كان أكرم ابن الثامنة والذي يدرس في الصف الثاني الابتدائي فتى جميل الوجه، وذات صباح خرج أكرم من المنزل وهو ممسك بيدي والده، قاصدين المدرسة التي يتعلم بها أكرم، وهما يسيران قال أكرم: إني احبك يا أبي، فرد الأب: وأنا أيضاً، فقال أكرم : ولكن أنا أكثر يا أبي فاكتفى الأب بالابتسام، وفجأة قال أكرم: أبي هل ستأخذني إلى البحر في نهاية عطلة الأسبوع، فرد الأب قائلاً: نعم، فاستطرد أكرم: وهل هذا أكيد يا أبي، فرد الأب أكيد إذا شاء الله تعالى، فقال أكرم: أني أريد أن أقبلك يا أبي، فتعانقا في الطريق كأنه العناق الأخير مما جعل الأب يتوجس ويشعر بأن شيئاً ما سيحدث . وبينما هما راجلان في طريقهم إلى المدرسة سمعا دوي رصاص، فتوقف الأب عن السير خوفاً على ابنه، وبينما هما كذلك رأى الأب فريقين كل منهما يحمل السلاح، هذا الفريق في بداية الطريق وذاك في نهايته، وكل منهما يلهو كأنهما في نزهة للصيد، ظل الأب وابنه عالقين بين المسلحين، فاحتمى الأب وابنه بجدار في منتصف الشارع حتى لم يعد يسمع طلقات الرصاص فأراد الأب أن يستغل ذاك الهدوء وهو ممسك بيدي ابنه وفي اليد الأخرى حقيبة أكرم المدرسية وفجأة قال الأب : هيا نجري يا أكرم.. فظلوا مسرعين حتى سمع الأب طلقات رصاص مرة أخرى وإذ به يرى أن رصاصة قد أصابت ابنه أكرم في رأسه وإذا بالأيدي الطاهرة تفلت من أيدي الأب ويسقط على الأرض، فينادي الأب ابنه أكرم: هيا انهض يا أكرم يا حبيبي ليس بك شيء، فا أنت قوي وبطل، ولكن الدماء الذي نزفت من رأس البطل الصغير كانت خير شاهد على انه قد قتل . خر الأب على الأرض وأدار وجه أكرم الذي كان منكباً على الأرض نحوه فرأى دماء تنزف من رأسه ومن انفه وفمه.. يا الله هل يمكن لبشر أن يتحمل هذا الموقف هل هؤلاء المسلحون الذين كانوا يلهون بالأسلحة يمتلكون إحساساً بالألم وظلم وقهر هذا الأب ؟؟ هل يمتلكون أحساساً بالإنسانية والطفولة والبراءة؟ هل هذا المنظر الذي يهز الجبال لم يهز شيئاً فيهم، امتلأت حقيبة أكرم بالدماء، فحمل الأب أكرم بكلتا يديه وظل يسير به في الطريق والدماء تسيل من رأسه وانفه وفمه على الأرض فلم تتحمل الأرض دماء أبنائها الأطفال وباتت الأرض اليوم تبكي على أطفالها . ظل الأب يسير حاملاً ابنه الشهيد حتى أوصله إلى البحر والناس من خلفه، فوضع الأب أكرم الشهيد على شاطئ البحر ووجه الطفل مليء بالدماء انتصب الأب وهو يقول: أكرم حبيبي إني وفيت بوعدي واتيت بك إلى البحر، فهل أنت راضٍ عني يا أكرم يا أحب الناس.. أيها البحر فاشهد .. أيتها الأرض فاشهدي أيتها الجبال واسمعي.. أيها الناس أسمعوا .. لم يكن أكرم سياسياً ولا كان معارضاً ولا عسكرياً.. لم يكن يريد منصباً ولم يكن قادراً أن يأذي احداً بل كان يريد أن يذهب إلى البحر.. لم يعرف معنى رصاصة حتى تعرفت الرصاصة بنفسها عليه.. أيها الناس لم يصرخ أكرم عندما مات بل مات صامتاً كأنه راض بالقدر.. أيها البحر أعلم بأن أكرم كان يحبك وكان يحب مدرسته وكان يحب أباه وأمه وكان يحب أطفال الحارة.. كان يحب مدينته فلماذا قتلوه؟؟ كان المشهد مروعاً خصوصاً وأن الدماء كانت ما تزال تنساب من رأس أكرم وفمه وانفه وتروي شاطئ البحر الذي أراد أن يلهو أكرم على رماله. حمل الأب ابنه الشهيد وهو يطوف به في الشوارع وحشد من الناس كانوا من خلفه يسيرون وهم يسمعونه يقول: أيها الناس إن دم ابني أمانة في أعناقكم.. أيتها الأرض الطيبة إن دماء أكرم التي تنساب على ترابك لهي خير شاهد على أن أكرم كان يحبك وانك أنتي أيتها الأرض من ستأخذي بثأر طفلي الشهيد أكرم الذي مات صامتاً.. وهنا تبكي الأرض على أبنائها .