تتزايد معاناة النازحين من أهالي أبين يوماً عن يوم منذ يوم السابع والعشرين من شهر مايو 2011م، عندما استطاع مسلحون السيطرة على جميع المرافق الحكومية ومن بينها المكتب التنفيذي واستلام الأمن المركزي والأمن العام وشرطة النجدة والأمن السياسي ورفض قيادة وأركان اللواء 25 ميكا المرابط في زنجبار عاصمة محافظة أبين تسليم أسلحته والاستسلام للمسلحين الذين لايزالون يحكمون سيطرتهم على زنجبار والكود وجميع مناطق أبين الأخرى. معاناة النازحين كانت حديث الساعة بين الناس ولم تلق نصيبها في التغطية الإعلامية لكثير من وسائل الإعلام من صحافة وقنوات فضائية ومواقع الانترنت، التي تتسابق فقط على أخبار المواجهات بين المسلحين والقوات الحكومية وحصرت أخبارها على أعداد القتلى والجرحى والآليات العسكرية المحترقة أو العاطبة دون أن تعطي لمشكلة النزوح الجماعي وتشريد الأسر من منازلها حقها في تلك التغطيات. صحيفة "أخبار اليوم" التي كانت سباقة إلى نشر عدد من التقارير والتحقيقات الصحفية عن معاناة النازحين، خلال الأسبوعين المنصرمين التقت عدداً من النازحين من زنجبار والمناطق الأخرى المحاذية لها ورصدت معاناتهم، فإلى الحصيلة: * اضطررنا إلى عمل "عُشش" بجوار وعلى أسطح منازل الأقارب: في مديرية المعلا م/ عدن وتحديداً منطقة الشيخ إسحاق في أسفل جبل شمسان وجدنا عدداً من الأسر النازحة وبداية حدثنا الأخوان أمين محمد أحمد المرخي وعدنان محمد المرخي عن معاناة أسرتهما منذ نزوحهما من منطقة باجداد في الناحية الشمالية لمدينة زنجبار عاصمة المديرية حيث قالا: نزحنا في اليوم الثاني من بدء المواجهات بين المسلحين والجيش وما صاحب تلك المواجهات من قصف عشوائي على المواطنين من مدافع ودبابات على المسلحين والتي تضرر منها المواطنون الذين لا ذنب لهم في تلك المواجهات. نزحنا إلى محافظة عدن، كلفنا أكثر من عشرين ألف ريال إيجار السيارة ، حيث قام أصحاب السيارات باستغلال ظروف الناس الهاربين من جحيم الحرب وذهبنا إلى بيوت الأقارب وأحسسنا بإحراج شديد واضطررنا إلى استخدام "صناديق" وعشش بجانبي الصخور المجاورة لمنازل الأقارب وعملنا عشش على سقوف المنازل. نعاني من حرارة الشمس المحرقة في عز الصيف وما يصاحب الساكنين الأصليين في بيوتهم من انقطاعات للكهرباء باستمرار، لم نحصل حتى الآن على أي معونات غذائية ولم يتم حصر أعداد النازحين كما ينبغي ولم تتوافر لدينا الفرشات، حيث نفترش الأرض ونلتحف السماء. لم نلمس أي دور لا للمجالس المحلية أو منظمات الإغاثة ومعاناتنا تزيد من يوم لآخر ونتمنى أن تنتهي هذه الحرب وهذه المهزلة وأن تعود الحياة إلى حالتها الطبيعية لنعود إلى ديارنا، بعيداً عن آلام وعذابات النزوح والتشريد وألا يسعنا إلى أن نشكر الأخ/ أحمد عبدالله علي دعوس الوكيل المساعد لمحافظة أبين الذي وقف معنا منذ اللحظات الأولى لوصولنا إلى مديرية المعلا وعمل الترتيبات للسكن لعدة أسر في منطقة الشيخ إسحاق مديرية المعلا م/ عدن. * النازحون لم يشعروا بأي اهتمام لا من الدولة ولا من رجال الخير: الأخ/ علي عبدالله عبيد من نازحي مدينة جعار إلى الشيخ إسحاق تحدث قائلاً: أنا أحد النازحين من جعار إلى منطقة الشيخ إسحاق، لدي أسرة مكونة من "6" أفراد ونسكن عند أحد أبناء القبيلة وهو صالح العرجي الذي فتح بيته لنا كنازحين ولأكثر من "15" يوماً تقريباً، من جعار إلى عدن قسم ظهورنا، حيث وصلت الإيجارات للسيارة بأكثر من عشرين ألف ريال، تم نزوحنا بسبب اشتداد ضرواة المعارك ومن قصف الطيران والمدفعية. لم يدعمنا أحد بأي دعم من غذاء أو فرشات على الإطلاق واضطررنا إلى البقاء لدى الأقارب، المهم نطالب المنظمات الإغاثية بالنظر إلى معاناة نازحي م/ أبين الذين يزيد عددهم أكبر من خمسة عشر ألف نازح في عدن ويافع وغيرهما. وأضاف: يا أخي النازحون لم يشعروا بأي اهتمام لا من دولة ولا رجال الخير والبر والإحسان والله يكون في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه المسلم، وهؤلاء النازحون هم الأولى بالرعاية والاهتمام وظروف الناس صعبة للغاية، فلماذا يحرمون من مد يد العون لهم وهم في أمس الحاجة للمساعدة ولا سيما في مثل هذه الظروف الصعبة بعد اشتعال نيران الحرب وتشردت كثير من الأسر اضطراريا إلى مختلف المناطق، وأكرر الدعوة للجهات المختصة بسرعة عمليات الإغاثة ليس للنازحين فقط، بل لمن لم يستطيعوا النزوح لأي سبب ومازالوا في منازلهم في ظل هذا الوضع المأساوي الذي لا يحسد عليه أحد. * لمنظمات الإغاثة وقيادتي عدنوأبين: وخلال جولتنا للأسر النازحة بمنطقة الشيخ إسحاق التقينا الأخ الشيخ/ أحمد عبدالله علي دعوس الوكيل المساعد لمحافظة أبين وسألناه عن وجوده في منطقة الشيخ إسحاق وقال: مؤخراً تم ترشيحي بتوجيهات اللواء عبدربه منصور هاد القائم بأعمال رئيس الجمهورية وكيلاً مساعداً لمحافظة أبين وأقوم بدوري في المسؤولية الملقاة على عاتقي تجاه هؤلاء النازحين ومنذ بدء سيطرة المسلحين على زنجبار ونواحيها من المناطق واشتعال الحرب ونحن نستقبل النازحين ونسهل لهم بعض التسهيلات وفق إمكانياتنا وعلاقاتنا. علماً بأنني كنت قبل حوالي 20 يوماً في عاصمة المحافظة زنجبار وكانت المحافظة شبه ساقطة بيد المسلحين ما عدا اللواء المرابط هو الوحيد الذي لم يسقط بيد المسلحين الذين مايزالون مسيطرين حتى يومنا هذا على زنجبار التي تشهد وضعاً مأساوياً لا يمكن السكوت عليه. وبالنسبة للنازحين فإن معاناتهم كبيرة وبحاجة إلى مزيد من الدعم ليتمكنوا من مواجهة هذه المأساة ونأمل من المنظمات الدولية وقيادات محافظتي أبينوعدن العمل على وجه السرعة بإغاثة هؤلاء النازحين الذين أجبرتهم ظروف الحرب إلى مغادرة منازلهم وقراهم إلى مناطق أخرى ومحافظات أخرى وأنا لن أتوانى لحظة واحدة في تقديم ما استطيع من دعم مادي أو معنوي للحد من وطأة نزوح هذه الأسر التي يصل تعداد أفرادها إلى أكثر من "17" ألف نسمة وما تزال البقية تأتي: * أين دور رجال البر والإحسان؟: أما الأخ/ فهمي أحمد محمد من زنجبار فقد قال: إن وضع نازحي أبين مزرٍ للغاية، حيث لا توجد مراكز إيواء سوى في مدارس لا تتجاوز أصابع اليدين ومعظم النازحين، إما عند أقاربهم أو أجبروا على الاستئجار لمساكن أخرى تكلفهم أعباء مادية، الدولة غائبة تماماً ومنشغلة بالصراع على الكراسي والمجالس المحلية مشلولة كلياًُ والجانب الإنساني لرجال الخير في خبر كان فهم لا يذكرونا إلا إذا كان لديهم نوايا للترشح في الانتخابات وأتحداهم يدعمون النازحين لأنهم مقتنعون قناعة تامة أن ما فيش انتخابات جديدة في القريب العاجل وإذا في انتخابات سنشاهدهم يتفقدون أوضاع النازحين ومعاناتهم وسيقدمون كل غال ونفيس، أما حالياً فهم مش محتاجين للنازحين وما فيش لديهم دعم. * ما يحدث لأبين أمر يفوق الخيال وسط صمت إعلامي غير مسبوق: واتجهنا إلى ثانوية باكثير بمدينة كريتر "مركز للنازحين والتقينا الأخ/ عبدالله فضل فرتوت وتحدث إلينا قائلاً: ما يحدث في أبين لا يتصوره العقل ولا يقبله المنطق.. الجثث ملقاة في الشوارع تنهش منها الكلاب، باعثة روائح تزكم الأنوف والمباني تتهدم على رؤوس قاطنيها والممتلكات تنهب والمؤسسات تدمر من مسلحين تدعمهم السلطة وقصف عشوائي للجيش دون تمييز تحت صمت إعلامي غير مسبوق وكأن أبين ليست جزءاً من هذا الكوكب والمنظمات الدولية والمحلية ومنظمات المجتمع المدني والحقوقيين والشعب لم يحركوا ساكناً أمام ما يحدث. كل هذا دفع أبناء أبين للبحث عن موطئ أمان والنزوح إلى عدن لا حول لهم ولا قوة وكان أهالي عدن في محل التقدير والاحترام ووفروا الطمأنينة لإخوانهم النازحين من أبين، وباختصار أقول أن ما يحدث لأبين نوع من الخيال بل يفوق الخيال حقاً. الأخ/ منيف ناصر عباد محمد أحد النازحين بثانوية باكثير" تحدث قائلاً: نحن النازحون المنكوبون من محافظة أبين لدينا مسؤولون لا يقومون بتوصيل المعونات إلينا بالشكل المطلوب والأمانة وحيث رأيناهم بأم أعيوننا يمنعون شخصاً من المرور في بوابة المدرسة عندما هم بتوزيع معونته بنفسه مباشرة على الأسر ال"18" النازحة إلى المدرسة وبهذا الأسلوب رفض توزيع الصدقة لنا وخرج من البوابة إلى الخارج أخذاً معونته مع احتجاج على هذا التصرف الخاطئ من قبل القائمين على عملية توزيع المعونات في هذه المراكز ولا يسعنا إلا أن نشكر أبناء محافظة عدن ورجالها الخيرين على دعمهم السخي لنا كنازحين وفي هذه المدينة كريتر وفر لنا ولله الحمد أبناؤها كل ما يستطيعون من معونات وتخفيف جزءاً من عذاباتنا وآلامنا بسبب النزوح. * التغذية في مخيم باكثير.. بداية ممتازة ونهاية متعثرة: أحد النازحين في مدرسة باكثير كريتر عدن تحدث قائلاً: نزحت قبل حوالي عشرة أيام من أبين مع أسرتي المكونة من "6" أفراد بسبب اشتداد القصف العشوائي على منازلنا، في البداية كانت التغذية متوفرة ثم بدأت تقل شيئاً فشيئاً في بداية نزوحنا، كان فاعلو الخير يأتون بالغذاء جاهزاً أما حالياً فلم يعد منتظم كما كان في السابق. نعاني الأمرين لتشريدنا ولم نشعر بالارتياح إلا أننا مضطرون للبقاء في أماكن النزوح نتيجة لظروفنا الاقتصادية "المالية" الصعبة للغاية، فلا نستطيع استئجار سكن يكلف أكثر من 30 ألف ريال شهرياً. نحصل على الغذاء من فاعلي الخير لا دور للحكومة اليمنية في أغاثتنا إلا أن منظمة اليونيسيف قد زودتنا ببطانيات ومستلزمات أخرى والفرشات متوفرة مع الأسر التي نزحت في بداية الأمر، أما الأسر التي جاءت مؤخراً ما تزال محرومة من الفرشات ولا دور للحكومة ولا دور للمجالس المحلية. * الأخت/ أمل سوقي تعمل بما في وسعها من جهد في للحرص على وصول المعونات التي يتبرع بها فاعلو الخير وشهدنا بإعجاب ورضي كثير من النازحين في مركز باكثير عنها مع أنه كان هناك غياب تام للمنظمات المانحة وللشؤون الاجتماعية والجهات الخيرية ودعم قيادة محافظة عدن وكان الأمر لا يعنيها لا من قريب ولا من بعيد إلا إذا كان النازحون من إحدى مديريات المحافظة عدن حسب ما لمسناه من أحاديث بعض النازحين الذين لمسنا أن بعضهم أراد أن يشكون معاناته في المركز إلا أنه تردد عن الإفصاح بما في قلبه خوفاً من حرمانه بعض المعونات المقررة له وطلب معظمهم الحديث، لكن دون ذكر أسمه كي لا يعاقب على إظهار معاناته في المركز.