حضرموت.. تفريق وقفة احتجاجية للتربويين بالقوة واعتقال قيادات نقابية    الليغا: ريال مدريد يواصل انطلاقته الصاروخية بفوز سادس على التوالي    مليشيا الحوثي تشن حملة اختطافات جديدة في إب    الرئيس الزُبيدي يلتقي رئيسي سوريا ولاتفيا بالأمم المتحدة    جمعية الصرافين بصنعاء تعمم بإيقاف التعامل مع شركة صرافة    صنعاء.. الداخلية تعلن الاحتفال بالمناسبات الوطنية رسميًا وتمنع أي نشاط خارج الإطار الرسمي    تنفيذية انتقالي المنصورة تناقش الأوضاع الخدمية بالمديرية    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة الشيخ أحمد محمد الهتار    350 كشافا يشاركون الخميس ايقاد شعلة ثورة 26 سبتمبر بصنعاء    أصدقاء جنوب اليمن: زيارة الرئيس الزُبيدي إلى نيويورك تعزز حضور القضية الجنوبية دولياً    رئيس هيئة الإعلام والثقافة يبحث مع مركز اللغة المهرية آفاق التعاون المشترك    علامات تحذير مبكرة.. 10 أعراض يومية لأمراض القلب    وقفة شعبية في مديرية الثورة احتفاءً بعيد ثورة 21 سبتمبر وإسناداً لغزة    اجتماع للجنة تسيير المشاريع الممولة خارجياً في وزارة الكهرباء    المساوى يدّشن مشروع التمكين الاقتصادي لأسر الشهداء    القسام تدعو لركعتين (ليلة الجمعة) بنية الفرج لمرابطي غزة    بن الوزير يتابع تأهيل مبنى الإدارة المحلية في شبوة    انفجار قرب سفينة تجارية في خليج عدن    الأرصاد يتوقع أمطارًا متفاوتة الشدة على عدة محافظات    تعز.. المعتصمون يصعدون في وجه السلطة المحلية بعد محاولة تفكيك خيام الاعتصام    إتلاف 5.5 طن من المواد الغذائية منتهية الصلاحية في البيضاء    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يلتقي المواطنين وممثلي القطاع الخاص خلال اليوم المفتوح    هكذا يتغير الشرق الأوسط.. الصراع السعودي الإسرائيلي    مركز الملك سلمان يوزّع خيام وحقائب إيواء للمتضررين من السيول بمحافظة حجة    البقوليات وسيلة فعّالة لتحسين صحة الرجال والتحكم في أوزانهم    الديوان الملكي السعودي : وفاة المفتي العام للمملكة ورئيس هيئة كبار العلماء عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ    نائب وزير المياه يبحث ترتيبات إحياء يوم اللغة المهرية    أمن العاصمة عدن يضبط متهمًا بسرقة 100 جرام ذهب بالمنصورة    الذهب عند ذروته: ارتفاع قياسي في الأسعار    احترام القانون اساس الأمن والاستقرار ..الاجراءات تجاه ماموري الضبط القضائي انموذجا    الرئيس الزُبيدي يلتقي رئيس اللجنة الدولية للإنقاذ ويشيد بجهودها الإغاثية والتنموية في بلادنا    بالتتويج الثالث.. بونماتي تكتب التاريخ    بعد 14 عاما.. مارسيليا يُسقِط باريس في ال«فيلودروم»    قوات الإصلاح في تعز تحمي قتلة "افتهان المشهري"    الإمارات تدعو مجددًا مجلس الأمن لتحمل مسؤولياته لردع إسرائيل    تعرف على هوية الفائز بجائزة الكرة الذهبية 2025    يامال وفيكي يتوجان بجائزة «كوبا».. ودوناروما الحارس الأفضل    الدوري الايطالي: نابولي يواصل انطلاقته المثالية بانتصار مثير على بيزا    إلى أرواح أبنائي الشهيدين    في تقرير لها حول استهداف مقر صحيفتي " 26 سبتمبر " و" اليمن ".. لجنة حماية الصحفيين الدولية: "إسرائيل" تحولت إلى قاتل إقليمي للصحفيين    حين تُغتال الكلمة.. وداعاً عبدالعزيز الشيخ    غموض يكتنف اختفاء شاعر في صنعاء    عبقرية "سورج" مع برشلونة جعلته اقوي جهاز فني في أوروبا..!    حين يُتّهم الجائع بأنه عميل: خبز حافي وتهم بالعمالة..!    منارة عدن المنسية.. إعادة ترميم الفندق واجب وطني    صحة بنجلادش : وفاة 12 شخصًا وإصابة 740 آخرين بحمى الضنك    القاتل الصامت يودي بحياة خمسة أطفال من أسرة واحدة في محافظة إب    نائب وزير الإعلام والثقافة والسياحة ومدير صيرة يتفقدان أعمال تأهيل سينما أروى بصيرة    لقاء تشاوري بين النيابة العامة وهيئة الأراضي لمناقشة قضايا أملاك الدولة بالوادي والصحراء    صحة البيئة بالمنصورة تشن حملة واسعة لسحب وإتلاف "شمة الحوت" من الأسواق    عدن.. البنك المركزي يكشف عن استخدامات المنحة السعودية ومستقبل أسعار الصرف خلال الفترة القادمة    الراحلون دون وداع۔۔۔    السعودية تسرق لحن زامل يمني شهير "ما نبالي" في عيدها الوطني    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    في محراب النفس المترعة..    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورات العربية أعادت للأمة الحق في اختيار حكامها وهذه هي أسباب استبداد الحاكم بشعبه
الشيخ عبد المجيد الزنداني في دراسة علمية جديدة:

طالب الشيخ/ عبد المجيد الزنداني رئيس جامعة الإيمان ورئيس هيئة علماء اليمن في حوار صحفي أجري معه أثناء الإدلاء بصوته في الانتخابات الرئاسية الماضية طالب النخب والباحثين بدراسة أسباب استبداد الحكام العرب لشعوبهم مما أدى في النهاية إلى ثورات الربيع العربي لكي يتجنبوا تكرار ما حدث وقد بدأ الشيخ الزنداني بنفسه فكتب بحثاً حول "مخاطر استبداد الحاكم ومنع وقوعها" وقد تطرق الشيخ في بحثه لأهمية دور الحاكم والأسباب والسنن التي تسبب الاستبداد من قبل الحاكم ومخاطر هذا الاستبداد على الشعوب ووسائل منع حدوث هذا الاستبداد ووسائل إصلاح المجتمع حتى يكون عصياً على المستبدين ومتى يعزل الحاكم.. وقد دعا الشيخ الزنداني لإنشاء عدداً من المؤسسات الهامة التي تخدم المجتمع وتشكل ملامحاً حضارية للدولة الراقية والحكم الرشيد ولأهمية ما كتبه الشيخ الزنداني تنشر "أخبار اليوم" عصارته في أربع حلقات .
(الحلقة الأولى)
• أهمية دور الحاكم
إن الحاكم في أي دولة هو القائد المؤثِّر في تحريك المجتمع نحو الصلاح والفلاح وإن اختيار الشعوب حكامها يمثل ضمان حق مراقبتها لهم ومشاورتهم لها في شؤونها، وضمان حقها في نصح الحاكم وأمرها ونهيها له، بل وإحالته إلى القضاء إذا ظلم أو طغى وعزله إذا أقتضى الأمر بلا تأثيرات سلبية لهذا العزل وكل هذه حقوق يمارسها الشعب عن طريق انتخاب حكامه، ونوابه؛ بطريقة حرة وآمنة ونزيهة دون أن يتحمَّل الشعب من ذلك أي مشقة، ولا يحتاج الحاكم لوصوله إلى سدة الحكم ؛ أو في حالة عزله عنه إلى الانقلابات العسكرية، أو الانتفاضات الشعبية ، أو الحروب الأهلية، أو غيرها من الوسائل التي تجعل الحاكم والمحكوم في حالة كراهية وعدوانية وبغضاء، واستبدادُ الحاكم هو الذي يسبب هذه العلاقة السيئة بين الحاكم والمحكوم.
الشيخ الزنداني يرى أنه لكي لا تقع الأمة في مخاطر استبداد الحاكم وظلمه ؛ بسبب الطرق المعوجة التي يصل بها إلى الحكم ، وحتى تنجو الأمة من المخاطر الناتجة عن عزل الحاكم بطرق أخرى معوجة كتب هذه الدراسة مساهمة منه في تجنَّيب الأمة هذه المخاطر، التي تجلب معها الكثير من التدمير لمقومات الأمة، وتسبب تخلُّفها عن ركب الحياة المنشودة .
• مخاطر استبداد الحاكم وأسباب حدوثها
أولا:-أسباب وقوع الاستبداد:
يشير الشيخ الزنداني إلى أن استبداد الحاكم ناتج عن عدة أسباب منها ما هو من صنع البشر أنفسهم فالمصائب التي تصيب الأمم والشعوب كثيرة وهي تجري وفق سنن إلهية لا تتبدل، وقد أخبرنا الله عن سنة من سننه، فقال سبحانه: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) الشورى الآية(30), فالمصائب التي تنزل بالأمم والشعوب سببها ما يقترفه الناس من المعاصي والجرائم والذنوب، ومصيبة الشعوب بظلم حكامها واستبدادهم وطغيانهم وفسادهم وجورهم من أكبر المصائب وأخطرها على المجتمعات البشرية، لكنها تحدث أيضاً وفق سنن وأسباب حذرنا الله ورسوله منها.
ويستعرض الشيخ الزنداني في مستهل الدراسة الأسباب التي يحدثها الناس فيما بينهم من المعاملات وتتسبب باستبداد الحاكم وهي على النحو التالي :
1-انتشار الظلم والمظالم بين الناس :
يقول الله تعالى: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) الأعراف الآية( 129), وقال تعالى:(إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) الجاثية الآية(19)، فيعاقب الله الشعوب التي يظلم بعضها بعضاً بحاكم ظالم يذيقها بعض ما كسبت من ظلم وجور.
2- انتشار الفساد والإفساد بين أبناء المجتمع :
وهذه معصية يعاقب الله الشعوب التي تمارسها بحاكم يعيث في الأرض الفساد قال الله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الروم (41).
3-التطفيف في المكيال والميزان :
قال تعالى: (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)) المطففين الآية(1-6), ومعنى التطفيف البخس في المكيال والميزان إما بالازدياد إن اقتضى من الناس، وإما بالنقصان إن قضاهم.
وإذا شاع هذا الخلق الفاسد بين الناس فهو دليل على ضعف الإيمان باليوم الآخر وأنهم جعلوا الدنيا أكبر همهم فبخسوا الناس أشياءهم فلذلك يسلط الله عليهم حكاماً يجورون عليهم ، يستوفون من الرعية كامل ما يجب عليهم ومالا يجب - ويمنعونهم حقوقهم التي نحن لهم على حكامهم كما يعاقبهم الله بشظف العيش وقلة المؤنة التي أرادوا الحصول عليها بالباطل بتطفيفهم في المكيال والميزان، قال عليه الصلاة والسلام: (ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم) .رواه ابن ماجه (4019) وحسنه الألباني .
4 -الحكم بغير ما أنزل الله :
قال عليه الصلاة والسلام : (وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم) (المرجع السابق) ومعنى يتخيروا مما أنزل الله: أي يختاروا الأنسب من الوحي، لحل مشاكلهم ورفع البأس الواقع بينهم، وأكد الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بقوله: (ولا حكم أمراؤهم بغير ما أنزل الله إلا سلط عليهم عدوهم، فاستنفذوا بعض ما في أيديهم، وما عطلوا كتاب الله وسنة نبيه إلا جعل الله بأسهم بينهم ) (رواه البيهقي في الشعب (3034 )وصححه الألباني في الترغيب ( 2187).
وهكذا يتجلى لنا أن الأمة إذا ترك حكامها الحكم بما أنزل الله سلط الله، عليها عدواً أجنبياً من غيرها يستنفد بعض ما في أيديها من الخيرات والثروات والمصالح والإمكانيات والقدرات في ظل خططه وسياساته وإقصاء الشريعة عن الحكم، فيظهر البأس بين الحاكم والمحكوم، ويجور السلطان على شعبه ظلماً واستبداداً وطغياناً .
5 - ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
إن تقاعس الصالحين عن هذه الفريضة سبب للعنة الله وغضبه، يقول الله تعالى : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) سورة المائدة.
قال العلامة ابن سعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية :كانوا يفعلون المنكر، ولا ينهى بعضهم بعضا. (1/240)
فيشترك بذلك المباشر وغيره، ممن سكتوا عن النهي عن المنكر، مع قدرتهم على ذلك؛ لأن ذلك يدل على تهاونهم بأمر الله، وظنهم أن معصيته خفيفة عليهم، فلو كان لديهم تعظيم لربهم، لغاروا لمحارمه، ولغضبوا لغضبه، وإنما كان السكوت عن المنكر مع القدرة موجبا للعقوبة، لما فيه من المفاسد العظيمة.
لقد ترك الناس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إرضاء للحكام وحفاظاً على المودة بينهم فعاقبهم الله بتجرؤ الحكام على اقتراف المعاصي والذنوب والجور على الرعية، فكان ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب استبداد الحاكم، والقيام به من الأسباب النافعة في التكفير عن الذنوب والمعاصي التي تحد من استبداد الحاكم، قال عليه الصلاة والسلام " فِتنةُ الرجُلِ في أهلهِ وَمالهِ وولدِهِ وجارهِ تُكَفِّرُها الصلاةُ والصومُ والصدَقةُ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ ". رواه البخاري برقم (525) ومسلم برقم (231)
6 - نقض العهود والمواثيق :
قال تعالى: (الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) البقرة الآية(28) , وعهد الله هو كل عهد أخذه الله على عباده وكل عهد بالله أخذه الناس بعضهم على بعض ليكون سببا لإنشاء الثقة فيما بينهم بأنهم سيوفون فيما التزموا به والتي منها الوفاء بالعقود التي ينشئها الناس فيما بينهم في كل مجالات الحياة والتي أمر الله بالوفاء بها حيث قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) المائدة الآية(1), وقال تعالى (وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) الإسراء الآية (34).
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "أي العهد الذي تعاهدون عليه الناس والعقود التي تعاملونهم بها, فإن العهد والعقد كل منهما يُسأَلُ صاحبه عنه " (الجزء الخامس رقم (68 ).
فنقض العهود مع الله ومع خلقه سبب لإشاعة الفساد في الأرض وإحباط أعمال الخير والصلاح المتعلقة بين العباد وربهم أو بين الناس بعضهم بعضا، ونقض العهود يجرئ الحكام على التحلل من عهودهم والتزاماتهم فيكون ذلك سبباً في استبدادهم وطغيانهم على شعوبهم فيعاقبون بتسلط عدوٍ خارجي، فيأخذ بعض ما في أيديهم من الأموال والمقدرات والمصالح والميزات.
وقد قال عليه الصلاة والسلام: (ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم، فأخذوا بعض ما في بأيديهم)(رواه ابن ماجه برقم 4019 وحسنه الألباني) فنقض العهود يفسد الحياة، ويذهب الثقة بين الناس، وينشئ الأحقاد والبغضاء، وقد يتسبب في إثارة الفتن والصراعات بين الأفراد والجماعات؛ فيؤدي ذلك إلى تفرقهم وتباغضهم ،كما يحجب عنهم استحقاق النصر الذي وعد الله به المؤمنين، فيطمع فيهم الأعداء، ويأخذون منهم بعض ثرواتهم ومقدراتهم عقاباً لهم من الله على ذلك، ولا يكون ذلك إلا بسبب ضعف الشعوب حكاما ومحكومين في الدفاع عن أنفسهم وتسلط أعدائهم عليهم .
7- تغلب الفاسدين والظلمة والمستبدين على مقاليد الحكم :
والسبب الثاني لحدوث الاستبداد من قبل الحاكم بالشعب بعد ما سبق نظراً لما سبق من انتشار الظلم والفساد، والحكم بغير ما أنزل الله، والتطفيف في المكيال والميزان، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونقض العهود والمواثيق الذي شاع في الأُمة، فقد أدى ذلك كله إلى تغلُّب الفاسدين والظلمة والمستبدين على مقاليد الحكم والذي كان سبباً في ضعف الأُمة وانتشار الصراعات والخصومات بين أبنائها، كما أدى إلى ظهور البدع والانحرافات واختلاف الأُمة وضعفها وتسلط أعدائها .
8 تعطيل أحكام البيعة الشرعية :
المراد بتعطيل أحكام البيعة الشريعة :تعطيل الأحكام التي تشترط رضاء الأُمة ومبايعتها لمن يتولى أمرها وتحقُّق الشروط الشرعية فيمن يتولى هذا المنصب العظيم، واستبدالها بطرق بدعية للوصول إلى الحكم، كالتوريث أو التغلب بالقوة على الحكم أو بإشعال الحروب الأهلية بين المسلمين أو إثارة العصبيات الجاهلية لحشد الأنصار أو بالانقلابات العسكرية أو بالتواطؤ مع الأعداء لتنصيب الحكام العملاء على الشعوب الإسلامية كما حدث في أواخر الحكم الإسلامي للأندلس وكما حصل في الدولة العباسية عند ضعفها أمام الغزاة من التتار وكما حدث في العهد الاستعماري بعد سقوط الدولة العثمانية.
فقد كان المستعمرون يفرضون على الأُمة حكاماً ينصبونهم بقوة الحديد والنار بدون أي اعتبار لرضاء الأُمة عن حكامها فضيعت الأحكام الشرعية وخسرت الأمة الإسلامية مصالحها وتحقق لأعدائها ما يريدون عن طريق الحكام العملاء المفروضين عليها، كما أدى ذلك إلى تنفيذ البرامج والسياسات الأجنبية التي أدت إلى إضعاف الدين وتدمير مقومات الأمة وتمزيق أوصالها في ظل دعوات شعوبية وبدعية وقومية وطائفية وعصبيات جاهلية يكذب فيها الصادق ويصدق فيها الكاذب ويخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن وينطق فيها الرُّويبضة (الرجل التافه الذي يتكلم في أمر العامة) فترى الجاهل الأحمق يخطط لأحكام الدول ومصالحها ومقدراتها وهو جاهل بذلك كله في الوقت الذي تكمم فيه أفواه العلماء والمصلحين، ويطاردون ، وينفون، فساق ذلك إلى انتشار الجهل وسيطرة الشهوات المنحرفة وتفقر فيها الشعوب، وتنهب الثروات وتصادر فيها الشورى ويزدرى الوعاظ ويستهزأ بالعلماء.
وقد جاء في الحديث عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَمَامَ الدَّجَّالِ سِنِينَ خَدَّاعَةً، يُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيَتَكَلَّمُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ " . قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ ؟ قَالَ: " الْفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ")(أخرجه الإمام أحمد برقم 13298 وقال شعيب الأرناؤوط حديث حسن). فدخلت الأمة بذلك إلى حالة من الغثائية التي قال عنها الرسول -صلى الله عليه وسلم: « يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا ». فَقَالَ قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قَالَ « بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ». فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهَنُ قَالَ «حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ». (أخرجه أبو داود برقم 4297 وصححه الألباني) حتى أذن الله بقيام الثورات الشعبية السلمية التي بدأت باقتلاع هؤلاء الحكام المستبدين العملاء وأعادت للأمة حقها في اختيار حكامها .
وبعد أن عرفنا أسباب فساد الحكام وما ينتج عنها من المخاطر في حياة الأمم والشعوب لابد أن نستعرض أسباب صلاح الأمم والشعوب وفلاحها في كل شؤونها وهذا في الحلقات القادمة ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.