تشهد الفعاليات السياسية رؤى وتقلبات ونشاطات مختلفة، تعكس الطبيعة الفكرية التي تنطلق منها شخصيات هذه الفعاليات وقياداتها ومن خلال التصرفات والوقائع التي يراها الحاضرون، وكذلك الاعلاميون، تبرز نغمة سياسية قديمة وتكرس بأسلوب فج، إذ ان هنا ممارسات سياسية تنقل لنا تصرفات الماضي السياسي وفكره، وبالإمكان ان تنطلق على هذه التصرفات ب«الماضوية» أي ممارسة سلوكيات سياسية تعيد لنا احداث الماضي وعقليته، أي ما قبل ثورات اليمن، من هذه الممارسات: الدعوة لتقليد الثورات اليمنية من خلال الاعتصامات وتوتير الأوضاع رغبة في تفجيرها وكذلك جمعية كذا تقلد جمعية ما في المطالبة بالقضية الجنوبية أو تجمع فلان في منطقة كذا، أو محاولة ايجاد قوى وصراعات من غير وجود لها، وأيضاً «البابوية» الآن يحضر سياسياً بدلاً عن أبيه وتقديم الصنمية الفكرية إلى الأوساط العامة في مزاولة العمل السياسي. لقد لاحظ المواطن اليمني ان الحديث الماضي السياسي بين القوى السياسية سواءً الأحزاب أم القبائل أم الثورار بدأ يظهر إلى السطح بشكل جلي، وان الوسائل الصحفية تعمل على حضور تلك النغمة المدفونة التي انتهت بفعل دخول الديمقراطية والمجتمع المدني وكذلك بحداثة النظام اليمني، ونشود دولة المؤسسات رغم نسبية هذه الحداثة السياسية. ولا يخفى على احد ان واقع اليوم السياسي وأزماته تختلف اختلافاً جذرياً عن واقع زمان لأن واقع زمان غير مهيئٍ للمناخ الديمقراطي، وبحاجة إلى تصحيح كلي لكل مفاهيم الحياة، اما واقع اليوم يأتي في ظل التعددية والعولمة وحقوق الانسان في زمن البرلمان والتمثيلات والانتخابات وغير ذلك ويدرك الأشخاص الكبار الذين شهدوا التحولات هذا الفارق الجوهري وفي الحقيقة ان تأزم الأوضاع الاقتصادية وتدني الخدمات التعليمية والصحية لا يعني عدم وجودها كما كان في السابق بل تحتاج العديد من الدعم والإصلاح فقط. وبين الحاضر والماضي والمستقبل فجوات شاسعة في المزاولة السياسية اليمنية سواء من السلطة أم المعارضة، ففي حال تدهور الحاضر السياسي تم اللجوء إلى مقارنة ذلك بالماضي وبدأت بعض القوى السياسية تسعى إلى حضور الماضي في أيامنا هذه وتريد ان تقدمه بديلاً وليس الماضي السياسي هو الحل لأنه محمل بالدماء والأرواح الزكية الطاهرة، إصلاح اوضاع اليوم يكون بالنضال السلمي لا بل للمارسات الخاطئة واعمال التمرد والشغب وذلك بسبب اختلاف الانظمة ففي الماضي كانت الامامة التي تسعى إلى تكريس الواحد اما الحاضر فهي في إطار الديمقراطية الذي يسمح بانتقال الحكم من تيار إلى تيار آخر. ولأن السياسة الماضوية تحمل في طياتها الصنمية المقيتة التي تدمر كل تحديث وتطور فلابد ان تعي التيارات الفكرية، والاحزاب السياسية في الساحة ان البرامج التي تحملها لا تمثل هذا الواقع وان قراراتها مغلوطة وبحاجة إلى المزيد من بذل الجهد وممارسة التفكير وطرح الرؤى التي تخدم المجتمع والمواطن وتقدم البدائل الناقصة كي تخص بالاحترام والتبجيل وتمارس حضورها بشكل صحيح. ان التفكير السياسي في المؤتمر الشعبي العام أو في احزاب اللقاء المشترك «الإصلاح، والاشتراكي، والناصري وكذلك البعث» مازال يعيش مأزقاً حقيقياً لم تستطع ان يقدم رؤية تنقل التطلع الحقيقي لهذه الاجيال القادمة ومشاكلها وقضاياها، ان هذا التفكير يغيب عن الصدق والاخلاص للقيم السياسية المطروحة، ودائماً ما يلاحظ مفكرو هذه الاحزاب وهم مقيدون بأطروحات ماضية لا تقدم جديداً، وفي حال ظهور تأزمات يلاحظ المواطن ان المعالجات التي يمكن تقديمها لا تناسب القضايا الناشبة ولذا تحدث فجوة بين الممارسة السياسية والحقيقة المقصود تنفيذها. ان هذه الماضوية تقمع التطلع لدى المواطن وتسيطر على عقول النخب السياسية وتكون مسيطرة على مناهج الحياة ولا تستطيع الأطر الأخرى القضاء عليها بسبب الجذرية التي انغرست في التلقي اليمني والعقل اليمني بحاجة إلى المادة برمجته وفق البرامج السياسية الناجحة التي تجعل التفكير هو المطلب الحي الذي ينقذ البلد من تراكم هذه الأزمات. والتفكير في تكريس الماضوية يبدأ من المدرسة إلى الجامعة إلى الشارع والحل يكمن في ايجاد بنية عقلية ذات حرية حقيقية في ممارسة الواقع على مستوياته وان تلقى الرؤية يختلف من محافظة إلى أخرى، بحسب امكانيات هذا المجتمع من ذاك في تقبله لمتغيرات الحياة اليومية فهناك مجتمع يصل رؤية مغايرة وذاك يرفضها ويقوم ذلك على التهيئة النفسية والعلمية المعرفية. وهناك أسباب ساعدت في بروز هذه القضية إلى السطح السياسي ولا يمكن ان يتغاضى عنها الواقع وقد تسبب العديد من المشاكل والتأزمات الفكرية بين التيارات السياسية وقد ساعدت البيئة على تحقق هذه الأسباب وبحاجة إلى مراجعات ومعالجات مبكرة وذلك بقراءة المشروع السياسي اليمني وقراءة كلية برؤية ثاقبة تبحث عن الحلول المستقبلية وهذه الأسباب هي: عقم المشروع السياسي الحاضر ان مشروع الإصلاح السياسي الشامل لدى المعارضة يقوم على رؤية جزئية لا تحتضن كل قضايا الوطن السياسية منها والاقتصادية وهي مبتورة بفعل النظر إلى قضايا السطح اليمني فقط وتغيب من المعالجات الجذرية الحقيقية للقضايا العالقة في المسار السياسي، وكل مشروع الحزب الحاكم الذي تعطل من اول عام على الانتخابات 2006/9/20م حيث لم يصل المؤتمر على تطبيق البرنامج الانتخابي لرئىس الجمهورية، وما بين التعطيل والجزئية يكون التفكير السياسي وهذا ما جعل الشارع اليمني يتذمر من كل الممارسات ولاحظ ان العقم يسيطر على الأداء وان انتاج التحسين غائب تماماً. فجاء مبدأ الحوار ليخفف من تفاقم الأزمات لا ليقدم مشروعاً فكرياً سياسياً بنظرة إلى المستقبل، ان قضايا الحوار مرتبطة بالماضي وكذلك بقضايا الحاضر «الآن» ولا تتعدى على ذلك ومعالجة هذا العقم لا تكون بمناقشة المبادرة المقدمة من فخامة الرئيس بل بالعمل والتطبيق الذي يثمر العديد من الرؤى والاطروحات ولو وجد لهذا التنظير السياسي مجالُُ للتطبيق للاحظ المرء هذا التدافع الفكري الخصب في اداء السياسة اليمنية. وهذا العقم يذكر بالماضي العقيم الذي لم ينتج شيئاً ولذا كانت الماضوية حاضرة في الواقع السياسي اليومي. تفاقم الأزمات الاقتصادية ان تفاقم الأزمات الاقتصادية من خلال تدني مستوى دخل الفرد وغلاء الاسعار وانعدام بعض حاجيات المواطنين وكثرة البطالة يعمل على التذكير بالماضي، والعهد البائد لأن الأوضاع الماضية التي سبقت الثورة عانى منها الشعب كثيراً وحاول ان يطرح مشروع الثورة وتغيير الأوضاع ولذا هذه المقارنة تعمل على اعادة الماضي السياسي بتفكيره رغم اختلاف الواقع بين الأمس واليوم وان غياب الخطط من البرامج الاقتصادية من عمل الحكومة ينقل لنا صورة مكررة من الماضي الذي غابت فيه الخطط والبرامج، ولهذا وجب عمل الاصلاحات قبل ان تتكدس في الحياة العامة والأزمات الحالية دائماً ما تكرس الماضوية السياسية لذا وجب معالجتها سريعاً قبل ان تترسخ في المجتمع وتتكرس في الدولة. جيل المخضرمين السياسيين ان الجيل الأول الذي قام بالثورتين خاصة الوطنيين منهم الذين لهم تطلعات ومواقف سياسية مهما كانت، يقفون اليوم امام الأجيال الجديدة بعضهم ينقل صورة مغلوطة تماماً وبعضهم ينقل رؤية معكوسة، وبعضهم لا يعلم شيئاً، يهرف بمالا يعرف. . وبين هذه الرؤى المتناقضة في تصوير الواقع وواقع اليوم تتحدد الرؤى. فجيل المخضرمين يعمل على الماضي كمثال سياسي وانه كان الأجمل والأفضل وان نظام اليوم يعيش تردياً خطيراً مما يجعل الأجيال مشدودة إلى الماضي الأفضل وهنا يكون المنشود ليس الأفضل، ولكن الماضي هو الافضل والمقصود وهذا خطأ فادح تقع فيه النخبة السياسية القديمة ولابد ان يعطي هذا الجيل المقاربات والقراءات الفكرية الصحيحة دون مراوغة أو زيف لأنهم من الشاهدين على العصر والحكم والدولة اليمنية. النعرات الطائفية والولاءات القبلية المحضة ان دولة الثاني والعشرين من مايو 1990م ادخلت التعددية السياسية إلى الواقع وسمحت بتكون الاحزاب السياسية الفكرية التي تقوم على اصول فكرية لا نعرات طائفية وقبلية وحاولت خلق المجتمع المدني بدلاً عن القبلية التي تقف امام التحديث وان الولاءات التي تنتمي إلى العنصر والطائفة لا تعتبر من العمل الوطني، ولا من الثواب وظهور هذه الأساليب يكرس الالتزام بالماضي الذي يدعم مثل هذه التصرفات ويعيدها رغم برنامج الدولة الحديثة وقد صرح رئىس الجمهورية في خطاب له عقب اجتماع مجلس التنسيق القبلي وان هذا الاجتماع غير شرعي وغير دستوري وفعلاً تظهر هذه النعرات بأساليب متعددة لتقوم بتقويض الحكم المدني وممؤسساته الاجتماعية وبذلك يكرسون لمفهوم الدولة مقابل القبيلة ويعملون على التعبئة الخاطئة للشعب خاصة من يتجمعون في المناطق القبلية. وقد سبب ذلك العديد من التمردات الشخصية على الدولة وبها كان الخرق القانوني وقد يلاحظ القارئ ان هناك شخصيات تعمل على تغذية هذه الأفكار من اجل احداث الشغب على الدولة وتعكير الأمن والاستقرار. ان هذه الولاءات والنعرات تعيدنا إلى العصر الجاهلي عصر الكر والفر والغارات وهذا مرفوض في دستور الجمهورية اليمنية ودستور دولة الوحدة ويجب ان تعي اطراف العملية السياسية هذه التوجهات. تكريس البابوية السياسية هناك شخصيات سياسية في المعارضة والسلطة تعمل على دفع أبنائها للتمثيل السياسي المستقبلي من خلال تأهيلهم في مشاريع سياسية وحضور مؤطر في العمل والأداء أي ان هذا الشخص في مكان ما لابد ان يكون ابنه نيابة عنه ويأخذ مكانه وهذا ليس صحيحاً لأن ابن الوزير ليس دائماً عواماً وقد يتسبب الشعور بالبابوية في احداث تغيرات سيايسة لكن القوى الشعبية أيضاً مازالت تؤمن بالرؤية الماضوية ولذا يكون الحضور رسمياً، وقد تكون شعراً سياسياً عالمياً، يسعى إلى ثبات رؤية ما في اسرة ما وهذا يكون الماضي هو المسيطر حيث ان الواقع بحاجة إلى تنوع الدماء والأرواح وان التنوع والتداول يؤدي إلى خلق حياة جديدة سياسية مرغوبة مع مراعاة سياسة الواقع والمرجعيات الفكرية التي ينطلق منها واقع ما وهي في اليمن عبر اصوات مازالت خارج إطار الدائرة السياسية وترغب في المزاولة بطرق الماضي. ردود الأفعال الشخصية وهذا من اخطر الرؤى التي تعمل على اعادة الماضي والسياسة اليمنية المعاصرة سعت إلى تهميش العديد من الشخصيات وغيبت العديد منهم مما جعل هذه الشخصيات الاجتماعية والسياسية تشعر بنوع من الظلم ولذلك تسعى إلى تكريس حضورها من خلال ممارسة بعض الأعمال غير اللائقة ردة فعل منها على هذا التهميش. ولابد أن تعي الأطراف السيايسة ان لكل شخص مقام، وموقف ما من شخصية ما قد تسبب الكثير من المشاكل والأزمات خاصة رجال الأعمال الذين يساهمون في العمل السياسي ومن المفروض ان ردود الأفعال الشخصية لا تدخل في مصير القرار والقانون وان يخضع الكل للبرنامج القانوني الحكومي قد تشكل هذه الردود من اشخاص عدة مواقف وتصرفات غير محمودة ان الائتلاف الخارجي على الداخل يسبب تصعيد الأزمات وهذا يجعل البحث عن الماضي نصب الأعين مما يؤدي إلى ان تلبس هذه الشخصيات الاقنعة وتتستر وراء قضايا تاريخية لها ارتباط زمني خطير وبفعل الضغط والهيمنة على الحكومة يعاد الماضي بطرق غير مباشرة. كل هذه الأسباب لها يد ورجل في تكريس الزمن الماضي في لغة الحاضر السياسي والخطاب السياسي حيث تنبذ كل القوى ذكر الماضي، لكنها تعيده من خلال تصرفاتها مع الآخر الداخلي على المستوى المحلي. ومن العقل والمنطق ان تبدأ القوى السياسية خاصة الحاكم واللقاء المشترك بعمل البرامج والآليات والمعالجات المستقبلية التي تضمن حياة كريمة للأجيال القادمة، وتعمل على تحسين مستوى الأداء السياسي الداخلي وتطوير مجالات الحياة اليمنية المتنوعة السياسية والاجتماعية والثقافية والإعلامية في زمن تفاقمت فيه الأوضاع العربية على نفسها وتعطلت العديد من المشاريع العربية في المنطقة. وقد تقول بصيغة أو بأخرى ان الماضوية الفكرية ما زالت في حياة الشعب العربي واليمني على وجه الخصوص وان التنمية تسير بخطى محدودة ولذا تكرس الحديث عن الماضي السياسي، والحقيقة ان اليمن بإمكانها ان تفكر بعقل المستقبل اذا رأت ابناءها يدخلون مرحلة التطور والتحديث بفعل العلم والمعرفة، واتاحة الفرصة للشباب في قيادة هذا الواقع المريض ان اليمن كبقية الدول تحتاج إلى القدرات والمعالجات التي تأخذ وتؤهلها إلى مصاف دول الخليج.