مع تقدم قوات الجيش الوطني في جبهة الساحل الغربي واقترابها من مديرية زبيد التاريخية بعد تحرير مركز مديرية التحيتا المحاددة لها عمدت المليشيا الانقلابية- وبشكل سافر- على نشر أسلحتها الثقيلة وآليات قتالية والعشرات من المسلحين والقناصة التابعين لها في أزقة وشوارع مدينة زبيد التاريخية وفوق أسطح معالمها الأثرية. • مدافع أسطح المباني الأثرية.. وتقول مصادر محلية من أهالي زبيد إن مليشيا الحوثي الانقلابية نشرت عددا من المدافع والأسلحة الثقيلة والمتوسطة على أسطح المباني الأثرية في مدينة زبيد القديمة، إضافة إلى باب النخيل من الجهة الغربية وباب القرتب وباب السهام، كما تنتشر في أطقمها القتالية ومسلحيها في وتمام قلعة زبيد التاريخية المعروفة بالدار الناصري. وترتكب المليشيا الحوثية بهذه الخطوة اعتداءاً سافراً على مدينة زبيد التاريخية المدرجة في قائمة التراث العالمي ويعد تواجدها العسكري في المعالم التاريخية وخصوصا تلك المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي من جرائم الحرب التي يعاقب عليها القانون الدولي. واتخذت المليشيا الانقلابية هذه الخطوة لتضع قوات الجيش الوطني وقوات التحالف في موقف العجز لإدراكها استحالة استهداف المعالم الاثرية لمدينة زبيد فاتخذت المدينة التاريخية حماية لها ومكان تتحصن فيه من أي ضربات جوية او مدفعية محتملة. • قباب باللون الأخضر.. وأكد أهالي زبيد أن مليشيا الحوثي مارست جملة من الاعتداءات على معالم المدينة القديمة الأثرية منذ تواجدها فيها كان أبرزها تغيير معالمها عبر طلاء قباب المساجد باللون الأخضر والكتابة ورسم شعاراتها على جدران المباني الأثرية. وطالب وزير الثقافة في الحكومة الشرعية/ مروان دماج، مليشيا الحوثي الانقلابية، الخروج من مدينة زبيد التاريخية وأن لا تجعلها ساحة للقتال، محملاً إياها مسؤولية تحويل المدينة إلى منطقة عسكرية. ويؤكد دماج ل “سبتمبر نت” أن المليشيا الحوثية سبق لها وأن تمركزت في مواقع تاريخية مهمة تعرضت إثر ذلك للأضرار كما حصل في مدينة براقش التاريخية في الجوف. وشدد وزير الثقافة على مليشيا الحوثي المسلحة الخروج من المدينة، معتبراً بقاءها فيها يمثل تهديداً كبيراً للإرث الإنساني الذي تحتويه زبيد التي تعد أهم المدن اليمنية المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي الإنساني. وقال دماج إن حشد المليشيا للمقاتلين والسلاح إلى زبيد يلحق أضراراً جسيمة بالمعالم الأثرية لها كمدينة ضمن الموروث التاريخي اليمني. • قلعة القاهرة.. ثكنة عسكرية.. ويكشف هذا النهج المتكرر للمليشيا في استهداف وتعريض الآثار التاريخية عن جماعة عصبوية لا تنتمي إلى قيم وطنية ولا تربطها أي روابط تاريخية بالتراث والثقافة الوطنية، ومن الشواهد حين أقدمت المليشيا على حرق وإتلاف مخطوطات أثرية في المتحف الوطني بتعز تعود إلى عهد الدولة الرسولية وغيرها من المخطوطات والقطع الأثرية التي يعود تاريخها إلى عصور قديمة وتمثل قيمة أثرية بالغة الأهمية، علاوة على تحويل قلعة القاهرة إلى ثكنة عسكرية ومن ثمة استهدفتها بالقذائف بعد تحريرها. يقول “محمد الزبيدي” وهو اسم مستعار نتحفظ على اسمه الحقيقي لدواعي تتعلق بسلامته إن أكبر اعتداء تمارسه المليشيا الحوثية على آثار مدينة زبيد هو تواجدها العسكري فيها فهذا يعرضها لخطر حقيقي. ويضيف “الزبيدي” إن وضع المخطوطات الأثرية التي تعد كنز زبيد الأثري بل وكنز العالم يتهددها خطر بالغ بتواجد المليشيا الحوثية بأطقمها القتالية وعناصرها أمام مركز المخطوطات في دار الضيافة الملحق بالدار الناصري “قلعة زبيد”. غير مستبعدا أن تكون المخطوطات تعرضت للنهب من قبل المليشيا مستغلة الظروف التي تمر بها بعد أن جرت زبيد وكل مناطق البلاد إلى أتون حرب عبثية. • نموذج داعشي.. ويرى الباحث في علم الآثار/ عبد الله مهيوب الجبزي، أن استهداف المليشيا الانقلابية ومحاولتها تعريض مدينة زبيد التاريخية للدمار توجه يعزز النهج التدميري الداعشي في استدعاء سيناريو تدمير مدينة الموصل التاريخية على يد داعش. ونصبت المليشيا وفقا للجبزي المدافع على أبواب وأسوار ومباني مدينة زبيد الأثرية، وهذا خير شاهد على الفكر الداعشي المتوغل في أوساط المليشيا الحوثية. ويقول إن تعريض معالم زبيد الأثرية من قبل المليشيا كونها تكتسب أهمية علمية مثلت منبر إشعاع علمي وديني لليمن خاصة والعالم العربي عامة إضافة إلى الرمزية السياسية التي اكتسبتها زبيد من كونها أول عاصمة للدولة الزيادية. ويضيف “جسدت زبيد التعايش والتسامح الديني إذ كان يلتقي فيها طلبة العلم من مختلف الطوائف والمذاهب خصوصا في فترة حكم الرسوليين، فضلا عن ذلك تمثل زبيد بالنسبة لليمنيين حالة قدسية في وجدانهم لاحتضانها مسجد الصحابي الجليل ابو موسى الأشعري، معتبرا مدينة زبيد لا تقل أهمية عن مدينة القيروان في تونس أو فاس في المغرب. ودعا الجبزي منظمة اليونسكو للثقافة والعلوم والآداب التحرك العاجل لإنقاذ المدينة قبل تدميرها وتعريضها للمخاطر من قبل المليشيا كونها ارث انساني لا يمكن تعويضه. • مبادرة تجنب زبيد الحرب.. أمام تعنت المليشيا الحوثية ورفضها مغادرة المدينة التاريخية لتجنيبها الدمار يقول “الزبيدي” يعكف مثقفو وعلماء زبيد على صياغة مبادرة خاصة بمدينة زبيد التاريخية تجنبها الحرب. وترتكز المبادرة وفقا ل “الزبيدي” على ممارسة الضغط على المليشيا للخروج من المدينة وتترك إدارتها للسلطة المحلية وأهالي زبيد وتسلم إيرادات المديرية للبنك المركزي في عدن وتلتزم الحكومة الشرعية بدفع الرواتب وتوفير كل الاحتياجات للمديرية بشكل عام مع تجنب دخول أي قوات عسكرية للمدينة التاريخية. كما تتضمن المبادر مطالبة الأحرار والمهتمين بالتراث الإنساني العالمي في العالم الضغط على الأممالمتحدة وخصوصا منظمة اليونسكو للتربية والثقافة والعلوم لتبني المبادرة الخاصة بمدينة زبيد لتجنيبها عبث المليشيا وما قد تتعرض له جراء الحرب. ويرى الإعلامي هائل الشارحي أن تعمد المليشيا الحوثية التمركز في مدينة زبيد التاريخية وتحويل معالمها الاثرية الى ثكنات عسكرية قد يعرضها لمخاطر التدمير الأمر الذي سيعمل على إخراجها حتما من قائمة التراث العالمي. في ظل التهديدات التي سبق وان تلقتها الحكومة اليمنية أكثر من مرة لإخراج مدينة زبيد التاريخية من قائمة التراث العالمي بسبب ما تتعرض له من اهمال. واستغرب الشارحي حالة الصمت المحلية والدولية التي تسود إزاء هذه الممارسات الإجرامية بحق التراث اليمني التي ترتكبها المليشيا الحوثية خصوصا منظمة اليونسكو وغيرها من المنظمات والمهتمين بالتراث الإنساني. • الأهمية والموقع.. تعتبر زبيد حاضرة المدن التهامية قديماً وحديثاً ولها أهمية كبيرة من الناحية السياسية حيث كانت عاصمة للدولة النجاحية والزيادية وكلا الدولتين امتد حكمهما لمناطق واسعة في اليمن. وتقع مدينة زبيد في منتصف المسافة بين البحر والجبل وتبعد عن الجبل بمسافة 28 كيلومتر ومثلها عن البحر وترتفع عنه 128متر فيما تبلغ مساحة المديرية كاملة 585 كم² ، ويقدر سكان المدينة بحوالي 90 ألف نسمة حيث تعتبر مدينة ذات كثافة سكانية عالية بالنظر للمساحة السكنية الصغيرة، فيما يبلغ تعداد سكان المديرية بشكل عام ما يقارب 200ألف نسمة. وتعد مديرية زبيد ذات موقع استراتيجي مهم بالنظر للمديريات والمحافظات المجاورة لها حيث تحدها من الجنوب مديرية الجراحي و تبعد عنها بمسافة 10 كيلو متر ومن الغرب مدينة التحيتا وتبعد عنها بمسافة 10 كيلومترات ومن الشمال مدينة الحسينية في مديرية بيت الفقيه بمسافة 15 كيلومتراً ومن الشرق جبال وصاب محافظة ذمار. وتكمن أهمية زبيد من الناحية الدينية في كونها السباقة وصاحبة المبادرة في الاستجابة للدعوة المحمدية حيث كانت هي نقطة الانطلاق لوفد اليمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان على رأس الوفد الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. ولزبيد أهميتها العلمية في ازدهار العلم ونبوغ العلماء فيها أشهرهم الفيروز آبادي صاحب القاموس المحيط وكثر فيها العلماء القدماء والمعاصرين. • معالمها الاثرية.. أبرز المعالم الأثرية لمدينة زبيد هي جامعة الأشاعرة “مسجد الأشاعر” الذي بناه أبي موسى الأشعري بأمر الرسول في السنة الثامنة للهجرة فكان أول مسجد يبنى خارج المدينةالمنورة وتأتي بعده في الأهمية هو الدار الناصري وهي قلعة زبيد التاريخية والجامع الكبير وأبوابها الأربعة وهما باب النخيل وباب القرتب وباب السهام. كما يوجد في المدينة التاريخية أهم المخطوطات التاريخية في التراث الإسلامي وتعد كنزا عالميا كبيرا تتمثل في أمهات الكتب الفقهية واللغوية وفي الأدب والطب وغيرها .. حيث تتواجد في مركز المخطوطات الواقع في دار الضيافة الملحق بقلعة زبيد “الدار الناصرية” ويعرف عن زبيد كثرة مساجدها حيث بلغت خمسة وثمانون مسجدا ومدرسة علمية منها اثنين وثمانين قديمة وأثرية في مساحة تقدر باثنين كيلوا متر مربع مساحة المدينة القديمة التي تبعد عن مدينة زبيد الجديدة بضع مئات من الأمتار فقط. وأدرجت مدينة زبيد ضمن قائمة التراث العالمي في العام 1993م وتعهدت الحكومة اليمنية حينها بحمايتها والحفاظ عليها باعتبارها إرث إنساني يخص العالم اجمع.