عام بعد آخر تلاشت ملامح الدولة وغابت مؤسساتها شيئاً فشيئاً، منذ انقلاب ميليشيات الحوثي على الشرعية اليمنية، ليحل بدلا عنها الفوضى واللا قانون عدا قانون المافيا والعصابات الذي تدير به الميليشيات شؤون المواطنين بل وتستخدمه مع المجتمع الدولي بكل بحاجة من الجانبين "الحوثيين والأمم المتحدة" ويبقى الشعب اليمني هو الضحية. "محافظة حجة" واحدة من المحافظات التي تجرع سكانها معاناة عديدة نتيجة الفوضى التي تسببت فيها ميليشيات الحوثي، غير أن المجتمع المحلي تمكن خلال هذه السنوات من مواجهة تلك الفوضى الممنهجة والبقاء متماسكا يتعايش الناس مع بعضهم بشكل طبيعي رغم المنغصات الحوثية، عبر جملة من القيم الانسانية والقبلية التي برزت كقانون بديل للتعايش بعيداً عن الفوضى وعواقبها الوخيمة.. "أخبار اليوم" سلطت الضوء على هذا الملف بالمحافظة وكيف يدير المواطنون شؤونهم في ظل غياب الدولة، وكيف يواجهون معركة اخرى مع الميليشيات في عدة اتجاهات... إلى التفاصيل: " الفوضى"قانون الميليشيات منذ أول وهلة لبسط نفوذها على المحافظة، فرضت ميليشيات الحوثي على المواطنين قانون "الفوضى"، من خلال جرائمها التي ارتكبتها ولا زالت تمارسها والتي يجرمها القانون والعرف القبلي والأخلاق الإنسانية، واصبح القانون ما يفرضه المشرف، أو تقوم به عناصرهم من جرائم. وطيلة السنوات الماضية من سلطة الأمر الواقع "الميلسشاوية" لم يسجل أبناء المحافظة أي إجراء أو عمل للحوثيين فيه مراعاة لأوضاعهم المعيشية أو الإنسانية، وملأت سجلها بصفحات سوداء لن ينسى المواطنون أنين أيامها ولا وجع لياليها. تهميش مؤسسات الدولة بالمقابل باشرت الميليشيات في تهميش مؤسسات الدولة وإفراغها من محتواها، واستبدالها بمسميات لا محل لها من قانون التعايش أو سلطة الدولة، من خلال تعيين مشرف لكل مؤسسة ابتداء من المحافظ وانتهاء بنقاط التفتيش. ليحل المشرف بدلا عن القانون، الا أن الحقد الذي تم شحن مشرفيهم به تجاه المجتمع ضاعف من معاناة المواطنين، ليجد الأهالي انفسهم امام امر واقع لابد من التعايش معه بشكل أو بآخر وتفادي شر عناصر ميليشيات الحوثي قدر الإمكان بعدم الاصطدام معهم. المجتمع في المواجهة وأمام هذا الواقع المرير وجد المجتمع نفسه في مواجهة مع فوضى الميليشيات وتسلط الحوثيين، حيث لا دولة تحمي مصالحه، ولا قانون يستندون إليه، وبات يصارع الأزمات المفتعلة تلو الأخرى طيلة السنوات الماضية. وبالتوازي مع معركة الجيش الوطني مع عصابات الحوثيين يخوض أبناء حجة معركة مختلفة مع الميليشيات الانقلابية، بل ربما تفوق معركة المواجهات المسلحة، لتعدد أوجهها ما بين معارك فكرية إلى اقتصادية معيشية إلى الأمنية، إلا أن المواطنين أثبتوا صلابتهم وقدرتهم في تجاوز معظمها، ولسان حالهم يقول "لن نقبل بسلطة ميليشاوية وسنتعايش رغم فوضى الحوثيين الممنهجة ". تكافل إنساني وهنا نشير إلى جانب من جوانب التعايش السلمي بين أبناء المحافظة في ظل تغييب الدولة وتهميش النظام والقانون، فقد أثبت المواطنون مدى تمسكهم بقيم التكافل الاجتماعي خاصة مع الأزمات التي تعصف بهم من كل جانب، فلا تكاد منطقة تخلوا من عشرات ومئات النازحين، الذين يتقاسمون مع اخوانهم لقمة العيش والسكن وغيرها من متطلبات الحياة. في الوقت الذي تنشغل به الميليشيات بخطط وبرامج النهب والسلب للعام والخاص وصولا إلى سرقة المساعدات الانسانية وتسخيرها لتمويل حروبهم العبثية و عناصرهم المارقة. تعليم تعاوني وفي صورة من صور التعايش بلا دولة، لازال التعليم قائما بشكل لم تتوقعه الميليشيات التي أفرغته من محتواه وعملت على محاربته بشتى الوسائل بهدف صرف الأطفال والشباب عن التعليم وتوجيههم إلى جبهاتهم القتالية، الا أن المجتمع واجه هذه المعركة بكل جدارة، بتكاتفهم وجهود المرابطين من التربويين في الميدان الذين يضحون في هذا الميدان بجهودهم الجبارة رغم انقطاع المرتبات عنهم. القبيلة.. قانون راسخ وأمام تهميش القانون وتغييب مؤسسات الدولة من قبل الميليشيات لم يعد امام المجتمع مجال لحل خلافته سوى قانون "القبيلة" -بفتح القاف وتسكين الباء- كنظام وقانون يستندون إليه، بل وصل الامر إلى أن وجدت الميليشيات نفسها تتعامل به للوصول إلى أهدافهم الإجرامية من حشد مقاتلين وجمع ما يسمى بالجهود الحربي وغيرها من برامجهم الإجرامية. فبدلا من الذهاب إلى الأمن أو القضاء لحل مشكلته، يلجأ المواطن للتحكيم القبلي، وبذلك حل بدلا عن القانون والدولة، ليؤكد الأهالي رسوخ نظام القبيلة وتجذره في ادارة شؤون حياتهم المختلفة. عصر ما قبل الدولة يمكن القول بأن الحوثيين نجحوا خلال السنوات الماضية منذ انقلابهم في إعادة المجتمع اليمني إلى عصر " ما قبل الدولة " فلم يعد السكان في حجة -وباقي المحافظات التابعة تحت سيطرتهم - يعتمدون على مؤسسات الدولة أو ما تبقى منها، في ادارة شؤونهم أو تلبية احتياجاتهم، بل باتوا يتفادون الاحتكاك بها أو اللجوء اليها في اي شأن خوفا من توريطهم في أي مشكلة لا يتوقعونها من قبل الميليشيات. تساؤلات مشروعة وبالرغم من تجاوز المجتمع الكثير من العقبات بسبب فوضى الميليشيات وغياب الدولة إلا أن هناك ضرورة ملحة لعودة نظام الدولة والقانون لاستكمال مسيرة الحياة بشكل طبيعي، لتعود معها عجلة التنمية الشاملة لكل القطاعات لينعم الشعب بالأمن والاستقرار قبل الاستفادة من خيرات البلاد. بالسؤال الذي يتردد على لسان حال المواطنين في حجة "متى ستعود الدولة وتنقشع معها ظلم وتسلط الميليشيات؟ والى متى سيؤجل التحالف العربي والشرعية اليمنية معركة حسم وإنهاء الانقلاب؟ " بعد أن بات المواطن البسيط يدرك بأن القرار بيد الشرعية والتحالف، وان الميليشيات لا تملك القدرة على مواجهتهم... فهل أن الأوان لإنقاذ اليمنيين والمنطقة والعالم من شر عصابات الحوثي؟!!.