إصابة مواطن ومهاجر أفريقي بنيران العدو السعودي في صعدة    فعالية ووقفة نسائية في تعز بالعيد ال11 لثورة 21 سبتمبر    ثلاث دول تعترف بدولة فلسطين والبرتغال تلحق بالركب    تقدير موقف حول مؤتمر "الأمن البحري" في الرياض    منتخب الناشئين يخسر أمام قطر في مستهل كأس الخليج    من التضحيات إلى بناء الدولة.. وثيقة بن بريك نداء اللحظة التاريخية    بينهم أكاديميون ومعلمون وحفّاظ.. مليشيا الحوثي ترهب أبناء إب بحملات اختطاف    هيئة التعليم والشباب والرياضة تشيد بتنظيم البطولة الوطنية لكرة السلة وتتفقد أعمال الصيانة في الصالة الرياضية المغلقة بالمكلا    قيادي انتقالي: المركزي يقود عصابة الصرافين لسرقة المنحة السعودية    اليوم الرابع من الغضب.. «إعصار المشهري» يعصف بإخوان تعز    الرئيس المشاط يعزي في وفاة اللواء عبدالرحمن حسان    الأمانة العامة للإصلاح: المواقف السعودية ستظل محفورة في ذاكرة الشعب اليمني    محمد الحوثي: الشعب سيمضي مع القيادة حتى الحرية والاستقلال الكاملين    وقفة نسائية في المحويت بذكرى ثورة 21 سبتمبر    إيطاليا تستبعد الكيان الصهيوني من "معرض السياحة الدولي"    وزارة الإعلام تطلق مسابقة "أجمل صورة للعلم الوطني" للموسم الثاني    قراءة في كتاب دليل السراة في الفن والأدب اليمني لمصطفى راجح    حل الدولتين.. دولة فلسطينية بلا شعب!    المنحة السعودية المزمع وصولها في مهب افلام المعبقي    صنعاء.. اعتقال قطران ونجله بعد اقتحام منزلهما في همدان    الأمم المتحدة:الوضع الإنساني المتدهور في اليمن ينذر بكارثة إنسانية    الوفد الحكومي برئاسة لملس يختتم زيارته إلى مدينة شنغهاي بالصين    الأرصاد يخفض التحذير إلى تنبيه ويتوقع هطولاً مطرياً على أجزاء من المرتفعات والسواحل    الإصلاح ينعى الشيخ عبد الملك الحدابي ويشيد بسيرته وعطائه    فخ المنحة السعودية:    المركز الأمريكي لمكافحة الإرهاب يحذر من تنامي خطر "القاعدة" في اليمن    المونديال المصغر.. سيدات البرازيل يتخطين مصر وتعادل بين لبنان وكردستان العراق    التعايش الإنساني.. خيار البقاء    عبد الملك في رحاب الملك    جراح السيلاوي يؤكد جاهزيته لمواجهة قوية في بطولة "الطريق إلى دبي"    ينطلق من إيطاليا.. أسطول بحري جديد لكسر حصار غزة    مانشستر يونايتد يتنفس الصعداء بانتصار شاق على تشيلسي    بطولة إسبانيا: ريال مدريد يواصل صدارته بانتصار على إسبانيول    مدرب الاتحاد يفكر بالوحدة وليس النصر    إصلاح حضرموت ينظم مهرجاناً خطابياً وفنياً حاشداً بذكرى التأسيس وأعياد الثورة    السعودية تعلن تقديم دعم مالي للحكومة اليمنية ب مليار و380 مليون ريال سعودي    شباب المعافر يُسقط اتحاد إب ويبلغ نهائي بطولة بيسان    لقاء أمريكي قطري وسط أنباء عن مقترح أميركي حول غزة    صنعاء.. البنك المركزي يعيد التعامل مع شبكة تحويل أموال وكيانين مصرفيين    مستشفى الثورة في الحديدة يدشن مخيماً طبياً مجانياً للأطفال    تعز بين الدم والقمامة.. غضب شعبي يتصاعد ضد "العليمي"    انتقالي العاصمة عدن ينظم ورشة عمل عن مهارات الخدمة الاجتماعية والصحية بالمدارس    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    الشيخ عبدالملك داوود.. سيرة حب ومسيرة عطاء    بمشاركة 46 دار للنشر ومكتبة.. انطلاق فعاليات معرض شبوة للكتاب 2025    وفاة 4 من أسرة واحدة في حادث مروع بالجوف    إب.. وفاة طفلين وإصابة 8 آخرين اختناقا جراء استنشاقهم أول أكسيد الكربون    المركز الثقافي بالقاهرة يشهد توقيع التعايش الإنساني ..الواقع والمأمون    الكوليرا تفتك ب2500 شخصًا في السودان    الصمت شراكة في إثم الدم    موت يا حمار    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسائل الإمام الشهيد حسن البنا (الثامنة والاربعون)
نشر في أخبار اليوم يوم 19 - 09 - 2012


من دعوات أبي الحسن الشاذلي:
(يا الله يا لطيف يا رزاق يا قوي يا عزيز لك مقاليد السموات والأرض تبسط الرزق لمن تشاء وتقدر ، فابسط لنا من الرزق ما توصلنا به إلى رحمتك ، ومن رحمتك ما تحول به بيننا وبين نقمتك ، ومن حلمك ما يسعنا به عفوك ، واختم لنا بالسعادة التي ختمت بها لأوليائك ، واجعل خير أيامنا وأسعدها يوم لقائك ، وزحزحنا في الدنيا عن نار الشهوة ، وأدخلنا بفضلك في ميادين الرحمة ، واكسنا من نورك جلابيب العصمة ، واجعل لنا ظهيرا من عقولنا ومهيمنا من أرواحنا , ومسخرا من أنفسنا كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا.. اللهم إني أسألك لسانا رطبا يذكرك ، وقلبا مفعما بشكرك ، وبدنا هينا لينا بطاعتك ، وأعطنا مع ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، كما أخبر به رسولك حسب ما علمته بعلمك ، وأغننا بلا سبب واجعلنا سبب الغنى لأوليائك ، وبرزخا بينهم وبين أعدائك ، إنك على كل شيء قدير.. اللهم إنا نسألك إيمانا كاملا ، ونسألك قلبا خاشعا ، ونسألك علما نافعا ، ونسألك يقينا صادقا ، ونسألك دينا قيما ، ونسألك العافية من كل بلية ، ونسألك تمام الغنى عن الناس ، اللهم رضّنا بقضائك وصبّرنا على طاعتك ، وعن معصيتك وعن الشهوات الموجبات للنقض أو البعد عنك ، وهب لنا حقيقة الإيمان بك حتى لا نخاف ولا نرجو غيرك ، ولا نعبد شيئا سواك ، وأوزعنا شكر نعمائك ، وغطنا برداء عافيتك ، وانصرنا باليقين والتوكل عليك ، وأسفر وجوهنا بنور صفاتك ، وأضحكنا وبشرنا يوم القيامة بين أوليائك ، واجعل يدك مبسوطة علينا وعلى أهلينا وأولادنا ومن معك برحمتك ، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك يا نعم المجيب , وصلى الله على سيدنا محمد النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين). انتهى من حزب البر بتصرف.
من دعوات الإمام الشافعي رضي الله عنه:
(أعوذ بك من مقام الكافرين وإعراض الغافلين اللهم لك خضعت نفوس العارفين ودنت لك رقاب المشتاقين.. إلهي هب لي جودك وجللني بستر واعف عن تقصيري بكرم وجهك) من الإحياء.
نماذج من منثور الدعاء:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله "صلى الله عليه وسلم" يقول في دعائه: (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري ، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي ، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي ، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير ، واجعل الموت راحة لي من كل شر) أخرجه مسلم.
عن أنس رضي الله عنه قال كان أكثر دعاء النبي "صلى الله عليه وسلم": (اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) رواه الشيخان وأبو داود.
عن عليّ كرم الله وجهه أن رسول الله علم بعض أصحابه أن يقول: (اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك) رواه الترمذي والنسائي.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال: (تعوذوا بالله عن جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء) رواه الشيخان والنسائي
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: كان رسول الله يقول "صلى الله عليه وسلم": (اللهم أعوذ بك من قلب لا يخشع ، ومن دعاء لا يسمع ، ومن نفس لا تشبع ، ومن علم لا ينفع ، أعوذ بك من هؤلاء الأربع) رواه الترمذي والنسائي.
من حديث شداد بن أوس كان "صلى الله عليه وسلم" يقول (اللهم إني أسألك الثبات في الأمر ، والعزيمة في الرشد ، وأسألك قلبا خاشعا سليما ، وخلقا مستقيما ولسانا صادقا وعملا متقبلا ، وأسألك من خير ما تعلم ، وأعوذ بك من شر ما تعلم ، وأستغفرك لما تعلم؟ فإنك تعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب) رواه الترمذي
من حديث معاذ كان "صلى الله عليه وسلم" يقول: (اللهم إني أسألك الطيبات ، وفعل الخيرات , وترك المنكرات ، وحب المساكين ، أسألك حبك ، وحب من أحبك ، وحب كل عمل يقرب إلى حبك ، وأن تتوب علي ، وتغفر لي وترحمني , وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون) رواه الترمذي والطبراني.
من حديث ابن مسعود: (اللهم إني أسألك إيمانا لا يرتد ، ونعيما لا ينفد ، وقرة عين الأبد ، ومرافقة نبيك محمد في جنة الخلد).
خاتمة
أيها الأخ - استعن ربك واحضر قلبك وارفع إلى الله حاجتك واختم بالصلاة والسلام على النبي وآله واجعل آخر كلامك - لتكتال بالمكيال الأوفى-:
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ... وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ
وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
الفقير إلى الله
حسن البناء
اتجاه النهضة الجديدة في العالم الإسلامي
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
القاهرة
غرة صفر 1367 ه
إلى الإسلام:
يرى المراقبون الاجتماعيون والسياسيون والمعنيون بتطورات الحياة في الأمم والشعوب أن العالم الإسلامي وفي مقدمته العالم العربي طبعا ، يتجه بنهضته الحديثة اتجاها إسلاميا . وأن هذا الاتجاه يقوى تياره بالتدرج , وبعد أن كان الكتاب والمفكرون والعلماء والزعماء يتغنون بأصول الحضارة الأوربية ووجوب الاصطباغ بصبغها والأخذ الكامل بأساليبها ومناهجها , تبدلت هذه النغمة وحل محلها التحفظ والحذر , وارتفعت الأصوات المنادية بوجوب العودة إلى أصول الإسلام وتعاليمه ومناهجه , وتقريب الحياة العصرية في هذه الشعوب إليها بقدر الإمكان تمهيدا للاصطباغ الكامل بصبغة الإسلام.
الأسباب :
ويزعج هذا الاتجاه كثيرا من الحكومات والدول الغربية التي عاشت طوال القرون الماضية في عقلية الذي لا يعرف عن الإسلام إلا التعصب والجمود , ولا يرى في المسلمين إلا شعوبا مستضعفة للتسخير وأوطانا خصبة للاستعمار , وأخذوا يتوجسون من هذه الحركة ويذهبون في تفسيرها وتأويلها كل مذهب , فمن قائل أنها نتيجة قيام الهيئات المتطرفة والجماعات المتعصبة ، ومن قائل أنها رد فعل للضغط السياسي والاقتصادي الذي شعرت به هذه الأمم الإسلامية في هذه الأعصار ، ومن قائل إنها وسيلة يتوصل بها بعض طلاب الحكم والجاه إلى الظهور والمنصب.. وكل هذه الأسباب فيما نعتقد بعيدة عن الحقيقة كل البعد ، وهذا الاتجاه ليس إلا نتيجة لعوامل ثلاثة فيما نرى:
إفلاس الغرب:
أولها إفلاس الأصول الاجتماعية التي قامت عليها حضارة الأمم الغربية فحياة الغرب التي قامت على العلم المادي والمعرفة الأولية والكشف والاختراع وإغراق أسواق العالم بمنتجات العقول والآلات لم تستطع أن تقدم للنفس الإنسانية خيطا من النور ، أو بصيصا من الأمل أو شعاعا من الإيمان . ولم ترسم للأرواح القلقة أي سبيل للراحة والاطمئنان ، وليس الإنسان آلة من الآلات , ولهذا كان طبيعيا أن يتبرم بهذه الأوضاع المادية البحتة وأن يحاول الترفيه عن نفسه ، ولم تجد الحياة الغربية المادية ما ترفه به عنه إلا الماديات أيضا من الآثام والشهوات والخمور والنساء والأحفال الصاخبة والمظاهر المغرية التي تلهى بها حينا , ثم ازداد بها بعد ذلك جوعا على جوع وأحس بصرخات روحه تنطلق عالية تحاول تحطيم هذا السجن المادي , والانطلاق في الفضاء واسترواح نسمات الإيمان والعزاء.
كمال الإسلام:
وثانيها وهو العامل الإيجابي في الموضوع اكتشاف المفكرين من رجال الإسلام ما في أصوله وقواعده من سمو ورقي وصلاحية واكتمال , وأنها أكمل وأدق وأفضل وأشمل وأجمع من كل ما كشفت عنه الفلسفات الاجتماعية والعقول المصلحة إلى الآن , وقد كان المسلمون غفلوا عن ذلك حينا من الدهر فلما كشف الله عن بصائر مفكريهم ، وقارنوا ما عندهم من قواعد دينهم الاجتماعية بما يتحدث عنه كبار الاجتماعيين وأساطين وجهابذة المفكرين ، ووجدوا البون شاسعا والفرق بعيدا عن كنوز هذا الميراث الضخم وبين ما يلهو به هؤلاء , لم يملكوا أنفسهم من أن ينصفوا عقولهم وتاريخهم وشعوبهم ، وأن ينادوا بنفاسة هذا الميراث ، وأن يهيبوا بهذه الأمم الغافلة إسلامية وغير إسلامية أن تستفيد من هذا الإرشاد الرباني الكريم وأن تنهج نهج هذا الصراط السوي المستقيم.
طبيعة التطور:
وثالثها طبيعة التطور الاجتماعي بعد حربين طاحنتين اشتركت فيهما دول العالم جميعا ، وتناولت النفوس والأوضاع والشعوب والأفراد ، ونبتت بعدهما طائفة من المبادئ الإصلاحية والنظم الاجتماعية ، وقامت على أساسها دول ونهضت بتطبيقها ، ثم لم يمض كبير وقت حتى تناولتها يد التبديل والتغيير أو الهدم والتدمير ، والمفكرون من المسلمين ينظرون ويرقبون ويوازنون ويرجعون إلى ما بين أيديهم من كتاب ربهم وهو مشرق ، ومن سنة نبيهم وهى بينة ، ومن تاريخهم وهو مجيد ، فلا يرون لنظام من هذه النظم حسنة من الحسنات إلا وجدوا أنها مقررة في نظامهم الإسلامي الاجتماعي , وأنهم سبقوا إليها فتحدثوا عنها أو عملوا بها ، ولا يرون لنظام من هذه النظم سيئة من السيئات إلا وجدوا أن نظامهم الإسلامي الاجتماعي قد حذر منها واحتاط لها ووصف طريق الوقاية من نتائجها وآثارها , سادت العالم حينا من الدهر هذه النظم الديمقراطية وانطلقت الحناجر في كل مكان تسبح وتقدس بما جاء به هذا النظام الديمقراطي من حرية للأفراد وللشعوب على السواء ، ومن إنصاف للعقل الإنساني بحرية التفكير ، وللنفس الإنسانية بحرية العمل والإرادة ، وللشعوب بأن تكون مصدر السلطات ، وجاء النصر في الحرب العالمية الأولى معززا لهذه الأفكار متوجا إياها بإكليل الغار ، ثم لم يلبث الناس أن تبينوا أن حريتها الاجتماعية لم تسلم من الفوضى , وأن حريتها الفردية لم تأخذ الحيطة من الإباحية ، وأن سلطة الشعوب لم تبرئ المجتمع من كثير من الديكتاتوريات المستورة التي تضيع معها التبعات ولا تحدد فيها الاختصاصات ، إلى غير ذلك من المثالب والعيوب التي أدت إلى تفكك الأمم والشعوب , وتخلخل نظام الجماعات والبيوت ومهدت لقيام النظم ا لدكتاتورية.
فقامت النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا , وأخذ كل من موسوليني وهتلر بيد شعبه إلى الوحدة والنظام والنهوض والقوة والمجد , وسرعان ما خطا هذا النظام بهاتين الأمتين في مدارج الصلاح في الداخل والقوة والهيبة في الخارج , وبعث في النفوس الآمال الخالدة وأحيا الهمم والعزائم الراكدة , وجمع كلمة المختلفين المتفرقين على نظام وإمام ، وأصبح الفوهرر أو الدوتشي إذا تكلم أحدهما أو خطب تفزعت الأفلاك والتفت الدهر.
ثم ماذا ؟.. ثم تكشف الأمر عن أن هذا الجهاز القوي المتماسك الذي فنيت فيه إرادات الأفراد في إرادات الزعماء أخطأ حين أخطئوا ، فطغى بطغيانهم وانحرف بانحرافهم وهوى بسقوطهم , وانتهى كل شيء وأصبح حصيدا كأن لم يغن بالأمس بعد أن بذل العالم في حربه الثانية الملايين من زهرة الشباب والقناطير المقنطرة من الأموال والعتاد.
ولمع نجم الاشتراكية والشيوعية بعد ذلك , وزاد في هذا البريق واللمعان معني الفوز والانتصار ، وتقدمت روسيا السوفيتية إلى الميدان الاجتماعي تبشر بدعوتها , وتدل على الدنيا بنظامها الذي تبدل في ثلاثين عاما عدة مرات ، وأخذت دول الديمقراطيات أو بعبارة أدق دول الاستعمار القديمة البالية أو الجديدة الطامعة تعد العدة لتوقف هذا التيار ، والصراع يقوى ويشتد تارة في العلانية وأخرى في الخفاء ، والدول والأمم والشعوب الحائرة على مفترق الطرق لا تدري أين السبيل ، ومنها أمم الإسلام وشعوب القرآن , والمستقبل في ذلك كله بيد الله والحكم للتاريخ والبقاء للأصلح على كل حال.
هذا التطور الاجتماعي وهذا الصراع العنيف القوي أيقظ همم المفكرين من المسلمين فأخذوا يوازنون
ويقارنون , وانتهوا بعد الموازنة إلى نتيجة صحيحة سليمة هي التخلص من كل هذه الأوضاع ووجوب عودة شعوبهم وأممهم إلى الإسلام.
النظم الثلاثة في الصلاة
قلت ذات مرة مداعبا للسامعين في إحدى المحاضرات وكانت خطوة موفقة كل التوفيق والحمد لله إن هذه الصلاة الإسلامية التي نؤديها في اليوم خمس مرات ليست إلا تدريبا يوميا على نظام اجتماعي عملي , امتزجت فيه محاسن النظام الشيوعي بمحاسن النظام الديمقراطي بمحاسن النظام الدكتاتوري ، فعجبوا وقالوا: كيف كان ذلك؟.. فقلت: أفضل ما في النظام الشيوعي من حسنات تدعيم معنى المساواة والقضاء على الفوارق والطبقات , ومحاربة الاعتزاز بالملكية التي يكون عنها هذا التفاوت .. وهذه المعاني كلها يستحضرها المسلم ويشعر بها تماما , وتتركز في نفسه إذا دخل المسجد لأنه يستشعر لأول دخوله أن هذا المسجد لله ، لا لأحد من خلقه ، وأنه سواء العاكف فيه والباد ، لا صغير فيه ولا كبير ولا أمير ولا حقير ولا فوارق ولا طبقات ، فإذا صاح المؤذن: (قد قامت الصلاة .. قد قامت الصلاة) , استوى هذا الجمع خلف إمامه كالبنيان المرصوص , فلا يركع أحد حتى يركع الإمام ولا يسجد حتى يسجد ولا يأتي بحركة أو سكون إلا تابعا له ومقتديا به ومقلدا إياه ، وهذا هو أفضل ما في النظام الدكتاتوري: الوحدة والنظام في الإرادة والمظهر على السواء ، ولكن هذا الإمام مقيد هو نفسه بتعاليم الصلاة ودستورها ، فإذا انحرف أو أخطأ في تلاوة أو عمل كان للصبي الصغير وللرجل الكبير وللمرأة المصلية خلفه ، كان لكل واحد من هؤلاء الحق كل الحق أن ينبهه إلى خطئه وأن يرده ، إلى الصواب في أثناء الصلاة , وكان على الإمام كائنا من كان أن ينزل على هذا الإرشاد وأن يعدل عن خطئه إلى الحق والصواب ، وليس في الديمقراطية أروع من هذه الحسنات .. فماذا بقى بعد ذلك لهذه النظم من فضل على الإسلام؟! .. وقد جمع محاسنها جميعا واتقى بهذا المزج البديع كل ما فيها من سيئات (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء:82) .
لا مبرر للانزعاج:
والغربيون كما قلت ومعهم الذين لا يعلمون ينزعجون أشد الانزعاج لهذا الاتجاه ويرونه من الخطورة بحيث تجب عليهم محاربته بكل سبيل , لأنه ليس أكثر في عرفهم من انتصار للمبادئ الرجعية , وتجميع للأمم الهمجية حولها ضد مبادئ الحضارة والمدنية وشعوب العلم والعرفان والنظام. وهذا وهم عريق في الخطأ , وظلم صارخ للحقائق الواضحة وضوح الشمس في وضح النهار , ومهمتنا في هذه الكلمات أن نصل معهم إلى أمرين:
أولهما:إثبات سمو أصول النظام الاجتماعي الإسلامي وفضلها على كل ما عرف الناس تلك الأصول التي منها:
ا - الإخاء الإنساني والقضاء على روح الكراهية والتعصب.
2 - السلام وخطأ الذين لا يعلمون في فهم مشروعية الجهاد.
3 – الحرية وخطأ الذين يتهمون الإسلام بإباحة الرق ومصادرة الحريات.
4 - العدل الاجتماعي وفيه بيان رأي الإسلام في نظام الحكم والطبقات.
5 - الحياة الطيبة وفيه بيان الخطأ في فهم حقيقة الزهد.
6 – الأسرة وفيه الكلام على حقوق المرأة والتعدد والطلاق.
7 - العمل والكسب وفيه الكلام على أنواع الكسب والخطأ في فهم التوكل.
8 - العلم وفيه خطأ من يتهمون النظام الإسلامي بتشجيع الجهالة والخمول.
9 - النظام وتقدير الواجب وفيه خطأ من يظنون في طبيعة الإسلام النقص والإهمال.
10 - التديّن وفيه حقيقة الإيمان بالله والفضيلة والجزاء.
وثانيهما:إثبات أن من الخير للإنسانية كلها أن يتجه المسلمون إلى العودة لدينهم وأن ذلك سيكون أكبر دعائم السلام على الأرض , وأن الدافع في ذلك ليس التعصب الأعمى ولكن الاقتناع التام بفضل ما جاء به الإسلام وانطباقه تمام الانطباق على أرقى ما كشف عنه التفكير العقلي السليم من قواعد الاجتماع الصالحة , ودعائم نظمه القوية الثابتة.
(وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ)
إعلان الأخوة الإنسانية والتبشير بالفكرة العالمية
جاء الإسلام الحنيف يعلن الأخوة الإنسانية ويبشر بالدعوة إلى العالمية , ويبطل كل عصبية , ويسلك إلى تحقيق هذه الدعوة الكريمة السامية كل السبل النظرية والعملية.
تقرير وحدة الجنس والنسب:
فقد قرر وحدة الجنس والنسب للبشر جميعا , (فالناس لآدم ولا فضل لعربي على عجمي ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى) , وحكمة التقسيم إلى شعوب وقبائل إنما هي التعارف لا التخالف والتعاون لا التخاذل , والتفاضل بالتقوى والأعمال الصالحة التي تعود بالخير على المجموع والأفراد , والله رب الجميع يرقب هذه الأخوة ويرعاها , ويطالب عباده جميعا بتقريرها ورعايتها , والشعور بحقوقها والسير في حدودها.
ويعلن القرآن الكريم هذه المعاني جميعا في بيان ووضوح فيقول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) فاتحة سورة النساء . ويقول النبي محمد "صلى الله عليه وسلم" في أشهر خطبه في حجة الوداع: (إن الله قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية وتعظمها بالآباء والأجداد , الناس لآدم ، وآدم من تراب لا فضل لعربي على عجمي ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى) ويقول: (ليس منا من دعا إلى عصبية ، وليس منا من قاتل على عصبية ، وليس منا من مات على عصبية) رواه أبو داود.
وبهذا التقرير قضى الإسلام تماما على التعصب للأجناس أو الألوان في الوقت الذي لا تزال فيه الأمم المتحضرة من أوربا وأمريكا تقيم كل وزن لذلك , وتخصص أماكن يغشاها البيض ويحرم منها السود حتى في معابد الله ، وتضع القوائم الطويلة للتفريق بين الأجناس الآرية والسامية ، وتدّعي كل أمة أن جنسها فوق الجميع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.