ضمن الخطة الاستراتيجية لهيئة أبوظبي للقافة والترات في الحفاظ على الموروث التاريخي والتراث العمراني لإمارة أبو ظبي، تواصل إدارة الترميم في الهيئة حالياً مهمة ترميم الجدران في واحة الجيمي كمشروع يتبع برنامج ترميم الطوارئ الذي تنفذه منذ عام 2008 على عدّة مراحل، والذي يتطلب القيام بالتوثيق والترميم على نحو عاجل، وعلى النحو المنصوص عليه في الكثير من المواثيق والاتفاقيات الدولية، ووفق أرقى المعايير المتبعة في اليونسكو. وبدأت إدارة الترميم في الهيئة مؤخراً أعمال المرحلة الثانية لتشخيص أعمال ترميم الطوارئ المطلوبة على المديين القريب والبعيد ذات الأولوية المتوسطة. وأوضح محمد خلف المزروعي مستشار الثقافة والتراث في ديوان ولي عهد أبوظبي مدير عام الهيئة، أنه وضمن خطتها الاستراتيجية للحفاظ على التراث الثقافي المادي في أبوظبي، أخذت هيئة أبوظبي للثقافة والتراث على عاتقها مسؤولية البحث وإعداد سياسات التطوير لضمان تنفيذ نشاطات حماية المباني التاريخية وفق أرقى المعايير العالمية، وتشمل نشاطات الحفظ والحماية التراث الثقافي المادي في إمارة أبوظبي بما في ذلك المباني والمواقع والمقتنيات، وفي نطاق هذه المهام، يتواصل حالياً تنفيذ عدد من مشاريع الصون الهامة، مع التركيز على مواقع المباني التاريخية بصفة خاصة. ومع انتهاء المرحلة الأولى، تم تنفيذ أكثر من 140 مهمة في أكثر من 25 موقعا تاريخيا مهما في مدينة العين، وتم بهذه الأعمال ضمان سلامة المباني واستقرارها على المدى القريب، وتهيئتها للمرحلة التالية من الترميم على المدى البعيد. وفي نهاية العام الماضي 2010، بدأ ترميم الجدران التاريخية الواقعة حول مسجد الشيخ أحمد بن هلال الظاهري في واحة الجيمي بالتنظيف وإزالة الأعشاب، وكذلك تأمين مداخل الممرات الموجودة فوق الجدران، وبدأت عمليات إصلاح الأجزاء المتهدمة في الجهة الجنوبية من واحة الجيمي خلال الربع الأول من العام الحالي 2011، وشمل ذلك التغطية المعمارية للجدران وملء الفجوات في البناء، والبناء بالطوب اللبن بدلاً من الطابوق الإسمنتي. ومن خلال تواجد الهيئة في الواحة، بدأ عُمّال ومزارعو الحدائق في فهم أهمية هذه الجدران التاريخية وإدراك قيمتها كجزء لا يتجزأ من تراث العين، وصولاً إلى عناية أفضل بها، وبالتنسيق مع الهيئة فإنّ عمليات الري سيتم محاولة حصرها بعيداً عن قواعد الجدران، وتمثل عملية ترميم جدران الطوب اللبن في واحة الجيمي نموذجاً للتدخلات المستقبلية ومنهجاً للتسجيل سيطبق على الجدران التاريخية الموجودة في واحات أخرى بمدينة العين. وأوضحت إدارة الترميم في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث أنه تتناثر في أرجاء واحات العين مئات الأمتار من الجدران التاريخية المبنية من الطوب اللبن التي تفصل بين قطع الأراضي.. ففي الماضي حفر المزارعون الأرض للوصول إلى التربة الخصبة والتحكم بتصريف المياه في بساتين وحدائق النخيل، وكان الطين المستخرج خلال أعمال الحفر هذه يُستعمل لإعداد الطوب اللبن والملاط اللذين كانا يستخدمان لبناء الجدران العالية والمنحنية التي نراها اليوم، ومع مرور الوقت، أصبحت هذه الجدران أعلى طولا أو أكثر سماكة مع تزايد عمليات الحفر، ويحتاج طوب اللبن – وهو مادة بناء هشّة – إلى ترميم وصيانة دورية، وأخذت هذه الجدران تتداعى جراء عدم ترميمها مع مرور الزمن، وخلال التطور السريع للمدينة في فترة ما بعد اكتشاف النفط، أعيد بناء الكثير منها باستخدام الخرسانة، واليوم، تعاني الشبكة المتبقية من هذه الجدران التاريخية ظروفاً متردية وتحتاج إلى عناية فورية، وهو ما تواصل إدارة الترميم القيام به. ويعتبر مسح الموقع وتوثيقه شرطاً أساسياً لفهم أي بناء تاريخي أو موقع قبل المباشرة بإجراءات ترميمه، ويتطلب هذا الأمر تدريباً وموارد بشرية وتجهيزات مناسبة، وبالنسبة لجدران واحة الجيمي، فإنّ غياب أي عملية توثيق سابقة يفرض توثيق هذه الجدران على شكل رسومات معمارية لفهم طبيعة إنشائها ورصد أية مخاطر تتعرّض لها، ولتكون أيضاً بمثابة قاعدة لتسجيل التدخلات الترميمية، وقد كانت مرحلة التوثيق فرصة لتدريب طلاب العمارة في جامعة الإمارات على التوثيق المعماري، وقد تمّ توثيق بعض المواقع يدوياً باستخدام شريط قياس وفحص عمودي وخطوط أفقية فاصلة، أما سطوح الجدران فقد جرى توثيقها ببساطة من خلال التصوير الفوتوغرافي الرقمي كجزء من عملية توثيق الحال التي وجدت عليها، وتمّ تجميع الصور معاً لتكوين مشاهد بانورامية لهذه الجدران الممتدة والمنحنية. يوفر التوثيق أيضاً أفكاراً حول كيفية بناء هذه الجدران في الماضي، وماهية العوامل التي ساهمت في تدهورها، وقد لوحظ وجود نوعين من تقنيات البناء: الجدران القائمة بذاتها – حيث يكون جانبا الجدار مكشوفين، والجدران المكشوفة في جانب بينما الجانب الآخر يسند ممراً أو مساحة من الأرض تعلو عن مستوى ارتفاع الحديقة، وغالبا ما يُحدث تراكم الأنقاض المتجمعة من الحدائق تهدّماً في الجانب العلوي من الجدران، ويتسبب ري الحدائق المنخفضة بأضرار تلحق بالقواعد المخفية للجدران بينما يؤدي سوء تصريف مياه الأمطار على طول الممرات إلى إضعاف قواعدها الخارجية، وقد نتج عن ذلك تآكل في الطوب اللبن والملاط وفجوات في البناء، بالإضافة إلى انهيار هياكل البناء كليّاً أو جزئياً في الكثير من المواقع، وبُذلت بعض الجهود في الماضي لتقوية هذه الجدران الهشة وتقليص تداعيها عبر بناء دعامات تسند الطوب اللبن وإحلال طابوق إسمنتي محل الجدران الطينية المنهارة، لكنّ هذه الجهود أخفقت أيضاً وأصبح الأمر يتطلب تدخلاً ترميمياً عاجلاً.