منذ بداية شهر ذو الحجة، لم تشتر "إحسان. م" اللحم وبضعٌ من كماليات المواد الغذائية الضرورية توفر لها ولأطفالها عيشة لا تضطرها لمواجهة صعوبة المعيشة وغلاء الأسعار الذي بات يقصم ظهر المواطن الغلبان. هذه ليست سوى بداية لمعاناة كبيرة تمتلئ بها أسطر رواية الحديث عن ما تعانيه "إحسان" التي وجدت نفسها مضطرة لسؤال جيرانها ما يمكن ان تسد به رمقها وأطفال صغار في البيت يتضورون جوعاً. كسرة الخبز مع القليل من الشاي بات حلماً كبيراً لإحسان وأطفالها بعد أن خانتها ظروف الحياة وفاقمت من معاناتها ظروف المعيشة الصعبة وقطعت حبل أحلامها أسعار باتت جنونية لأقل ما يمكن أن تشتريه من مكملات الحياة الضرورية - وفقا لما ألمت به صحيفة "أخبار اليوم" - من واقع مرير لمئات الآلاف من المواطنين باتوا ينظرون إلى الحصول على ثلاث وجبات في اليوم حلم لن يتحقق في ظل هذا الارتفاع الجنوني للأسعار، وينتظرون مصير لا يزال مجهولا حتى الأثناء. "إحسان" التي تعيش مع أطفالها في مدينة مأرب، لم تستطع شراء ضروريات المواد الغذائية، وبدأت بأخذ قليل من الأرز والطحين - سلفة - من جيرانها في العمارة التي تسكنها. وتشهد مدينة مأرب، التي باتت طيلة سنوات ثلاث مضت ونيف، ملاذ آمن للهاربين من بطش مليشيا الحوثي الإنقلابية، أرض ضيقة أيضا باللاجئين إليها، نتيجة لما تشهده من ارتفاع حاد لأسعار المواد الغذائية وصعوبة الحصول على مسكن، ففيها ارتفعت الأسعار مؤخرا بنسبة 150% عما كانت عليه في السابق. • الزبادي صعب المنال.. أسرة محمد، هي الأخرى باتت تتجه أيضا للامتناع عن شراء الدجاج، بعدما زاد سعر الواحدة خلال هذا الشهر إلى 2200 ريالا. تقول أسرة محمد، حتى الحبة الزبادي في غضون يومين فقط أرتفع سعرها ليصل إلى 140 ريالا بعد أن كان سعرها لا يتجاوز 100 ريال قبل أيام. حتى ما قبل 10 أيام فقط، كان سعر قارورة الماء 100 ريال، لكن اليوم في مدينة مأرب، أصبح سعرها 150 ريال، فأصبح سؤال يؤرق المواطن البسيط، هل بإمكان العطش إن يكون مصدر لموت أحدنا في هذا الوضع الذي أصبح فيه سعر قارورة الماء ما يعادل 25% من دخل الكثير من الناس؟. • جشع التجار.. بين حين وآخر يعود الحديث عن مقاطعة السلع الغذائية كحل غير مضمون النتائج بين مواطنين ابتعدوا عن بعضها في صمت، مجبرين، وآخرون يدعون السلطات المحلية لوقف "جشع التجار". مواطنون في مدينة مأرب، يتحدثون عن الارتفاع المفاجئ لأسعار المواد الغذائية فيقولون "أسعار السلع والمواد الغذائية في مأرب، تتفاوت من محل إلى آخر حسب مزاج البائع ولا توجد رقابة على ذلك". وفي ظل هذا التفاوت في ارتفاع الأسعار يتساءل هؤلاء المواطنين، "أين هي السلطة المحلية بالمحافظة من ذلك؟ ولماذا لا يقوم مكتب التموين والتجارة بالتعاون مع إدارة الأمن بتوحيد الأسعار ومعاقبة المخالف؟". بحكم عملها بالمبادرات الإنسانية في محافظة مأرب، تصطدم "دعاء" يومياً بشكاوي مئات المواطنين عن غلاء الأسعار. ويعاني البعض في محيط دعاء، من تفاوت أسعار السلعة الواحدة، فتتحدث: مع حصولي على شكاوي المواطنين قررت النزول إلى المحلات التجارية لمعرفة الأسعار، فوجدت قيمه الطبق البيض في بعض البقالات ب1500ريال وفي بقالات أخرى ب 1200ريال. تلك الحالة من التفاوت جعلت العديد من نساء المنطقة بحكم ما يتحملن عبء الأسرة في شراء السلع الغذائية يفكرن للخروج بمظاهرات لمقاطعة بعض السلع لكي يتم خفض الأسعار. تقول العديد من هؤلاء النساء "لم يعد أمامنا أي حل إلا المظاهرات أو تقوم الحكومة برفع المرتبات وتوفيرها للقدرة على الشراء في ظل هذه الظروف". • كيف أعيش أنا وأطفالي..؟ صحيفة "أخبار اليوم" توجهت أيضا إلى الشارع لأخذ آراء المواطن حول ارتفاع الأسعار، وحول فكرة مقاطعة السلع الغذائية. أحمد منصور- أحد مواطنين محافظة مأرب- ما يزيد العبء عليه، هو أن دخله المادي غير ثابت، في ظل ارتفاع فاحش للأسعار. أحمد، جندي في الجيش، حالته ومعاناته لا تقل معاناة عن الآلاف من الجنود الذين لا يستملون رواتبهم إلا كل ثلاثة أشهر، فبات يتساءل كيف أعيش أنا وأطفالي طيلة ثلاثة أشهر، فكل ما استلمه من راتبي لا يفي بشراء أغراض لا تكفي حتى لشهر واحد. • إيجار البيت ليس الهم الوحيد.. "كان في البداية لدي هم واحد وهو هم ارتفاع إيجار البيت" - وفقاً لما تحدث أحمد - مضيفاً " أما الآن زاد العبء والهم بارتفاع أسعار المواد الغذائية والتي تعتبر الأهم لاستمرار الحياة". الصحيفة توجهت بسؤال أحمد، حول فكرة مقاطعة السلع الغذائية، فكان جوابه "أنا لم أسمع بحملات لمقاطعة السلع ولكن قد بدأت أنا وأسرتي بمقاطعتها ليس لأجل حملات أو غيرها بل لأنني لا أملك الكثير من المال لكي أستمر بشرائها في ظل هذا الغلاء". * ردود الأفعال حول المقاطعة.. تتباين الردود حول فكرة مقاطعة السلع الغذائية، فوجدت "أخبار اليوم" شخص لا يؤيد مقاطعة السلع، الحل الذي نظرت إليه الكثير كحل أمثل لإيصال رسالة للحكومة عما يعانيه المواطنين من غلاء الأسعار". عادل علي يقول: لا تبدو مقاطعة السلع عموماً حيله جيدة، موضحاً "لأن المقاطعة لكي تأتي نتائجها لابد أن تستمر طويلاً نسبياً وليس ليوم أو بضع يوم". يضيف " أولاً يجب أن تكون السلع التي سيتم مقاطعتها يوجد البديل لها، وثانياً يجب ضمان أن عدداً كبيراً من الناس سيقومون بالمقاطعة". ويتابع "لكنني أصر على أن المقاطعة ليست حل جيد، حتى وإن تم الالتزام بها، لأنه لا يمكن أن نأمن تصرف بعض التجار" معللا سبب عدم اقتناعه بفكرة مقاطعة السلع الغذائية "يعني لو الناس قاطعت الدجاج، ممكن أصحاب السمك، يرفعوا السعر عشان العرض والطلب، وبالتالي لن تتحسن ميزانية المواطن". وفي إطار الاستطلاع الذي قامت به صحيفة "أخبار اليوم" توجهت إلى أحد محلات الدواجن لسؤالهم عن سبب رفعهم لسعر الدجاج، لكن صاحب المحل لم يلبث إلا أن قام بإشارة أصابع الاتهام للتجار. * من الضحية ومن الجلاد.. على الفور، قام مسرعاً بإخراج فواتير الشراء، التي كانت جاهزة في أحد الصناديق الحديدية بجانبه، ووجدناها بأسعار باهظة الثمن، ليبقى السؤال من الضحية ومن الجلاد. آخر ما لفت انتباه صحيفة "أخبار اليوم" حديث النازح عادل محمود، نازحٍ من محافظة الحديدة، الذي تحدث قائلا " نحن نزحنا بسبب الخوف من الموت بالقذائف والصواريخ، ولكن أظن بأنه مقدر للذي لم يمت بالقذائف أن يموت من الجوع بسبب التجار وجشعهم". • جنون ارتفاع الأسعار.. مواطنون في مدينة مأرب، عبروا عن استيائهم من تجاهل السلطة المحلية بالمحافظة لما يحدث من ارتفاع حاد لأسعار المواد الغذائية، في الوقت الذي بدأ فيه التجار من احتكار السلع الغذائية. يقول "أحمد": اليوم نصف كيس الدقيق قد سعره يفوق 6500 ريال، موضحا ذهبت قبل أربعة أيام من اليوم إلى مركز المستهلك التجاري وأخذت نصف كيس دقيق ب 5800 ريال. وأضاف أحمد " لم نعد ندري أين نتوجه في ظل هذا الارتفاع الجنوني للأسعار، ولم نعد نعرف أي وجهة نمشي في الوقت الذي بات التجار فيه يبنون فيه ثرائهم على حساب قوت المواطن، فما لا يكاد أن يصدقه العقل بالنسبة ل"أحمد" هو أنه خلال ثلاثة أيام فقط تصل الزيادة في فارق سعر نصف الكيس الدقيق 700 ريال. يتساءل أحمد، وغيره الآلاف المواطنين، طيب المواطن الذي معه أسرة كبيرة كيف يعمل؟ وأين دور المجلس المحلي بمديرية المدينة تجاه تجار الجملة الذين أغلقوا محلاتهم منتظرين آخر ارتفاع للصرف حتى يرفعوا بالأسعار؟ . * اختفاء تام للمواد الغذائية.. وشهدت مدينة مأرب، مؤخرا اختفاء العديد من السلع والمواد الغذائية الأساسية أبرزها الدقيق الأبيض والأحمر. ومع هذا الاحتكار الذي يقوم به التجار وأصحاب المحلات التجارية في المدينة يبقى السؤال الوحيد الذي يستطيع أن يقوله لسان حال المواطنين، من المستفيد من تجويع هذا المواطن المغلوب على أمره؟. * الحلم برغيف الخبز.. مواطن آخر، يقول: بالأمس مشيت على كل المحلات في المجمع، بمدينة مأرب، حتى أشتري نصف كيس دقيق، غير أن محاولتي باءت بالفشل، ولم أستطيع الحصول عليه. وأضاف " بعد ذلك وبعد جهد وعناء قررت الذهاب وفق نصيحة أحد الأصدقاء إلى منطقة الشبواني، فوجدت أخيرا عند أحد التجار أوصاني به صديقي نصف كيس دقيق بسعر 6500 ريال. * سلطة تفوق من سباتها.. في سياق متصل، وجهت السلطة المحلية بالمحافظة لجان الرقابة على الأسواق المحلية، بالنزول بشكل مستمر للرقابة والتفتيش على المحلات التجارية لمنع احتكار المواد الأساسية والمغالاة في أسعارها إلى جانب الرقابة على الأفران وأوزان الرغيف. جاء ذلك، خلال لقاء لوكيل المحافظة الدكتور عبدربه مفتاح، رئيس الغرفة التجارية الصناعية بالمحافظة محمد الخراز، ونائب مدير عام مكتب التجارة والصناعة بالمحافظة ياسر الحاشدي، شدد فيه على التزام اللجان المشكلة من السلطة المحلية والغرفة التجارية، بالرقابة المتابعة المستمرة والنزول الميداني التفتيشي المفاجئ على المحلات التجارية ومخازن التجار والأفران وضبط كل من يحاول التخزين أو الإخفاء للمواد الغذائية الأساسية أو التلاعب بأسعارها أو أوزانها. كما وجه الوكيل مفتاح، بضرورة تحديد احتياجات الأفران والمخابز من الدقيق وضبطها للأوزان والتزامها بالأسعار المحددة من قبل مكتب الصناعة وحماية المستهلك من الجشعين الذين يحاولون استغلال الوضع في التلاعب بالمواد والمغالاة في أسعارها لخلق حالة من الهلع لدى البسطاء بحجة ارتفاع أسعار العملات الأجنبية أمام العملة المحلية في حين ان هذه البضائع مخزنة من السابق. وأكد وكيل المحافظة أن الحالة التموينية في السوق للمواد الغذائية في حالة جيدة وليس هناك من داعي للهلع من قبل المواطنين او مجاراة جشع التجار. من جانبه استعرض نائب مدير عام مكتب الصناعة بالمحافظة الجهود التي قام بها المكتب للرقابة إلى الأسواق وضبط التجار الجشعين والذين بدأوا بمحاولة التلاعب بالأسعار منذ إجازة عيد الأضحى المبارك بما فيها التفتيش المفاجئ على المخازن من اجل ضمان عدم الاحتكار والتخزين. إلى ذلك، أكد رئيس الغرفة التجارية على وقوف الغرفة الى جانب المواطن والسلطة المحلية وتعاونها في ضبط ومعاقبة كل من تسول له نفسه التلاعب بأقوات المواطنين والبسطاء، داعيا الحكومة والبنك المركزي إلى القيام بواجبها والوفاء بوعودها بتوفير ما يحتاجه التجار المستوردين من عملات صعبة لاستيراد المواد الغذائية والأساسية، والتدخل السريع لإيقاف التدهور الكبير في سعر العملة المحلية أمام الدولار.