تقدم بشكوى فاختطفوه.. مليشيا الحوثي في إب تختطف مواطنا ووالده رغم تعرضه لاعتداء    «كاك بنك» يشارك في المؤتمر المصرفي العربي السنوي 2025 بالقاهرة    محطات الوقود بإب تغلق أبوابها أمام المواطنين تمهيدا لافتعال أزمة جديدة    بيان مهم عن عملية كبرى في عمق الكيان    وجّه ضربة إنتقامية: بن مبارك وضع الرئاسي أمام "أزمة دستورية"    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    للمرة الرابعة ..اليمن يستهدف عمق الكيان مجددا    92 ألف طالب وطالبة يتقدمون لاختبارات الثانوية العامة في المحافظات المحررة    بن بريك والملفات العاجلة    هدف قاتل من لايبزيغ يؤجل احتفالات البايرن بلقب "البوندسليغا"    يفتقد لكل المرافق الخدمية ..السعودية تتعمد اذلال اليمنيين في الوديعة    ترحيل 1343 مهاجرا أفريقيا من صعدة    الجوع يفتك بغزة وجيش الاحتلال يستدعي الاحتياط    السعودية تستضيف كأس آسيا تحت 17 عاماً للنسخ الثلاث المقبلة 2026، 2027 و2028.    النائب العليمي يبارك لرئيس الحكومة الجديد ويؤكد وقوف مجلس القيادة إلى جانبه    الأهلي السعودي يتوج بطلاً لكأس النخبة الآسيوية الأولى    لاعب في الدوري الإنجليزي يوقف المباراة بسبب إصابة الحكم    التركيبة الخاطئة للرئاسي    أين أنت يا أردوغان..؟؟    وادي حضرموت على نار هادئة.. قريبا انفجاره    حكومة بن بريك غير شرعية لمخالفة تكليفها المادة 130 من الدستور    مع المعبقي وبن بريك.. عظم الله اجرك يا وطن    اعتبرني مرتزق    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    العدوان الأمريكي يشن 18 غارة على محافظات مأرب وصعدة والحديدة    رسائل حملتها استقالة ابن مبارك من رئاسة الحكومة    نقابة الصحفيين اليمنيين تطلق تقرير حول وضع الحريات الصحفية وتكشف حجم انتهاكات السلطات خلال 10 سنوات    - حكومة صنعاء تحذير من شراء الأراضي بمناطق معينة وإجراءات صارمة بحق المخالفين! اقرا ماهي المناطق ؟    - اعلامية يمنية تكشف عن قصة رجل تزوج باختين خلال شهرين ولم يطلق احدهما    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    "ألغام غرفة الأخبار".. كتاب إعلامي "مثير" للصحفي آلجي حسين    تدشين التنسيق والقبول بكليات المجتمع والمعاهد الفنية والتقنية الحكومية والأهلية للعام الجامعي 1447ه    مصر.. اكتشافات أثرية في سيناء تظهر أسرار حصون الشرق العسكرية    اليمن حاضرة في معرض مسقط للكتاب والبروفيسور الترب يؤكد: هيبة السلاح الأمريكي أصبحت من الماضي    أزمة جديدة تواجه ريال مدريد في ضم أرنولد وليفربول يضع شرطين لانتقاله مبكرا    إنتر ميلان يعلن طبيعة إصابة مارتينيز قبل موقعة برشلونة    الحقيقة لا غير    وزير الخارجية يلتقي رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    أسوأ الأطعمة لوجبة الفطور    سيراليون تسجل أكثر من ألف حالة إصابة بجدري القردة    - رئيسةأطباء بلاحدود الفرنسية تصل صنعاء وتلتقي بوزيري الخارجية والصحة واتفاق على ازالة العوائق لها!،    الجنوب يُنهش حتى العظم.. وعدن تلفظ أنفاسها الأخيرة    الفرعون الصهيوأمريكي والفيتو على القرآن    صنعاء تصدر قرار بحظر تصدير وإعادة تصدير النفط الخام الأمريكي    اسعار الذهب في صنعاء وعدن السبت 3 مايو/آيار2025    مانشستر سيتي يقترب من حسم التأهل لدوري أبطال أوروبا    إصلاح الحديدة ينعى قائد المقاومة التهامية الشيخ الحجري ويشيد بأدواره الوطنية    غارات اسرائيلية تستهدف بنى تحتية عسكرية في 4 محافظات سورية    سنتكوم تنشر تسجيلات من على متن فينسون وترومان للتزود بالامدادات والاقلاع لقصف مناطق في اليمن    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    من يصلح فساد الملح!    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسائل الإمام الشهيد حسن البنا (الحلقة السادسة)
نشر في أخبار اليوم يوم 26 - 07 - 2012


لا بد من أن نتبع
وإذا كان الإخوان المسلمون يعتقدون ذلك فهم يطالبون الناس بان يعملوا على أن تكون قواعد الإسلام الأصول التي تبنى عليها نهضة الشرق الحديث في كل شان من شؤون الحياة , ويعتقدون أن كل مظهر من مظاهر النهضة يتنافى مع قواعد الإسلام و يصطدم بأحكام القرآن فهو تجربة فاسدة فاشلة , ستخرج منها الأمم بتضحيات كبيرة في غير فائدة , فخير للأمم التي تريد النهوض أن تسلك إليه أخصر الطريق باتباعها أحكام الإسلام .
والإخوان المسلمون لا يختصون بهذه الدعوة قطرا دون قطر من الأقطار الإسلامية , ولكنهم يرسلونها صيحة يرجون أن تصل إلى آذان القادة و الزعماء في كل قطر يدين أبناؤه بدين الإسلام , و إنهم لينتهزون لذلك هذه الفرصة التي تتحد فيها الأقطار الإسلامية و تحاول بناء مستقبلها على دعائم ثابتة من أصول الرقي و التقدم و العمران .
احذروا الانحراف
و إن أكبر ما يخشاه الإخوان المسلمون أن تندفع الشعوب الشرقية الإسلامية في تيار التقليد , فترقع نهضاتها بتلك النظم البالية التي انتقضت على نفسها و أثبتت التجربة فسادها وعدم صلاحيتها , إن لكل أمة من أمم الإسلام دستورا عاما فيجب أن تستمد مواد دستورها العام من أحكام القرآن الكريم , و إن الأمم التي تقول في أول مادة من مواد دستورها : إن دينها الرسمي الإسلام , يجب أن تضع بقية المواد على أساس هذه القاعدة , و كل مادة لا يسيغها الإسلام و لا تجيزها أحكامه يجب أن تحذف من حتى لا يظهر التناقض في القانون الأساسي للدولة .
أصلحوا القانون
وإن لكل أمة قانونا يتحاكم إليه أبنائها , و هذا القانون يجب أن يكون مستمدا من أحكام الشريعة الإسلامية مأخوذا عن القرآن الكريم متفقا مع أصول الفقه الإسلامي , و إن الشريعة الإسلامية و فيما وضعه المشترعون المسلمون ما يسد الثغرة و يفي بالحاجة و ينقع الغلة , و يؤدي إلى أفضل النتائج و أبرك الثمرات , و إن في حدود الله لو نفذت لزاجرا يردع المجرم و إن اعتاد الإجرام , و يكف العادي و إن تأصل في نفسه العدوان و يريح الحكومات من عناء التجارب الفاشلة , و التجربة تثبت ذلك و تؤيده , و أصول التشريع الحديث تنادي به و تدعمه , و الله تبارك و تعالى يفرضه و يوجبه :
(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (المائدة:44) .
أصلحوا مظهر الاجتماع
وإن في كل أمة مظاهر من الحياة الاجتماعية تشرف عليها الحكومات و ينظمها القانون و تحميها السلطات , فعلى كل أمة شرقية إسلامية أن تعمل على أن تكون كل هذه المظاهر مما يتفق و آداب الدين و يساير و يساير تشريع الإسلام و أوامره , إن البغاء الرسمي لطخة عار في جبين كل أمة تقدر هذه الفضيلة , فما بالك بالأمم الإسلامية التي التي يفرض عليها دينها محاربة البغاء و الضرب على يد الزناة بشدة :
(وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) (النور:2).
إن حانات الخمر في أظهر شوارع المدن و أبرز أحيائها , و تلك اللوحات الطويلة العريضة عن المشروبات الروحية , و هذه الإعلانات الظاهرة الواضحة عن أم الخبائث مظاهر يأباها الدين , و يجرمها القرآن الكريم أشد التحريم .
حاربوا الإباحية
و إن هذه الإباحية المغرية و المتعة الفاتنة و اللهو العابث في الشوارع و المجامع و المصايف والمرابع يناقض ما أوصى به الإسلام باتباعه من عفة و شهامة و إباء و انصراف إلى الجد و ابتعاد عن الإسفاف (إن الله تعالى يحب معالي الأمور و يكره سفاسفها) .
فكل هذه المظاهر و أشباهها , على الأمم الإسلامية أن تبذل في محاربتها و مناهضتها كل ما في وسع سلطانها و قوانينها من طاقة و مجهود لا تني عن ذلك و لا تتواكل .
نظموا التعليم
وإن لكل أمة و شعب إسلامي سياسة في التعليم و تخريج الناشئة و بناء رجال المستقبل , الذين تتوقف عليهم حياة الأمة الجديدة , فيجب أن تبنى هذه السياسة على أصول حكيمة تضمن للناشئين مناعة دينية و حصانة خلقية , و معرفة بأحكام دينهم , و اعتدادا بمجده الغابر وحضارته الواسعة .
هذا قليل من كثير من الأصول التي يريد الإخوان المسلمون أن ترعاها الأمم الإسلامية في بناء النهضة الحديثة , و هم يوجهون دعوتهم هذه إلى كل المسلمين شعوبا و حكومات , و وسيلتهم في الوصول إلى تحقيق هذه الغايات الإسلامية السامية وسيلة واحدة : أن يبنوا ما فيها من مزية و أحكام , حتى إذا ذكر الناس ذلك و اقتنعوا بفائدته أنتج ذلك عملهم له و نزولهم على حكمه :
(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108) .
انتفعوا بإخاء إخوانكم
ينادي الإسلام أبناءه و متبعيه فيقول لهم :
(وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) (آل عمران:103).
و يقول القرآن الكريم في آية أخرى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات:10) و في آية أخرى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (التوبة:71) .
و يقول النبي الكريم صلى الله عليه و سلم : (و كونوا عباد الله إخوانا) و كذلك فهم المسلمون الأولون – رضوان الله عليهم – من الإسلام هذا المعنى الأخوي و أملت عليهم عقيدتهم في دين الله أخلد عواطف الحب و التآلف , و أنبل مظاهر الأخوة و التعارف , فكانوا رجلا واحدا و قلبا واحدا و يدا واحدة , حتى امتن الله بذلك في كتابه فقال تبارك و تعالى :
(وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) (لأنفال:63) .
تطبيق
وإن ذلك المهاجر الذي كان يترك أهله , و يفارق أرضه في مكة و يفر بدينه , كان يجد أمامه أبناء الإسلام من فتيان يثرب ينتظرون و كلهم شوق إليه و حب له و سرور بمقدمه , و ما كان لهم سابق معرفة و لا قديم صلة , و ما ربطهم به وشيجة من صهر أو عمومة , و ما دفعتهم إليه غاية أو منفعة , و إنما هي عقيدة الإسلام جعلتهم يحنون إليه و يتصلون به , و يعدونه جزءا من أنفسهم و شقيقا لأرواحهم , و ما هو إلا أن يصل المسجد حتى يلتف حوله الغر الميامين من الأوس و الخزرج , كلهم يدعوه إلى بيته و يؤثره على نفسه و يفديه بروحه وعياله , ويتشبث بمطلبه هذا حتى يؤول الأمر إلى الاقتراع , حتى روى الإمام البخاري ما معناه : (ما نزل مهاجري على أنصاري إلا بقرعة) .
وحتى خلد القرآن للأنصار ذلك الفضل أبد الدهر , فما زال يبدو غرة مشرقة في جبين السنين في قول الله تبارك و تعالى :
(وَالَّذِينَ تَبَوَّءوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر:9) .
و على هذا درج أبناء الإسلام و خص الرعيل الأول ممن وجدت بين نفوسهم الأخوة الإيمانية , لا فرق بين مهاجرهم و أنصارهم , و لا بين مكيّهم و يمنيّهم , حتى أثنى الرسول على الأشاعرة من أهل اليمن بقوله صلى الله عليه و سلم ما معناه
(نعم القوم الأشعريون إذا جهدوا في سفر أو حضر جمعوا ما عندهم فوضعوه في مزادتهم ثم قسموه بينهم بالسوية)
و أنت إذا قرأت القرآن الكريم , و أحاديث النبي العظيم صلى الله عليه و سلم , و طالعت سير الغر الميامين من أبناء هذا الدين , رأيت من ذلك ما يقر عينك و يملأ سمعك و قلبك .
أخوة تعلن الإنسانية
و لقد أثمرت هذه العقيدة ثمرتين لابد لنا من أن نجنيهما و نتحدث إليك عما فيهما من حلاوة لذة و خير و فائدة .
فأما الأولى منها : فقد أنتجت هذه العقيدة أن الاستعمار الإسلامي لم يشبهه أي استعمار في التاريخ أبدا , لا في غايته و لا في مسالكه و إدارته و لا في نتائجه و فائدته , فإن المستعمر المسلم إنما كان يفتح الأرض حين يفتحها ليعلي فيها كلمة الحق , و ينير أفقها بسنة القرآن الكريم , فإذا أشرقت على نفوس أهلها شمس الهداية المحمدية فقد زالت الفوارق و محيت المظالم , و شملها العدل و الإنصاف و الحب و الإخاء , و لم يكن هناك فاتح غالب و خصم مغلوب , و لكن إخوان متحابون متآلفون , و من هنا تذوب فكرة القومية , و تنجاب كما ينجاب الثلج سقطت عليه أشعه الشمس قوية مشرقة أمام فكرة الأخوة الإسلامية التي يبثها القرآن في نفوس من يتبعونه جميعا .
إن ذلك الفاتح المسلم قبل أن يغزوا من غزا و يغلب من غلب , قد باع أهله , و تجرد من عصبيته و قوميته في سبيل الله , فهو لا يغزو لعصبية و لا يغلب لقومية و لا ينتصر لجنسية , و لكنه حين يعمل لله و لله وحده لا شريك له , و إن أروع ما أثر من الإخلاص في الغاية , و تجريد النفس من الهوى ما جاء في الحديث الشريف ما معناه أن رجلا جاء إلى النبي فقال له يا رسول الله , إني أحب أن أجاهد في سبيل الله , و أحب أن يرى موقفي فسكت النبي و لم يجبه , فنزلت الآية الكريمة :
(فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (الكهف:110).
أرأيت كيف اعتبر الإسلام تطلع هذا الشخص إلى الثناء و المدح و هما من طبائع النفوس شركا خفيا يجب أن يتنزه عنه و يسمو بشرف الغاية النبيلة عنه ؟ و هل هناك أخلص من أن ينسى الإنسان نفسه في سبيل غايته ؟ و هل تظن أن رجلا يشترط عليه دينه أن يتجرد من نفسه و يكبت عواطفها و ميولها و أهواءها حتى يكون جهاده خالصا لله وحده , يفكر بعد هذا في أن يجاهد لعصبية أو يغزو لجنس أو قومية ؟ .. اللهم لا .
إن ذلك المغلوب الذي شاء له القدر أن يسعد بالإسلام و يهتدي به , ما ترك بلده و أرضه لأجنبي عنه يتحكم فيها و يسخره تسخير العبد الذليل , و يستأثر دونه بخيراتها , و لكنه ترك ما ترك لأنه يخلطه بنفسه و يمزجه بروحه و يناديه بإخلاص : لك ما لنا و عليك ما علينا , وكتاب الله تبارك و تعالى يفصل بيننا , فكلاهما فني في غايته و ضحّى في سبيل مبدئه , و ترك ما ترك ليعم الإنسانية نور الله , و تسطع عليها شمس القرآن الكريم , و في ذلك تمام إسعادها و كمال رقيها لو كانوا يعلمون .
أفق الوطن الإسلامي
أما الثمرة الثانية : فإن الأخوة الإسلامية جعلت كل مسلم يعتقد أن كل شبر من الأرض , فيه أخ يدين بدين القرآن الكريم ، قطعة من الأرض الإسلامية العامة التي يفرض الإسلام علي كل أبنائه أن يعملوا لحمايتها وإسعادها فكان من ذلك أن أتسع أفق الوطن الإسلامي وسما عن حدود الوطنية الجغرافية والوطنية الدموية إلى وطنية المبادئ السامية والعقائد الخالصة الصحيحة ، والحقائق التي جعلها الله للعالم هدى ونوراً , والإسلام حين يشعر أبناءه بهذا المعنى ويقرره في نفوسهم يفرض عليهم فريضة لازمة لحماية أرض الإسلام من عدوان المعتدين , وتخليصها من غصب الغاصبين ، وتحصينها من مطامع المتعدين .
طريق طويلة
أرجو أن تكون هذه الكلمات المتتاليات في بيان دعوة الإخوان المسلمين قد كشفت للقراء عن غايتهم , و أبانت لهم و لو إلى حد ما عن مناهجهم في السير إلى هذه الغاية , و قد تحدثت من قبل إلى إخواننا الغيورين على الإسلام و مجده حديثا طويلا هو أشبه بهذه الكلمات التي رآها القراء تحت عنوان : ( إلى أي شيء ندعو الناس )
و لقد أصغى إلى من حدثتهم إصغاء مشكورا , و كنا نتفهم القول تباعا أولا فأول , حتى خرجنا من المحادثة مقتنعين تماما بشرف الغاية و نجاح الوسيلة , و كم كانت دهشتي عظيمة حين رأيت منهم شبه إجماع على أن هذه السبيل مع التسليم بنجاحها طويلة , و أن التيارات الجارفة الهدامة في البلد قوية , مما يجعل اليأس يدب إلى القلوب و القنوط يستولي على النفوس , و حتى لا يجد القراء الكرام هذا الشعور الذي وجده أولئك المتحدثون من قبل , أحببت أن تكون هذه الكلمات مفعمة بالأمل , فياضة باليقين في النجاح إن شاء الله , و لله الأمر من قبل و من بعد , و سأحصر الموضوع في نظرتين إيجابيتين :
نظرة اجتماعية
يقول علماء الاجتماع إن حقائق اليوم هي أحلام الأمس , و أحلام اليوم هي حقائق الغد , و تلك نظرة يؤيدها الواقع و يعززها الدليل و البرهان , بل هي محور تقدم الإنسانية و تدرجها مدارج الكمال , فمن ذا الذي كان يصدق أن يصل العلماء إلى ما وصلوا إليه من المكتشفات و المخترعات قبل حدوثها ببضع سنين , بل إن أساطين العلم أنفسهم أنكروها لأول عهدهم بها , حتى أثبتها الواقع و أيدها البرهان , و المثل على ذلك كثيرة , و هي من البداهة بحيث يكفينا ذلك عن الإطالة بذكرها .
نظرة تاريخية
وإن نهضات الأمم جميعاً، إنما بدأت على حال من الضعف يخيَّل للناظر إليها، أن وصولها إلى ما تبتغي ضرب من المحال.
ومع هذا الخيال، فقد حدثنا التاريخ أن الصبر والثبات والحكمة والأناة وصلت بهذه النهضات الضعيفة النشأة، القليلة الوسائل، إلى ذروة ما يرجوه القائمون بها، من توفيق ونجاح، ومن ذا الذي كان يصدِّق أن الجزيرة العربية وهي تلك الصحراء الجافة المجدبة تنبت النور والعرفان، وتسيطر بنفوذ أبنائها الروحي والسياسي على أعظم دول العالم؟ ومن ذا الذي كان يظن أن أبا بكر صاحب القلب الرقيق الليِّن، وقد انتقض الناس عليه، وحار أنصاره في أمرهم، يستطيع أن يخرج في يوم واحد أحد عشر جيشاً، تقمع العصاة وتقوِّم المعوج ، وتؤدب الطاغي وتنتقم من المرتدين، وتستخلص حق الله في الزكاة من المانعين؟. ومن ذا الذي كان يصدق أن هذه الشيعة الضئيلة المستترة من بني علي و العباس تستطيع أن تقلب ذلك الملك القوي الواسع الأكناف ما بين عشية وضحاها , و هي ما كانت في يوم من الأيام إلا عرضة للقتل و التشريد و النفي و التهديد ؟. ومن ذا الذي كان يظن أن صلاح الدين الأيوبي يقف الأعوام الطوال ، فيردّ ملوك أوروبا على أعقابهم مدحورين ، مع توافر عددهم وتظاهر جيوشهم، حتى اجتمع عليه خمسة وعشرون ملكاً من ملوكهم الأكابر؟
ذلك في التاريخ القديم، وفي التاريخ الحديث أروع المثل على ذلك، فمن كان يظن أن الملك عبد العزيز آل سعود ، وقد نفيت أسرته وشرِّد أهله وسُلب ملكه، يسترد هذا الملك ببضعة وعشرين رجلاً، ثم يكون بعد ذلك أملاً من آمال العالم الإسلامي في إعادة مجده وإحياء وحدته؟ ومن كان يصدق أن ذلك العامل الألماني( هتلر ) يصل إلى ما وصل إليه من قوة 1النفوذ و نجاح الغاية ؟
هل هناك طريق أخرى؟
و ثم نظرتان سلبيتان تحدثان النتيجة بعينها و توجهان قلب الغيور إلى العمل توجيها صحيحا .
أولاهما : أن هذه الطريق مهما طالت فليس هناك غيرها في بناء النهضات بناء صحيحا و قد أثبتت التجربة صحة هذه النظرية .
الواجب أولا
و ثانيتهما : أن العامل يعمل لأداء الواجب أولا , ثم للأجر الأخروي ثانيا , ثم للإفادة ثالثا , و هو إن عمل فقد أدى الواجب , و فاز بثواب الله ما في ذلك من شك , متى توفرت شروطه , و بقيت الإفادة و أمرها إلى الله , فقد تأتي فرصة لم تكن في حسابه تجعل عمله يأتي بأبرك الثمرات , على حين إنه إذا قعد عن العمل فقد لزمه إثم التقصير , و ضاع منه أجر الجهاد و حرم الإفادة قطعا , فأي الفريقين خير مقاما و أحسن نديا ؟ و قد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في صراحة و وضوح في الآية الكريمة :
(وَ إِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ , فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ) (الأعراف:164-165).
قصة أمة تتكون
ضعف
نحن الآن أمام جبار متكبر يستعبد عباد الله و يستضعفهم و يتخذهم خدما و حشما و عبيدا و خولا , و بين شعب من الشعوب الكريمة المجيدة استعبده ذلك الطاغية الجبار , ثم أراد الله تبارك تعالى أن يعيد لهذا الشعب المجيد حريته المسلوبة و كرامته المغصوبة و مجده الضائع و عزه البائد , فكان أول شعاع من فجر حرية هذا الشعب إشراق شمس زعيمه العظيم (موسى ) على الوجود طفلا رضيعا :
(نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ , إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ , وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِين وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ) (القصص:3-5).
زعامة
و نحن بعد هذا أمام هذا الزعيم و قد بلغ أشده و استوى , و تولته العناية الإلهية , بعد أن أنفت نفسه الظلم و عافت الضيم , ففر بنفسه و هرب بحريته , حيث اصطنعه الله لنفسه و حمله عبء رسالته , و أسند إليه خلاص شعبه , فآب مملوءا بالإيمان مؤيدا باليقين , يواجه ذلك الجبار فيطلب إليه أن يعيد إلى شعبه حريته و يترك له كرامته و يؤمن به و يتبعه . و ما أروع ذلك التهكم المر اللاذع حين يحكي القرآن الكريم قول الرسول العظيم
(وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ) (الشعراء:22).
أيها الجبار المتحكم في عباد الله لا عبادك , هل من النعمة التي تذكرنا بها و الجميل الذي تسديه إلي أن تستعبد شعبي و تحقر أمتي و تمتهن قومي ؟ إنها صيحة الحق دوت من فم النبي الكريم فزلزلت عرش الجبار و هزت ملكه :
(فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ , أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ , قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ , وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ , فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (الشعراء:16-21).
صراع
و نحن الآن نشهد غضبة القوة على الحق كيف تثور عليه و تنتقم منه و تعذب أهله و تقهر مناصريه , ثم كيف يصبر أهل الحق على كل ذلك , و كيف يعللهم رؤساؤهم بالآمال الحلوة و الأماني العزبة حتى لا يجد الخور إلى نفوسهم سبيلا :
(وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ , قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (الأعراف:127-128) .
إيمان
و ما أروع أن نشهد ذلك النموذج الخالد من الثبات و الصبر , و الاستمساك بعروة الحق , و الاستهانة بكل شيء حتى الحياة في سبيل الإيمان و العقيدة من أتباع هذا الزعيم الذين آمنوا بدعوته , و قد تحدوا هذا الجبار في استهانة و استماتة :
(فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا , إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (طه:72-73) .
انتصار
فإذا رأينا كل ذلك رأينا عاقبته في القسم الخامس و ما أدراك ما هي ؟ فوز و فلاح و انتصار و نجاح و بشرى تزف إلى المهضومين , و أمل يتحقق للحالمين , و صيحة الحق المبين تدوي في آفاق الأرض :
(يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ) (طه:80) .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.