"مشاورات إسقاط الشرعية".. يبدو أن تسمية مشاورات السويد بهذا المصطلح قد يكون الأقرب والأكثر مناسبة، لهكذا مشاورات، حشرت فيها كل القضايا الإنسانية والخوف على الجوعى والمشردين بفعل الحرب الذي أنتجها الانقلاب الحوثي، وتمخضت عن إسقاط الحكومة الشرعية وكبح جماح التحالف والقوات الحكومية من تحرير مدينة ذات ثلاثة موانئ، تمثل الرئة الرئيسية والوحيد للانقلاب، بعد أن كانت القوات على بعد أقل من أربعة كيلومترات من التحرير والحسم.. يبدو أن اختيار قلعة في ضواحي العاصمة السويديةستوكهولم كمكان للانعقاد، تم بعناية كيما تشعر الحكومة الشرعية اليمنية، معنى إسقاط القلاع وآخر الحصون، وكيما يشعر الانقلابيون أنهم في قلعة حصينة قد اختارتها الأممالمتحدة لهم لتعصمهم من اجتياح القوات الحكومية التي كانت قد اقتربت من ميناء ومدينة الحديدة وقبلهما في صنعاء وصعدة، وكانت على مرمى حجر من إنجاز الحسم العسكري وإنهاء الانقلاب لولا سياسة التحالف وحساباته التي لا تحمل أي بعد استراتيجي، وضغوطات الأممالمتحدة وعدد من الدول وفي مقدمتها أميركا وبريطانيا.. فقبل نحو عامين حين كانت قوات الشرعية والقوات السعودية تستعد لاقتحام العاصمة صنعاء، تتارت التصريحات الأميركية والبريطانية والأممية بعدم إمكانية القبول بأن تتعرض العاصمة صنعاء لعملية اجتياح عسكري، وحينها كان الخوف على سكان العاصمة صنعاء ذات الكثافة البشرية الأعلى في المدن اليمنية وما سيؤول أي عمل عسكري فيها، حتى خرج حينها ولي العهد السعودي الحالي، الأمير/ محمد بن سلمان، وقال- في إحدى مقابلاته- إن التحالف قادر على اجتياح صنعاء في فترة وجيزة لكن الخوف على الخسائر البشرية من المدنيين ستكون باهظة. واليوم- وحين اقتربت القوات الحكومية مسنودة بقوات من التحالف، من إنهاء سيطرة مليشيا الحوثي على مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي وقطع الرئة التي يتنفس منها الانقلاب- تعالت الأصوات من الخارج قبل الداخل، خشية على الوضع الإنساني، وتم حشد كل الإمكانات والضغوط لانعقاد جولة مشاورات بين أطراف النزاع لتجنب كارثة إنسانية، إلاّ أن الأزمة الإنسانية لم تكن حاضرة فيما تم الإعلان عنه بأنه اتفاق. الهدف الرئيس من المشاورات.. وفي هذا السياق يقول المحلل والكاتب السياسي اليمني/ نبيل البكيري: إن الهدف من مشاورات السويد اتضح أنه خلاف لما أعلن عنه؛ حيث قال- في تصريح ل "أخبار اليوم"-: الذهاب للسويد كان للدواعي الإنسانية التي حلت باليمن نتيجة الحرب والحصار، لكن الملاحظ أنه بعد أيام من المشاورات، لم يتم التطرق إلى حل أي مشكلة متعلقة بالجانب الإنساني الذي رفع شعاراً للتقريب بين وجهة نظر الطرفين "الانقلاب والشرعية". الهدف المركزي والرئيسي اتضح اليوم وهو تحييد معركة الحديدة وإيقاف معركة التحرير، وهذا كان هدفاً جوهرياً، فيما الحرب في اليمن لازالت في كثير من الجبهات لم يتم التطرق إليها، وتعز محاطة لم يتم رفع الحصار عنها، الأزمة الإنسانية لم يتم التطرق إليها لا من قريب ولا من بعيد، وكذلك الأزمة الاقتصادية الرواتب، انهيار العملة، البنك لم يتم تحقيق شيء فيها، والمطارات كذلك. كل ما في الأمر أن ما تم الترويج له هو ملف الحديدة باعتباره قضية جوهرية ومركزية. التحالف العربي ربما كان عاملاً سلبياً جداً فيما يتعلق بالضغط على الحكومة الشرعية، هروباً من الضغوط الدولية التي يتلقاها جراء الأزمات الخليجية، جراء أزمة خاشقجي، فكل هذه الأزمات دفعت بالتحالف العربي للدفع بالحكومة الشرعية لتقديم تنازلات، وبالتالي على التحالف العربي- إن كان جاداً في هذه المرحلة- أن يغير سياساته في المرحلة السابقة، التي صبت كلها لصالح المليشيا الانقلابية، وكانت سياسات عدمية لم تؤدٍ إلى تعزيز واستعادة الشرعية بقدر ما أدت إلى إنهاكها وتلاشيها.. هذه نتائج طبيعية لما آلت إليه مصير الشرعية نتيجة سياسات التحالف في اليمن. انتصار الانقلابيين على الشرعية.. وللتعبير عن الفرحة والانتصار الذي حققته المليشيا في مشاورات السويد قال رئيس وفد مليشيا الحوثي/ محمد عبدالسلام يوم الخميس، إن وفد جماعته لم يخرج بكل شيء من مشاورات السويد، لكن مشاورات السويد من أفضل المشاورات التي خضناها. وأوضح- في مؤتمر صحفي عقده عقب الجلسة الختامية لمشاورات السويد- إنهم وافقوا على مقترح لاتفاق حول الإطار العام للمفاوضات القادمة، وضعه المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث. وأعلن عن قبول جماعته في الدخول مباشرة في الاتفاق على حل سياسي في اليمن، وإن التنصل من إطار الأممالمتحدة هو تنصل من الحل السياسي. وطالب عبدالسلام «بخروج القوات الأجنبية من اليمن وفقاً للقوانين الدولية وللدستور اليمني»، في إشارة إلى قوات التحالف العربي الذي تقوده السعودية. وقال إن «العمل العسكري في اليمن لن يؤدي للحل السياسي وهو مدمر للوضع الإنساني وإن الحوار بين الأطراف هو الحل الوحيد في اليمن، وأبدينا الاستعداد لإيقاف كامل العمليات العسكرية». وحول اتفاق مدينة الحديدة، غربي البلاد، قال عبدالسلام إنه جرى التوصل إلى اتفاق يقضي بوقف العمليات العسكرية على مرحلتين، وتموضع كل الأطراف العسكرية في خارج مدينة الحديدة، فيما تشرف الأممالمتحدة على الموانئ وتفتيش السفن الواصلة إلى الميناء. احتفاء الشرعية بكذبة اتفاق الحديدة.. رغم الانتصار الذي حققته المليشيا في مشاورات السويد، إلاّ أن الحكومة الشرعية حاولت أيضاً أن تتظاهر أنها حققت انتصاراً ولو معنوياً، ففي الوقت- الذي قال رئيس وفد الحكومة الشرعية بأن وفد المليشيا الانقلاب عرقل الاتفاق حول مطار صنعاء وفتح الممرات الإنسانية لتعز وفتح مطار صنعاء، وصرف المرتبات والبنك المركزي، إلاّ أنه ذهب للقول: إن الطرفين تقدما خطوات جادة باتجاه إجراءات بناء الثقة، وهو ما تحقق باتفاق ترتيبات حول ملف الحديدة. وذكر رئيس وفد الحكومة اليمنية في مشاورات السويد/ خالد اليماني- يوم الخميس- في مؤتمر صحفي عقده عقب انتهاء مشاورات السويد التي عقدت برعاية المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، إنه «لأول مرة تقبلُ المليشيات في تاريخها الانسحاب وستعود الحديدة إلى السلطات الشرعية عبر المؤسسات الرسمية، حيث ستبقى ممراً إنسانياً». وأضاف «هذا يعني انسحاب المليشيات الحوثية من الصليف ورأس عيسى». وأشار إلى أن الوفد الحكومي لم يتمكن من إقناع الحوثيين من فك الحصار على تعز، و«سوف ننشئ لجنة بإشراف الأممالمتحدة ستعمل على رفع الحصار عن تعز وفتح الممرات الآمنة». وحول الملف الاقتصادي قال اليماني إن تعنت الحوثيين تسبب في عدم تحقيق تقدّم في الملف الاقتصادي، وهي ورقة هامة تتعلق بمعيشة الناس وحياتهم، لكنهم يصرون على التحكم بالموارد ويحولونها لصالح المجهود الحربي. وقال اليماني إن الطرف الحكومي وافق على فتح مطار صنعاء كجانب إنساني ولكن الحوثيين رفضوا ذلك، «سنواصل العمل من أجل رفع المعاناة الإنسانية، ونطلب من المجتمع الدولي أن يتفاعل معنا إيجابياً». وأضاف «تم العمل الجاد في اتفاقيتين الأولى حول الأسرى والمعتقلين والثانية حول الحديدة ونحن نفترض أن الطرف الآخر سينسحب وسيفرج عن المعتقلين، واعتمدنا على الضمانات التي قدمها الصليب الأحمر بالنسبة للأسرى وكذلك مكتب الأمين العام للأمم المتحدة». وأشار إلى أن أي تقصير في التنفيذ هو من مسؤولية المجتمع الدولي ومكتب المبعوث والصليب الأحمر. وقال وزير الخارجية اليمني «وقّعنا من قبل أكثر من 75 اتفاقاً منذ بدء الحرب التي تغذيها إيران منذ أربع سنوات ولم يقم (الطرف الآخر) بتنفيذ أي اتفاق من الاتفاقات ونتطلع أن تتحمل الأممالمتحدة المسئولية في تنفيذ ذلك». وحول المشاورات المقبلة، قال اليماني «لن نذهب إلى أي مكان آخر إلا حينما يتم تنفيذ الالتزامات التي تم الاتفاق عليها، نريد عودة الحياة الطبيعية للحديدة ونريد إحراز تقدم في ملفّ الأسرى». ويتضح من تأكيدات رئيس وفد الحكومة الشرعية، حول رفض المليشيا الانقلابية وتعنتها في معظم ملفات إجراءات بناء الثقة، مدى الخسارة التي خسرتها الشرعية في هذه المشاورات، ويكشف حجم الضغوط التي مارستها دول التحالف العربي على الحكومة الشرعية، لتقديم كم من التنازلات لصالح المليشيا الانقلابية، ما يدعو الكثير من المحللين السياسيين إلى القول مجازاً إن التحالف أسقط الحكومة الشرعية اليمنية التي تواجه المشروع الفارسي والأجندة الإيرانية في المنطقة، في قلعة ستوكهولم، الأمر الذي دفع المفكر الإسلامي الدكتور/ عبدالله النفيسي، إلى القول "نحن العرب أُمَّه عاطفية. نقرأ السياسة بقلوبنا لا بعقولنا". وأضاف- في تغريدة على صفحته بموقع التدوينات المصغر "تويتر"-: "سرعان ما نُفْرٍط بالتفاؤل. ونخطئ الطريق. الحوثي لم يتراجع قيد أنملة عن صلفه: مطار صنعاء له، وميناء الحديدة له، وانقلابه مشروع، فلماذا هذا الاحتفاء بمفاوضات السويد؟". وختم قائلا: "هذه غواية وليست مفاوضات". كيف تروج الأممالمتحدة للخديعة؟؟ ولأن الأممالمتحدة حريصة منذ اليوم الأول على شرعنة الانقلاب، رغم علمها المسبق بخطورة هذا التوجه وأنه يطيل من عمر الحرب، ويتسبب في أسوأ كارثة إنسانية، سعت للترويج لمشاورات السويد على أنها مفتاح الحل للوضع في اليمن والترويج بعد ذلك لما سمي "اتفاق الحديدة"، حيث أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عن توصل الأطراف اليمنية إلى اتفاق حول ميناء الحديدةوتعز في ختام مشاورات السويد. وأشاد غوتيريس في كلمة ألقاها، يوم الخميس، في ختام المفاوضات، بأعضاء الوفدين اليمنيين لتوصلهم إلى هذا الاتفاق، قائلاً: "إننا نشهد بداية النهاية لأزمة اليمن". وقال إن "الاتفاق بشأن الحديدة كان واحداً من أصعب الأمور التي واجهتنا"، لافتاً إلى أنه سيكون له تأثير كبير جداً على الوضع الأمني والإنساني. وأشار الأمين العام للمنظمة العالمية إلى أن ما تم التوصل إليه في السويد "خطوات بالغة الأهمية بالنسبة لكل الشعب اليمني". ولفت إلى أنه تم الاتفاق على وضع إطار سياسي لتنفيذ كل ما تم التوصل إليه في المحادثات، مؤكداً أن الجولة المقبلة من المفاوضات ستجري في شهر يناير/كانون الثاني المقبل. من جهته وصف المحلل السياسي اليمني/ عبدالناصر المودع مفاوضات السويد بالفاشلة. وأشار المودع- في تصريح ل "أخبار اليوم"- إلى أنه لم يتم التوصل إلى أي اتفاق حول قضايا بناء الثقة مثل مطار صنعاء والرواتب والبنك المركزي، وأن هذه القضايا- في حال تم الاتفاق عليها- تعتبر قضايا ملموسة يمكن تطبيقها أو التأكد من تنفيذها. وقال إن ما حدث هو أن الحوثيين في آخر يوم، رفضوا القبول بالتوقيع على تنفيذ تلك القضايا والذي كان من المقرر أن يتم بحضور الأمين العام للأمم المتحدة، وكي لا يظهر ذلك الفشل، تم استخدام وثيقة الحديدة وتم فرضها على السعودية والرئيس/ عبدربه منصور هادي، من أجل الإدعاء بأن هناك انجاز في السويد، وفي نفس الوقت تضمن الأممالمتحدة والدول الغربية والتي كانت معارضة للحرب في الحديدة بأنه لن يكون هناك هجوم في الحديدة. وأوضح بأن الوثيقة نفسها عبارة عن بنود غامضة يحتاج الكثير منها إلى مفاوضات جديدة لتفسيرها وتفصيلها، ومن ذلك موضوع الانسحابات العسكرية، فالوثيقة لا تشير تماما إلى أين سيتم سحب القوات من الطرفين، وكيف سيتم ذلك.. والأمر الغامض الآخر يتعلق بمسئولية الأمن في الحديدة، فالوثيقة تتحدث عن قوات محلية، ومن المعروف أن القوات الأمنية المحلية أصبحت حوثية بشكل أو بآخر، وخاصة الإستخبارات، ومن ثم فإن انسحاب القوات العسكرية الحوثية من مدينة الحديدة والصليف لن يغير من واقع سيطرتهم السياسية عليها، بل إنه يخدمهم لأنهم- وفقاً للاتفاق- سيستفيدون من هذه القوات في جبهات أخرى،حيث لم يعد هناك من حاجة لها في الحديدة والتي ضمنوا بأنها لن تهاجم. ولفت إلى أن موقف دول التحالف أصبح ضعيفاً بعد فشلهم في أكثر من قضية وخاصة قضية الوضع الإنساني وفشلهم في إيجاد سلطة يمنية حقيقية؛ فسلطة هادي أصبحت أشبه بشبح لا وجود حقيقي لها على الأرض، ولم يعد بالإمكان تسويقها للعالم بأنها السلطة الشرعية الحقيقية حسب تعبير المودع.