نفى الأستاذ/ أحمد عبدالله الصوفي عضو مجلس أمنا مركز منارات أن تكون التعديلات التي أجريت على بعض مواد الدستور قد عكست متطلبات رسالة رئيس الجمهورية مؤكداً أنها لن تعمل على استقرار المؤسسات والتشريعات والخاصة به. وأكد الصوفي في الندوة التي نظمها أمس المركز اليمني للدراسات التاريخية واستراتيجيات المستقبل أن مفهوم الدستور في التعديلات الجديدة ما زال غائباً وأنها تجاهلت أنه قانون أعلى للدولة مشيراً إلى أنها تعمل على إرباك عمل المؤسسات متنبياً بتعديل آخر قريب للدستور. وقال الصوفي في ورقته أن معدي المشروع أخفقوا في معرفة خصائص وطبيعة النظام السياسي أن كان رئاسياً أم برلمانياً. وانتقد شروط العضوية في مجلس النواب والشورى التي تشترط في عضو مجلس النواب القراءة والكتابة والشورى الخبره مؤكداً أن المؤسسة التشريعية بذلك ستكون حكراً على الأمية في النواب أما الشورى فسيكون وعاء يحتوي ما تلفظه الوزارات ومجلس النواب والمقصيين من مراكزهم بالدولة وأن ذلك يلبي حاجات التخلف لا التقدم. وأشار الصوفي إلى أن التعديل حرم المرأة من مكانتها الدستورية ولم يولي عناية كافية بها منوهاً إلى تكرار ورم تأصل في كل دساتيرنا منذ عام 1972م على يد القاضي الإرياني ورغم تغيير أوضاع المرأة حتى أصبحت قوة لا يستهان بها إلا أن تلك المادة تتكرر بفجاجتها وفراغها. وفي ذات السياق عقب الدكتور عبد الرحمن الجفري على ورقة الصوفي مشدداً على وجوب تحديد مفاهيم يتفق عليها الجميع قبل تعديل الدستور والتي تضمن تحقيق العدل وإيجاد ديمقراطية محققة للتوازن وللتنمية شاملة. وكان الأستاذ يحيى محمد الماوري قدم في الندوة ورقة عن التعديلات الدستورية في ضوء الثوابت الوطنية والتي حضرها عدد كبير من المثقفين السياسيين ورجال الفكر الذين أثروها بنقاشاتهم وتعقيباتهم ومنهم الأستاذ/ أحمد الشرعبي والدكتور عبدالرحمن الجفري وحاتم أبو حاتم الأستاذة ساميه الأغبري وغيرهم كثير. وهنا نعمل على نشر الورقتين نزولاً عند رغبة القارئ الكريم ونبدأها بورقة الصوفي. القضايا الأساسية في التعديلات الدستورية إذا كنا قد استخلصنا في المدخل النظري أنه من الصعب على دولة يجري تصميم دستورها قبل نشؤها في الموقع الملموس الامتناع أو الابتعاد عن تخطى كل مظاهر القلق التشريعي ، فإن إنجاز هذه الدولة والوصول بها إلى حالة من التوازن والإتساق والتناغم والتكامل بين مؤسساتها تبدو من الناحية العملية عملية أشد تعقيداً بسبب نقص الخبرة الوطنية في مجال بناء كيانات كاملة وناضجة وقادرة على احتمال متغيرات يفرضها الماضي القريب لهذه الدولة الذي أحتشد بالإحداث وانعكست أثارها على جسد الدستور وكذا بسبب منهجية التطوير في اطار التمسك ببعض مكونات الأسس الناظمة العلاقات ومؤسسات هذه الدولة مما يجعل الدارس لمنطق الخبرة الوطنية خلال السنوات ال 18 الماضية يواجه أسئلة محورية في جوهر وصلب المهمة التاريخية أمام القوى الاجتماعية والسياسية الراهنة وربما لخصتها تلك الأسئلة التي تدافعت في الندوات واللقاءات التي عقدت حول مشروع التعديلات الدستورية سواءً من حيث بنيتها القانونية أو من حيث حسن استجابتها للغايات التي حددتها رسالة الأخ رئيس الجمهورية التي أشرنا أنها تمثل الفارق بين تعديلات فرضت لتقاسم وتجاهل لمهمة بناء الدولة الحديثة وتطوير النظام السياسي والمؤسسة التشريعية وتعميق صور المشاركة الشعبية . لكن السؤال الجوهري هل هذه التعديلات قد عكست متطلبات تلك الرسالة التي توجه بها الرئيس ؟ هل أوجدت الأسس للاعتقاد أننا بهذه التعديلات سنمتلك استقرارا مؤسسياً وتشريعياً خاصة فيما يتعلق بالدستور ؟ نقول أن الجواب كلا... بل أننا نضيف أن مفهوم الدستور في هذه التعديلات ما زال غائباً ومازالت مواد التعديل تتجاهل انه قانون أعلى للدولة وانه يحدد أسس نظام الهيئات وأنشطتها وهو في الأخير لا يخضع للقلق التشريعي ولا يحتوي عملية إخضاع الهيئات للقانون ، بل أنه يسقط من حسبانه التعامل مع معايير و نواقص تجربتنا السابقة وبالتالي أتت التعديلات الدستورية من أجل تطوير آليات عمل هذه المؤسسات لكنها في الحقيقة تكرس الإرباك وربما لا أجانب الصواب إذا قلت أنها ستعقد الفوضى وتشرعن الارتجال ولن تحمي في آخر المطاف هذا الدستور حتى وإن عدل فلا بد من الحاجة إلى تعديل أخر خلال أمد زمني قريب ، وقد يتساءل المرء ما الأسانيد التي يتكل عليها مثل هذا الحكم نجيب بأدلة من مشروع التعديلات وهي مجموع المرفقات التي شملت الرؤية والمعالجة القانونية والاتساق المؤسسي . وفي هذه ألتناولة سنركز على المعالجة القانونية كما وردت في النص مقدماً ضمن عناوين وقضايا رئيسية :- أولاً :- نظام الغرفتين . بعد قراءة متأنية للمواد التي تنظم نشاط السلطة التشريعية بغرفتيها النواب والشورى والتي تبدأ من المادة (62) حتى المادة (108) بالإضافة إلى مواد جديدة تجعل من حصة هذه المؤسسة بغرفتيها تكاد تكون قد استولت على ما يقارب الثلث من مواد الدستور لتثير سؤالاً مركزياً : ماهي طبيعة النظام السياسي ؟ لقد أخفق من أعد المشروع في الوصول إلى إجابات واضحة حول خصائص وطبيعة النظام السياسي إن كان رئاسياً أم برلمانياً . ومن المهم اليوم الإجابة عن هذا السؤال حتى تنسق النظام الهيكلي والسياسي للدولة مع القواعد والأعراف والأسس التي تقوم عليها الدول الديمقراطية وبالأخص تلك التي تتشابه في خصائصها الاجتماعية وإمكانياتها الاقتصادية وتطورها السياسي مع نظامنا السياسي . فإبقاء صلاحيات الرئيس وإفراد صلاحيات استثنائية لمجلس النواب يجعل من النظام بلا قسمات لا هو رئاسي ولا هو برلماني ، فقد وزع القوة والسلطة بشكل غير دقيق بين رئاسة الجمهورية ومجلس الأمة وهذا يعد تداخلاً في السلطات. أولاً :- ثلاثة مجالس لهيئة تشريعية واحدة لقد اقتبس من أعد المشروع تقنية سائدة في الدول الديمقراطية ( نظام الغرفتين التشريعيتين ) وهذا أمر حسن لكنه في القوالب القانونية والمواد المتصلة بالصلاحيات تجاهل الأمور التالية : 1- إن نظام الغرفتين يكون فعالاً في بيئة مؤسسية واضحة المعالم وتكون عوائقها كبيرة في ظل النظام الرئاسي، وفي ظل استقلال فعال للسلطة القضائية لكن المشروع تجاهل هذا الأمر في أكثر من ناحية . 2- صلاحيات المجالس الثلاثة ( النواب - الشورى - الأمة ) جعلها متنامية عند التئام المجلسين ليعطي مجلس النواب مركز أول ويصبح مجلس الشورى ملحقاً بمجلس النواب من حيث نطاق الصلاحيات التشريعية التي يتمتع بها داخل مجلس الأمة دون أن يراعي حقيقة أن مجلس الشورى لايتمتع بأرضية شعبية تخوله امتلاك هذه الصلاحيات لينتهي بنا الأمر إلى اكتشاف أن التوازن بين السلطة والتكامل والاتساق غائبين بل نواجه تنازعاً للسلطات في المادة (85) حيث نرى مجلس الشورى منفرداً يقف وحيداً أمام مجلس النواب وهنا نلاحظ أن المُشرِع أخطأ في فهم التجربة الأمريكية في حال اجتماع المجلسين (الشيوخ والنواب) المنعوت بالكونغرس أي المؤتمر التشريعي فيما أطلق المشرع صفة التمثيل للأمة متجاهلاً ثوابتنا العقدية والقيمية وإيماننا بأننا كما ورد في الدستور وفي المادة الأولى منه أن الشعب اليمني جزء من الأمة العربية والإسلامية. فكيف أصبحنا أمةً في ما يزال رئيس الجمهورية رئيساً لشعب ودولة هي جزء من الأمة ؟ 3- تستوقفنا شروط العضوية في المجلسين (النواب - الشورى ) فالأول لا يشترط سوى القراءة والكتابة أما الثاني بالإضافة إلى ذلك أن يكون لديه خبرات ، وإذا عدنا ترجمة هذا النص وقابلناه لهدف رسالة الأخ الرئيس من هذه التعديلات القاضية تطوير المؤسسة التشريعية فإننا سنجد أمامنا حقيقة قاسية هي أن المؤسسة التشريعية حكرٌ على الأمية فيما مؤسسة الشورى وعاء يحتوي ما تلفظه الوزارات ومجلس النواب ومن يُقصون من مراكزهم في المحافظات والهيئات الدبلوماسية و بالتالي نحن إزاء تأطير المؤسسة التشريعية لتلبية حاجات التخلف وليس التقدم ، فلابد من مراجعة شروط العضوية في المجلسين بالإضافة إلي المتطلبات السياسية ، كما ان من الضروري إضافة بعض المتطلبات المتصلة بالمهارة التشريعية الهادفة إلي تطوير النظام . 4- دور مجلسي النواب والأمة هذان المجلسان يمثلان قيداً على نشاط حكومة تعتمد على المساعدات والمعونات التي تتطلب سرعة البت فانعقاد مجلس الأمة من شأنه أن يعيق سرعة إقرار القوانين والاتفاقيات والعقود الأمر الذي يستدعي تغييرآً في دواعي اجتماع المجلسين فبدلاً من أن تكون لأغراض التشريع لابد أن تكون لأغراض رسم السياسات أو لأغراض الرقابة على الحكومة أو محاسبة أحد أفرادها ، ولكي يتحقق ذلك لابد من إعادة صياغة شخصية المؤسستين وتوزيع السلطات بينهما بشكل متوازن على أساس أن يتولى مجلس النواب- مثلاً- تأسيس صحيفة اتهام الوزير أو أعضاء الحكومة فيما يتولى مجلس الشورى مع السلطة القضائية التحقيق في ذلك الاتهام أو إجراء المحاكمة . إن بقاء تنازع السلطات بين المجلسين لايمكن لمجلس النواب أن يحله بل يفرض على هذا المجلس الغرق طواعية في مناقشات عقيمة تجعل من هذا التطوير يتحول إلى إعاقه وتأخير ، إذ بقاء المؤسسات الرقابية على المال خارج سلطة البرلمان ا والمؤسسة التشريعية تعد واحده من المطالب الجوهرية التي ستدفع بدور المؤسسة التشريعية إلى الأمام في الرقابة على الأداء الحكومي وحماية المال العام . 5- أن قوام مجلس الشورى ومصادر سلطته التشريعية تستدعي المراجعة بل أن الهدف من توسيع صلاحياته بإعتباره بيت خبرة تستلزم مراجعة القوام وتغيير مصادر إكتساب الشرعية كأن ينتخب (51% ) من قوامه من الشعب فيما يُعين رئيس الجمهورية (49%) شريطة أن تكون معايير التعيين والترشيح متطابقة ويراعى فيها بصورة خاصة الغاية النوعية من وظيفته . ثانياً : المرأة إن من الأمور المُحزنة في مشروع التعديلات أن نجد نصاً وهي المادة (31) التي عدلت من صيغتها الإنشائية التي تكونت من سطرين ونصف لتصبح خمسة أسطر وكلمتين في تعبيرات إنشائية لاتقول شيئاً كما أن وجودها غير مبرر ولا تمنح للمرأة شاناً دستورياً يمكن أن يعتمد عليه ، وهذا ناتج عن أن الدستور لم يولي عناية كافية في مواده التأسيسية المتصلة بالتعاريف نصاً يُعرف مفهوم المواطنة ويُميز صيانة الحريات الشخصية ويكفل بالقانون ممارسة حقوق وواجبات المواطنة وهو الأمر الذي أدى إلى إنشاء مادة هي ورم تأصل في كل دساتيرنا منذ عام 1972 على يد القاضي عبد الرحمن الأرياني رحمه الله الذي أقترح تلك الصيغة ليحسم الجدل عند صياغة الدستور الدائم للجمهورية العربية اليمنية ، ومنذ ذلك الحين والمادة تتكرر بفجاجتها وفراغها متجاهلة أننا بعد 36 عاماً قد تغيرت فيها أوضاع المرأة وأصبحت قوة لا يُستهان بها سواءً كوزن انتخابي أو كنخب سياسية واجتماعية اوناشطات في الحياة المدنية مما جعل -أيضا - الدستور ينزلق من خلال هذه المادة إلى مزالق تجاهل هذا التطور الذي جعل المرأة وزيرة وسفيرة وهو أمر غير مفهوم لا من زاوية أن آفة التمييز بين الذكر والأنثى تطال عقل الدولة بسبب التباسات ما زالت غير محسومة فيما يتصل بعلاقة المرأة بالمجتمع الذكوري والدولة الذكورية ، إن لم نستطع أن نأتي بفكرة واضحة عن دور المرأة فالأحرى بنا أن نحذفها وذلك ارحم .