لا شك أن مهامنا كأمهات وآباء كثيرة جداً، لكن يبقى من أهم واجباتنا وأصعب مهامنا تربية أبناءنا تربية حسنة تؤهلهم لخوض غمار الحياة بكل ما فيها من اختبارات صعبة وخيارات متباينة. إن من أهم ما يمكن أن نقدمه لأبنائنا كلبنة أولى في بناء النفسية السوية والقوية هو الحب، وهذا الحب يجب أن ينبثق من اتجاهين متعاكسين معنى، لكنهما متفقين اتجاهاً، حيث أن الحب المتبادل بين الأبوين ينعكس إيجابياً على علاقة الأبناء بوالديهم وببعضهم البعض أيضاً، ولهذا نقول إن التربية الجيدة للأبناء تقوم على أساس هذه العاطفة المتبادلة التي يحيطها الاحترام والتقدير للآخر من كل جانب. ونؤكد أن بقدر ما يحصل الأبناء على الحب والتقدير بقدر ما يمنحوه للآخرين ولأنفسهم، هذا الحب الذي تؤطره المراقبة والمتابعة وتكوين علاقة صداقة قوية بين الآباء والأبناء هو ما يدفعهم لإتباع السلوك السوي في حياتهم وحتى عندما يخطئون فإنهم يحصلون على إشارة الوازع وتستيقظ فيهم نزعة الضمير الأخلاقي، فيتراجعون عن مساحة الخطأ قبل أن تقع أرجلهم في الفخ. الحب يمنح الأبناء الدفء والثقة والمصداقية والاتزان في القول والفعل، بعكس ما يصنع صراع الزوجين أو انفصالهما من شرخ في بنية الأبناء النفسية الذي يقود بدوره لظهور العنف والقلق والخوف والعزلة من الناس. الحب والود والتفاهم الذي نقدمه لأبنائنا في نصيحة ثمينة ولمسة حانية وضمة عميقة وقبلة ودودة أو حتى عتاب صادق وخوف وقور وغضب لا يخرج عن السيطرة.. كل ذلك يجعلهم بمنأى عن الخطر الذي يحدق بهم حين يصبحون مجردين من هذا السلاح. بالحب نعلمهم حسن الخُلق والالتزام بالعبادات وتحصين النفس من الوقوع في الآثام، وبالحب أيضاً نحاورهم ونحدد أهداف حياتهم، بمعيتنا وتحت إشرافنا ونضع خبرات حياتنا تحت طلبهم وبين أيديهم، بالحب يتقبلون التوجيه ويصنعون للتربية معنى وقيمة ولا يستثقلون توجيهات الوالدين ويرونها نوعاً من الوصاية، ولهذا لا تخجلوا أن تنعتوهم بأسماء يحبونها وتشعرهم بالثقة، لا تبخلوا عليهم بالأحضان والقبلات وتلك المشاعر الأبوية الصادقة والغزيرة والمانحة للأمل، لا تحرموا أبناءكم من الارتماء في أحضانكم والغوص في أعماقكم الآمنة بالنسبة لهم، حاوروهم وبرّوا بهم صغاراً حتى يبروكم كباراً حين تصبح حيلتكم قليلة وإدراككم لما حولكم عاجز كعجزهم الآن عن تصور الخير والشر الذي يحيط بهم. أحيطوا هؤلاء الصغار بالحب حتى يتزودوا بوقود الحياة الطبيعية ويبتعدوا عن التصنع وارتداء الأقنعة. لا تجعلوا من مشاغل الحياة سوراً يفصل بينكم وبين هؤلاء الصغار، إذ لا شيء أطعم ولا ألذ ولا أروع في الحياة من حنان الأبوين وطاعة الأبناء. أرجوكم لا تسمحوا للآخرين بالاقتراب من هؤلاء الصغار ليمنحوهم من عجزتم أنتم عن توفيره، الأشرار في الخارج يزينون أفخاخهم بالأزهار، فاحذروا أن تجعلوا أبناءكم طعماً لهم. فقط بعض الحب أيها الآباء أيتها الأمهات، فقط بعض الحب هو ما يصنع أولاداً وبناتاً من أروع ما يمكن.