السبب الرئيسي في إطالة عمر الحرب في اليمن، كان عدم فك الحصار عن مدينة تعز، الأمر الذي أتاح لجماعة الحوثي الموالية لإيران فرصة التوسع وتثبيت أركانها في عدد من المحافظاتاليمنية المجاورة لمحافظة تعز. وفوق كونها عاصمة الثقافة والمثقفين في اليمن، تعتبر محافظة روح اليمن، وصمام أمان الجمهورية اليمنية الموحدة، لاسيما مع انتفاضتها الرافض لعودة الإماميين الجدد، وتأريخها الحافل بالثورات المناهضة للفكرة والحكم الإمام. تعز هي الرابط بين الشمال والجنوب في اليمن، ولكن العجيب هو الموقف الدولي من حصار المدينة، فمثلا عندما تم حصار عدد من اليزيديين في العراق قامت بلدان العالم أجمع بالسعي لفك الحصار عنهم، كما قاموا بإلقاء أطنان من المساعدات من طائرات شحن عسكرية، أما في تعز فمجرد تصريحات جوفاء ليس إلا، رغم ما تعيشه المدينة من أوضاع إنسانية ومعيشية صعبة. الطريق حق إنساني. بدلاً من قطع المسافة من منطقة الحوبان، المنفذ الشرقي لمدينة تعزاليمنية، إلى وسطها خلال 15 دقيقة، يحتاج أبناء المحافظة، إلى نحو سبع ساعات للوصول إلى الوجهة نفسها في المدينة الكبيرة التي تضم ملايين السكان، ما تسبب في تداعيات إنسانية فادحة على المدنيين وخصوصاً المرضى. هذا ما يمكن وصفه ببساطة واختزال لواحدة من تداعيات الحصار المطبق على تعز منذ سيطرة جماعة الحوثي على أجزائها الشرقية والغربية بداية عام 2015. منظمة "رايتس رادار" لحقوق الإنسان، التي تتخذ من أمستردام مقراً لها، قالت "إن الحصار الذي يتعرض له المدنيون في تعز يتنافى مع كافة القوانين والتشريعات والأعراف، ويتنافى مع قوانين الحرب والقانون الدولي لحقوق الإنسان". وأضافت المنظمة في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني في وقت سابق، أن أهالي مدينة تعزجنوب غربي اليمن يعانون الأمرين جراء هذا الحصار الخانق للمدينة من الجهة الشرقية "الحوبان" والجهة الشمالية والغربية. ووفقاً لبيان المنظمة فإن مدينة تعز تعيش في معاناة مستمرة لا تنتهي، جراء الحصار الخانق وإغلاق المنافذ الرئيسية من قبل مسلحي جماعة الحوثي، حيث يضطر سكان مدينة تعز إلى أن يسلكوا طرقاً فرعية وعرة وضيقة، تعرض حياتهم للخطر وللحوادث والتفتيش والابتزاز والمضايقات وأحياناً للاختطاف والاعتقال في نقاط التفتيش الحوثية. سنوات من الحصار الخانق، جعلت سكان تعز يعيشون ما هو أشبه بالعقاب الجماعي من قبل جماعة الحوثيين الانقلابية، ولم تكتفي الجماعة بذلك فحسب، وإنما ما تزال مدافعها تستهدف الأحياء السكنية بضربات قتلت في مرات كثيرة نساء ورجالا وشبابا وشيوخا أبرياء بلا رحمة. يلجأ سكان مدينة تعز المحاصرة للهروب من قناصات الحوثيين التي تقطع عنهم الطرقات والمنافذ داخل المدينة، الى طرقاً وعرة وخطيرة، راح ضحيتها أسر بكاملها في حوادث مؤسفة أودت بحياتهم. المدنيون المحاصرون داخل مدينة تعز، خرجوا مرارا وتكرارا في مظاهرات حاشدة لنقل صوتهم إلى العالم، وللتنديد بجرائم جماعة الحوثيين الموالية لإيران، حيث يطالبون في كل مرة المجتمع الدولي والأممالمتحدة والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان بإدانة جرائم جماعة الحوثي التي راح ضحيتها مدنيون أبرياء غالبيتهم من الأطفال، بتصنيفها جماعة إرهابية وفرض عقوبات على قياداتها لضمان عدم إفلاتهم من العقاب، الا أن شيء لم يحدث، وعندما صنفت جماعة الحوثيين كجماعة إرهابية أنقذتهم الولاياتالمتحدةالأمريكية، وخلصتهم ادارة بايدن من القائمة السوداء. وفيما يخص بمعاناة السفر، يقول محمد ناصر "55 عاماً" من منطقة الحوبان، إنه يضطر إلى السفر من أجل الوصول إلى مدينة تعز لزيارة أبنائه عبر طريق جبلي من مديرية جبل حبشي يستغرق السفر فيها أكثر من 7 ساعات، بينما كان من قبل لا يستغرق الوصول إلى المدينة عبر منفذ مفرق شرعب أكثر من 3 ساعات. وأضاف ناصر في حديثه ل"أخبار اليوم" أن وصف المعاناة من السفر عبر هذه الطريق أقل ما يمكن القول عنه إنه المشقة بكل تفاصيلها. ويتابع "شاهدت سيارة انقلبت في الطريق الوعر التي في جبل شاهق بمديرية جبل حبشي لم يخرج أحد من السيارة غير مصاب بكسور وبعضهم كانت إصاباتهم بالغة، بلا شك سوف تسبب لهم إعاقات دائمة". وليست فقط المعاناة من وعورة الطريق بل إن تكلفة السفر تضاعفت بشكل كبير وهذا كما يقول ناصر زاد من معاناة النساء وجعل تواصل الأهل والأسر صعباً. وما يؤكد كلام محمد ناصر هو الإحصائيات التي أصدرتها إدارة شرطة السير في مدينة تعز، حيث بلغ عدد الحوادث خلال العام الماضي 136 حادث. فشل الوساطات فيما قال مدير البحوث في ديوان عام محافظة تعز، عزيز السامعي، في وقت سابق، إن الحصار واحد من أبشع الانتهاكات الإنسانية لانقلاب ميليشيات الحوثي على الدولة، وهو ملف مفتوح منذ نحو سبع سنوات، نتيجة تعنت الميليشيات، وتجاهل الأممالمتحدة والمجتمع الدولي لمأساة الأهالي. وعن الجهود الرسمية والأهلية لفك الحصار، أكد السامعي أن كافة الوساطات المحلية فشلت في إقناع ميليشيات الحوثي بإنهائه. ويتحدث عن محاولات عدة سعت إلى فتح الطرق الرئيسة والسماح لقوافل الإغاثة الإنسانية بالعبور، لكنها اصطدمت في كل مرة برفض الحوثيين في اللحظات الأخيرة، فضلاً عن شروطهم التي تهدف إلى استعادة السيطرة العسكرية على كامل المدينة. السامعي تطرق إلى المساعي الدولية والأممية الرامية لفك طرقات المدينة، وقال إنه "على الرغم من تعاقب المبعوثين إلى اليمن، فإن الحصار استمر، وهو انعكاس لفشل أممي ذريع في إنهاء المأساة بشكل عام، وإيقاف الحرب اليمنية التي دخلت عامها السابع من دون حلول تلوح في الأفق" نداءات متكررة. وفي سياق متواصل، أطلق ناشطون وصحفيون يمنيون بمختلف توجهاتهم، مساء أمس الإثنين، حملة الكترونية للمطالبة برفع الحصار عن تعز، تحت هاشتاغ "الطريق حق إنساني". واعتبر ناشطون، أن قطع الطريق عن أبناء محافظة تعز جريمة تنتهك تتعارض مع مختلف المواثيق والأعراف الدولية، ويتنافى كذلك مع قوانين الحرب والقانون الدولي لحقوق الإنسان. وأكدت الإعلامية والكاتبة الصحفية "آفاق الحاج"، في تغريدة لها على تويتر رصدتها "أخبار اليوم" أن، "ست سنوات من الحصار المفروض على محافظة تعز أجبر المواطنين للجوء إلى طرقات طويلة وشاقة". وأضافت الحاج في تدوينتها "المرور عبر هذه الطرقات أشبه بمخاطرة تجعلك حبيس الأنفاس لساعات طويلة حتى تتجاوزها" واشارت الى أنه" في أسوأ الأحوال تنتهي حياتك عندها". فيما شهدت مدينة تعز المحاصرة منذ مطلع 2015 عشرات التظاهرات، التي نددت باستمرار الحصار الذي يفرضه الحوثيون على المدينة. ويتهم المتظاهرون باستمرار، الحوثيين بخنق المدينة وقتل وإصابة آلاف المدنيين، ورفض فك الحصار عنها، فيما تواصل الجماعة الصمت حول هذا الملف. وخلال الفترة الماضية، نفذ ناشطون حملة إلكترونية واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عرضوا فيها صور المعاناة في تعز جراء الحصار، وطالبوا بضغط أممي دائم على الحوثيين لفكه.