تحدثت عن أبرز القوى المضادة للثورة الشعبية في اليمن العزيز وكان في مقدمتها بقاء المخلوع في ممارسة مخططاته لإفشال سعي اليمنيين لصياغة مستقبلهم وبعد ذاك تحدثت عن الخطر الحوثي إحدى القوى المناوئة للثورة الشعبية والمعارضة للمبادرة الخليجية. وفي هذا المقال سأتناول خطر الحراك الإنفصالي المسلح – لا السلمي – باعتباره إحدى القوى المضادة للثورة الشعبية السلمية. نشأت النزعة الإنفصالية لدى فئة قليلة من أبناء المحافظات الجنوبية التي أقصيت من مناصبها وفقدت نفوذها في عهد الرئيس المخلوع بعد حرب صيف 1994م ووجدت في الإقصاء والتهميش واستحواذ الرئيس المخلوع وعائلته ومنتفذيه على المناصب والثروات مدعاة للمناداة بالإنفصال بدلاً من المطالبة بالحقوق ورفع المظالم. بدأ الحراك بطابع سلمي بعد الانتخابات الرئاسية في 2007م للمطالبة بالحقوق التي صادرتها السلطة حينما نظمت جمعيات المتقاعدين العسكريين الجنوبيين مظاهرات طالب فيها المتظاهرون بالعودة لوظائفهم التي تم طردهم منها أو تمت إحالتهم للتقاعد عنها بعد حرب صيف 1994 م . استغل البيض – بعد صمت طيلة 15 عاما - وبعض القيادات السابقة هذه المطالبة لتتحول إلى مطالب إنفصالية تنادي بها بعض الأصوات لكنها لا تشكل إلا القليل من أبناء المحافظات الجنوبية وربما وجدت هذه المطالب بعض التعاطف الشعبي نظرا لفساد الإدارة ونهب الثروات والأراضي الذي استشرى في عهد المخلوع صالح. لقد استهوت مطامع السلطة والثروة القيادات الإنفصالية التي يعيش معظمها خارج الوطن وأصبحت مطالب الشعب الحقيقية سلما يصعد عليه أصحاب النزوات المصلحية والدعوات الإنفصالية الذين لم يقدموا خيرا للوطن والشعب سواء كانوا ممسكين بزمام السلطة منذ العام 1967 وحتى بعد قيام الوحدة أم كانوا خارج السلطة . فتاريخهم في كلا الحالين حروب وتدمير لا استقرار وتعمير. كيف لا وأبرز شعاراتهم الطغمة والزمرة والإنفصال وفك الارتباط وقد قضوا على رفاق دربهم فكيف يأمنهم الشعب على الوطن. وأين هؤلاء من القيادات الوطنية التي ناضلت ضد الفساد من داخل اليمن وها هي اليوم تحجز لها مقاعد في عقول وقلوب اليمنيين على امتداد الوطن شمالا وجنوبا وشرقا وغربا. لماذا لم تقف تلك القيادات الإنفصالية مع الشعب حين قام بثورته ضد صالح وعصابته لقد كانوا بأفعالهم أقرب من المخلوع وأبعد عن مطالب الشعب ؟! وهو هم اليوم يغامرون – كعادتهم – كما غامروا في 94 حين اختلفوا على اقتسام كعكعة الثروة والسلطة مع المخلوع.وأثبتت الأيام أن حساباتهم خاطئهم ومعاركهم خاسرة لأن أهدافهم لا تتسع لليمن ولا لليمنيين ومبرراتهم واهية. فقد كان الرئيس المخلوع قبل سنوات هو عدوهم – ظاهريا – وبعد أن أسقطه الشعب في الجنوب والشمال أصبحت الوحدة اليمنية والشعب قاطبة في الشمال هو مشكلتهم. إلا أن الفارق بين الأمس واليوم في مغامراتهم أن مراهقتهم اليوم كما يسميها الأطباء النفسانيين ( المراهقة المتأخرة ) التي تعتري بعض الناس بعد بلوغ الخمسين. لقد كانت هذه القيادات المزعومة في الجنوب قبل إعادة تحقيق الوحدة تعلم طلاب المدارس في طابور الصباح ((لنناضل من اجل الدفاع عن الثورة اليمنية وتنفيذ الخطة الخمسية وتحقيق الوحدة اليمنية )) وشعار (( يمن ديمقراطي موحد نفديه بالدم والأرواح )) . فأين هم الآن من هذه المبادئ والقيم؟ وهل يؤتمن من خان مبادئه وقيمه؟! ما يثير الريبة أن الجناح الإنفصالي المسلح لم يكن يتحرك إلا في الوقت الذي يخدم فيه صالح وهذا ما يرجح أن الأمن القومي التابع لصالح قد توغل في هذا الجناح . وبعد قيام الثورة الشعبية السلمية انصهر أبناء الجنوب والشمال في هذه الثورة وأقاموا ساحات للحرية والتغيير في صنعاء وعدن وتعز وحضرموت والحديدة وشبوة وإب والمهرة وسقطرة وسائر المحافظات اليمنية باعتبار مطالب الثورة الشعبية تقضي على رأس الفساد. تلاشت المطالب الإنفصالية إلى حد كبير بفضل الثورة الشعبية وتوحدت مطالب كافة أبناء اليمن في الجنوب والشمال والشرق والغرب بينما كان يرى البيض في اختلاف القيادات العسكرية بين من يقف مع الثورة ومن يقف مع الرئيس المخلوع فرصة سانحة لتنفيذ مخططه في تقسيم اليمن إلا أن هذا الخلاف لم يتطور إلى حرب مما دفع جناح البيض الإنفصالي إلى إيذاء الجنوبيين في ساحات التغيير في حضرموت وعدن واستعمال السلاح والترهيب في محاولة لإفشال الساحات الثورية الوطنية الوحدوية في المناطق الجنوبية. أصبحت العناصر الإنفصالية منبوذة من غالبية أبناء المحافظات الجنوبية لأنها تنتهج القوة لفرض أجنداتها الخارجية التي تخدم البيض وأسياده في إيران ولا تخدم أبناء الجنوب. فقد أصحاب الدعوات الإنفصالية التأييد الشعبي حين استخدموا قوة السلاح لمنع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم للاستفتاء على هادي الذي هو أحد أبناء المناطق الجنوبية رئيسا لليمن بينما حافظ دعاة الحراك السلمي والقوى الثورية في المحافظات الجنوبية على شعبيتهم باعتبارهم ممثلين حقيقيين لأبناء الجنوب في إطار الوحدة . وفي نظري أن الحراك الإنفصالي المسلح فقد مصداقيته عند غالبية أبناء الجنوب لاعتماده على القوة وممارستها ضد أبناء الجنوب وعدم مؤازرة الثورة الشعبية كما أن انتخاب هادي رئيسا وقرارات مجلس الأمن التي تؤكد على وحدة اليمن كانت ضربة موجعة لدعاة الإنفصال إضافة إلى ارتماء البيض في أحضان إيران ووقوفه ضد المبادرة الخليجية وهذا ما أفقده البعد الإقليمي إلا أن الحراك الإنفصالي المسلح يبقى إحدى العقبات والقوى المضادة للثورة الشعبية السلمية. *كاتب بحريني