روائع جمعتها من بطون الكتب سقت لك بعضها كما هي وشذبت وهذبت بعضها وعلقت على بعضها وهي روائع متنوعة ستخلب لب القارئ وتدهشه وتفيده فإلى الروائع : هل أنت رائحٌ معي مات ابنٌ لارطاةِ بن سهية المريِّ فلزم قبره حولاً يأتيه بالغداةِ فيقف عليه فيقول: أي عمرو هل أنت رائحٌ معي إن أقمت عليك إلى العشىِّ، ثم يأتيه بالمساء فيقول مثل ذلك، فلمَّا كان بعد الحول أنشأ يقول متمثلاً: إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبكِ حولاً كاملاً فقد اعتذر ثم انصرف عن قبره وأنشأ يقول: وقفت على قبر ابن ليلى فلم يكن ... وقوفي عليه غير مبكي ومجزعٍ هل أنت ابن ليلى إن نظرتك رائحٌ ... مع الركب أم غادٍ غداتئذٍ معي فلو كان لبى حاضراً ما أصابني ... سهو على قبرٍ بأكنافِ أجرعٍ فما كنت إلا والهاً بعد فقدها ... علي شجوها إثر الحنين المرجع إذا لم تجده تنصرف لطيَّاتهَا ... من الأرض أو تأتي بألفٍ فترتعي على الدهر فاعتب إنَّه غير معتبٍ ... وفي غير من قد وارت الأرض فاطمع ماضرب أمرأة قط قالت عائشة رضي الله عنها : ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرأة قط ولا خادماً له، ولا ضرب بيده شيئاً إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما إلا أن يكون إثماً أو قطيعة رحم فيكون أبعد الناس منه الصاحب للصاحب (قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه الرجل بلا أخ كشمال بلا يمين، وأنشدوا في ذلك: وما المرء إلا بإخوانه ... كما يقبض الكف بالمعصم ولا خير في الكف مقطوعة ... ولا خير في الساعد الأجذم وقال زياد: خير ما اكتسب المرء الإخوان فإنهم معونة على حوادث الزمان ونوائب الحدثان، وعون في السراء والضراء، ومن كلام علي رضي الله عنه : عليلك بإخوان الصفاء فإنهم ... عماد إذا استنجدتهم وظهور وإن قليلاً ألف خل وصاحب ... وإن عدواً واحداً لكثير وقال الأوزاعي: الصاحب للصاحب كالرقعة في الثوب إن لم تكن مثله شانته. وقال عبد الله بن طاهر: المال غاد ورائح والسلطان ظل زائل والإخوان كنوز وافرة. ) قتلتَ له قتيلا قال أبو حاتم رضي الله عنه: الهمَج من الناس إذا أحسن إليه يرى ذلك استحقاقا منه له، ثم يرى الفضل لنفسه على المحسن إليه، فلا يحمد عند الخير، ولا يشكر عند البر، ويتعجب ممن يشكر، ويذمُ من يحمد، وإذا امتحن العاقل بمثل مَنْ هذا نعته استعمل معه ما أنشدني الكريزي: إن ذا اللؤم إذا أكرمته ... حَسِبَ الإكرام حقا لزمكْ فأهِنْه بهوان، إنه ... إن تُهنه بهوان أكرمك وأنشدني الأبرش: إذا أَوْلَيْتَ معروفاً لئيماً ... يَعُدُّك قد قتلتَ له قتيلا فكنْ من ذاك معتذراً إليه ... وقلْ: إني أتيتك مستقيلا فإن تغفر، فمجترمي عظيمٌ ... وإن عاقَبْتَ لم تَظلم فتيلا ولستُ بعائد أبدا لهذا ... وقد حَمَّلتني حِملا ثقيلا رجل الشفاعات (كان المنصور معجباً بمحادثة محمد بن جعفر بن عبد الله بن عباس رضي الله عنهم، وكان الناس لعظم قدره يفزعرن إليه في الشفاعات، فثقل ذلك على المنصور، فحجبه مدة، ثم لم يصبر عنه، فأمر الربيع أن يكلمه في ذلك، فكلمه، وقال: اعف أمير المؤمنين لا تثقل عليه في الشفاعات، فقبل ذلك منه، فلما توجه إلى الباب اعترضه قوم من قريش معهم رقاع، فسألوه إيصالها إلى المنصور، فقص عليهم القصة، فأبوا إلا أن يأخذها، فقال: اقذفوها في كمي، ثم دخل عليه وهو في الخضراء مشرف على مدينة السلام وما حولها من البساتين، فقال له: أما ترى إلى حسنها يا أبا عبد الله؟ فقال له: يا أميرالمؤمنين بارك الله لك فيما آتاك وهنأك بإتمام نعمته عليك فيما أعطاك، فما بنت العرب في دولة الإسلام ولا العجم في سالف الأيام أحصن ولا أحسن من مدينتك ولكن سمجتها في عيني خصلة، قال : وماهي؟ قال: ليس لي فيها ضيعة، فتبسم، وقال: قد حسنتها في عينك بثلاث ضياع قد أقطعتكها، فقال: أنت والله يا أمير المؤمنين شريف الموارد كريم المصادر، فجعل الله تعالى باقي عمرك أكثر من ماضيه، ثم أقام معه يومه ذلك، فلما نهض ليقوم بدت الرقاع من كمه، فجعل يردهن ويقول: ارجعن خائبات خاسرات، فضحك المنصور وقال بحقي عليك ألا أخبرتني وأعلمتني بخبر هذه الرقاع، فأعلمه، وقال ما أتيت يا ابن معلم الخير إلا كريماً وتمثل بقول عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر: لسنا وإن أحسابنا كرمت ... يوماً على الأحساب نتكل نبني كما كانت أوائلنا ... تبني ونفعل مثل مافعلوا وتصفح الرقاع وقضى حوائجهم عن آخرها، قال محمد: فخرجت من عنده وقد ربحت وأربحت. ) فهو منه في حل ( لما مرض الصحابي قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما استبطأ إخوانه في العيادة، فسأل عنهم فقيل له: إنهم يستحيون مما لك عليهم من الدين. فقال: أخزى الله مالا يمنع عني الإخوان من الزيارة، ثم أمر منادياً ينادي من كان لقيس عنده مال، فهو منه في حل. فكسرت عتبة بابه بالعشي لكثرة العواد. ) إذا سكتوا تكلمَ مجدهم قالت: ولادة المهزمية مفتخرة : لولا اتقاءُ الله قمتُ بمفخرٍ ... لا يبلغُ الثقَلانِ فيه مَقامي بأبوةٍ في الجاهلية سادةٍ ... بذُّوا العلا أمراءَ في الإسلام جادوا فسادوا مانعين أذاهم ... لنداهمُ، بذل لدى الأقوام قد أنجبوا في السؤددين وأنجبوا ... بِنجابة الأخوالِ والأعمام من بالمخاشن وابنهِ جَون ... ومن بالغز أو بالمهزمين يسامي قوم إذا سكتوا تكلمَ مجدهم ... عنهم، وأخرسَ دونَ كل كلام بخلاء بالفطرة !! من أعاجيب أهل مرو – يضرب بهم المثل في البخل - أن رجلاً من أهل مرو كان لا يزال يحج ويتجر، وينزل على رجل من أهل العراق، فيكرمه ويكفيه مؤنته. ثم كان كثيراً ما يقول لذلك العراقي: ليت أني رأيتك بمرو، حتى أكافئك لقديم إحسانك، وما تجدد لي من البر في كل قدمة. فأما هاهنا فقد أغناك الله عني. فعرضت لذلك العراقي بعد دهر طويل حاجة في تلك الناحية. فكان مما هون عليه مكابدة السفر، ووحشة الاغتراب، مكان المروزي هناك. فلما قدم مضى نحوه في ثياب سفره، وفي عمامته وقلنسوته وكسائه، ليحط رحله عنده، كما يصنع الرجل بثقته، وموضع أنسه. فلما وجده قاعداً في أصحابه أكب عليه وعانقه. فلم يره أثبته، وسأل به سؤال من رآه قط. قال العراقي في نفسه: لعل إنكاره إياي لمكان القناع. فرمى بقناعه وابتدأ مسألته. فكان له أنكر. فقال: لعله أن يكون إنما أتي من قبل العمامة، فنزعها. ثم انتسب وجدد مسألته، فوجده أشد ما كان إنكاراً. قال: فلعله إنما أتي من قبل القلنسوة. وعلم المروزي أنه لم يبق شيء يتعلق به المتغافل والمتجاهل. فقال: لو خرجت من جلدك لم أعرفك!. طرائف ونوادر 24 كان الشاعر المشهور بشار بن برد إذا أعوزته القافية أو المعنى يدخل في شعره أشياء لا حقيقة لها تكميلاً لشعره، فمن ذلك أنه أنشد شعراً فقال فيه: غنّي للغريض يا ابن قنان !! فقيل له: من ابن قنان هذا؟ فإنا لا نعرفه في المغنين، فقال: وما عليكم منه؟ ألكم قِبّلهَ دَينٌ تطالبونه به؟ أو ثأر تريدون أن تدركوه منه؟ أو كفلت لكم به فإذا غاب طلبتموني؟ فقالوا: ليس بيننا وبينه شيء من هذا، ولكنا أردنا أن نعرفه، فقال: هذا رجل يغني لي ولا يخرج من بيتي، فقالوا له: إلى متى؟ فقال من يوم ولد إلى يوم يموت، فتفرقوا عنه متضاحكين.وقال حسين الخليع: كنا في حلقة فجاءنا أبو نواس وعليه جبة خز، فقلنا له: من أين لك هذه الجبة؟ فكتمنا، فترجمنا خبرها حتى وقع لنا أنها من جهة مؤنس بن عمران بن جميع، فانسللت من الحلقة وصرت إلى مؤنس فوجدت عليه جبة خز جديد، فقلت له: كيف أصبحت يا أبا عمران؟ فقال: بخير، صبحك الله بخير، فقلت: إن لي حاجة فرأيك فيها ... أنا فيها وأنت لي سيان فقال: اذكرها على بركة الله، فقلت: جبة من جبابك الخز كيما ... لا يراني الشتاء حيث يراني فقال: بسم الله خذها، وخلعها فلبستها ورجعت إلى الحلقة، فقال لي أبو نواس من أين لك هذه الجبة؟ قلت: من حيث جبتك .ودخل رجل على الخليفة المنصور فقال: أقول له حين واجهته: ... عليك السلام أبا جعفرِ قال المنصور: وعليك السلام. فقال: فأنت المهذب من هاشمٍ ... وفي الفرع منها الذي يذكرُ فقال المنصور: ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: فهذه ثيابي وقد أُخلقت ... وقد عضني زمن منكرُ فألقى إليه المنصور ثيابه، وقال: هذه بدلها. [email protected]