أيمن بريك جَاءَ نجاح كيان الاحتلال الإسرائيلي في منع انطلاق أسطول الحرية 2 من اليونان باتجاه غزّة لكسر الحصار على مليون و800 ألف فلسطيني يشكِّلون، مع كل أبناء شعبهم، شهداء وشهودًا يوميين على أطول عملية انتهاك متمادية لحقوق الإنسان وللقرارات الدوليَّة في التاريخ المعاصر، ليؤكد استمرار الاحتلال الصهيوني في ارتكاب جرائمه في حق الشعب الفلسطيني الأعزل، في ظلّ صمتٍ دولي وعربي رهيب، بل وبمشاركة أمريكيَّة وأوروبيَّة في تعطيل مساعي ناشطي أسطول الحرية 2 من الوصول إلى قطاع غزة. ولكن ما يثير الدهشة هذه المرة هو مشاركة اليونان في عمليَّة منع انطلاق الأسطول الذي يضمُّ أكثر من 10 سفن بحرية تحمل على متنها مواد طبيَّة وغذائيَّة للشعب الفلسطيني المحاصَر منذ أكثر من 5 سنوات في قطاع غزة، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى التساؤل حول الدافع وراء الموقف اليوناني بشكلٍ خاص والأوروبي بشكلٍ عام من أسطول الحرية 2، والذي وصفه المحللون بأنه يمثل تحيزًا صارخًا للكيان الصهيوني الذي يحاصر قطاع غزة منذ سنوات. انقلاب في المواقف يشير المراقبون إلى أن التحيُّز اليوناني لإسرائيل، خاصة فيما يتعلَّق بمنع أسطول الحرية 2، يمثل انقلابًا في الموقفين الرسمي والشعبي اليوناني من كيان الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته المتكرِّرة في حق الشعوب العربيَّة بصفة عامة والشعب الفلسطيني بصفة خاصَّة، ويذكّر هؤلاء بأن كافة المدن اليونانيَّة قد عمَّتها تظاهراتُ الغضب من العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف 2006، كما أن رئيس وزراء اليونان الراحل أندرياس باباندريو، والد الرئيس الحالي جورج باباندريو، كان واحدًا من أبرّ أصدقاء فلسطين، لدرجة أنه فتح بلاده لتكون مقرًّا لقيادة منظمة التحرير أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982. ويؤكِّد المحللون أن هناك ضغوطًا سياسيَّة واقتصاديَّة ودبلوماسيَّة مورست وتمارَس على اليونان، التي كانت صديقًا تاريخيًّا وتقليديًّا للشعب الفلسطيني، من أجل منع أسطول الحرية "2" من الإبحار من موانئها، وأن هذه الضغوط نجحت حتى الآن في منع أسطول الحريَّة من الانطلاق من الموانئ اليونانيَّة باتجاه قطاع غزة المحاصر، وذلك في ظلّ موقف عربي وإسلامي متخاذل ومتهاون. ضغوط اقتصاديَّة أولى هذه الضغوط بدأت مع الضغط الاقتصادي؛ حيث يشير المحلِّلون إلى أن حكومة اليونان وقعت فريسةَ الابتزاز الصهيوني والأمريكي لمواجهة أزمتها الاقتصاديَّة والماليَّة المتفاقمة، وذلك في الوقت الذي تخلَّى النظام الرسمي العربي، لا سيّما النفطي فيه، عن مدِّ يد العون المالي إلى اليونان لمواجهة أزمتها الاقتصاديَّة والماليَّة، في حين أن آلاف المليارات من الدولارات العربيَّة كانت تهرول لحل الأزمة الاقتصاديَّة والنقديَّة الأمريكيَّة. ولعلَّ هذا هو ما كشفت عنه صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيليَّة، حيث أكَّدت أن الكيان الصهيوني يستغلّ الوضع الاقتصادى اليونانى المتردِّي من أجل الضغط على اليونان لكي تمنع أسطول المساعدات الإنسانيَّة الدوليَّة من مغادرة موانيها في طريقه إلى قطاع غزة، ليمتد بذلك الحصار "غير الشرعي" الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة إلى الموانئ اليونانيَّة. ضغطوط سياسيَّة وفي المقابل، يرى البعض أن الموقف اليوناني من أسطول الحرية 2 نابع من الموقف الأوروبي الداعم لكيان الاحتلال الإسرائيلي، وأن أمريكا وإسرائيل مارستا ضغوطًا سياسيَّة على دول الاتحاد الاوروبي كي تضغط بدورها على اليونان؛ من أجل منع أسطول الحرية من الإبحار نحو قطاع غزة المحاصر، ويؤكّد هؤلاء أنه مخطئٌ مَن يعتقد أن أوروبا تختلف عن الولاياتالمتحدة الأمريكيَّة في التعامل مع العدو الصهيوني؛ فأوروبا التي بدأت في مأساة الشعب الفلسطيني عندما أقرَّت مشروع بلفور المشئوم عام 1947، وأقامت بهذا المشروع البريطاني دولة الكيان الصهيوني فوق التراب الفلسطيني ها هي تؤكِّد نهجها السابق باستمرار الدعم لهذا الكيان وتمنع أسطول الحرية 2 من الوصول إلى قطاع غزة. ويؤكِّد هؤلاء أن الموقف الأوروبي من أسطول الحرية 2 بدا منذ البداية مؤيِّدًا للموقف الأمريكي والإسرائيلي، والرامي إلى إحكام الحصار على قطاع غزة ومنع وصول الدواء والغذاء لمليون ونصف المليون مواطن فلسطيني، لافتين إلى أن هذا الموقف المخزي يعكس مدى الإذعان الأوروبي للضغوط التي مارسها كيان الاحتلال الإسرائيلي على الدول الغربيَّة من أجل وضع العراقيل أمام أسطول الحرية 2 حتى لا يتمكن من الوصول إلى قطاع غزة المحاصر. تنامي العلاقات بين إسرائيل واليونان يأتي هذا فيما يُرجع البعض الموقف اليوناني من أسطول الحرية 2 ومنعه من الابحار باتجاه قطاع غزة، إلى تنامي العلاقات السياسيَّة والاقتصاديَّة بل والعسكرية بين إسرائيل واليونان، وذلك بعد الأزمة الإسرائيليَّة- التركية والتي نجمت عن تداعيات الاقتحام الإسرائيلي لأسطول الحرية "1" في شهر مايو من العام الماضي، وبالتحديد سفينة مرمرة التركيَّة، والتي سقط على متنها عدد من الشهداء وعشرات الجرحى، حيث شهدت العلاقات التركيَّة- الإسرائيليَّة حالةً من الفتور والجمود، وهو ما دفع إسرائيل إلى توثيق علاقاتها مع اليونان على كل الأصعدة وفي جميع المجالات. ويلفت هؤلاء إلى أن أبرز أمثلة على ذلك هو قيام إسرائيل بتوجيه سياحتها إلى اليونان وجزرها بعدما كانت تركيا ومنتجعاتها تعجّ بعشرات الآلاف من السيَّاح الإسرائيليين، كما جرت مناورات عسكريَّة مشتركة يونانيَّة وإسرائيليَّة، فيما أشارت بعض الأنباء إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي قام بتدريباتٍ في الأجواء اليونانيَّة؛ من أجل التدرب على ضرب المفاعلات النوويَّة الإيرانيَّة، فضلا عن ذلك فقد باعت إسرائيل اليونان أسلحةً حديثة ومتطورة بمئات الملايين من الدولارات؛ حيث يشير المحللون إلى أن إسرائيل أرادات بذلك محاولة إيجاد حليف لها في المنطقة، وذلك بعد الفتور الذي شهدته علاقتها مع تركيا، ولعلَّ هذا هو ما دفع تركيا مؤخرًا إلى الانسحاب من أسطول الحرية 2. أين الحل ؟!! وأيًّا كان السبب وراء الموقف اليوناني من أسطول الحرية 2 فإن الموقف العربي والإسلامي من منع الأسطول الذي يحمل مواد غذائيَّة ومساعدات إنسانيَّة وأدوية طبيَّة من الوصول إلى قطاع غزة جاء مخيبًا للآمال، حيث لم تتحركْ أي من الدول العربيَّة أو الإسلاميَّة للضغط على اليونان من أجل السماح لأسطول الحرية من الابحار باتجاه آلاف الفلسطينيين المحاصَرين في غزة منذ سنوات، كما لم تتحركْ أي منها من قبل من أجل فك الحصار المفروض على القطاع. ويشير المراقبون إلى أن هذا الموقف لا بدَّ وأن يتغيَّر، خاصةً في ظل ربيع الثورات العربيَّة الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني، لافتين إلى أنه لا بدَّ من توحُّد الدول العربيَّة والإسلاميَّة في مواجهة الغطرسة الصهيونيَّة المدعومة من أمريكا وأوروبا، وأن هذا هو السبيل الوحيد لنصرة الشعب الفلسطيني المحاصر، مؤكدين أيضًا على ضرورة ترتيب الصف الداخلي الفلسطيني وإعادة اللحمة بين أبناء الوطن الواحد، وذلك عن طريق البدء الفوري في تطبيق بنود المصالحة الفلسطينيَّة، مشدِّدين على أن وحدة الشعب الفسطيني تشكل أكبر ضغط على كيان الاحتلال الإسرائيلي وأعوانه ومؤيديِّه.