يظل ثقل الموقف الأمريكي مؤثرًا على مراكز القوى الإقليمية، لاسيما في مناطق الشرق الأوسط وآسيا، حيث يعتمد أمن دول عربية كثيرة على تواجد الولاياتالمتحدة الأمريكية في المنطقة، وهو ما يشكل محورًا أساسيًا في تشكيل أوجه الصراع المحلي وكذا صراع الأجندة الإقليمية في الوطن العربي. قد يقوض الإنسحاب الأمريكي من افغانستان مصداقية واشنطن في شراكاتها الأمنية العالمية، بما فيها شراكاتها في الشرق الأوسط. كما أن طبيعة الانسحاب المشوبة بالاضطرابات تسلط الضوء على التكاليف المترتبة عن إنهاء الالتزامات الجارية بما في ذلك الأزمة اليمنية التي تشارك الرياض –أحد ابرز حلفاء أمريكا– في تحديد مساراتها. فمن جهة أثار الإنسحاب مخاوف مراكز القوى الخليجية، ومن جهة أخرى تتولد المخاوف ذاتها حول مالآت العلاقة الخليجية مع واشنطن، لا سيما وأنها شريكتهم الأمنية التي تمثل الموازنة العسكرية في صراعهم مع طهران. فيما دراسة لمركز ابعاد للدراسات والبحوث ناقشت ما اسمته بارتدادات الإنسحاب الامريكي من افغانستان على حرب اليمن، وهي دراسة استقرائية لمناقشة افق الحرب اليمنية وتلاشي التحالفات الخارجية مع الأطراف المحلية، كإنعكاس للحالة الأفغانية الحالية على السياسة والحرب الباردة الأمريكية مع الصين وروسيا. وأيضا تركيا وإيران باعتبارهما مؤثرتان في المنطقة. وكذا انعكاسها على دول الخليج العربي والحرب اليمنية. وأفق نهاية الحرب وفق وضع القوى على الأرض والمبادرات الدولية المطروحة، ووفق التطورات الجديدة. أجندة اقليمية. تتأثر الأزمة اليمنية وفق تطورات الأحداث الإقليمية، حيث يقوم الصراع اليمني على اللا محلية في مرتبة الأولى، وذلك لما يمثله تواجد مراكز القوى الإقليمية في الداخل اليمني. فمن جهة تتواجد إيران في شمال اليمن لتشكل خطرًا على الأمن القومي للرياض ومنطقة الشرق الاوسط عمومًا، لا سيما مع تواجد معسكرات طهران في أربع عواصم عربية كان آخرها صنعاء. ومن جهة أخرى تتواجد المملكة العربية السعودية كقائد للتحالف العربي جنوبِاليمن، بدعوى إعادة الحكومة الشرعية الى صنعاء، وبسط نفوذها على مناطق سيطرة جماعة الحوثيين التي تسيطر عليها منذ إنقلابها على الحكومة اليمنية في ال21 من سبتمبر/ أيلول 2014، وتمثل الرياض إحدى أبرز أهداف إيران. كما يسيطر المعسكر الإماراتي على العاصمة المؤقتة عدن ومعظم المناطق الجنوبية، بما في ذلك الخطوط الساحلية وجزر ذات مواقع استراتيجية ابرزها سقطرى وميون، وذلك من خلال وكيلها العسكري في اليمن "المجلس الانتقالي"...ويرى مراقبون أن ابو ظبي احدى اهم حلفاء واشنطن في المنطقة، باعتبارها جندي يعمل على تنفيذ أجندة الولاياتالمتحدة الأمريكية. فيما تتمتع اليمن بأهمية جيوسياسية بارزة، حيث يحظى بأهمية استراتيجية كبيرة على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية في منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية بشكل خاص، فهو يشرف على باب المندب الذي يربط المحيط الهندي بالبحر الأبيض المتوسط وخاصة بعد افتتاح قناة السويس، الأمر الذي جعله مصدر اهتمام القوى الدولية على مر التاريخ. ويمثل اليمن البوابة الجنوبية لمدخل البحر الأحمر ويتحكم بالممر الذي يصله بالمحيط الهندي، وعبر منطقة خليج عدن يحتضن كلاً من البحر الأحمر والمحيط الهندي من الخاصرة، ويتحكم في طرق الملاحة البحرية المؤدية إلى آسيا، كما أن اليمن وبمساحته الجغرافية وكتلته البشرية يعد عمقاً وامتداداً أمنياً وسياسياً لدول الخليج وأي توتر أمني وعدم استقرار في اليمن يؤثر بالضرورة في أمن واستقرار دول الخليج. تأثير الإنسحاب الأمريكي يعتمد الأمن القومي لدول الخليج بشكل أساسي على المعسكر الأمريكي، لا سيما فيما يتعلق بصراع الأولى مع طهران، الا أن الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان ولد خيبة سياسية على دول الخليج، لا سيما الرياض وأبو ظبي حليفتا واشنطن. وصفت دراسة مركز أبعاد الإنسحاب الأمريكي بالمشهد الذي يقدم رسائل لحلفاء واشنطن وعلى وجه الخصوص السعودية والإمارات. وهي رسائل تعتبرها الرياض -على الأقل- واضحة بأن الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط، ومواجهة النفوذين الروسي والصيني هو في رأس أجندتها في المرحلة المقبلة. بحسب الدراسة وأضافت " الانسحاب الأمريكي من أفغانستان يوضح جدية واشنطن في هذا الانسحاب وخذلان الحلفاء. وهذا الخذلان تعزز بشكل دائم لدى الخليجيين، حيث وقعت إدارة أوباما "الاتفاق النووي الإيراني"، وخذل ترامب الخليج في اتخاذ موقف مباشر من استهداف منشآت النفط عام 2019 والتي اُتهمت فيها إيران رغم تبني الحوثيين الهجوم". وتابعا "كما أخرجت إدارة بايدن الحوثيين من قوائم الإرهاب دون مقابل، ما شجعهم على شن هجومات مكثفة على المدن اليمنية بالذات محافظة مأرب. وأوقفت واشنطن مبيعات الأسلحة للسعودية؛ وأعلنت الإدارة الجديدة عدم تقديمها الدعم اللوجستي لعمليات التحالف في اليمن. وسُحبت بطاريات الباتريوت ومنظومة الدفاع الجوي المتقدمة "ثاد". فيما ترى الدراسة أنه "إذا ما قررت طالبان اتخاذ سياسة عدائية دولية -تشمل آسيا الوسطى- ضمن رؤية أمريكية لإشغال الصين وروسيا وإيران -كما يشير محللون- فإن ذلك سيدفع تلك الدول الثلاث، إلى العمل باتجاه توسيع رقعة الحرب الباردة لتشمل اليمن التي تشرف على مضيق باب المندب الاستراتيجي، إذ ما زالت دول الاتحاد الأوربي -حليفة الولاياتالمتحدة- تعتمد على الوقود الأحفوري الذي يأتي جزء كبير منه من دول الخليج العربية". وأردفت "سيجعل ذلك الصراع اليمني أكثر تعقيداً. ولأجل توخيّ الحذر قد تندفع السعودية إلى اتفاق سلام مع الحوثيين يشرعنّ بقاءهم كسلطة أمر واقع مدفوعاً برغبتها في الخروج من الحرب، وتأثر اقتصاد المملكة بعد جائحة كورونا وحرب السنوات السبع". كابل وصنعاء متشابهتان. تتشابه حالة الحكومة اليمنية كثيرًا مع الحالة التي ادت لسقوط كابل عقب الانسحاب الأمريكي، وخروج شرعية أفغانستان بخفي حنين. حيث شكل حليف كابل وحلفاء حكومة هادي سناريو يربطهم في كثير من المواقف. تشير الدراسة الى أن "تجربة الحكومة اليمنية تتشابه مع السلطات الأفغانية في الفساد المستشري الذي رعته قيادة التحالف العربي بشكل غير رسمي لتتمكن من الحصول على ولاءات قيادات عسكرية وقبلية مؤثرة". وأضافت "كما أن دعم الإمارات لتمرد الإنتقالي في عدن أفشل استقرارا كانت الحكومة تحتاجه وهو ما أفشلها في تقديم تجربة جيدة للحكم والسلطة والمساءلة في مناطق سيطرتها". وتابعت "كما أن الجيش الوطني التابع للحكومة الشرعية التي تعاني من تعدد الولاءات، يعاني هو الآخر من مشكلات متعددة متعلقة بالفساد والأسماء الوهمية وضعف التسليح، وقِلة الذخيرة الحية وقطع الدعم الشامل له بما فيها التغذية اليومية" . وأشارت الى أن "معظم الجنود الذين يقاتلون في الجيش الوطني شرقي البلاد يتلقون راتباً كل بضعة أشهر. وفي حال قررت السعودية وقف الدعم الجوي فإن القوات الحكومية ستعاني كثيرا، كونها تعرضت لضغط كبير بسبب إيقاف تسليحها ودعمها، وهو ما يجعل المعركة مع الحوثيين أكثر صعوبة". وضع الصراع اليمني. تفيد دراسة مركز ابعاد الى أنه لا يوجد طرف منتصر في الحرب، لا جماعة الحوثي ولا الحكومة اليمنية. وتعاني الأخيرة من مشكلات متعددة، كما يعاني جيشها داخلياً من بعض المشكلات التي عانى منها الجيش الأفغاني. وأشارت الدراسة الى أنه "على عكس الولاياتالمتحدة التي قامت ببناء جيش ودربته وسلحته، لم يحدث ذلك بالنسبة للسعودية، فعلى سبيل المثال الجيش ورجال القبائل في مأرب – أهم معاقل الحكومة الشرعية وآخرها شمال البلاد- يعتمد في قتاله الحوثيين على أسلحة متوسطة وخفيفة، ويغيب الدعم السعودي بالأسلحة النوعية باستثناء الغارات الجوية". فيما قالت الدراسة أن "هناك نقطة مهمة لمعرفة بعض الفوارق بين الجيش الحكومي الأفغاني والجيش اليمني، فالأول تم إعداده كموظفين، بمجرد أن توقف دعم واشنطن قرر الاستسلام والانسحاب من المعارك، لكن الجيش اليمني رغم مرور سنوات على توقف الدعم اللوجستي من الرياض، إلا أنه يواصل مواجهة الحوثيين ويعرقل تقدمهم، بل تمكن في مارب من فتح جبهات استنزاف مرهقة للحوثيين، وهذا يعود إلى أن تشكيلة الجيش والمقاومة قادمة من عمق المجتمع الذي يحمل حالة عداء للحوثيين". وتشير الى تعدد الأطراف في معسكر الحكومة والتحالف حيث خلقت الحرب أطرافاً محلية عديدة، بينها المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات التابعة ل"طارق صالح" نجل شقيق الرئيس اليمني السابق، وقوات العمالقة وكتائب أبو العباس السلفية، وهي أطراف مدعومة من الإمارات التي قامت بالتدريب والتمويل والتسليح بالأسلحة الأمريكية، ولا تخضع للحكومة الشرعية. بحسب الدراسة فيما تدعم السعودية، القوات الحكومية اليمنية ورجال القبائل. ويتلقى الحوثيون دعمهم في الأسلحة النوعية مثل الصواريخ الباليستية وطائرات مسيّرة مفخخة، وصواريخ بحرية ذكية، إضافة إلى التدريب النوعي من إيران وميليشياتها الموجودة في المنطقة فيما يعرف ب"محور المقاومة". وفي السياق الذي تشرح فيه الدراسة طبيعة الصراع الحالي في اليمن، تطرقت الدراسة الى ما عرفته بنية السعودية بالخروج من الحرب، حيث وعدت الرياض في بداية الحرب ب2015 أنها ستنهي الحرب خلال أسابيع قليلة، وأن الهدف منها إجبار الحوثيين على الجلوس على طاولة المفاوضات. وتابعت "لكن الحرب استمرت وتقترب من تسجيل عامها السابع، ويبدو أنها تريد الخروج من حالة الحرب دون تحقيق انتصار لعدة أسباب منها: تأثر سمعتها الدولية بشكل كبير، ولم تعد الحرب في المملكة ذات شعبية كما كانت في السابق، إضافة إلى المشكلات السياسة المتعلقة بانتقال الحكم إلى الجيل الثاني داخل العائلة الحاكمة". فيما اعتبرت أن الخسائر الإقتصادية للرياض ضمن الاسباب الت تريد السعودية على ضوئها الخروج من حرب اليمن دون الإنتصار، مشيرةً الى كونها تخسر يومياً 200 مليون دولار في الحرب، إضافة إلى توقف معظم المنشآت الاقتصادية جنوبي المملكة، ناهيك عن حالة عدم الاستقرار الاقتصادي بفعل استمرار ضربات الحوثيين. صراع داخل التحالف تصاعدت الخلافات بين أبو ظبي والرياض بشأن اليمن، وساهم إعلان الأولى عام2019 سحب قواتها من التحالف الذي تقوده السعودية في ظهور الخلافات إلى العلن. حيث يأتي تاريخ الدولتين الحديث والمليء بالخلافات وانعدام الثقة. حيث اعتبرت دراسة مركز ابعاد أن مساعي الدولتين قائم على اتجاهين.. فمن الناحية السياسية تريد الإمارات أن تظهر نفسها كقوة إقليمية مؤثرة في المنطقة واستخدام الأراضي اليمنية لفرض هيمنة على الممر البحري الحيوي "باب المندب"، كما أنها تخشى سيطرة حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي تعتبره جزءًا من حربها الإقليمية ضد "الإسلام السياسي" في بلدان ما عُرف بالربيع العربي. أما السعودية فمتجذرة في السياسة اليمنية بحكم الجوار الجغرافي والخشية من وجود دولة أو طرف تدير هذه السياسة بما يؤثر على مصالحها وأمنها القومي؛ وذلك واحد من مخاوف الرياض إذ ترى في وجود نفوذ إماراتي على اليمن تهديد لها بالنظر إلى التاريخ الحديث لعلاقة البلدين اما من الناحية الإقتصادية تريد الإمارات التحكم بالموانئ اليمنية و عدم تشغيلها حتى تعمل موانئ دبي، كما تسعى لتحويل اليمن إلى سوق لمنتجاتها وخدماتها حتى لو كان ذلك بالقوة.. اما السعودية فتريد ميناء نفطي على سواحل الغيضة مركز محافظة المهرة، ومدّ أنابيب النفط من جنوب شرق المملكة إلى هذا الميناء على بحر العرب. وقالت "دفعت التحديات الاقتصادية المفروضة التي تواجهها السعودية بسبب انخفاض سعر النفط وتفشي فيروس كورونا (كوفيد-19) الرؤية السعودية باعتبار اليمن سوقاً ناشئة بسكان يزيد عن 30 مليون نسمة". وأردفت "تصاعدت الخلافات بين أبو ظبي والرياض العام الجاري لأسباب اقتصادية ولفت الخلاف الأخير حول حصص إنتاج النفط الانتباه إلى "تصدّع في العلاقة" وأظهرت تنافسية اقتصادية". وتابعت "حيث أقرت السعودية منع الشركات المتعددة الجنسيات من الحصول على العقود الحكومية ما لم تنقل مقراتها الإقليمية الرئيسية إلى الرياض، وهو ما سيمثل تحدياً لإمارة دبي التي تعتبر مركز المقرات الإقليمية في المنطقة". فيما فرضت السعودية رسوماً جمركية على الواردات من الدول الخليجية بنسبة (3 إلى 15 في المائة) على المنتجات التي تصنعها أي شركة مقرها في الخليج إذ كانت لا تشمل قوتها العاملة 10-25٪ من مواطني ذلك البلد، وهو ما اعتبرته الدراسة تحدٍ آخر. وتابعت "ففي الإمارات يبلغ عدد المواطنين حوالي 10٪ فقط من تعداد السكان البالغ 9-10 ملايين نسمة، وهنا تقول الشركات إنها تواجه ضربة كبيرة". وبطبيعة الأنظمة الخليجية فإن الخلافات -في أي مجال- تتحول إلى صراع في باقي المجالات، وهو ما تعتقد الدراسة على ضوئه أن خلافاتهم في اليمن قد تكون نتيجةً للإجراءات السعودية ضد أبو ظبي.