بدأت علاقتي بالموسيقار اليمني أحمد بن أحمد قاسم في(عام 1980) بمعية باقة منتقاة من أهم الأدباء والمثقفين والشخصيات السياسية والاجتماعية جلست مبهوراً..مأخوذاً..مذهولاً في (حضرته الفنية الموسيقية الموسوعة) وإلى جانبي يقف أستاذي الإعلامي القدير والمخضرم جميل مهدي الذي نظم ونسق وهيأ لهذا الحُلم (اللقاء الفني) أتذكر جيداً قلقي وخوفي وتحفظي في تلك الفترة من الولوج في عالم الفن وأعترف بملء الفم أن الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في إقناعي ودخولي عالم الغناء حدث بتشجيع الأستاذين الرائعين جميل مهدي (والفنان القمة) محمد عبده زيدي وإصرارهما ورغبتهما في الخوض بما لم أخطط له ولم يكن في اختياري وحساباتي بأن أكون (فناناً) وبالفعل تم اللقاء المرتقب مع الموسيقار الكبير أحمد قاسم (وجهاً لوجه) وصديقي الطيب الإعلامي الكبير جميل مهدي إلى جواري يشجعني ويؤنسني بإطرائه على موهبتي أمام كل الحضور وبالتحديد كان حديثه مباشرة للفنان الكبير أحمد قاسم الذي أستمع إليه بإصغاء وبهدوء وبدى وأضحاً وجلياً من خلال حديثهما مكانة وأهمية الصداقة والعلاقة المتميزة الحميمية التي تجمع بينهما في تلك الفترة وأتسمت بمشاعر المحبة والتقدير بين القامتين (بن قاسم)و(جميل مهدي)،وفي الواقع أسعدني كثيراً تقديم الأستاذ الإعلامي المخضرم جميل مهدي للشاب الواعد عصام خليدي حينها (مشروع فنان) ،كان حديثه في غاية الحماس والقناعة بموهبتي وقدراتي الفنية، أتذكر ما صرح به في ذلك اللقاء كلمات لا يمكن نسيانها ما حييت كقوله مخاطباً الموسيقار أحمد قاسم والحضور النخبوي هذا الفتى (غض الإهاب) يحفظ عن ظهر قلب ويغني بمهارة واقتدار جل ومعظم أغاني الشرق العربي يهوى ويعشق رواد الغناء وأساطينه :الموسيقار محمد عبد الوهاب/ فريد الأطرش/ أم كلثوم/ليلى مراد/ كارم محمود/ محمد فوزي/ محمد قنديل/ صالح عبد الحي/ عبد العزيز محمود/ عبد الغني السيد/ سيد درويش/ سلامه حجازي...وآخرون، لم يصدق موسيقارنا الكبير بن قاسم ديباجة ومقدمة الإعلامي القدير والمتألق، أجاب على الفور هذا (غير معقول) يا أستاذ جميل مهدي كيف يمكن أن يكون شاب بمثل سنه الصغير يستطيع التعامل والتعاطي مع كل هذه المدارس الغنائية الكبيرة العملاقة بتراثها وثراءها النغمي وبخصوصيتها ومزاياها الغنائية الموسيقية بارزة المعالم في الغناء العربي بشكل عام.. صمت قليلاً ثم وجه سؤالاً محدداً مفاده (ماذا تحفظ من أغنيات الموسيقار محمد عبد الوهاب..يا عصام لأصاحبك في العزف على آلة العود).. في واقع الأمر وبمنطقي اليوم وبعد مضي هذه السنوات الطويلة كان ردي (مفاجأة كبرى)، قلت له ببراءة وعفوية والجميع يستمع إلينا: بإمكانك يا أستاذ أحمد أن تعزف أي لحن أو أغنية (للموسيقار محمد عبد الوهاب) وستجدني أشاركك وأرافقك الغناء بصوتي أين ما شئت وأحببت، وهنا رد ضاحكاً (بن قاسم) رحم الله بطريقته المعروفة المحببة لكل عشاقه: أدركني...ألحقني يا أستاذ جميل تلميذك وصديقك (الفنان الصغير) (شايف حاله) يقول هذا الكلام الخطير...الكبير...؟!!، ولكن جميل مهدي بسرعة أبتسم قائلاً اختبره...جربه...فالتجربة خير برهان وبالفعل أمسك الموسيقار أحمد قاسم عوده المشهور والمعروف بشكله الأنيق البديع المشهود بنغماته الساحرة الفاخرة الراقية طرباً وأصالة، وعزف على أوتاره بأنامله الذهبية الرقيقة المضيئة وهجاً متدفقاً ينفثُ ويشعُ في النفس والروح إحساساً دافئاً بالفرحة والحياة، عزف أغنية للموسيقار محمد عبد الوهاب وكلمات الشاعر المصري الكبير أحمد فتحي عنوانها (الكرنك)، فشدوت بتلقائية بصوتي ونبراتي المعبرة الصادقة بفطرة وبراءة (ربانية) على نغمات أوتار عوده المتأصلة الفذة المُجربة بأغنية الكرنك (متسلطناً بإجادة وبراعة وإتقان) في الكوبليهات التي أختارها متنقلاً بين مقاماتها ومقاطعها وجملها الغنائية الموسيقية الخالدة، شدوت بكل أحاسيسي وجوارحي التي أمتلكها بالفطرة وهبة الخالق سبحانه وتعالى فجاء صوتي إليهم حسب قولهم صافياً عذباً مؤثراً في هذه الأبيات الشعرية الفصحى المختارة من قصيدة الكرنك. طاف بالدنيا شعاع من خيال حائر يسأل عن سر الليالي يا له من سرها الباقي ويالي لوعة الشادي ووهم الشاعر حين ألقى الليل للنور وشاحه وشكى الطل إلى الرمل جراحى يا ترى هل سمع الفجر نواحه بين أنغام النسيم العاطر أين يا أطلال جندُ الغابر أين أمون وصوت الراهب وصلاة الشمس وهمي طاربي نشوة تزري بكرم العاصر أنا هيمان ويطول هيامي صور الماضي ورائي وأمامي هي زهري وغنائي ومدامي وهي في حلمي جناح الطائر في رياض نضر الله ثراها وسقى من كرم النيل رباها ومضى الفجرُ إليها فطواها بين أفراح الضياء الغابر بعد ذلك لم يتوقف الموسيقار أحمد قاسم أستمر بعزفه الثري الباذخ المترع المترف بطاقات مليئة بالشجن والعاطفة الإنسانية اللامتناهيه لياخدني مع عوده مصاحباً صوتي إلى أوبريت (بساط الريح) للموسيقار فريد الأطرش مردداً مقاطعها ومشاركاً في الغناء بصوته الجهوري القوي المعبر المتفرد في ساحة الغناء اليمني والعربي، فسبحنا وحلقنا في سماوات الفن والطرب الأصيل مع أغنيات عمالقة الغناء العربي ومشاهيره. سُجل هذا اللقاء (الحدث) بيني وبين الموسيقار اليمني والعربي أحمد بن أحمد قاسم في (مدينة عدن) على شريط كاسيت (مهره بتوقيعه) فناننا المجدد والمطور في غنائه وبموسيقاه المهموم بإشتغالات فنية حديثة وبناءات معمارية موسيقية لحنية راقية مترفة فاخرة أرتقت بالغناء اليمني المعاصر والحديث، مهره بإشادته وثناءه على صوتي وما يختزله من إمكانات فنية وطاقات إبداعية رائعة علق وأشار إليها بهذه العبارة التي لا يمكن نسيانها أن (عصاماً عندليب الغناء اليمني الوعد القادم) وبطبيعة الحال أستمع إلى هذا الشريط الثمين والهام الذي بحوزتي وأحتفظ به في مكتبتي الخاصة العديد من الأحبة المقربين منهم: ملك الغزل الشعري محمد سعيد جرادة رحمه الله والشعراء الأدباء: عبد الرحمن السقاف /نجيب مقبل/جميل تابث/ علي حيمد/ والإعلامي والقاص محمد عمر بحاح /الإعلامي المخضرم الراحل عبد القادر خضر/ المخرج التلفزيوني المتميز جميل علي عبيد/ والأستاذ القدير علي محمد يحى/ والشخصية الإجتماعية أنور خان/وولدي (فنياً) نجوان شريف ناجي، وغيرهم من الزملاء والأصدقاء الأعزاء الذين شاركوني على مدى (ساعة كاملة) في الإستماع والإستمتاع لمختارات صوتية طربية مسموعة (وَثَقَتْ ذلك اللقاء العظيم مع الموسيقار الكبير أحمد بن احمد قاسم) ،وأيضاً الإطلاع على صفحات مهمة أعتز بها كثيراً في حياتي تضمنت في محتوياتها وتفاصيلها الكثير من المفاهيم والقيم الفنية والأدبية والتاريخية التي عَلِقَتْ ورسخت بذاكرتي لتنعكس تجلياتها على صعيد الواقع الملموس في سلوكي الإنساني والفني الذي تبلور منذ وقتاً مبكراً بالوعي والإدراك بماهية دور (الفن) كوظيفة إنسانية سامية تساهم في تغيير واقع المجتمعات نحو الأفضل، ومما لا شك فيه أن اللقاء بفنان بحجم أحمد قاسم وتبعات ما سُجل في الشريط النادر،الأثر البالغ في مكوناتي الثقافية/الموسيقية/الإبداعية وفي الاستفادة منه كمرجع أعود إليه حفر ووشم بالروح وبالعقل والقلب. خاطرة: توطدت العلاقة وتوالت اللقاءات (في الجلسات والزيارات الخاصة والعامة الفنية والإنسانية بالموسيقار أحمد بن أحمد قاسم) وبطبيعة الحال كانت لا تخلو من المواقف الهامة فازداد رصيده الاستثنائي في قلبي ووجداني بالمشاعر والأحاسيس المختلفة الممزوجة بالحب والمودة والإعجاب بشخصه وبفنه الراقي الخالد. يوميات شرفة الغد.