البرتغال تسقط أمام إيرلندا.. ورونالدو يُطرد    عدن تختنق بين غياب الدولة وتدفق المهاجرين.. والمواطن الجنوبي يدفع الثمن    بطاقة حيدان الذكية ضمن المخطط الصهيوني للقضاء على البشرية باللقاحات    مهام عاجلة أمام المجلس الانتقالي وسط تحديات اللحظة السياسية    الحسم يتأجل للإياب.. تعادل الامارات مع العراق    اليوم الجمعة وغدا السبت مواجهتي نصف نهائي كأس العاصمة عدن    الدفاع والأركان العامة تنعيان اللواء الركن محمد عشيش    الجيش الأميركي يقدم خطة لترامب لضرب فنزويلا ويعلن عملية "الرمح الجنوبي"    تحطم طائرة روسية من طراز سو-30 في كاريليا ومصرع طاقمها    أوروبا تتجه لاستخدام الأصول الروسية المجمدة لتمويل أوكرانيا    الرئيس المشاط يعزي في وفاة اللواء محمد عشيش    حكام العرب وأقنعة السلطة    جمعيات المتقاعدين والمبعدين الجنوبيين تعود إلى الواجهة معلنة عن اعتصام في عدن    مي عز الدين تعلن عقد قرانها وتفاجئ جمهورها    مبابي يقود فرنسا للتأهل لمونديال 2026 عقب تخطي اوكرانيا برباعية    الملحق الافريقي المؤهل لمونديال 2026: نيجيريا تتخطى الغابون بعد التمديد وتصعد للنهائي    الرئيس عون رعى المؤتمر الوطني "نحو استراتيجية وطنية للرياضة في لبنان"    إسرائيل تسلمت رفات أحد الاسرى المتبقين في غزة    الحديدة.. مليشيا الحوثي تقطع الكهرباء عن السكان وتطالبهم بدفع متأخرات 10 أعوام    مصادر: العليمي يوجه الشؤون القانونية باعتماد قرارات أصدرها الزُبيدي    هالاند يقود النرويج لاكتساح إستونيا ويقربها من التأهل لمونديال 2026    قراءة تحليلية لنص "فشل ولكن ليس للابد" ل"أحمد سيف حاشد"    جرحى الجيش الوطني يواجهون الإهمال ويطالبون بالوفاء    الرياض.. توقيع مذكرة تفاهم لتعزيز الطاقة في اليمن بقدرة 300 ميجاوات بدعم سعودي    تعادل الامارات مع العراق في ذهاب ملحق المونديال    عدن.. البنك المركزي يغلق منشأة صرافة    صنعاء.. البنك المركزي يوجه المؤسسات المالية بشأن بطائق الهوية    شرطة العاصمة: نسبة الضبط تجاوزت 91% .. منها 185 جريمة سرقة    أغلبها استقرت بمأرب.. الهجرة الدولية تسجل نزوح 90 أسرة يمنية خلال الأسبوع الماضي    جوم الإرهاب في زمن البث المباشر    الغرابي.. شيخ قبلي متهم بالتمرد وارتباطات بشبكات تهريب في حضرموت والمهرة    غموض يلف حادثة انتحار مرافِق المخلافي داخل سجنه في تعز    تدشين حملة رش لمكافحة الآفات الزراعية لمحصول القطن في الدريهمي    "إيني" تحصل على حق استغلال خليج السويس ودلتا النيل حتى 2040    استهداف العلماء والمساجد.. كيف تسعى مليشيا الحوثي لإعادة هندسة المجتمع طائفيًا؟    وزير الصناعية يؤكد على أهمية تمكين المرأة اقتصاديا وتوسيع مشاركتها في القطاعات التجارية    القصبي.. بين «حلم الحياة» و«طال عمره» 40 عاما على خشبة المسرح    وداعاً للتسوس.. علماء يكتشفون طريقة لإعادة نمو مينا الأسنان    عدن.. انقطاعات الكهرباء تتجاوز 15 ساعة وصهاريج الوقود محتجزة في أبين    الأرصاد يتوقع أجواء باردة إلى شديدة البرودة على 5 محافظات ومرتفعات 4 محافظات أخرى    شبوة:فعالية تأبينية مهيبة للإعلامي والإذاعي وكروان التعليق الرياضي فائز محروق    جراح مصري يدهش العالم بأول عملية من نوعها في تاريخ الطب الحديث    مناقشة آليات توفير مادة الغاز المنزلي لمحافظة البيضاء    ثم الصواريخ النووية ضد إيران    عدن تعيش الظلام والعطش.. ساعتان كهرباء كل 12 ساعة ومياه كل ثلاثة أيام    لماذا قتلوا فيصل وسجنوا الرئيس قحطان؟    جروندبرغ يقدم احاطة جديدة لمجلس الأمن حول اليمن 5 عصرا    احتجاج على تهميش الثقافة: كيف تُقوِّض "أيديولوجيا النجاة العاجلة" بناء المجتمعات المرنة في الوطن العربي    وزير الإعلام الإرياني متهم بتهريب مخطوطات عبرية نادرة    الواقع الثقافي اليمني في ظل حالة "اللاسلم واللاحرب"    ارشادات صحية حول اسباب جلطات الشتاء؟    اليونيسيف: إسرائيل تمنع وصول اللقاحات وحليب الأطفال الى غزة    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    5 عناصر تعزّز المناعة في الشتاء!    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورات العربية أعادت للأمة الحق في اختيار حكامها وهذه هي أسباب استبداد الحاكم بشعبه
الشيخ عبد المجيد الزنداني في دراسة علمية جديدة:

طالب الشيخ/ عبد المجيد الزنداني رئيس جامعة الإيمان ورئيس هيئة علماء اليمن في حوار صحفي أجري معه أثناء الإدلاء بصوته في الانتخابات الرئاسية الماضية طالب النخب والباحثين بدراسة أسباب استبداد الحكام العرب لشعوبهم مما أدى في النهاية إلى ثورات الربيع العربي لكي يتجنبوا تكرار ما حدث وقد بدأ الشيخ الزنداني بنفسه فكتب بحثاً حول "مخاطر استبداد الحاكم ومنع وقوعها" وقد تطرق الشيخ في بحثه لأهمية دور الحاكم والأسباب والسنن التي تسبب الاستبداد من قبل الحاكم ومخاطر هذا الاستبداد على الشعوب ووسائل منع حدوث هذا الاستبداد ووسائل إصلاح المجتمع حتى يكون عصياً على المستبدين ومتى يعزل الحاكم.. وقد دعا الشيخ الزنداني لإنشاء عدداً من المؤسسات الهامة التي تخدم المجتمع وتشكل ملامحاً حضارية للدولة الراقية والحكم الرشيد ولأهمية ما كتبه الشيخ الزنداني تنشر "أخبار اليوم" عصارته في أربع حلقات .
(الحلقة الأولى)
• أهمية دور الحاكم
إن الحاكم في أي دولة هو القائد المؤثِّر في تحريك المجتمع نحو الصلاح والفلاح وإن اختيار الشعوب حكامها يمثل ضمان حق مراقبتها لهم ومشاورتهم لها في شؤونها، وضمان حقها في نصح الحاكم وأمرها ونهيها له، بل وإحالته إلى القضاء إذا ظلم أو طغى وعزله إذا أقتضى الأمر بلا تأثيرات سلبية لهذا العزل وكل هذه حقوق يمارسها الشعب عن طريق انتخاب حكامه، ونوابه؛ بطريقة حرة وآمنة ونزيهة دون أن يتحمَّل الشعب من ذلك أي مشقة، ولا يحتاج الحاكم لوصوله إلى سدة الحكم ؛ أو في حالة عزله عنه إلى الانقلابات العسكرية، أو الانتفاضات الشعبية ، أو الحروب الأهلية، أو غيرها من الوسائل التي تجعل الحاكم والمحكوم في حالة كراهية وعدوانية وبغضاء، واستبدادُ الحاكم هو الذي يسبب هذه العلاقة السيئة بين الحاكم والمحكوم.
الشيخ الزنداني يرى أنه لكي لا تقع الأمة في مخاطر استبداد الحاكم وظلمه ؛ بسبب الطرق المعوجة التي يصل بها إلى الحكم ، وحتى تنجو الأمة من المخاطر الناتجة عن عزل الحاكم بطرق أخرى معوجة كتب هذه الدراسة مساهمة منه في تجنَّيب الأمة هذه المخاطر، التي تجلب معها الكثير من التدمير لمقومات الأمة، وتسبب تخلُّفها عن ركب الحياة المنشودة .
• مخاطر استبداد الحاكم وأسباب حدوثها
أولا:-أسباب وقوع الاستبداد:
يشير الشيخ الزنداني إلى أن استبداد الحاكم ناتج عن عدة أسباب منها ما هو من صنع البشر أنفسهم فالمصائب التي تصيب الأمم والشعوب كثيرة وهي تجري وفق سنن إلهية لا تتبدل، وقد أخبرنا الله عن سنة من سننه، فقال سبحانه: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) الشورى الآية(30), فالمصائب التي تنزل بالأمم والشعوب سببها ما يقترفه الناس من المعاصي والجرائم والذنوب، ومصيبة الشعوب بظلم حكامها واستبدادهم وطغيانهم وفسادهم وجورهم من أكبر المصائب وأخطرها على المجتمعات البشرية، لكنها تحدث أيضاً وفق سنن وأسباب حذرنا الله ورسوله منها.
ويستعرض الشيخ الزنداني في مستهل الدراسة الأسباب التي يحدثها الناس فيما بينهم من المعاملات وتتسبب باستبداد الحاكم وهي على النحو التالي :
1-انتشار الظلم والمظالم بين الناس :
يقول الله تعالى: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) الأعراف الآية( 129), وقال تعالى:(إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) الجاثية الآية(19)، فيعاقب الله الشعوب التي يظلم بعضها بعضاً بحاكم ظالم يذيقها بعض ما كسبت من ظلم وجور.
2- انتشار الفساد والإفساد بين أبناء المجتمع :
وهذه معصية يعاقب الله الشعوب التي تمارسها بحاكم يعيث في الأرض الفساد قال الله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الروم (41).
3-التطفيف في المكيال والميزان :
قال تعالى: (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)) المطففين الآية(1-6), ومعنى التطفيف البخس في المكيال والميزان إما بالازدياد إن اقتضى من الناس، وإما بالنقصان إن قضاهم.
وإذا شاع هذا الخلق الفاسد بين الناس فهو دليل على ضعف الإيمان باليوم الآخر وأنهم جعلوا الدنيا أكبر همهم فبخسوا الناس أشياءهم فلذلك يسلط الله عليهم حكاماً يجورون عليهم ، يستوفون من الرعية كامل ما يجب عليهم ومالا يجب - ويمنعونهم حقوقهم التي نحن لهم على حكامهم كما يعاقبهم الله بشظف العيش وقلة المؤنة التي أرادوا الحصول عليها بالباطل بتطفيفهم في المكيال والميزان، قال عليه الصلاة والسلام: (ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم) .رواه ابن ماجه (4019) وحسنه الألباني .
4 -الحكم بغير ما أنزل الله :
قال عليه الصلاة والسلام : (وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم) (المرجع السابق) ومعنى يتخيروا مما أنزل الله: أي يختاروا الأنسب من الوحي، لحل مشاكلهم ورفع البأس الواقع بينهم، وأكد الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بقوله: (ولا حكم أمراؤهم بغير ما أنزل الله إلا سلط عليهم عدوهم، فاستنفذوا بعض ما في أيديهم، وما عطلوا كتاب الله وسنة نبيه إلا جعل الله بأسهم بينهم ) (رواه البيهقي في الشعب (3034 )وصححه الألباني في الترغيب ( 2187).
وهكذا يتجلى لنا أن الأمة إذا ترك حكامها الحكم بما أنزل الله سلط الله، عليها عدواً أجنبياً من غيرها يستنفد بعض ما في أيديها من الخيرات والثروات والمصالح والإمكانيات والقدرات في ظل خططه وسياساته وإقصاء الشريعة عن الحكم، فيظهر البأس بين الحاكم والمحكوم، ويجور السلطان على شعبه ظلماً واستبداداً وطغياناً .
5 - ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
إن تقاعس الصالحين عن هذه الفريضة سبب للعنة الله وغضبه، يقول الله تعالى : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) سورة المائدة.
قال العلامة ابن سعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية :كانوا يفعلون المنكر، ولا ينهى بعضهم بعضا. (1/240)
فيشترك بذلك المباشر وغيره، ممن سكتوا عن النهي عن المنكر، مع قدرتهم على ذلك؛ لأن ذلك يدل على تهاونهم بأمر الله، وظنهم أن معصيته خفيفة عليهم، فلو كان لديهم تعظيم لربهم، لغاروا لمحارمه، ولغضبوا لغضبه، وإنما كان السكوت عن المنكر مع القدرة موجبا للعقوبة، لما فيه من المفاسد العظيمة.
لقد ترك الناس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إرضاء للحكام وحفاظاً على المودة بينهم فعاقبهم الله بتجرؤ الحكام على اقتراف المعاصي والذنوب والجور على الرعية، فكان ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب استبداد الحاكم، والقيام به من الأسباب النافعة في التكفير عن الذنوب والمعاصي التي تحد من استبداد الحاكم، قال عليه الصلاة والسلام " فِتنةُ الرجُلِ في أهلهِ وَمالهِ وولدِهِ وجارهِ تُكَفِّرُها الصلاةُ والصومُ والصدَقةُ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ ". رواه البخاري برقم (525) ومسلم برقم (231)
6 - نقض العهود والمواثيق :
قال تعالى: (الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) البقرة الآية(28) , وعهد الله هو كل عهد أخذه الله على عباده وكل عهد بالله أخذه الناس بعضهم على بعض ليكون سببا لإنشاء الثقة فيما بينهم بأنهم سيوفون فيما التزموا به والتي منها الوفاء بالعقود التي ينشئها الناس فيما بينهم في كل مجالات الحياة والتي أمر الله بالوفاء بها حيث قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) المائدة الآية(1), وقال تعالى (وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) الإسراء الآية (34).
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "أي العهد الذي تعاهدون عليه الناس والعقود التي تعاملونهم بها, فإن العهد والعقد كل منهما يُسأَلُ صاحبه عنه " (الجزء الخامس رقم (68 ).
فنقض العهود مع الله ومع خلقه سبب لإشاعة الفساد في الأرض وإحباط أعمال الخير والصلاح المتعلقة بين العباد وربهم أو بين الناس بعضهم بعضا، ونقض العهود يجرئ الحكام على التحلل من عهودهم والتزاماتهم فيكون ذلك سبباً في استبدادهم وطغيانهم على شعوبهم فيعاقبون بتسلط عدوٍ خارجي، فيأخذ بعض ما في أيديهم من الأموال والمقدرات والمصالح والميزات.
وقد قال عليه الصلاة والسلام: (ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم، فأخذوا بعض ما في بأيديهم)(رواه ابن ماجه برقم 4019 وحسنه الألباني) فنقض العهود يفسد الحياة، ويذهب الثقة بين الناس، وينشئ الأحقاد والبغضاء، وقد يتسبب في إثارة الفتن والصراعات بين الأفراد والجماعات؛ فيؤدي ذلك إلى تفرقهم وتباغضهم ،كما يحجب عنهم استحقاق النصر الذي وعد الله به المؤمنين، فيطمع فيهم الأعداء، ويأخذون منهم بعض ثرواتهم ومقدراتهم عقاباً لهم من الله على ذلك، ولا يكون ذلك إلا بسبب ضعف الشعوب حكاما ومحكومين في الدفاع عن أنفسهم وتسلط أعدائهم عليهم .
7- تغلب الفاسدين والظلمة والمستبدين على مقاليد الحكم :
والسبب الثاني لحدوث الاستبداد من قبل الحاكم بالشعب بعد ما سبق نظراً لما سبق من انتشار الظلم والفساد، والحكم بغير ما أنزل الله، والتطفيف في المكيال والميزان، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونقض العهود والمواثيق الذي شاع في الأُمة، فقد أدى ذلك كله إلى تغلُّب الفاسدين والظلمة والمستبدين على مقاليد الحكم والذي كان سبباً في ضعف الأُمة وانتشار الصراعات والخصومات بين أبنائها، كما أدى إلى ظهور البدع والانحرافات واختلاف الأُمة وضعفها وتسلط أعدائها .
8 تعطيل أحكام البيعة الشرعية :
المراد بتعطيل أحكام البيعة الشريعة :تعطيل الأحكام التي تشترط رضاء الأُمة ومبايعتها لمن يتولى أمرها وتحقُّق الشروط الشرعية فيمن يتولى هذا المنصب العظيم، واستبدالها بطرق بدعية للوصول إلى الحكم، كالتوريث أو التغلب بالقوة على الحكم أو بإشعال الحروب الأهلية بين المسلمين أو إثارة العصبيات الجاهلية لحشد الأنصار أو بالانقلابات العسكرية أو بالتواطؤ مع الأعداء لتنصيب الحكام العملاء على الشعوب الإسلامية كما حدث في أواخر الحكم الإسلامي للأندلس وكما حصل في الدولة العباسية عند ضعفها أمام الغزاة من التتار وكما حدث في العهد الاستعماري بعد سقوط الدولة العثمانية.
فقد كان المستعمرون يفرضون على الأُمة حكاماً ينصبونهم بقوة الحديد والنار بدون أي اعتبار لرضاء الأُمة عن حكامها فضيعت الأحكام الشرعية وخسرت الأمة الإسلامية مصالحها وتحقق لأعدائها ما يريدون عن طريق الحكام العملاء المفروضين عليها، كما أدى ذلك إلى تنفيذ البرامج والسياسات الأجنبية التي أدت إلى إضعاف الدين وتدمير مقومات الأمة وتمزيق أوصالها في ظل دعوات شعوبية وبدعية وقومية وطائفية وعصبيات جاهلية يكذب فيها الصادق ويصدق فيها الكاذب ويخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن وينطق فيها الرُّويبضة (الرجل التافه الذي يتكلم في أمر العامة) فترى الجاهل الأحمق يخطط لأحكام الدول ومصالحها ومقدراتها وهو جاهل بذلك كله في الوقت الذي تكمم فيه أفواه العلماء والمصلحين، ويطاردون ، وينفون، فساق ذلك إلى انتشار الجهل وسيطرة الشهوات المنحرفة وتفقر فيها الشعوب، وتنهب الثروات وتصادر فيها الشورى ويزدرى الوعاظ ويستهزأ بالعلماء.
وقد جاء في الحديث عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَمَامَ الدَّجَّالِ سِنِينَ خَدَّاعَةً، يُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيَتَكَلَّمُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ " . قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ ؟ قَالَ: " الْفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ")(أخرجه الإمام أحمد برقم 13298 وقال شعيب الأرناؤوط حديث حسن). فدخلت الأمة بذلك إلى حالة من الغثائية التي قال عنها الرسول -صلى الله عليه وسلم: « يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا ». فَقَالَ قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قَالَ « بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ». فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهَنُ قَالَ «حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ». (أخرجه أبو داود برقم 4297 وصححه الألباني) حتى أذن الله بقيام الثورات الشعبية السلمية التي بدأت باقتلاع هؤلاء الحكام المستبدين العملاء وأعادت للأمة حقها في اختيار حكامها .
وبعد أن عرفنا أسباب فساد الحكام وما ينتج عنها من المخاطر في حياة الأمم والشعوب لابد أن نستعرض أسباب صلاح الأمم والشعوب وفلاحها في كل شؤونها وهذا في الحلقات القادمة ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.