لم يستفق اليمنيون من صدمة مرض الكوليرا القاتل الذي حصد آلاف الأرواح في معظم محافظات البلاد، حتى صُدموا مجدداً بتفشي مرض الديفتيريا الأشد فتكاً بضحاياه.. ورغم الحديث عن محاولات الجهات المعنية السيطرة على الوباء، لكن المرض أثار هلعاً كبيراً في محافظات عدة، خصوصاً بعد سقوط عدد كبير من الضحايا جراء وباء الكوليرا، ومساهمة الحرب في تردي الأوضاع الإنسانية والصحية في البلاد. ريحانة طفلة لديها من العمر سنتان وشهران. هي من ضحايا الديفتيريا في محافظة الحديدة غرب اليمن. يؤكد والدها عبد الله أيوب أنّ أعراض المرض ظهرت على ابنته في شكل سعال وحمى فأعطيت أدوية خاصة بهما لكن دون من جدوى. يقول: "نقلتها إلى المستشفى يوم 23 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري فأعطيت أدوية ولقاحات متوفرة وتركت تحت الملاحظة والإشراف الطبي منذ الصباح حتى المساء، لكنّ حالتها تدهورت أكثر، ولم يعد العلاج قادراً على تخفيف الإصابة". يشير إلى أنّه تأخر في إيصالها إلى المستشفى: "حاول الأطباء إنقاذها لكنّ المحاولات باءت بالفشل وتوفيت". ضحايا ليست ريحانة الطفلة الوحيدة التي توفيت بالمرض، فقد سبقتها الطفلة ياسمين والطفل أحمد في مستشفى الثورة بالحديدة الذي استقبل 13 إصابة بالمرض من عدة مديريات. إبراهيم المصباحي من سكان محافظة الحديدة أصيب وزوجته وأطفاله الخمسة، فنقلوا إلى مستشفى الثورة بتاريخ 20 نوفمبر الجاري، بعدما ظهرت عليهم أعراض المرض. يقول أحد أقارب إبراهيم إنّ الأسرة نقلت إلى المستشفى بعدما باع المصباحي كلّ ما لديه من أجل توفير ثمن العلاج له ولأسرته. يتابع: "بعد أربعة أيام توفيت الطفلة ياسمين وما زالت بقية أفراد الأسرة في المستشفى يتلقون العلاج حتى اليوم". يلفت إلى أنّ ياسمين توفيت بعدما عجز والدها عن توفير مستلزمات جلسة غسل كلى “بعدما تزايدت نسبة السموم في جسدها نتيجة للديفتيريا كونها كانت مصابة في الأصل بفشل كلوي”. تفشي سريع وأعلنت منظمة الصحة العالمية الخميس، تفشي وباء الخُناق "الدفتيريا" بسرعة في 13 محافظة يمنية، من أصل 23 محافظة. وقال مكتب المنظمة في اليمن عبر بيان مقتضب، إن وباء "الدفتيريا عاود التفشي بشكل سريع. مشيرة إلى أن معظم الإصابات بالمرض هم من الأطفال. وكانت وزارة الصحة اليمنية أعلنت عن انتشار وباء جديد يهدد صحة الكثير من الشعب اليمني، والوباء الذي يُدعى "الدفتيريا" معروف باسم "الخناق"، وتعدى عدد المصابين به 150 شخصاً، وتوفي أكثر من 14 آخرون في العاصمة صنعاء. من جانبها، تؤكد وزارة الصحة والسكان في صنعاء أنّ عدد الحالات المصابة بالمرض هو 169. ويقول الناطق الرسمي للوزارة الدكتور عبد الحكيم الكحلاني أنّ عدد الوفيات بسبب المرض وصل إلى 20 حالة وفاة. ويشير إلى أنّ المرض ينتشر بسرعة في عدد من مديريات بعض المحافظات، كما يحذر من كارثة إنسانية إذا لم تجرِ محاصرة المرض في بدايته. مصدر طبي بوزارة الصحة بصنعاء، وجهة تحذيرا بان ازدياد مخاطر الإصابة بمرض الدفتريا يكمن في التعرض للازدحام الشديد وحياة التشرد ولدى نزلاء السجون، وأن مخيمات النازحين من جراء الحرب المتصاعدة في اليمن منذ ما يقارب ال3 أعوام، سيكونون الأكثر عرضة للمرض، الذي يصيب البلعوم أو اللوزتين أو الحنجرة أو الأنف، مع وجود غشاء ملتصق باللوزتين يصعب إزالته. ورغم تفشي مرض الدفتيريا في عدد من المحافظات التي تخضع لسيطرة مليشيا الحوثي وصالح الانقلابية، وحرص هذه المليشيات على التعتيم حول رقعة انتشاره، لكون ما يحدث من ظهور للأمراض والأوبئة هو نتاج للوضع الذي خلقته الفوضى وعدم الاهتمام بتلك المليشيات نحو المواطنين، إلى جانب نهبها لمرتبات موظفي الصحة وأموال المرافق الصحية، فقد رصدت حالات إصابات حقيقية بالمرض في محافظاتصنعاء واب والحديدة وتعز وغيرها. المدارس وتزداد المخاوف لدى السكان في المناطق التي بدأ المرض بالانتشار فيها، مثل الحديدةوإبوصنعاء، وباتوا يعيشون حالة من القلق من هذا المرض الفتاك في ظل تدهور القطاع الصحي وعدم توفر الأدوية والرعاية الصحية. في هذا السياق، يكشف مواطنون عن مخاوفهم من انتشار المرض في العاصمة التي تجمع المواطنين من كلّ المحافظات. ويبدون خشيتهم على أطفالهم في المدارس من انتقال المرض إليهم لعدم اهتمام وزارتي التربية والتعليم والصحة العامة والسكان بتوعية التلاميذ حول مخاطر هذا المرض، وتنفيذ إجراءات وقائية تمنع انتشاره. ويطالب المواطنون المنظمات والجهات المعنية في صنعاءوعدن بالتحرك السريع للحدّ من انتشار المرض إلى المحافظات والمدن الأخرى بما فيها صنعاء. علي البعداني يطالب وزارة التربية والتعليم بأن تكون واضحة مع الأهالي وتعمل على تحذيرهم من إرسال أبنائهم إلى المدارس في حال وجدت خطراً على حياتهم مع انتشار المرض. يقول: "نحن في فصل الشتاء، ويُصاب كثير من الأطفال بالزكام هذه الأيام وأشعر بالقلق على أطفالي لأنّهم ربما قد يصابون بالديفتيريا بينما أعتقد أنّهم مصابون بنزلة برد عادية". ويتابع أنّ إدارة المدرسة تتحمل مسؤولية حماية الطلاب "أما إذا كانت لا تستطيع فعل ذلك فلتطلب من التلاميذ البقاء في منازلهم حتى يتم تحصينهم أو القضاء على المرض تماماً". من جانبها، تقول طبيبة الأطفال في صنعاء جميلة الزبيري إنّ عدوى المرض تصيب الجهاز التنفسي العلوي، والعلامة الأكثر وضوحاً للمرض هو مسحوق رمادي على الجزء الخلفي من الحلق، ما يسبب الاختناق نتيجة تكوّن غشاء على سطح البلعوم. تشرح: "إذا لم يعالج، يمكن للبكتيريا أن تنتج سموماً تنتشر في الجسم ككلّ ما يتسبب في أضرار للقلب والأعصاب والكلى". تؤكد الزبيري أنّ الإجراءات الأولية لعلاج المريض عبارة عن أخذ المضادات الحيوية مثل “البنسلين والإيرثروميسين” تحت الإشراف الطبي لمواجهة المضاعفات الناتجة عن المرض. تشير كذلك إلى أنّ العوامل التي تزيد من احتمال الإصابة بالمرض، تتمثل في عدم تلقي لقاح ضده منذ عشر سنوات، وضعف الجهاز المناعي. تحذيرات عن جهود مواجهة المرض في محافظة إب، يقول مسؤول الترصد الوبائي في المحافظة علي الحسني إنّ الوزارة تقوم بجهود موسعة لاحتواء الديفتيريا بعد انتشار الحالات في مديريتي السدة ويريم. يؤكد أنّ عدد الحالات المصابة بمرض الديفتيريا في المديريتين بلغ 83 حالة. ويشير إلى أنّ هناك جهوداً لتقديم المساعدة الطبية العاجلة للحالات المصابة وإمدادهم بالأدوية العلاجية الطارئة بما يكفل الحد من انتشار المرض في المحافظة. وفي العاصمة المؤقتة عدن (جنوب)، يكشف أطباء، أنّ عدد الحالات المشتبه بإصابتها بمرض الديفتيريا بلغ 30 حالة، مشيرين إلى وفاة حالة واحدة. ويطالب الأطباء بالتحرك السريع لمواجهة المرض قبل انتشاره، محذرة من النتائج الكارثية التي سيحدثها المرض في حال تجاهله كما حدث مع مرض الكوليرا. وكان مكتب الصحة والسكان في محافظة أبين (جنوب) قد نفى ما تناولته وسائل الإعلام عن انتشار المرض في مديرية جيشان. وأشار إلى أنّ المديرية خالية من المرض. وفي السياق، يحذر مصدر طبي بوزارة الصحة في صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين أنّ ازدياد مخاطر الإصابة بمرض الديفتيريا يعود إلى التعرض للازدحام الشديد وحياة التشرد والسجون. المصدر، أكد أنّ مخيمات النازحين جراء الحرب ستكون الأكثر عرضة للمرض في ظل عدم توفر الأدوية واللقاحات للحدّ من انتشار المرض. ويلفت إلى أنّ الثقافة الصحية التي تساعد في الحدّ من انتشار المرض غائبة تماماً عن النازحين. بدورها، حذرت منظمات دولية من تفشي المرض. وقالت منظمة الصحة العالمية في بيان لها إنّ 14 شخصاً ماتوا نتيجة انتشار مرض الخناق في اليمن. مؤكدة أنّ "المرض يتفشى بشكل سريع وخطير، ولا توجد في صنعاء جرعة واحدة من اللقاح اللازم لتحصين الأعمار من 5 إلى 25 سنة ضده". وبحسب مصدر في منظمة الصحة، فإنّ المرض ينتشر بشكل كبير إلاّ أنّه لا توجد أي عملية استجابة للمرض حتى الآن ولم تصدر أي جهة دولية أي بيان أو معلومات حول استجابتها للمرض عملياً باستثناء وصول طائرة تحمل على متنها لقاحات مختلفة من ضمنها لقاحات ضد الديفتيريا لكن بكميات قليلة. يقول المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، ل”العربي الجديد” إنّ المرض انتشر في 49 مديرية خلال ثلاثة أسابيع، لافتاً إلى أنّ اليمن كان قد تخلص من هذا المرض قبل أكثر من 30 عاماً. استثمار الفاجعة الكارثة المفجعة هو مصير مرض الدفتيريا في اليمن، تكمن في ما صرحه كريستيان لندميير، المتحدث الرسمي باسم منظمة الصحة العالمية في مؤتمر صحافي بجنيف بان إمدادات منظمة الصحة لليمن تعتبر الآن منخفضة للغاية، وأنه لا يوجد في العاصمة صنعاء جرعة واحدة من اللقاح اللازم لتحصين الأعمار من 5 إلى 25 سنة ضد الدفتيريا. في حين يرى مراقبون أن جماعة الحوثي قد تسعى لاستثمار تفشي وباء الدفتيريا من جهتين، تتمثل الأولى باستغلال المرض ضد ماتصفه بدول العدوان، وإطلاق الشائعات والخرافات بان المرض ناجم عن صواريخ بيولوجية، تصطاد به عقول جهلاء الناس ومناصريهم، كما روجت لوباء الكوليرا من سابق، ومن جهة أخرى ستقوم كعادتها بالاستحواذ على المعونات والإمدادات الطبية الدولية والأممية، وبيعها في السوق السوداء لصالحها الخاص، وفي زيادة ثراءهم الفاحش، مهما كان ثمن الموت الذي يدفعه المواطنين ممن لايدينون بالولاء لها، وغير متقبلين تواجدها. والمرض المعروف أيضاً باسم الخناق، هو التهاب حاد معدٍ يصيب الجهاز التنفسي ويؤدي إلى تضرر البلعوم، والأنف، وأحياناً القصبات الهوائية، أما السم المفرز من بكتيريا المرض فيؤثر على الأعصاب الطرفية، وعضلة القلب، والأنسجة الأخرى.