآخرين، قال لرفاق رحلته و السيل الجرار يلتهم كل شيء أمامه: ابقوا في أماكنكم و أنا سأطالع المكان و أرجع لكم، لكنه لم يرجع، نشاطر الإشتراكيين و المشترك أساهم برحيل القائد الجسور والمثقف البسيط قاسم الذرحاني، مع إدراكنا أن الخسارة برحيله فجعت كل من لهم صلة بهذا الإنسان العادي الذي تركنا و نحن أحوج ما نكون لأمثاله. العزيز فضل الجعدي، أدرك حجم خسارتك بمغادرة رفيق دربك و أثق بمقدرتك على تجاوز المحنة التي أبكت قلوبنا جميعا، الأعزاء سعد الربية و أحمد ناشر وعلي شايف و محمد الزعلي و كافة قيادات المشترك في الضالع ستكون اجتماعاتكم القادمة بدون قاسم الذرحاني، لن تناقشوه بعد الآن، و لن يبادلكم الحديث مجددا، لكن تبقى ذكراه هي الحاضرة دوما في لقاءاتكم، أنتم أكثرنا شعورا بالمرارة و الألم، الرفاق في قيادة الاشتراكي.. قاسم لن يرد على مكالماتكم مجددا، لن تجدوه على الهاتف يوما، و لن تسمعوا صوته الذي ألفتموه سنوات طويلة. أنتم جميعا.. لا تمسحوا رقم الذرحاني من هواتفكم، ربما فوجئتم يوما بروحه تهاتفكم لتسأل عن الحلم الجميل الذي جمعكم يوما و أنتم تنشدون بناء اليمن الذي أفنى قاسم جل عمره و هو يناضل لأجله. رحمة الله تغشاك يا قاسم و إنا لفراقك لمحزونون،