في الوقت الذي بدأت فترة حكم الرئيس الاميركي جورج بوش تلفظ انفاسها الأخيرة بعد ان قضى ثمان سنوات في البيت الأبيض يقوم بمحاولات بائسة ويائسة للظهور بمظهر الرئيس القوي والمسيطر على الأوضاع حيث يقوم بوش بجولة مكوكيه لعدد من الدول في المنطقة العربية وتستغرق هذه الجولة أسبوعاً كاملاً. وكما هي العادة حيث استهل بوش هذه الزيارة بالوصول إلى الكيان الصهيوني والتقائه مع المسؤولين الاسرائيليين وتأتي هذه الزيارة في الوقت الذي يواصل فيه الصهاينة أعمالهم الإجرامية البشعة ضد ابناء الشعب الفلسطيني اضافة إلى ما مني به مؤتمر "أنا بوليس" الذي دعى له بوش من فشل ذريع كان متوقعاً له كما انه من الواضح ان بوش يحاول ان يحسن صورة اميركا امام الشارع العربي بأنها من تدعم ما يسمى بعملية السلام من جهة وتحسين صورته وصورة حزبه امام الشعب الاميركي الذي يقوم بالخطوات الأولى لإجراء الانتخابات الرئاسية من جهة أخرى. إضافة إلى أن هذه الزيارة توضح مدى التبلد السياسي الذي يعيشه الرئيس الاميركي جورج بوش فهو يريد ان يظهر كرجل سلام له بصماته في المنطقة وفي ذات الوقت يتعهد للكيان الصهيوني بالحفاظ على امن اسرائيل كدولة يهودية وهو بذلك يؤكد وقوفه الكامل إلى جانبهم دون ادنى شك. ويستشف من هذه الزيارة ان لها العديد من الأهداف والمآرب لعل ما ذكر آنفاً جزءً منها اضافة إلى ما ذكره من تحدثنا معهم من سياسيين ومفكرين عرب والتي تأتي في السطور القادمة. حيث يؤكد بعضهم ان بوش يهدف إلى اخذ ما توفر من ثروات عربية عن طريق صفقات الاسلحة وغيرها إضافة إلى الظهور بمظهر الشخص القوي ورجل السلام وهذا ما ينعدم في هذه الزيارة عديمة الفائدة وعدم قدرة بوش على تحقيق أي شيء يذكر بحسب ما ذكرته احدى الصحف الفرنسية حول هذه الزيارة كما ان بوش يستكمل في زيارته هذه المؤآمرة الدولية على القضية الفلسطينية والتي كان آخرها مؤتمر "انا بوليس" فهذه الفصول الفاشلة اعتبرتها حركة ماس تأتي لمباركة اسرائيل في حربها ضد ابناء الشعب الفلسطيني الأعزل. ونجد ايضاً ان الاستنكار من هذه الزيارة لم يكن عربياً فقط وإنما عالمياً فهذا احد الدبلوماسيين الاسرائيليين يؤكد انه من المستحيل ان يستطيع الرئيس الأميركي جورج بوش تحقيق أي شيء في هذه الفترة المتبقية من حكمه كما انه يعتقد ان بوش من النوع الذي لا يستطيع ان يفاوض او يصنع اتفاقيات سلام. وإضافة إلى ما سبق نجد ان هذه الزيارة عديمة الفائدة لها انعكاساتها في الشارع العربي بل والدولي حيث تنعكس آثار هذه الزيارة خاصة في ظل العنجهية والغطرسة الصهيونية في فلسطين اضافة إلى الاستبداد والقتل ونهب الثروات في العراق وافغانستان وغيرها من اقطار العالم العربي والاسلامي الذي يعاني من الآثار المدمرة للسياسة الأميركية وتدخلاتها في شؤون هذه الدول. وللمزيد من توضيح اهداف وانعكاسات دولة الرئيس الاميركي للمنطقة العربية اخذنا آراء عدد من السياسيين والمفكرين العرب ونبدأها بالحديث مع الأستاذ/ اسامة حمدان ممثل حركة حماس في لبنان والذي علق بالقول: اولاً هذه الزيارة هي محاولة من الرئيس الاميركي لتسويق بضاعة ليس لها سوق حقيقي وهي شعاراته في محاربة الارهاب والتي رفعها من اجل اخضاع المنطقة وانهاء المقاومة وتمزيق القضية الفلسطينية مضيفاً في تصريحاته ل"أخبار اليوم" ان سياسة الرئيس الاميركي قد فشلت وفشل منطقه وبالتالي فهو يحاول ان يسوق للمرة الأخيرة بضاعة فاسدة لا يمكن ان يكون لها أي سوق في هذه المنطقة. معتبراً تصريحاته عن الكيان الصهيوني بأنها تدل على عنصرية وحقد على العرب والمسلمين وعندما يتكلم عن يهودية الدولة الصهيونية فإنه يتكلم من واقع عنصري يزيل الآخر ولا يريد الآخر العربي الفلسطيني صاحب الارض الحقيقية ويكرس غاصباً محتلاً جاء من شتى بقاع الارض ليستولي على هذه الارض. موضحاً ان المسألة الثانية وهي عندما يتحدث عن المقاومة وكأنها ارهاب فإنه بذلك يتحدث ضد العرب والمسلمين واعتقد ان هذا الامر يشير إلى العقلية الاميركية التي لا ترجوا خيراً للمنطقة بقدر ما تسعى لحماية الكيان الصهيوني. وأشار إلى ان هذه هي رسالة إلى من يراهنون على ان هذه الزيارة ربما تحرك عملية السلام او تعيد للشعب الفلسطيني بعضاً من حقوقه. مؤكداً ان اختيار الاوقات لا يخلو من الدلالات في غالب الأحيان لكن الدلالة الأهم هي ان الإدارة الأميركية وخصوصاً الرئيس بوش والفشل الذي اصاب سياسته في المنطقة واصاب البرنامج الاميركي الاسترتيجي في المنطقة والذي يسعى للهيمنة عليها، موضحاً ان العام الهجري الجديد الذي يرجو فيه المسلمون بداية جديدة كانت بهجرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث هاجر حاملاً دعوته ورسالته لينطلق بها إلى آفاق العالم ومبشراً بالخير وقائداً لهذه البشرية لما فيه سعادتها في الدنيا والآخرة وآمل ان تكون الرسالة الاهم في الرد على هذه الزيارة للمنطقة والتي لا نرحب بها ان يقال ان العرب يتمسكون بالمنجز الذي طالما اعتزوا به مضيفاً ان هذا يوضح ما يقوم به الأميركان الذين أينما حلوا يثيرون المشاكل والفتن فيما كان منهج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو صنع الخير للبشرية. اما عن انعكاسات هذه الزيارة قال حمدان: انه لا شك ان ضعف العرب يسهل ويقلل من قدرة الامة على مواجهة التحديات ويسهل بالتالي على عدوها ان يحقق اصابات مباشرة في جسدها ففي ظل هذا الضعف العربي ستكون حجم المواجهة لهذا المخطط اضعف ولكني اثق ان العرب قادرون على النهوض من كبوتهم وهناك ارادة عند العديد من القادة العرب لمواجهة هذا التحدي ليس على قاعدة الاشباك في المعركة وانما على قاعدة الحضور السياسي والحضاري الذي نستطيع من خلاله ان نقدم رؤيا مختلفة ونقدم صورة مختلفة للعالم، وارجو ان تكون المحطة العربية القادمة في القمة العربية في شهر مارس القادم هي خير مثال على ذلك خاصة واننا لمسنا توافقا عربيا في مؤتمر وزراء الخارجية العرب الذي انجز دعوى للمصالحة في لبنان وفلسطين وهذا ما نعول عليه، سنقول بصراحة اذا كان البضع يضن ان الحلول تأتي من الخارج فهم واهمون فلا يأتينا من الخارج إلا محاولات هيمنة الاعداء وبسط نفوذهم واستغلال خيراتنا وثرواتنا. مؤكداً في ختام حديثه ل"أخبار اليوم" ان الحل الحقيقي ينبع من داخل الامة وداخل العرب انفسهم. من جانبه أكد الأستاذ/ معن بشور - الامين العام السابق للمؤتمر القومي العربي ان القراءة الاساسية لهذه الزيارة تأتي في اطار دعم المشروع الاميركي الصهيوني في المنطقة وتكريس الهيمنة على شعوبها ومقدراتها وقياداتها. مضيفاً في حديث هاتفي مع "أخبار اليوم" ان هذه الزيارة ككل زيارة يقوم بها مسؤول اميركي انما تندرج تحت هذا العنوان العريض لكن لهذه الزيارة دون شك خصوصياتها فهي تأتي اولاً فيما السباق على البيت الابيض قد بدأ داخل الولاياتالمتحدة الأميركية والرئيس الأميركي بوش يريد من خلال هذه الزيارة ان يقوي نفوذ حزبه وان يوحي للاميركيين انه مازال مسيطرا في هذه المنطقة سواء في جزئها المرتبط مباشرة بالصراع العربي الصهيوني او في جزئها المتعلق بخزان النفط في العالم في وقت بلغت فيه اسعار النفط ارقاما قياسية مشيراً إلى ان الرئيس الاميركي يريد ان يقول انه مازال مسيطر وممسك بالامور. ويضيف بشور ان المسألة الثانية هي انه يريد ان يوحي ان مؤتمر "انا بوليس" والذي دعا اليه قبل فترة مازال حياً يرزق خصوصاً بعد كمية الضربات التي تلاقاها هذا المؤتمر من الكيان الصهيوني سواء من خلال المجازر المستمرة في فلسطينالمحتلة خصوصاً في غزة وامتداداً إلى نابلس وجينين وهي أراض يفترض ان تكون في اطار السلطة الفلسطينية المدعوة لتكون شريكا في المفاوضات او في ما يتعلق بالاستيطان واستمراره مع استحداث تعبير جديد هو التمييز بين استيطان عشوائي واستيطان مرخص به وكأن الاعتداء على حقوق الناس وأراضيهم يميز بين الشرعي وغير الشرعي وأيضاً ان الجدار العازل مازال قائما والحصار على غزة مازال مستمراً وتهويد القدس ومقدساتها مازال مستمراً أيضاً. اذاً هو يريد ان يقول ان "انا بوليس" مازال حياً يرزق فيما الاسرائيلي الذي رفض ان يتحول اعلان "انا بوليس" إلى قرار في مجلس الأمن منذ اليوم هو الذي يطلق النار على هذا المؤتمر. موضحاً ان المسألة الثالثة في هذه الزيارة هي محاولة لمشاركة الدول المنتجة للنفط في فائض النفط الكبير الذي حصلت عليه نتيجة للارتفاع الكبير في اسعاره فهو يأتي لها بمشاريع تتحدث عن خطر ايراني من اجل بيع اسلحة وانظمة صاروخية لمواجهة الخطر الايراني وبالتالي فهو يريد ان يصادر جزءاً كبيراً من ثروتها النفطية ومن "البترودولار" الذي ظهر في الآونة الأخيرة. طبعاً هناك رغبة بالتجييش المستمر ضد ايران ونقل الصراع من صراع عربي صهيوني إلى صراع عربي ايراني وهو يدرك ان العدو الأساسي في المنطقة يبقى هو العدو الصهيوني ومهما كان هناك من خلافات سياسية وحدودية وخلافات بشكل خاص مع السياسة الايرانية في العراق فإن ايران لايمكن ان تكون عدواً. واضاف انه قال في خطاب قبل ايام في ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية انه يتمنى ان يسمع من حاكم عربي واحد ما يفيد عن اعتذاره عن استقبال بوش مادامت المجازر في فلسطين والعراق مستمرة. بوش يريد ان يقول ان كل شيء بخير وهو يعلم ان فلسطين والعراق وافغانستان وباكستان غارقة في الدم وربما هناك بلدان اخرى في المنطقة ستغرقها سياسة بوش بالدم ايضاً. ويؤكد بشور ان علينا ان ننظم الشارع العربي فالشارع العربي يقاتل في فلسطين وجنوب لبنان والصومال والشارع العربي مكبل بقيود التعسف والاستبداد في كثير من اقطار الأمة العربية موضحاً انه ومع كل ذلك فإن الشارع وفي الوقت المناسب يتحرك ففي فلسطين قد عبروا عن آرائهم من خلال مقاومتهم واطلاق الصواريخ والمظاهرات التي تشهدها الاراضي الفلسطينية واعتقد ان الكثير من ابناء الدول التي سيزورها بوش مرغومين على امرهم وهم تحت قبضة شديدة لا يستطيعون التعبير عن آرائهم الحقيقية في هذه الزيارة وفي ختام هذا الحديث اكد بشور انه لا هذه الزيارة ولا الزيارات السابقة ولا اللاحقة ستعمل شيء في حلحلة او تحريك ما يسمى عملية السلام فتاريخ فلسطين مليء بالمبادرات ولقاءات ومؤتمرات كان الكل يظن ان هذه المبادرة او هذا المؤتمر سيخرج بشيء للشعب الفلسطيني ومن المعروف كيف هو الواقع الصهيوني حيث ان رئيس حكومتها شخص ضعيف لا يستطيع ان يفرض شيئاً اذا اراد ان يفرض شيئاً كما ان الوضع الفلسطيني في حالة من الانقسام لا يمكن ان يحقق أي تنازل يمكن ان تفرضه التسوية، اما الرئيس بوش فإنه في آخر ايامه ويريد ان يودع بمظهر القوة لكن هو يعرف والناس تعرف انه بات اضعف رئيس في حياة الولاياتالمتحدة وها هي الانتخابات الأميركية تشير إلى حجم الاعتراض والغضب والحاجة إلى التغيير في السياسة الاميركية. وبعد كل ما ورد في السطور السابقة والآراء التي طرحت نستطيع القول انها اثبات لفشل الادارة الأميركية وعدم قدرتها على فعل شيء فيما يسمى بعملية السلام الميتة اصلاً كما نجد ان هذه الآراء اجمعت على ان لهذه الزيارة اهداف وابعاد عديدة منها ما يتعلق بالسلام ومنها ما يمتد إلى دول واقطار عربية واسلامية متعددة. وبذلك نأمل من القادة العرب ان لا يكونوا ادوات طيعة في يد اميركا تهوي بها على من تريد كما نشارك الأستاذ معن بشور في الأمل الذي ذكره آنفاً من اعتذار أي حاكم عربي عن استقبال جورج بوش اظهاراً للاحتجاج والاستنكار من السياسة الاميركية ودعمها للكيان الصهيوني الذي يعيث في الأرض الفساد.