أفئدة مقهورة، وأعضاء مشوهة، وأجسام جلودها محروقة تظهر عظامها البيضاء، الأفراد من متاعيس البشر، رأيناهم في مستشفى 22 مايو بعدن كلهم ضحايا حادثة مصنع "7 أكتوبر" في مدينة الحصن بمحافظة أبين جميعهم حالهم بين الشكوى والأنين، مرة ممن أرداهم وأخرى ممن تجاهل ألمهم، لا سيما وقد أهملتهم إدارة المستشفى، وكذلك فعل مكتب الصحة بعدن، الذي لم يبادر حتى بمستلزمات التخدير. "أخبار اليوم" زارت ضحايا مصنع "7 أكتوبر" والتقت الفريق الطبي المتطوع بمستشفى 22 مايو بعدن ونقلت الصورة في هذا الاستطلاع: سبع عشرة حالة متنوعة الإصابات بين جروح وحروق بعضها خطيرة يرقد أصحابها في مستشفى 22 مايو بعدن، جميعهم ضحايا انفجار مصنع "7 أكتوبر" للذخيرة بأبين، هم من تبقى من بين أخوة لهم قضوا نحبهم في المحرقة الجماعية التي دبرتها جماعات إجرامية تولت قتل الحياة دون أن يكون للبشر ذنب فيها، وتركت من تبقى مشوهاً، منكوباً، معدماً، لا يجد ما يطفئ به لهيب الجراح. * المدد من ساحات التغيير: بجهود جبارة خالصة لوجه الله تجلت فيها أسمى معاني الروح الإنسانية وعمق المسؤولية والواجب تجاه بني الإنسان جسدها كل من د/ محمد النسي مدير العلاقات العامة في اللجان الطبية الميدانية بساحات التغيير بعدن ومعه الفريق الطبي التابع للمستشفى الميداني بصنعاء والمكون من د/ نصر حميد القدسي مدير مركز الجروح والتجميل في المستشفى الجمهوري ونائبه د/ صالح مسعد الحيضاني ويشاركهم زملاؤهم د/ رفيق نور ومن معهم من فنيي عمليات وطاقمي التمريض والتخدير بمستشفى 22 مايو بعدن. * مبادرة: د/ محمد علي النسي يقول: في بداية الأمر شكلنا لجاناً تتولى مهمة التنسيق مع مكتب الصحة وجمعية الإصلاح والمستشفى الميداني بصنعاء وللأسف طال الوقت وحصلت مضاعفات للمرض فتواصلنا مباشرة مع د/ نصر القدسي ود/صالح الحيضاني فأبديا استعدادهما وتكفلت جمعية الإصلاح بالحجز والإقامة والتغذية وبدأ الفريق العمل يشاركهم أطباء من مستشفى 22 مايو وطاقم التمريض والتخدير وبالرغم أن عملهم طوعي مجاني إلا أنهم بذلوا جهوداً يشكرون عليها. وأضاف د/ النسي: أنا أدعو الجهات المختصة المتمثلة بمكتب الصحة بعدن ومستشفى 22 مايو أن يبادروا على الأقل بتقديم حافزاً أو شيئاً من الدعم للأطباء التابعين لهم تقديراً لجهودهم وإخلاصهم في العمل. * صعوبات تحدث إلينا د/ خالد خيري أخصائي جراحة عامة بمستشفى 22 مايو بعدن قائلاً: عملنا على متابعة المصابين منذ وصولهم وبذلنا جهوداً جبارة لأن الحالات كانت حروقاً ما بين الدرجة الثانية والثالثة وهي معظمها 50% وكانت هناك بعض الصعوبات التي واجهتنا كنقص الأدوية ولو لا أن جمعية الإصلاح التي قدمت دعماً مفتوحاً ووفرت الأدوية لما استطعنا معالجة الحالات. وأضاف د/ خيري: وأكبر الصعوبات عدم وجود طاقم مؤهل للتعامل مع الحروق وبهذا الكم من الحالات ولا يوجد في عدن قسم خاص للحروق ولا أخصائيون ولا توجد دورات تأهيلية وأنا شخصياً أعمل منذ "15" سنة، لم أحصل على دورة تأهيلية في مجال الجراحة أو التجميل أو في مجال الحروق ووزارة الصحة لم تقدم أي دعم ملموس في هذا النوع من العمليات حتى أن جهاز عملية زراعة الجلد أحضره الفريق الطبي من صنعاء وله الشكر على ذلك. * عمليات ومجارحة: من جانبه أفاد د/ نصر حميد القدسي مدير مركز الجروح والتجميل في المستشفى الجمهوري بصنعاء: أن نزول الفريق الطبي إلى عدن كان بتكليف من الأخوة بساحات التغيير "المستشفى الميداني" بالتعاون مع جمعية الإصلاح، وقال د/ القدسي: بدأنا نحن والزملاء بمستشفى 22 مايو بمعاينة المصابين في حادثة انفجار مصنع أبين، وكان عددهم"16" حالة تقريباً وثلاثة في مستشفى الجمهورية وتبين لنا بعد الكشف أن عشرة منهم يحتاجون لعمليات جراحية و"4" يحتاجون لزراعة جلد والبقية ما بين تنظيف ومجارحة تحت التخدير العام ثم أجرينا لهم الفحوصات ثم كتابة الخطة العلاجية اللازمة والإشراف على تنفيذها وبفضل الله أجرينا العمليات بنجاح في زراعة الجلد واستئصال أنسجة تالفة مع المجارحة ومن قبل أجرينا عمليات إسعافية لتوصيل الأوعية. * توصيات: يؤكد د/ نصر القدسي بأن هناك بعض الصعوبات التي واجهت الفريق الطبي أثناء إجراء العمليات منها نقص المستلزمات الطبيعة وأدوات التخدير. وأضاف: لولا أن الأخوة في الجمعية وفروا كل ما يحتاجه المرضى سواء في الأقسام أو في غرفة العمليات لما تمكنا من العمل والشكر لهم وللأخوة الزملاء في مستشفى 22 مايو، فقد بذلوا جهوداً كبيرة معنا برغم قلة أمكانيات المستشفى ونحن كفريق طبي نوصي بضرورة وجود مركز خاص بالحروق والتجميل وضرورة تأهيل الكادر في هذا المجال ليستقبل الحالات المصابة بالحروق من جميع المحافظات الجنوبية. * مع المصابين: كان لنا لقاء مع المصابين ومرافقيهم وقد شكوا تجاهل مكتب الصحة وإدارة المستشفى لمرضاهم لكنهم شكروا أطباء وممرضي المستشفى والفريق الطبي القادم من مستشفى ميادين التغيير بصنعاء، كما تقدموا بالشكر لأهل الخير وجمعية الإصلاح على توفير الأدوية المجانية والمستلزمات الطبية . وقال الأخ/ علي قايد حيدرة من أبناء قرية المسيمير محافظة أبين: أصيبت أمي واثنتان من أخواتي في انفجار مصنع "7 أكتوبر" وأنا أشكر كل من ساهم في تسهيل سفرهم إلى صنعاء لتلقي العلاج. * تنبيه: أشار د/ محمد ا لنسي بأن هناك شخص قام بكتابة إسم د/ النسي ورقم هاتفه في إحدى الصحف ووضع رقم حساب باسم د/ النسي لصالح المصابين بحادثة "7 أكتوبر" ومن هنا يؤكد د/ النسي أنه لا يوجد أي رقم حساب في أي بنك أو أي جمعية تورد إليه التبرعات لصالح المصابين وأنه من أراد تقديم التبرعات عليه أن يأتي إلى مستشفى 22 مايو بعدن ويسلمها مباشرة إلى المصابين أو إلى أهاليهم. * منذ متى؟: منذ متى صرنا هكذا؟! نقتل الفقراء ونسرق البسمة من شفاههم؟ منذ متى ماتت قلوبنا وبلغت أحاسيسنا حد الضمور، وإلى متى سنظل نصنع البشاعة في معامل البعد عن الصواب ونتجاهل آلام الآخرين؟! * بئس الاستقبال: مكتب الصحة بعدن وإدارة مستشفى "22" مايو لم يقدما للفريق الطبي شربة ماء بل لم يتوجها بكلمة شكر أو ترحيب، لكن الفريق الطبي كان في غنى عن ذلك وبدأ عمله يوم الثلاثاء بمعاينة المصابين وإجراء ثلاث عمليات جراحية ونقل ثلاث حالات إلى صنعاء بعد أن أبدى مستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا استعداده لمعالجة المصابين مجاناً وتكفلت جمعية الإصلاح بتذاكر سفرهم جواً.