"القسام" تعلن عن عمليات "نوعية" ضد قوات العدو جنوب قطاع غزة    شركة النفط: الوضع التمويني مستقر    الدكتور عبدالله العليمي يعزي العميد عبده فرحان في استشهاد نجله بجبهات تعز    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة الدكتور عبدالله محمد المجاهد    نصيحة لبن بريك سالم: لا تقترب من ملف الكهرباء ولا نصوص الدستور    مفتي عُمان يبارك "الانجاز الكبير" لليمن بضرب مطار بن غوريون    تحالف (أوبك+) يوافق على زيادة الإنتاج في يونيو القادم    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 52535 شهيدا و118491 مصابا    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    وزير الدفاع الإسرائيلي: من يضربنا سنضربه سبعة أضعاف    عدن: تحت وقع الظلام والظلم    ريال مدريد يتغلب على سيلتا فيغو في الدوري الاسباني    «كاك بنك» يدشن خدمة التحصيل والسداد الإلكتروني للإيرادات الضريبية عبر تطبيق "كاك بنكي"    هيئة رئاسة مجلس الشورى تشيد بوقفات قبائل اليمن واستعدادها مواجهة العدوان الأمريكي    بن بريك اعتمد رواتب لكل النازحين اليمنيين في عدن    أعضاء من مجلس الشورى يتفقدون أنشطة الدورات الصيفية في مديرية معين    وفاة طفلتين غرقا بعد أن جرفتهما سيول الأمطار في صنعاء    شركات طيران أوروبية تعلق رحلاتها إلى إسرائيل بعد استهداف مطار بن غوريون بصاروخ يمني    الدكتور أحمد المغربي .. من غزة إلى بلجيكا.. طبيب تشكّل وعيه في الانتفاضة، يروي قصة الحرب والمنفى    الخبجي : لا وحدة بالقوة.. ومشروعنا الوطني الجنوبي ماضٍ بثبات ولا تراجع عنه    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الأحد 4 مايو/آيار2025    الوزير البكري يهنئ سالم بن بريك بمناسبة تعيينه رئيسًا للحكومة    أبو عبيدة:التصعيد اليمني على الكيان يتجاوز المنظومات الأكثر تطوراً بالعالم    وجّه ضربة إنتقامية: بن مبارك وضع الرئاسي أمام "أزمة دستورية"    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    92 ألف طالب وطالبة يتقدمون لاختبارات الثانوية العامة في المحافظات المحررة    بن بريك والملفات العاجلة    يفتقد لكل المرافق الخدمية ..السعودية تتعمد اذلال اليمنيين في الوديعة    هدف قاتل من لايبزيغ يؤجل احتفالات البايرن بلقب "البوندسليغا"    ترحيل 1343 مهاجرا أفريقيا من صعدة    لاعب في الدوري الإنجليزي يوقف المباراة بسبب إصابة الحكم    السعودية تستضيف كأس آسيا تحت 17 عاماً للنسخ الثلاث المقبلة 2026، 2027 و2028.    الأهلي السعودي يتوج بطلاً لكأس النخبة الآسيوية الأولى    التركيبة الخاطئة للرئاسي    وادي حضرموت على نار هادئة.. قريبا انفجاره    أين أنت يا أردوغان..؟؟    مع المعبقي وبن بريك.. عظم الله اجرك يا وطن    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    العدوان الأمريكي يشن 18 غارة على محافظات مأرب وصعدة والحديدة    اعتبرني مرتزق    رسائل حملتها استقالة ابن مبارك من رئاسة الحكومة    نقابة الصحفيين اليمنيين تطلق تقرير حول وضع الحريات الصحفية وتكشف حجم انتهاكات السلطات خلال 10 سنوات    - حكومة صنعاء تحذير من شراء الأراضي بمناطق معينة وإجراءات صارمة بحق المخالفين! اقرا ماهي المناطق ؟    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    "ألغام غرفة الأخبار".. كتاب إعلامي "مثير" للصحفي آلجي حسين    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    الحقيقة لا غير    مصر.. اكتشافات أثرية في سيناء تظهر أسرار حصون الشرق العسكرية    اليمن حاضرة في معرض مسقط للكتاب والبروفيسور الترب يؤكد: هيبة السلاح الأمريكي أصبحت من الماضي    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    أسوأ الأطعمة لوجبة الفطور    الفرعون الصهيوأمريكي والفيتو على القرآن    مانشستر سيتي يقترب من حسم التأهل لدوري أبطال أوروبا    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    من يصلح فساد الملح!    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المأزق الهاشمي في اليمن!
نشر في عدن بوست يوم 02 - 05 - 2017

أثارت التدوينات التي كتبتها أسرة الوزان، الأم والابن والابنة، موجة احتجاج كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي. كانت التدوينات تتحدث عن كيف وجهت الأم وابنتها إهانات، وصلت حد التهديد بالقتل، إلى سائق تاكسي اعترض على الطريقة التي يدير بها الحوثيون البلد، لا على الحوثيين.
حل الحوثيون محل الدولة. في الواقع لا توجد حركة مستقلة اسمها "الحوثيون"، بل تركيب معقد من السلالة الهاشمية، القبائل، ونظام صالح. تحت زي الحوثيين اختبأ الجميع، بما في ذلك الحرس الجمهوري وعشرات الألوية العسكرية، وفي المقدمة منهم: الهاشميون. في المدن التي اقتحمها الحوثيون اقتسم صالح والحوثي السلطة.
دفع الحوثيون بالهاشميين، ودفع صالح ببعض رجال تنظيمه العصابي الكبير. خلال عامين ونصف، منذ سقوط صنعاء، استحوذ الحوثيون على الجزء الأكبر من السلطة المدنية والأمنية، وكان الهاشميون هم أحصنة عبد الملك الحوثي. لم يكتف الهاشميون باجتياح مؤسسة الدولة لمصلحة الحوثي، بل انخرطوا في الجيش وخاضوا به حربهم. فقد كان تعيين رجلين هاشميين كقائدين للجيش والأمن من أولى قرارات عبد الملك الحوثي بعد سقوط صنعاء. مؤخراً عين الحوثي مجلساً للإفتاء يشكل الهاشميون 100٪ من قوامه. ضرب الحوثي بالهاشميين في كل اتجاه.
هذه الحقيقة الكبيرة، وهي أمر لم يعد يقبل الجدل، وضعت السلالة الهاشمية في مركز الكراهية الجماعية. المولد الرئيسي للكراهية، ويمكن ملاحظتها في آلاف التدوينات اليومية على فيس بوك، هو انصهار الهاشمية في الحوثية، وتصدر الهاشميين للمشهد بوصفهم "سيوف الإسلام" الجُدد. ما إن كتبت الفتاة ندى الوزان القصة حتى كان الوشم "سائق التاكسي يمثلني"، يتجاوز المليون ونصف مشاركة خلال ساعات قليلة.
كانت القصة الهاشمية ذات كثافة رمزية هائلة، فقد نظِر إليها كما لو كانت على هذا النحو: "أميرة تنتمي إلى الأسرة الحاكمة تدهس مواطناً في الشارع العام، ثم تركله بقدميها". لا يمثل الحوثيون سوى طموحات طائفية لأقلية عرقية، ثم أقلية دينية، داخل مجتمع كبير ومتلاطم، يملك حضارة تعود إلى آلاف السنين. مع اختفاء الدولة وتلاشي جهازها البيروقراطي ملأ الهاشميون الفراغ كله، وأصبحوا الدولة الجديدة. لا توجد استثناءات سوى لدى هاشميي السهل والبحر، أي الهاشمية الشافعية، أو الهاشمية الأدنى.
عملياً صار الهاشمي الفرد ممثلاً حيوياً وحقيقياً للنظام الجديد، ودولته. يقاوم اليمنيون هذا النظام الطائفي بكل الوسائل المتاحة، وكذلك عسكرياً. فقد نجحت المعركة العسكرية في محافظات الجنوب على نحو يثير الدهشة، ولم يبق للغزاة الحوثيين من أثر في مدن الجنوب.
على أكثر من مستوى تُخاض المعركة، ويمثل فيس بوك واحدة من منصات المواجهة المستميتة. مئات آلاف التدوينات هاجمت أسرة الوزان بوصفها ممثلاً رمزياً للهاشمية الحاكمة. بلغ العنف اللفظي والإهانات الجنسية درجة خطرة. كما كان الوعيد بالانتقام موضوعاً مركزياً في مئات التدوينات. انتبه بعض المثقفين اليمنيين إلى الإهانة الجنسية وكتبوا في إدانتها، متجاهلين الوعيد بالاستئصال، وسلب الهوية والمحاكمات الشعبية. لا تزال الأزمة اليمنية تحضر في ذهن كثيرين من صناع الرأي في اليمن بوصفها مسألة فنية أو أخلاقية، بالتعريف البدوي للأخلاق. يحدثنا التاريخ عن أقليات عاونت المستعمر، ثم واجهت وبالاً تاريخياً بعد انحسار موجته العسكرية المظفرة. فقد ألقى الفرنسيون بالمعلم حنا يعقوب، الذي دل جيش نابليون على قرى المقاومين في الصعيد، في البحر. وأطلق عليه الجبرتي لقب "يعقوب الكلب".
حدثت موجة مضادة، فقد تحدث نشطاء السلالة الهاشمية عن الإهانات الأخلاقية التي لحقتهم، وتجاهلوا كالعادة الموقف الفلسفي خلف اللغة الجنسية، بوصفها مجرد تجل بسيط لنزوع عنفي قيد التشكل، وقد يذهب بعيداً جداً. فالهاشمية التي تُستهدف على مدار الساعة لا يطالها ذلك لأنها سلالة بعينها، أو حتى لوضعها الطبقي أو الديني. صار يُنظر إليها بحسبانها واحدة من الأدوات التي هدمت الدولة ودفعت أمة من 25 مليون إلى حافة الجوع والشتات. وما من سبيل لكبح دوافع الانتقام، أو احتواء إشاراته، سوى بالعودة إلى النقطة صفر: دولة لكل الناس.
تخوف المفكر السياسي ياسين س. نعمان من اقتفاء سلوكيات قد تفضي إلى حرب أهلية، وربما تشق المجتمع على أساس عرقي أو طائفي. في اعتقاد نعمان فإن المعركة التي ستسير في هذا الطريق ستجعل من استعادة مشروع الدولة، الدولة كما نعرفها، أمراً بعيد المنال. فالمجتمع الدولي ينتظر إشارات تقول إن حرباً طائفية، أو عرقية، تجري في اليمن حتى يبادر إلى طرح حل سياسي بناءً على ذلك.
عملياً يخوض صالح والحوثي تحريضاً مذهبياً وعصبوياً على مر الأيام. سبق لنعمان أن وصف ما يجري في اليمن، في حديثه إلى الشرق الأوسط، بالحرب التي يشنها "المركز الطائفي" على اليمن خارج ذلك المركز. تعج المعركة اليمنية بكل عناصر المأساة، وقد خاض الجنوبيون صراعاً ضد الحوثيين بوصفهم شماليين، كما قاتل الحوثيون الإصلاحيين باعتبارهم سنة، وقاتل السلفيون ضد الشيعة الحوثيين، وذكر صالح القبائل المحيطة بصنعاء بحقيقته الزيدية. رغم كل ذلك لا تزال المعركة، في بعدها المركزي، تحتفظ بصيغتها الوطنية. يتوزع الجانبان على حافتيها على الشكل التالي: سلطة شرعية تواجه انقلاباً. لا يولي هذا التعريف الوطني للمعركة، وهو تعريف يبدو أكثر حضوراً في خطاب الجيش الوطني منه لدى سلاسل المقاومة، اهتماماً لطبيعة ذلك الانقلاب، الطبيعة الدينية أو الجغرافية. فكونه انقلاباً يعد سبباً كافياً لمواجهته وهزيمته.
بمعنى ما تبدو تخوفات نعمان خارج سياقها. فموجة العنف اللفظي التي أثارتها تدوينات أسرة الوزان ما كانت لتصنعها أسرة الوزان الهاشمية لو لم تكن قد أصبحت واحدة من وجوه "الأُسر الحاكمة". راحت التعليقات تنال من "ندى ابنة الحاكم"، لا ندى ابنة مواطن يمني اسمه الوزان. عرض الهاشميون سلالتهم في ملابس الملوك الجدد بعد أن ألغوا الاحتفالات بعيد الجمهورية، وحذفوا أهداف الثورة الأم من ترويسات الصحف الرسمية، وغيروا أسماء الشوارع، وكان عليهم أن يستعدوا لدفع الأثمان كلها.
إن اختطاف الدولة جريمة كبيرة، سبق أن أباحت دماء وأموال الفاعلين. كان الفاعلون على مر التاريخ خارجيين، وأجانب، وأغيار. لكن الجريمة بقيت واحدة، ببشاعتها ومأساويتها، وبقدسية المعاني المناهضة لها. دعا غاندي أتباعه إلى التبول أمام بيوت المُحتل، الرجل الذي سرق دولة الهنود وجلس في مطارحها.
ما كان للحوثي أن يسلب اليمنيين جمهوريتهم، ويزيل ملامحها في المدن التي لا يعرفها، لو لم تكن الهاشمية هي الآلة التي صنعت له فتوحات ما بعد المعركة العسكرية. ينظر اليمنيون إلى الأماكن التي يتوقعون فيها دولتهم فلا يرون سوى السلالة الهاشمية. ويبحثون عن أسباب عميقة أدت إلى انهيار دولتهم على ذلك النحو المأساوي فلا يجدون في الواجهة من تأويل عملي سوى في سيوف الإسلام الجدد.
لا يزال عبد الملك الحوثي مختبئاً في كهفه البعيد. فهي دولة حوثية بلا حوثي، يمثل الهاشميون زبدتها وعقلها السياسي وآلتها الماكرة. العنف اللفظي، والوعيد، تجاه السلالة الهاشمية لا يستهدفها كسلالة إثنية، أو أقليلة دينية، بل كنظام سيطر على دولتهم، ودفعهم إلى حافة الهلاك التاريخي. وما من سبيل لاحتواء هذا العنف المتزايد سوى بالسيطرة على أسبابه. فالإغراق في الشجب الأخلاقي المجاني يحول مشكلة تاريخية إلى شأن أخلاقي بدوي، وبدائي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.